الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( ويكره أن يبول في الطريق والظل والموارد ، لما روى معاذ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " { اتقوا الملاعن الثلاثة : البراز في الموارد وقارعة الطريق والظل } " ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) هذا الحديث رواه أبو داود وابن ماجه والبيهقي بإسناد جيد ، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " { اتقوا اللعانين ، قالوا : وما اللعانان يا رسول الله ؟ قال : الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم } " وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم " { من سل سخيمته على طريق عامر من طرق المسلمين فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين } " رواه البيهقي ، السخيمة بفتح السين المهملة وكسر الخاء المعجمة هي الغائط ، والملاعن مواضع اللعن جمع ملعنة ، كمقبرة ومجزرة موضع القبر والجزر . وأما اللعانان في رواية مسلم فهما صاحبا اللعن أي الذي يلعنهما الناس كثيرا . وفي رواية أبي داود اللاعنان ، ومعناه الأمران الجالبان للعن ، لأن من فعلهما لعنه الناس في العادة ، فلما صارا سببا للعن أضيف الفعل إليهما .

                                      قال الخطابي : وقد يكون اللاعن بمعنى الملعون ، فالتقدير اتقوا الملعون فاعلهما ، وأما الموارد فقال الخطابي وغيره هي طرق الماء واحدها مورد ، قالوا : والمراد بالظل مستظل الناس الذي اتخذوه مقيلا ومناخا ينزلونه أو يقعدون [ ص: 102 ] تحته ، قالوا وليس كل ظل يمنع قضاء الحاجة تحته ، فقد قعد النبي صلى الله عليه وسلم لحاجته تحت حائش النخل . ثبت ذلك في صحيح مسلم ، وللحائش ظل بلا شك . وأما البراز ، فقال الخطابي : هو هنا بفتح الباء وهو الفضاء الواسع من الأرض كنوا به عن قضاء الحاجة كما كنوا عنه بالخلاء ، ويقال تبرز الرجل إذا تغوط كما يقال تخلى ، قال : وأهل الحديث يروونه البراز بكسر الباء وهو غلط . هذا كلام الخطابي . وقال غيره : الصواب البراز بكسر الباء وهو الغائط نفسه ، كذا ذكره أهل اللغة فإذا كان البراز بالكسر في اللغة هو الغائط ، وقد اعترف الخطابي بأن الرواة نقلوه بالكسر تعين المصير إليه ، فحصل أن المختار كسر الباء ، وقد بسطت الكلام في هذه اللفظة في تهذيب الأسماء واللغات . وأما قارعة الطريق فأعلاه ، قاله الأزهري والجوهري وغيرهما ، وقيل صدره وقيل ما برز منه ، والطريق يذكر ويؤنث لغتان مشهورتان تقدم بيانهما . وأما معاذ الراوي فهو أبو عبد الرحمن معاذ بن جبل بن عمرو الأنصاري المدني من كبار الصحابة وفقهائهم ; ومن أعلمهم بالأحكام شهد بدرا وسائر المشاهد ، وأسلم وله ثمان عشرة سنة ، توفي سنة ثمان عشرة شهيدا في طاعون عمواس بفتح العين والميم وهي قرية بالأردن من الشام وقبره بغور بيسان ، ومناقبه كثيرة مشهورة ، رضي الله عنه . وهذا الأدب وهو اتقاء الملاعن الثلاث ، متفق عليه ، وظاهر كلام المصنف والأصحاب أن فعل هذه الملاعن أو بعضها مكروه كراهة تنزيه لا تحريم ، وينبغي أن يكون محرما لهذه الأحاديث ، ولما فيه من إيذاء المسلمين ، وفي كلام الخطابي وغيره إشارة إلى تحريمه والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية