الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( باب قضاء الفوائت ) .

                                                                                        لما كان القضاء فرع الأداء أخره وقد قسم الأصوليون المأمور به إلى أداء وإعادة وقضاء فالأداء ابتداء فعل الواجب في وقته المقيد به سواء كان ذلك الوقت العمر أو غيره وإنما لم نقل أنه فعل الواجب كما قال غيرنا لأنه لا يشترط فعله كله في وقته ليكون أداء لأن وجود التحريمة في الوقت كاف لكون الفعل أداء والإعادة فعل مثله في وقته لخلل [ ص: 85 ] غير الفساد وعدم صحة الشروع وهو المراد بقولهم كل صلاة أديت مع كراهة التحريم فسبيلها الإعادة فكانت واجبة فلذا دخلت في أقسام المأمور به والقضاء له تعريفان أحدهما على المذهب الصحيح من أن القضاء يجب بما يجب به الأداء هو فعل الواجب بعد وقته وإن عرف بما يشمل غير الواجب من السنن التي تقضى فيبدل الواجب بالعبادة فيقال هو فعل العبادة بعد وقتها ولا يكون خارجا عن المقسم لأن المندوب مأمور به أيضا بقوله تعالى { وافعلوا الخير } لكنه مجاز فلهذا لم يدخله أكثرهم في تعريفه وإطلاق القضاء في عبارة الفقهاء على ما ليس بواجب مجاز كما وقع في عبارة المختصر حيث قال وقضى التي قبل الظهر وكذا إطلاق الفقهاء القضاء للحج بعد فساده مجاز إذ ليس له وقت يصير بخروجه قضاء ثانيهما على القول المرجوح من أن القضاء يجب بسبب جديد فهو تسليم مثل الواجب ومن زاد عليه بالأمر كصاحب المنار فقد تناقض كلامه لأن المفعول بعد الوقت عين الواجب بالأمر لا مثله إذ المستفاد من الأمر طلب شيئين الفعل وكونه في وقته فإذا عجز عن الثاني لفواته بقي الأمر مقتضيا للأول فتصريحه بالمثل مقتض لكونه بسبب جديد وتصريحه بالأمر مقتض لكونه عينه وتمام تحقيقه في كتابنا المسمى بلب الأصول مختصر تحرير الأصول ولم يظهر للاختلاف المذكور في سبب القضاء أثر كما يعلمه من طالع كتب الأصول وفي كشف الأسرار أن المثلية في القضاء في حق إزالة المأثم لا في إحراز الفضيلة . ا هـ .

                                                                                        والظاهر أن المراد بالمأثم ترك الصلاة فلا يعاقب عليها إذا قضاها وأما إثم تأخيرها عن الوقت الذي هو كبيرة فباق لا يزول بالقضاء المجرد عن التوبة بل لا بد منها هذا ويجوز تأخير الصلاة عن وقتها لعذر كما قال الولوالجي في فتاويه القائلة إذا اشتغلت بالصلاة تخاف أن يموت الولد لا بأس بأن تؤخر الصلاة وتقبل على الولد لأن تأخير الصلاة عن الوقت يجوز بعذر ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { أخر الصلاة عن وقتها يوم الخندق } وكذا المسافر إذا خاف من اللصوص وقطاع الطريق جاز لهم أن يؤخروا الوقتية لأنه بعذر ا هـ .

                                                                                        وفي المجتبى الأصح أن تأخير الفوائت لعذر السعي على العيال وفي الحوائج يجوز قيل وإن وجب على الفور يباح له التأخير وعن أبي جعفر سجدة التلاوة والنذر المطلق وقضاء رمضان موسع وضيق الحلواني والعامري ا هـ .

                                                                                        وذكر الولوالجي من الصوم أن قضاء [ ص: 86 ] الصوم على التراخي وقضاء الصلاة على الفور إلا لعذر .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( باب قضاء الفوائت ) .

                                                                                        ( قوله فالأداء إلخ ) قال في النهر بعد نقله تعريف الأداء عن صدر الشريعة بأنه تسليم عين الواجب الثابت بالأمر والقضاء بتسليم مثل الواجب به ا هـ .

                                                                                        وبه علم أن ما في البحر مدفوع إما أولا فلأن كون الوقت المقيد يدخل فيه المطلق جمع بين المتنافيين وإما ثانيا فلأن هذا مما لا حاجة إليه إذ تسليم العين يشمل هذا النوع من الأداء وإلا كان مثلا فيكون قضاء ا هـ .

