الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم

                                                                                                          3619 حدثنا محمد بن بشار العبدي حدثنا وهب بن جرير حدثنا أبي قال سمعت محمد بن إسحق يحدث عن المطلب بن عبد الله بن قيس بن مخرمة عن أبيه عن جده قال ولدت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل وسأل عثمان بن عفان قباث بن أشيم أخا بني يعمر بن ليث أأنت أكبر أم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر مني وأنا أقدم منه في الميلاد ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل ورفعت بي أمي على الموضع قال ورأيت خذق الطير أخضر محيلا قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث محمد بن إسحق

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          ( باب ما جاء في ميلاد النبي -صلى الله عليه وسلم ) أي : وقت ولادته -صلى الله عليه وسلم - قال ابن الجوزي في التلقيح : اتفقوا على أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولد يوم الاثنين في شهر ربيع الأول عام الفيل ، واختلفوا فيما مضى من ذلك لولادته على أربعة أقوال : أحدها أنه ولد لليلتين خلتا منه ، والثاني لثمان خلون منه ، والثالث لعشر خلون منه ، والرابع لاثنتي عشرة خلت منه . انتهى .

                                                                                                          قوله : ( أخبرنا وهب بن جرير ) بن حازم ( سمعت محمد بن إسحاق ) هو إمام المغازي ( عن المطلب بن عبد الله بن مخرمة ) بن المطلب بن عبد مناف المطلبي مقبول من السادسة ( عن أبيه ) أي : عبد الله بن قيس يقال له رؤبة ، وهو من كبار التابعين واستقضاه الحجاج على المدينة سنة ثلاث وسبعين ومات سنة ست وسبعين ( عن جده ) أي : قيس بن مخرمة صحابي كان أحد المؤلفة ثم حسن إسلامه . قوله : ( ولدت ) بصيغة المتكلم المجهول ( عام الفيل ) أي : سنة إهلاك أصحابه ( قال ) أي : قيس بن مخرمة ( وسأل عثمان بن عفان ) أمير المؤمنين ذو النورين -رضي الله عنه- ( قباث ) بقاف مضمومة وخفة باء وبمثلثة وقيل : بفتح قاف قال كذا في المغني ( بن أشيم ) بمعجمة وتحتانية وزن أحمد ، وابن عامر الكندي الليثي صحابي عاش إلى أيام عبد الملك بن مروان ( فقال ) أي : قباث بن أشيم ( وأنا أقدم منه ) أي : من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ( في الميلاد ) أي : وقت الولادة ( قال ) أي : قباث بن أشيم [ ص: 64 ] ( ورأيت خذق الطير ) بفتح الخاء وسكون الذال المعجمتين وبالقاف أي : روثها ، وفي بعض النسخ حذق الفيل ( محيلا ) بضم الميم وكسر الحاء المهملة من الإحالة أي : متغيرا قوله : ( هذا حديث حسن غريب ) وأخرجه أحمد مختصرا .

