الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في الإشارة في الصلاة

                                                                                                          367 حدثنا قتيبة حدثنا الليث بن سعد عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن نابل صاحب العباء عن ابن عمر عن صهيب قال مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فسلمت عليه فرد إلي إشارة وقال لا أعلم إلا أنه قال إشارة بإصبعه قال وفي الباب عن بلال وأبي هريرة وأنس وعائشة [ ص: 303 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 303 ] ( باب ما جاء في الإشارة في الصلاة )

                                                                                                          أي لرد السلام أو لحاجة تعرض .

                                                                                                          قوله : ( عن نابل صاحب العباء ) أوله نون وبعد الألف باء موحدة وليس له في الكتب سوى هذا الحديث عند المصنف وأبي داود والنسائي ، كذا في قوت المغتذي . وقال الحافظ في التقريب : نابل صاحب العباء والأكسية والشمال بكسر المعجمة مقبول من الثالثة ( عن صهيب ) هو صهيب بن سنان أبو يحيى الرومي أصله من النمر . يقال : كان اسمه عبد الملك وصهيب لقب صحابي شهير مات بالمدينة سنة 38 ثمان وثلاثين في خلافة علي ، وقيل قبل ذلك ، كذا في التقريب ، وكان منزله بأرض الموصل بين دجلة والفرات فأغارت الروم على تلك الناحية فسبته وهو غلام فنشأ بالروم فابتاعه منهم كلب ، ثم قدمت به مكة فاشتراه عبد الله بن جدعان فأعتقه فأقام معه إلى أن هلك . ويقال إنه لما كبر في الروم وعقل هرب منهم وقدم مكة فخالف عبد الله بن جدعان وأسلم قديما بمكة ، وكان من المستضعفين المعذبين في الله بمكة ، ثم هاجر إلى المدينة وفيه نزل ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله كذا في أسماء الرجال لصاحب المشكاة .

                                                                                                          قوله : ( فرد إلي إشارة ) أي بالإشارة ( وقال ) أي نابل ( لا أعلم إلا أنه ) أي ابن عمر .

                                                                                                          ( وفي الباب عن بلال وأبي هريرة وأنس وعائشة ) أما حديث بلال فأخرجه المصنف في هذا الباب ، وأخرجه أبو داود أيضا . وأما حديث أبي هريرة فأخرجه أبو داود وابن خزيمة وابن حبان بلفظ : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشير في الصلاة . وأما حديث عائشة فأخرجه الشيخان وأبو داود وابن ماجه في صلاته صلى الله عليه وسلم شاكيا وفيه : فأشار إليهم أن اجلسوا الحديث . وفي الباب أحاديث أخرى ذكرها الشوكاني في النيل . وأحاديث الباب تدل على جواز رد السلام بالإشارة في الصلاة وهو مذهب الجمهور وهو الحق ، واختلف الحنفية فمنهم من كرهه [ ص: 304 ] ومنهم الطحاوي ، ومنهم من قال : لا بأس به ، واستدل المانعون بحديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : التسبيح للرجال يعني الصلاة ، والتصفيق للنساء ، من أشار في صلاته إشارة تفهم عنه فليعدها يعني الصلاة رواه أبو داود . والجواب أن هذا الحديث ضعيف لا يصلح للاحتجاج ، فإن في سنده محمد بن إسحاق وهو مدلس ، ورواه عن يعقوب بن عتبة بالعنعنة . وقال أبو داود بعد روايته هذا الحديث : وهم . وقال الحافظ الزيلعي في نصب الراية : قال إسحاق بن إبراهيم بن هانئ : سئل أحمد عن حديث من أشار في صلاته إشارة يفهم عنه فليعد الصلاة ، فقال : لا يثبت إسناده ليس بشيء . وقال الشوكاني في النيل : قال ابن أبي داود : وفي إسناده أبو غطفان ، قال ابن أبي داود : هو رجل مجهول ، قال : وآخر الحديث زيادة والصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يشير في الصلاة ، قال العراقي : قلت : وليس بمجهول فقد روى عنه جماعة ووثقه النسائي وابن حبان ، انتهى .

                                                                                                          واستدلوا أيضا بأن الرد بالإشارة منسوخ لأنه كلام معنى وقد نسخ الكلام في الصلاة . والجواب عنه أن كون الإشارة في معنى الكلام باطل قد أبطله الطحاوي في شرح الآثار رواية ودراية من شاء الاطلاع عليه فليرجع إليه . وأجابوا عن أحاديث الباب بأنها كانت قبل نسخ الكلام في الصلاة وهو مردود ، إذ لو كانت قبل نسخ الكلام لرد باللفظ لا بالإشارة . قال الحافظ الزيلعي في نصب الراية : وقد يجاب عن هذه الأحاديث بأنه كان قبل نسخ الكلام في الصلاة يؤيده حديث ابن مسعود : كنا نسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة فيرد علينا فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه فلم يرد علينا ولم يقل فأشار إلينا ، وكذا حديث جابر أنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني كنت أصلي . فلو كان الرد بالإشارة جائزا لفعله . وأجيب عن هذا بأن أحاديث الإشارة لو لم تكن بعد نسخه لودعه باللفظ إذ الرد باللفظ واجب إلا لمانع كالصلاة ، فلما رد بالإشارة علم أنه ممنوع من الكلام . قالوا وأما حديث ابن مسعود وجابر فالمراد بنفي الرد فيه بالكلام بدليل لفظ ابن حبان في حديث ابن مسعود . وقد أحدث أن لا تكلموا في الصلاة ، انتهى كلام الزيلعي . وأجابوا أيضا عن أحاديث الباب بأنها محمولة على أن إشارته صلى الله عليه وسلم كان للنهي عن السلام لا لرده ، والجواب عنه أن هذا الحمل يحتاج إلى دليل ، ولا دليل عليه بل أحاديث الباب ترده وتبطله .




                                                                                                          الخدمات العلمية