الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
مطلب : في الزهد .

ولما كان من لازم القناعة الزهد ، وكان العز فيهما جميعا ، عطف الزهد عليها فقال : ( و ) في ( التزهد ) تفعل من زهد ضد رغب ، كأنه تكلف الزهد في الدنيا . وقد جاء في مدح الزهد أخبار وآثار عن النبي المختار ، والسلف والأخيار .

فمنها ما رواه ابن ماجه وحسنه بعض المشايخ كالنووي عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال { جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله دلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس ، قال ازهد في الدنيا يحبك الله ، وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس } .

وذكر ابن أبي الدنيا معضلا عن إبراهيم بن أدهم رحمه الله قال { : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله دلني على عمل يحبني الله عليه ويحبني الناس عليه ، فقال : أما العمل الذي يحبك الله عليه فالزهد في الدنيا ، وأما العمل الذي يحبك الناس عليه فانبذ إليهم ما في يدك من الحطام } . ورواه بعضهم عن إبراهيم عن منصور عن ربعي بن خراش قال : جاء رجل فذكره مرسلا .

وروى الطبراني بسند مقارب عن أبي هريرة مرفوعا { والزهد في الدنيا يريح القلب والجسد } .

ويروى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن الله عز وجل ناجى موسى بمائة ألف وأربعين ألف كلمة في ثلاثة أيام ، فلما سمع موسى كلام الآدميين مقتهم لما وقع في مسامعه من كلام الرب جل وعلا . وكان فيما ناجاه به أنه قال يا موسى إنه لم يتصنع لي المتصنعون بمثل الزهد في الدنيا ، ولم يتقرب إلي المتقربون بمثل الورع عما حرمت عليهم ، ولم يتعبد لي المتعبدون بمثل البكاء من خشيتي . قال موسى يا رب البرية كلها ويا مالك يوم الدين ويا ذا الجلال والإكرام ماذا أعددت [ ص: 539 ] لهم وماذا جزيتهم ؟ قال أما الزهاد في الدنيا فإني أبحتهم جنتي ، يتبوءون منها حيث شاءوا . وأما الورعون عما حرمت عليهم فإنه إذا كان يوم القيامة لم يبق عبد إلا ناقشته وفتشته إلا الورعون فإني أستحييهم وأجلهم وأكرمهم وأدخلهم الجنة بغير حساب . وأما البكاءون من خشيتي فأولئك لهم الرفيق الأعلى لا يشاركون فيه } رواه الطبراني والأصبهاني وأورده الحافظ المنذري بصيغة التمريض .

وعن عمار بن ياسر رضي الله عنه مرفوعا { ما تزين الأبرار في الدنيا بمثل الزهد في الدنيا } رواه أبو يعلى وهو حديث ضعيف . ومثله ما رواه عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما مرفوعا { إذا رأيتم من يزهد في الدنيا فادنوا منه ، فإنه يلقي الحكمة } .

والأخبار في هذا المعنى كثيرة جدا ، وفيما ذكرناه كفاية .

التالي السابق


الخدمات العلمية