                                                                                                          2052 ـ باب ما جاء في بدء نبوة النبي صلى الله عليه وسلم ـ قوله : ( أخبرنا يونس بن أبي إسحاق ) السبيعي . قوله : ( في أشياخ من قريش ) أي في جملتهم ، والمراد منهم أكابرهم شرفا أو سنا ( فلما أشرفوا ) أي طلعوا ( على الراهب ) اسمه : بحيرا بضم الباء وفتح الحاء ممدودا على المشهور ، لكن ضبطه الشيخ الجزري بفتح الباء ، وكسر الحاء المهملة وياء ساكنة وفتح الراء وألف مقصورة ، وهو زاهد النصارى . وقال المظهر كان أعلم بالنصرانية وكذا ذكره الجزري كذا في المرقاة ( هبط ) من الهبوط أي نزل أبو طالب ومن معه في ذلك الموضع ، وهو بصرى من بلاد الشام على ما ذكره المظهر ، وفي المشكاة هبطوا بلفظ الجمع ( فحلوا رحالهم ) أي فتحوها ( وكانوا ) أي الناس من قريش وغيرهم ( قال ) أي أبو موسى ( فجعل يتخللهم الراهب ) أي أخذ يمشي فيما بين القوم ويطلب في خلالهم شخصا ( يبعثه الله ) أي يجعله نبيا ويظهر رسالته ( ما علمك ) أي ما سبب علمك ( إلا خر ) من الخرور أي سقط ( وإني أعرفه ) أي النبي أيضا ( بخاتم النبوة ) بفتح التاء ويكسر ( أسفل ) بالنصب أي في مكان أسفل ( من غضروف كتفه ) بضم الغين المعجمة والراء بينهما ضاد معجمة ، وهو رأس لوح الكتف ( مثل التفاحة ) قيل يروى [ ص: 65 ] بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف بالنصب على إضمار الفعل ويجوز الجر على الإبدال دون الصفة ؛ لأن مثله وغيره لا يتعارفان بالإضافة إلى المعرفة ( ثم رجع ) أي الراهب من عندهم ( فلما أتاهم به ) أي بالطعام ( فكان هو ) أي النبي صلى الله عليه وسلم ( في رعية الإبل ) بكسر الراء وسكون العين أي في رعايتها ( فقال ) أي الراهب لهم ( أرسلوا إليه ) أي إلى النبي صلى الله عليه وسلم من يدعوه للطعام ( وعليه غمامة ) أي سحابة ( تظله ) بضم الفوقية من الإظلال أي تجعله تحت ظلها ( وجدهم ) أي وجد النبي صلى الله عليه وسلم القوم ( إلى فيء شجرة ) أي ظلها ( مال فيء الشجرة عليه ) أي مال ظلها واقعا عليه ( فقال ) أي الراهب ( وهو يناشدهم ) أي يقسم عليهم ، قال في النهاية : يقال : نشدتك الله وأنشدك الله وبالله وناشدتك الله وبالله أي سألتك وأقسمت عليك ونشدته نشدة ونشدانا ومناشدة ، وتعديته إلى مفعولين إما لأنه بمنزلة دعوت حيث قالوا : نشدتك الله وبالله كما قالوا دعوت زيدا أو يزيد أو لأنهم ضمنوه معنى ذكرت انتهى ( أيكم وليه ) أي قريبه ، والجملة مبتدأ وخبر ( قالوا : أبو طالب ) أي وليه ( فلم يزل ) أي الراهب ( يناشده ) أي يناشد أبا طالب ، ويطالب رده عليه السلام خوفا عليه من أهل الروم أن يقتلوه في الشام ويقول لأبي طالب بالله عليك أن ترد محمدا إلى مكة وتحفظه من العدو ( حتى رده أبو طالب ) أي إلى مكة شرفها الله تعالى ( وبعث معه أبو بكر بلالا ) وفي رواية علي عن أبيه أنه قال فرددته مع رجال وكان فيهم بلال أخرجه رزين ( وزوده الراهب من الكعك ) هو الخبز الغليظ على ما في الأزهار وقيل هو خبز يعمل مستديرا من الدقيق والحليب والسكر أو غير ذلك الواحدة كعكة والجمع كعكات ، وقال في القاموس هو خبز معروف فارسي معرب ( والزيت ) أي [ ص: 66 ] لإدام ذلك الخبز ، وقد روى الترمذي في باب أكل الزيت عن عمر وأبي أسيد مرفوعا : " كلوا الزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة " . قوله : ( هذا حديث حسن غريب ) قال الجزري : إسناده صحيح ورجاله رجال الصحيحين أو أحدهما وذكر أبي بكر وبلال فيه غير محفوظ وعده أئمتنا وهما وهو كذلك فإن سن النبي صلى الله عليه وسلم إذ ذاك اثنتا عشرة سنة وأبو بكر أصغر منه بسنتين وبلال لعله لم يكن ولد في ذلك الوقت انتهى . وقال في ميزان الاعتدال : قيل مما يدل على بطلان هذا الحديث قوله وبعث معه أبو بكر بلالا وبلال لم يخلق بعد وأبو بكر كان صبيا انتهى ، وضعف الذهبي هذا الحديث لقوله وبعث معه أبو بكر بلالا فإن أبا بكر إذ ذاك ما اشترى بلالا . وقال الحافظ ابن حجر في الإصابة : رجاله ثقات وليس فيه سوى هذه اللفظة فيحتمل أنها مدرجة فيه منقطعة من حديث آخر وهما من أحد رواته كذا في المواهب اللدنية . وقال الحافظ ابن القيم في زاد المعاد : ثم كفله عمه أبو طالب واستمرت كفالته له فلما بلغ ثنتي عشرة سنة خرج به عمه إلى الشام وقيل كانت سنه تسع سنين وفي هذه الخرجة رآه بحيرا الراهب وأمر عمه أن لا يقدم به إلى الشام خوفا عليه من اليهود فبعثه عمه مع بعض غلمانه إلى المدينة ووقع في كتاب الترمذي وغيره أنه بعث معه بلالا وهو من الغلط الواضح فإن بلالا إذ ذاك لعله لم يكن موجودا وإن كان فلم يكن مع عمه ولا مع أبي بكر ، وذكر البزار في مسنده هذا الحديث ولم يقل : وأرسل معه عمه بلالا ولكن قال رجلا انتهى .




                                                                                                          الخدمات العلمية