                                                                                        والجواب عن الأول أن المراد بتقييده به جعله ظرفا لإيقاعه لا تخصيصه بوقت معين من بين الأوقات حتى يرد التنافي وعن الثاني بأنه مبني على قول من عرفه بأنه فعل الواجب في وقته ومعلوم أنه لا يشترط لكونه أداء وجود جميعه فيه فزاد قيد الابتداء ليدخل ذلك والإلزام عدم انعكاس التعريف فليتدبر ( قوله فعل مثله ) أي الواجب خرج به القضاء بناء على التعريف الراجح له وقوله في وقته خرج به القضاء بناء على التعريف المرجوح له وخرج به أيضا فعل مثله بعده لخلل غير الفساد وعدم صحة الشروع فهو خارج عن الأقسام الثلاثة كما نبه عليه المحقق ابن الهمام في التحرير لكن قال العلامة ابن أمير حاج في شرحه أن هذا مبني على ما عليه البعض وإلا فقول الميزان الإعادة في عرف الشرع إتيان بمثل الفعل الأول على صفة الكمال بأن وجب على المكلف فعل موصوف بصفة الكمال فأداه على وجه النقصان وهو نقصان فاحش يجب عليه الإعادة وهو إتيان مثل الأول ذاتا مع صفة الكمال ا هـ .

                                                                                        يفيد أنه إذا فعل ثانيا في الوقت أو خارج الوقت يكون إعادة كما قال صاحب الكشف ا هـ .

                                                                                        ونحوه في شرح أصول فخر الإسلام للشيخ أكمل الدين فإنه قال ولم يذكر الشيخ الإعادة وهي فعل ما فعل أولا مع ضرب من الخلل ثانيا وقيل هو إتيان مثل الأول على وجه الكمال لأنها إن كانت واجبة بأن وقع الأول فاسدا فهي داخلة في الأداء أو القضاء وإن لم تكن واجبة بأن وقع الأول ناقصا فاسدا فلا يدخل في هذا التقسيم لأنه تقسيم [ ص: 85 ] الواجب وهي ليست بواجبة وبالأول يخرج عن العهدة وإن كان على وجه الكراهة على الأصح فالفعل الثاني بمنزلة الجبر كالجبر بسجود السهو ا هـ .

                                                                                        وهو موافق لكلام الميزان حيث لم يقيدها بالوقت ومخالف له حيث صرح بعدم وجوبها وفي شرح التحرير هل تكون الإعادة واجبة فصرح غير واحد من شراح أصول فخر الإسلام بأنها ليست بواجبة وأن الأول يخرج عن العهدة وإن كان على وجه الكراهة على الأصح وأن الثاني بمنزلة الجبر والأوجه الوجوب كما أشار إليه في الهداية وصرح به بعضهم كالشيخ حافظ الدين في شرح المنار وهو موافق لما عن السرخسي وأبي اليسر من ترك الاعتدال تلزمه الإعادة زاد أبو اليسر ويكون الفرض هو الثاني وعلى هذا يدخل في تقسيم الواجب ثم نقل عن شيخه ابن الهمام لا إشكال في وجوب الإعادة إذ هو الحكم في كل صلاة أديت مع كراهة التحريم ويكون جابرا للأول لأن الفرض لا يتكرر وجعله الثاني يقتضي عدم سقوطه بالأول إذ هو لازم ترك الركن لا الواجب إلا أن يقال المراد أن ذلك امتنان من الله تعالى إذ يحتسب الكامل وإن تأخر عن الفرض لما علم سبحانه أنه سيوقعه . ا هـ .

                                                                                        أقول : ويظهر لي التوفيق بأن المراد بالوجوب الافتراض في عبارة الشيخ أكمل الدين لأنه ذكر وجوبها عند وقوع الأول فاسدا ولا شبهة في أنها حينئذ فرض وذكر عدم الوجوب عند وقوع الأول ناقصا لا فاسدا ولا شبهة في عدم افتراضها حينئذ وعلى هذا يحمل كلام شراح أصول فخر الإسلام فلا ينافي ذلك ما أشار إليه في الهداية وصرح به في شرح المنار من أن الأوجه الوجوب لأن المراد به الوجوب المصطلح لا الافتراض ( قوله غير الفساد وعدم صحة الشروع ) قال في النهر لا حاجة إليه إذ اختلال الشيء يؤذن ببقائه ولا وجود له فيما ذكر . ا هـ .

                                                                                        قلت : قد يجاب بأن الخلل وإن لزم منه أن يكون بغير الفساد وعدم صحة الشروع لكن التصريح باللازم في التعريف غير بدعي تدبر واحترز عن الخلل بغير ما ذكر لأنه لو كان بواحد منه فالفعل يكون أداء إن وقع في الوقت وقضاء إن وقع خارجه ( قوله ومن زاد عليه بالأمر إلخ ) قال في النهر قال بعض المحققين أن العينية والمثلية بالقياس إلى ما علم من الأمر إذ المأمور به إن يكن عين ما علم فهو الأداء وإن كان مثله فهو القضاء وهذا لأن الشارع إنما أمره بالصلاة ولم يؤدها بقيت في ذمته وله قدرة على مثلها لأن النفل شرع له من جنس ما عليه وهو مثله فأمر بصرف ماله من النفل إلى ما عليه من القضاء وبهذا اندفع التناقض فتدبره ا هـ .

                                                                                        قال الشيخ إسماعيل ولا يخفى ما فيه من التكليف وأتى يقال بأنه صرف ماله من النفل إلى ما عليه من قضاء الفرض فليتدبر .




                                                                                        الخدمات العلمية