الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
[ ص: 154 ] النوع السابع والأربعون

في الكلام على المفردات من الأدوات

والبحث عن معاني الحروف مما يحتاج إليه المفسر لاختلاف مدلولها .

ولهذا توزع الكلام على حسب مواقعها ، وترجح استعمالها في بعض المحال على بعض بحسب مقتضى الحال . كما في قوله تعالى : ( وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ) ( سبأ : 24 ) فاستعملت على في جانب الحق ، و " في " في جانب الباطل ، لأن صاحب الحق كأنه مستعل يرقب نظره كيف شاء ، ظاهرة له الأشياء ، وصاحب الباطل كأنه منغمس في ظلام ولا يدري أين توجه .

وكما في قوله تعالى : ( فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه ) ( الكهف : 19 ) فعطف هذه الجمل الثلاث بالفاء ، ثم لما انقطع نظام الترتيب عطف بالواو ، فقال تعالى : ( وليتلطف ) ( الكهف : 19 ) إذ لم يكن التلطف مترتبا على الإتيان بالطعام ، كما كان الإتيان منه مرتبا على التوجه في طلبه ، والتوجه في طلبه مترتبا على قطع الجدال في المسألة عن مدة اللبث بتسليم العلم له سبحانه .

وكما في قوله تعالى : ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين ) ( التوبة : 60 ) [ ص: 155 ] الآية فعدل عن اللام إلى " في " في الأربعة الأخيرة إيذانا بأنهم أكثر استحقاقا للتصدق عليهم ممن سبق ذكره باللام ، لأن في للوعاء ، فنبه باستعمالها على أنهم أحقاء بأن يجعلوا مظنة لوضع الصدقات فيهم ، كما يوضع الشيء في وعائه مستقرا فيه . وفي تكرير حرف الظرف داخلا على سبيل الله دليل على ترجيحه على الرقاب والغارمين .

قال الفارسي : وإنما قال : ( وفي الرقاب ) ولم يقل وللرقاب ليدل على أن العبد لا يملك . وفيه نظر ; بل ما ذكرناه من الحكمة فيه أقرب . وكما في قوله تعالى : ( وقد أحسن بي ) ( يوسف : 100 ) فإنه يقال : " أحسن بي وإلي ، وهي مختلفة المعاني وأليقها بيوسف عليه السلام بي " ، لأنه إحسان درج فيه دون أن يقصد الغاية التي صار إليها . وكما في قوله تعالى : ( ولأصلبنكم في جذوع النخل ) ( طه : 71 ) ولم يقل " على " كما ظن بعضهم ، لأن " على " للاستعلاء ، والمصلوب لا يجعل على رءوس النخل ، وإنما يصلب في وسطها فكانت " في " أحسن من " على " .

وقال : ( كل من عليها فان ) ( الرحمن : 26 ) ولم يقل : كل من في الأرض ، لأن عند الفناء ليس هناك حال القرار والتمكين .

وقال : ( وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا ) ( الفرقان : 63 ) وقال : ( ولا تمش في الأرض مرحا ) ( الإسراء : 37 ) ، ( لقمان : 18 ) ، وما قال " على الأرض " ، وذلك لما وصف العباد بين أنهم لم يوطنوا أنفسهم في الدنيا ، وإنما هم عليها مستوقرون . ولما أرشده ونهاه عن فعل التبختر ، قال : ولا تمش فيها مرحا ، بل امش عليها هونا . وقال تعالى : ( يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ) ( التوبة : 61 ) .

[ ص: 156 ] وقال ابن عباس : الحمد لله الذي قال : ( عن صلاتهم ساهون ) ( الماعون : 5 ) ولم يقل : " في صلاتهم " .

وقال صاحب الكشاف في قوله تعالى : ( ومن بيننا وبينك حجاب ) ( فصلت : 5 ) فلو سقطت " من " جاز كون الحجاب في الوسط فيما بينك وبينه ، وإن تباعدت . وإذا أتيت " بمن " أفادت أن الحجاب ابتداء من أول ما ينطلق عليه " من " ، وانتهى إلى غايته ، فكأن الحجاب قد ملأ ما بينك وبينه .

وقال : كرر الجار في قوله تعالى : ( وعلى سمعهم ) ( البقرة : 7 ) ليكون أدل على شدة الختم في الموضعين حين استجد له تعدية أخرى . وهذا كثير لا يمكن إحصاؤه ، والمعين عليه معاني المفردات فلنذكر مهمات مطالبها على وجه الاختصار .

1 - الهمزة .

أصلها الاستفهام ، وهو طلب الإفهام . وتأتي لطلب التصور ، والتصديق ، بخلاف " هل " فإنها للتصور خاصة ، والهمزة أغلب دورانا ، ولذلك كانت أم الباب . واختصت بدخولها على الواو ، نحو : ( أوكلما عاهدوا ) ( البقرة : 100 ) . وعلى الفاء ، نحو : ( أفأمن أهل القرى ) ( الأعراف : 97 ) . وعلى ثم ، نحو : ( أثم إذا ما وقع ) ( يونس : 51 ) .

و " هل " أظهر في الاختصاص بالفعل من الهمزة ، وأما قوله تعالى : ( فهل أنتم شاكرون ) ( الأنبياء : 80 ) ( فهل أنتم منتهون ) ( المائدة : 91 ) و ( فهل أنتم مسلمون ) [ ص: 157 ] ( هود : 14 ) فذلك لتأكيد الطلب للأوصاف الثلاث من حيث أن الجملة الاسمية أدل على حصول المطلوب وثبوته ، وهو أدل على طلبه من " فهل تشكرون " " وهل تسلمون " لإفادة التجدد ، واعلم أنه يعدل بالهمزة عن أصلها ، فيتجوز بها عن النفي ، والإيجاب ، والتقرير ، والتوبيخ ، وغير ذلك من المعاني السالفة في بحث الاستفهام مشروحة ، فانظره فيه

التالي السابق


الخدمات العلمية