الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
[ ص: 578 ] 41- باب: ذكر ما ادعي عليه النسخ في سورة الأحقاف

ذكر الآية الأولى: قوله تعالى: وما أدري ما يفعل بي ولا بكم .

اختلف المفسرون في هذا على قولين: أحدهما: أنه راجع إلى الدنيا ، ثم لهؤلاء فيه قولان: أحدهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في المنام أنه يهاجر إلى أرض ذات نخل وشجر وماء ، فقصها على أصحابه ثم مكثوا برهة لا يرون ذلك ، فقالوا: يا رسول الله ، متى نهاجر ؟ ، فسكت ، فنزلت هذه الآية ومعناها: لا أدري أخرج إلى الموضع الذي رأيته في منامي أم لا ، رواه أبو صالح ، عن ابن عباس رضي الله عنهما .

قال عطية : ما أدري هل يتركني بمكة أو يخرجني منها .

والثاني: ما أدري هل أخرج كما أخرج الأنبياء قبلي ، أو أقتل كما قتلوا ، أو لا أدري ما يفعل بكم ، أتعذبون أم تؤجرون ، أتصدقون أم تكذبون ، قاله الحسن .

[ ص: 579 ] والقول الثاني أنه راجع إلى الآخرة .

" أخبرنا المبارك بن علي ، قال: أبنا أحمد بن الحسين ، قال: أبنا البرمكي ، قال: أبنا محمد بن إسماعيل ، أبنا أبو بكر بن أبي داود ، قال: بنا يعقوب بن سفيان ، قال: بنا أبو صالح ، قال: حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما " وما أدري ما يفعل بي ولا بكم فأنزل الله بعدها ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ، وقال: ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات ، فأعلمه ما يفعل به وبالمؤمنين .

وممن ذهب إلى نحو هذا: أنس ، وعكرمة ، وقتادة ، وقد زعم قوم أن هذا من الناسخ والمنسوخ ، فروى الضحاك ، عن ابن عباس ، قال: نسختها إنا فتحنا لك فتحا مبينا الآية وأخبرنا المبارك بن علي ، قال: أبنا أحمد بن الحسين ، قال: أبنا البرمكي ، قال: أبنا محمد بن إسماعيل ، قال: أبنا أبو بكر بن أبي داود ، قال: [ ص: 580 ] بنا محمد بن قهزاذ ، قال: حدثني علي بن الحسين بن واقد ، قال: حدثني أبي ، وأبنا محمد بن أبي منصور ، قال: أبنا علي بن أيوب ، قال: أبنا أبو علي بن شاذان ، قال: أبنا أبو بكر النجاد ، قال: أبنا أحمد بن محمد ، عن علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما " وما أدري ما يفعل بي ولا بكم نسختها الآية التي في الفتح ، فخرج إلى الناس ، فبشرهم بالذي غفر له ، وما تقدم من ذنبه وما تأخر ، فقال رجل من المؤمنين: هنيئا لك يا نبي الله ، قد علمنا الآن ما يفعل بك فماذا يفعل بنا ؟ ، فأنزل الله في سورة الأحزاب وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا ، وقال: ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار .

قلت: والقول بنسخها لا يصح لأنه إذا خفي عليه علم شيء ثم أعلم به لم يدخل ذلك في ناسخ ولا منسوخ ، وقال النحاس : محال أن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم للمشركين ما أدري ما يفعل بي ولا بكم في الآخرة ، ولم يزل يخبر أن من مات على الكفر يخلد في النار ، ومن مات على الإيمان [ ص: 581 ] فهو في الجنة ، فقد درى ما يفعل به وبهم في الآخرة ، والصحيح في معنى الآية ، قول الحسن : وما أدري ما يفعل بي ولا بكم في الدنيا .

ذكر الآية الثانية: قوله تعالى: فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل زعم بعضهم أنها نسخت بآية السيف ، ولا يصح له هذا إلا أن يكون المعنى فاصبر عن قتالهم ، وسياق الآيات يدل على غير ذلك ، قال بعض المفسرين: كأنه ضجر من قومه ، فأحب أن ينزل العذاب بمن أبى منهم فأمر بالصبر .

[ ص: 582 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية