الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( إذا باع عينا بشرط البراءة من العيب ففيه طريقان ( أحدهما ) وهو قول أبي سعيد الإصطخري : أن المسألة على ثلاثة أقوال ( أحدها ) أنه يبرأ من كل عيب ; لأنه عيب رضي به المشتري فبرئ منه البائع كما لو أوقفه عليه . ( والثاني ) لا يبرأ من شيء من العيوب ; لأنه شرط يرتفق به أحد المتبايعين فلم يصح مع الجهالة كالأجل المجهول [ ص: 608 ] والرهن المجهول . ( والثالث ) أنه لا يبرأ إلا من عيب واحد وهو العيب الباطن في الحيوان الذي لا يعلم به البائع لما روى سالم أن أباه باع غلاما بثمانمائة بالبراءة من كل آفة فوجد الرجل به عيبا فخاصمه إلى عثمان رضي الله عنه فقال عثمان لابن عمر : احلف لقد بعته وما به داء تعلمه ، فأبى ابن عمر أن يحلف وقبل الغلام فباعه بعد ذلك بألف وخمسمائة " فدل على أنه يبرأ مما لم يعلم ولا يبرأ مما علمه . قال الشافعي رحمه الله : ولأن الحيوان يفارق ما سواه ; لأنه يغتدي بالصحة والسقم وتحول طبائعه ، وقلما يبرأ من عيب يظهر أو يخفى ، فدعت الحاجة إلى التبري من العيب الباطن فيه ; لأنه لا سبيل إلى معرفته ، وتوقيف المشتري عليه وهذا المعنى لا يوجد في العيب الظاهر ولا في العيب الباطن في غير الحيوان . فلم يجز التبري منه مع الجهالة . ( والطريق الثاني ) أن المسألة على قول واحد ، وهو أنه يبرأ من عيب باطن في الحيوان لم يعلم به ولا يبرأ من غيره ، وتأول هذا القائل ما أشار إليه الشافعي من القولين الآخرين على أنه حكى ذلك عن غيره ولم يختره لنفسه . فإن قلنا ) إن الشرط باطل فهل يبطل البيع ؟ فيه وجهان ( أحدهما ) لا يبطل البيع ويرد المبيع لحديث عثمان رضي الله عنه فإنه أمضى البيع ( والثاني ) أنه يبطل البيع ; لأن هذا الشرط يقتضي جزءا من الثمن تركه البائع لأجل الشرط ، فإذا سقط وجب أن يرد الجزء الذي تركه بسبب الشرط وذلك مجهول والمجهول إذا أضيف إلى معلوم صار الجميع مجهولا ، فيصير الثمن مجهولا ففسد العقد . والله أعلم

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) هذا الفصل باب مستقل بوب عليه المزني والأصحاب بباب بيع البراءة ، وكثير من الأصحاب أدرجوه في هذا الباب ; لأنه من مسائله . وقضاء عثمان هذا رواه مالك في الموطإ عن يحيى بن سعيد عن سالم " ولفظه أن عبد الله بن عمر باع غلاما له بثمانمائة وباعه بالبراءة ، فقال الذي ابتاعه لعبد الله بن عمر : بالعبد داء لم تسمه لي ، فاختصما إلى عثمان بن عفان ، فقال الرجل : باعني عبدا وبه داء لم ، [ ص: 609 ] يسمه لي . قال عبد الله بن عمر : بعته بالبراءة ، فقضى عثمان بن عفان على عبد الله بن عمر أن يحلف له لقد باعه العبد وما به داء يعلمه . فأبى عبد الله بن عمر أن يحلف وارتجع العبد ، فباعه عبد الله بعد ذلك بألف وخمسمائة درهم " ورواه البيهقي في سننه ، وفي المعرفة من رواية مالك كذلك . وفي رواية تعليق أبي حامد وغيره من الفقهاء أن المشتري من ابن عمر زيد بن ثابت . وأنهما اللذان اختصما إلى عثمان .

                                      وقيل : إن ذلك الداء زال عند عبد الله وصح منه . وقال ابن عمر : تركت اليمين لله تعالى فعوضني الله ، وقد روي عن زيد بن ثابت وابن عمر أنهما كانا يريان البراءة من كل عيب جائزة ، وإسناده ضعيف . قال البيهقي : إنما رواه شريك عن عاصم بن عبيد الله عن عبد الله بن عامر عنهما ، وقال يحيى بن معين حديث شريك عن عاصم بن عبيد الله عن زيد بن ثابت : البراءة من كل عيب براءة ليس يثبت ، تفرد به شريك ، وكان في كتابه عن أشعث بن سوار وسئل عبد الله عن حديث شريك عن زيد بن ثابت في البيع بالبراءة فقال : أجاب شريك على غير ما كان في كتابه ، ولم نجد لهذا الحديث أصلا . قال البيهقي : إن الأصح ما رواه في الباب حديث سالم ، وهو المذكور من رواية مالك في قضاء عثمان وعن شريح القاضي أنه كان لا يبرأ من الداء حتى يريه إياه فيقول : برئت من كذا وكذا ، وعنه لا يبرأ حتى يضع يده على الداء ، وعن عطاء بن أبي رباح وطاوس والحسن مثله ، وعن أبي عثمان النهدي قال : ما رأيتهم يجيزون من الداء إلا ما يثبت ووضعت يدك عليه ، وأبو عثمان النهدي كبير ، أدرك جميع الصحابة وفاتته الصحابة بشيء يسير . والإسناد إليه في هذا جيد وعن ابن سيرين أنه لا يبرأ إلا من عيب يسميه ويريه . هذا ما في هذه المسألة من الإثبات عن الصحابة والتابعين . وأما العلماء فاختلفوا على مذاهب ( أحدها ) أن يبرأ من كل عيب علمه البائع أو لم يعلمه .

                                      وهو مذهب أبي حنيفة وأبي ثور ، كما روي [ ص: 610 ] عن ابن عمر وزيد ( والثاني والثالث ) أنه لا يبرأ من شيء من العيوب ، واختلفت عبارة هؤلاء فمنهم من يقول : حتى يسميه ، وهو مذهب ابن أبي ليلى وسفيان الثوري والحسن بن حي وداود ، ونقله ابن المنذر عن ابن أبي ليلى والثوري هكذا مقيدا ، ونقله غيره عن الحسن بن حي وداود مطلقا وظاهر النقل عن هؤلاء أنه إذا سمى كفى سواء أكان العيب مما يعاين أم لا ، وهو موافق لما يقوله القاضي حسين من أصحابنا على ما سيأتي . ( والثالث ) أنه لا يبرأ من شيء حتى يضع يده عليه كما تقدم عن شريح وعطاء وهو مذهب أحمد في رواية عنه وإسحاق ، ويشبه أن يكون ذلك الإطلاق فبما يمكن كما فصله أصحابنا كما سيأتي ، لكن قولهم : إنه يضع يده إن كان المراد المعاينة فهو قول أصحابنا فيما يمكن رؤيته ، وإن كان يراد ظاهره من وضع اليد عليه فهو قول آخر وهو بعيد . ( الرابع والخامس والسادس ) أنه لا يبرأ من العيب الباطن الذي لم يعلم به في الحيوان خاصة كقول عثمان ، وهو مذهب مالك الذي ذكره في الموطإ هنا . قال مالك : الأمر المجتمع عليه عندنا فمن باع عبدا أو وليدة أوحيوانا بالبراءة فقد برئ من كل عيب فيما باع ، إلا أن يكون علم في ذلك عيبا ، فإن كان علم عيبا فكتمه لم تنفعه تبرئته وكان ما باع مردودا عليه . وهذا القول يخرج منه عند أصحابنا في تحريره ثلاثة أقوال كما سيأتي إن شاء الله تعالى .

                                      ( السابع ) قول ثان لمالك - وقال ابن عبد البر : إن مالكا رجع إليه - أنه لا يبرأ بذلك إلا في الرقيق خاصة فيبرأ مما لم يعلم ولا يبرأ مما علم فكتم ، وبعضهم قيد ذلك بأن يكون البيع من الفحاش ; لأن الفحاش تشتري لتربح - وأما في سائر الحيوان وغير الحيوان فلا يبرأ به عيب أصلا . ( والثامن ) قول ثالث لمالك ، وقيل : إنه الذي رجع إليه أنه [ ص: 611 ] لا ينتفع بالبراءة إلا في ثلاثة أشياء فقط ، وهو بيع السلطان للمغنم أو على مفلس . قال بعضهم : أو في ديون الميت ( والثاني ) العيب الخفيف في الرقيق خاصة لكل أحد ( والثالث ) فيما يصيب الرقيق في عهدة الثلاث خاصة . ( والتاسع ) أن البيع باطل كما هو قول في المذهب خارج من التفريع على القول الثاني . ولا أعرفه صريحا عن أحد من السلف إلا عن مذهبنا وبعض الظاهرية وإن صح أن أحدا يقول : لا بد من وضع اليد ، كما هو ظاهر النقل عن شريح وغيره كانت المذاهب عشرة .

                                      هذه جملة المذاهب . ( وأما ) تفصيل مذهبنا فقد اختلف الأصحاب عن طرق أشهرها ، وبه قال ابن سريج وابن الوكيل والإصطخري : إنه على ثلاثة أقوال وهي المذكورة في الكتاب وأظهر الأقوال الثالث منها . وهو أنه يبرأ في الحيوان مما لا يعلمه البائع من الباطن دون الظاهر ودون ما يعلمه من الباطن ، ولا يبرأ في غير الحيوان بحال ، وحاصل هذه الطريقة أن في الحيوان ثلاثة أقوال ، وفي غير الحيوان قولين . ولا يجيء الثالث في غير الحيوان ; لأنه لا باطن له . كما قاله القاضي أبو الطيب والقاضي حسين وغيرهما . ( والطريق الثاني ) القطع بهذا القول الثالث وإلى ذلك ذهب ابن خيران وأبو إسحاق المروزي على ما حكاه الماوردي وغيره ، وقال ابن أبي عصرون : إنها الأصح ، وقال الإمام إنها الأليق بكلام الشافعي مع قوله : أن الأولى أشهر وفي المجرد من تعليق أبي حامد نسبتها إلى عامة أصحابنا . ( والطريق الثالث ) حكاه الماوردي عن ابن أبي هريرة أنه يبرأ في الحيوان من غير المعلوم دون المعلوم ، ولا يبرأ في غير الحيوان من المعلوم . وفي غير المعلوم قولان ، وقد رأيتها كذلك في تعليق أبي علي الطبري عن ابن أبي هريرة ( والطريق الرابع ) يخرج من منقول الإمام ، وهي إثبات ثلاثة أقوال في الحيوان وغيره ( ثالثها ) الفرق بين المعلوم وغير المعلوم . [ ص: 612 ]

                                      ( الطريقة الخامسة ) القطع في الحيوان بالفرق بين المعلوم وغيره ، وإجراء الأقوال الثلاثة في غير الحيوان ، وهي تخرج من نقل سلام شارح المفتاح . والطريقة الثالثة والرابعة والخامسة مقتضاها عدم التفرقة بين الباطن والظاهر ، وكذلك طرد التفصيل في غير الحيوان ، وهو لا باطن له كما تقدم عن القاضي أبي الطيب ، وذلك يوافق ما حكاه الإمام والماوردي والرافعي أن منهم من اعتبر نفس العلم ، والأكثرون جعلوا العيوب الظاهرة من الحيوان كالمعلومة لسهولة الاطلاع عليها والبحث عنها . قال الإمام : وإذا جمع جامع الحيوان إلى غيره انتظم له أقوال ( أحدها ) الصحة في الجميع ( والثاني ) الفساد في الجميع ( والثالث ) الفرق بين الحيوان وغيره ( والرابع ) الفرق بين ما علمه البائع وكتمه ، وبين ما لم يعلم ، وقد ذكرنا البعض الظاهر والباطن فقد يجري من خلاف الأصحاب فيه قول خامس ( وقال ) الغزالي في البسيط : إن مجموعها سبعة أقوال ( أحدها ) صحة الشرط مطلقا ( والثاني ) فساده مطلقا ( والثالث ) فساده فيما علمه ، وصحته فيما لم يعلمه ( والرابع ) فساده فيما علمه أو يسهل العلم به ( والخامس ) فساده في غير الحيوان وصحته في الحيوان ( والسادس ) فساده إذا أبهم العيب ، وصحته إذا عينه ( والسابع ) فساده فيما سيحدث في يد البائع إذا ذكر مقصودا وصحته فيما عداه

                                      ( قلت ) وفي الخامس نظر ; لأنه يقتضي الصحة في الحيوان مطلقا من غير تفصيل فتحرير العبارة فيه أن يقال يفسد في غير الحيوان ويصح في الحيوان فيما لم يعلم أو لم يسهل العلم به . والسابع صحيح ; لما سيأتي عن القاضي حسين مع جريان الخلاف مع التبيين ( والثامن ) صحيح أيضا ; لما سيأتي ، ويأتي فيه وجه ثامن بالفساد فيما سيحدث في يد البائع إذا ذكر ولو تابعا ( والوجه التاسع ) بطلان العقد وسبب اختلاف الأصحاب على هذه الطرق أن الشافعي قال على ما حكاه المزني في المختصر : إذا باع لرجل شيئا من الحيوان بالبراءة ، فالذي أذهب إليه قضاء عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه برئ من كل عيب لم يعلمه ولا يبرأ من عيب علمه ولم يسمه ويقفه عليه تقليدا ، وأن الحيوان يفارق ما سواه ; لأنه يغتدي بالصحة والسقم وتحول طبائعه وقلما يبرأ من عيب يخفى أو يظهر . وإن صح في القياس لولا ما وصفنا من افتراق الحيوان وغيره أن لا يبرأ من عيوب لم يرها ولو سماها لاختلافها ، أو يبرأ [ ص: 613 ] من كل عيب ، والأول أصح .

                                      وهذا النص نقله المزني من اختلاف العراقيين من الأم ، فإن فيه في باب الاختلاف في العيب قال الشافعي : وإذا باع الرجل العبد أو شيئا من الحيوان بالبراءة من العيوب ، فالذي نذهب إليه والله أعلم قضاء عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه برئ من كل عيب لم يعلمه ولم يبرأ من عيب علمه ولم يسمه البائع ويقفه عليه ، وإنما ذهبنا إلى هذا تقليدا ، وأن فيه معنى من المعاني يفارق فيه الحيوان ما سواه وذلك أن ما كانت فيها الحياة فكان يغذى بالصحة والسقم وتحول طبائعه قلما يبرأ من عيب يخفى أو يظهر ، فإذا خفي على البائع أتراه يبرئه منه ؟ وإذا لم يخف عليه فقد وقع اسم العيوب على ما نقصه يقل ويكثر ويصغر ويكبر ، وتقع القسمة على ذلك ولا يبرأ منه إلا أن يقفه عليه . وإن صح في القياس لولا التقليد وما وصفناه من مفارقة الحيوان غيره أن لا يبرئه من عيب كان به لم يره صاحبه ولكن التقليد وما وصفنا أولى بما وصفنا ، هذا كلام الشافعي رحمه الله في اختلاف العراقيين ، وفيه زيادة فائدة على ما قاله المزني عنه وهو قوله : العبد أو شيئا من الحيوان ، فإن فيه تصريحا بالتسوية في ذلك بين العبد الذي يخبر عن نفسه وبينه على العبد الذي به ، وبين غيره من الحيوان الذي لا يمكن فيه ذلك ، وهذه فائدة جليلة ، وليس كما وقفت عليه من اختلاف العراقيين ، ذكر الذي قاله المزني آخرا من أنه يبرأ من كل عيب إذا عرف ذلك فالأكثرون قالوا : إن هذا الكلام من الشافعي يقتضي التردد بين القول الأول الموافق لقضاء عثمان وبين القولين الأخيرين اللذين أشار إليهما بقوله : وإن صح في القياس لولا ما وصفنا أن لا يبرأ أو يبرأ من كل عيب ، فهذه ثلاثة أحوال .

                                      ومنهم من منع ذلك وقال : وإن كان الشافعي أشار إلى ذلك ولكنه اختار القول وقال : لولا قضاء عثمان ومفارقة الحيوان لغيره لكان القياس هذا ولكن تركت القياس ; لقول عثمان ، والفرق بين الحيوان وغيره . قال القاضي أبو الطيب ( قلت ) أنا : قال الشافعي في كتابه اختلافه ومالك : ولو ذهب ذاهب إلى أن من باع بالبراءة برئ مما علم ومما لم يعلم لكان مذهبا يجد فيه حجة ، وهذا مثل قول [ ص: 614 ] أبي حنيفة وقد نص عليه في هذا الكتاب ، وهذا يبطل قول من قال : إن مذهبه لا يختلف فيه ، وإنه قول واحد . انتهى . والجوري نقل هذا النص عن رواية حرملة والماوردي ذكر هذا النص . وقال ابن خيران وأبو إسحاق لم يخرجا ذلك قولا لإجماله .

                                      ( قلت ) والإجمال فيه ظاهر ، وقد اختار المصنف في اللمع أن مثل هذه العبارة لا تجوز أن يجعل ذلك قولا له ، والمشهور طريقة إثبات الأقوال لما تقدم ، وفي الاستذكار لابن عبد البر أن الشافعي قال في الكتاب العراقي ببغداد بأنه لا يبرأ إلا من عيب يريه للمشتري ، فاستفدنا بهذا النقل إثبات القول بعدم البراءة ، وأنه في القديم . وأضعف الطرق الطريقة الرابعة المأخوذة من الإمام ، فإنها لم تفرق بين الحيوان وغيره ، وذلك خلاف صريح قول الشافعي وطريقة ابن أبي هريرة محتملة . ولو ذهب ذاهب إلى طريقة سادسة - وهو أنه في الحيوان يقطع بالقول الثالث ، وفي غير الحيوان قولان ( أحدهما ) يبرأ مطلقا ( والثاني ) لا يبرأ مطلقا . لكان ذلك وجها . وهذه غير طريقة ابن أبي هريرة ; لأنه يقطع بأنه لا يبرأ من غير المعلوم في الحيوان . وهذه الطريقة التي أقولها مقتضاها إجراء القولين في غير الحيوان في ما علمه وفيما لم يعلمه والقطع بالتفصيل في الحيوان . ووجه هذه الطريقة اختيار الشافعي لقضاء عثمان . وقوله : إنه لولا ذلك والفرق بين الحيوان وغيره لكان يبرأ أو لا يبرأ . يعني كان فيه قولان . وهذا دليل على ثبوت القولين فيما عدا المحل الذي فيه تقليد عثمان .

                                      والفرق المذكور وهو غير الحيوان بالطريقة القاطعة بأنه لا يبرأ فيه من عيب أصلا ، كما تقتضيه طريقةابن خيران وأبي إسحاق لا دليل عليها من كلام الشافعي ، وإنما غاية كلام الشافعي على مقتضى استدلالهم أن يدل على القطع في الحيوان خاصة ، فهذه طريقة لم أر أحدا ذهب إليها ، ولها وجه ظاهر من كلام الشافعي ، وقول الشافعي في المختصر : والأول أصح ، الظاهر أنه يريد به الأول من الاحتمالين اللذين ذكرهما لولا تقليد عثمان ومفارقة الحيوان لغيره أي أن القول : إنه لا يبرأ على ذلك التقدير ، أصح من [ ص: 615 ] القول بأنه يبرأ من كل عيب لأجل ذلك ، والله أعلم . اقتصر عليه في اختلاف العراقيين ، ويحتمل أن يكون المراد بالأول ما قاله موافقا لقضاء عثمان ويكون في ذلك تقوية ; لأن في المسألة ثلاثة أقوال في الحيوان وقولين في غيره كما هو الطريقة المشهورة .



                                      ( فرع ) قسم الماوردي البيع بشرط البراءة إلى ثلاثة أضرب : ( أحدها ) يبرأ من عيوب سماها ووقف المشتري عليها ، فهذه براءة صحيحة وبيع جائز ، لانتفاء الجهالة ولزوم الشرط في العقد ، فإن وجد المشتري بالمبيع غير تلك العيوب فله الرد ، وإن لم يجد إلا تلك فليس له الرد . ( الضرب الثاني ) أن يبرأ من عيوب سماها ، ولم يقف المشتري عليها ، فهذا على نوعين ( أحدهما ) أن تكون العيوب مما لا يعين كالسرقة والإباق ، فتصح البراءة فيها بالتسمية ، لأنها غير مشاهدة ، فلم يمكن الوقوف عليها ، واكتفى بالتسمية فيها فإن ذكرها إعلام واطلاع عليها . ( والنوع الثاني ) أن تكون مما يعاين كالبرص والقروح . فلا تكفي التسمية حتى يقف عليها ويشاهدها ; لأن لنقص العيب قسطا من الثمن يزيد بزيادته العيب وينقص بنقصه فصارت التسمية لها عند عدم مشاهدتها جملا بها .

                                      ( قلت ) وهذا معنى قوله في المختصر : ولو سماها لاختلافها ، وكذلك قوله في اختلاف العراقيين : ولا يبرأ منه إلا أن يقفه عليه . وكلام الماوردي أن هذا الضرب ليس محل الخلاف . ولا شك أن القائل بالبراءة مطلقا إذا أطلق شرط البراءة يقول هنا عند التسمية وإن لم يقفه عليها بطريق الأولى . وكذلك إذا كان البرص ونحوه في باطن فإن الأصح أن يبرأ منه إذا لم يعلمه عند الإطلاق ففي حالة التسمية كذلك ، وكذلك قال الرافعي : إنه إن أراه موضع البرص وقدره صح وإن لم يره فهو كشرط البراءة مطلقا ، وكذلك يقتضيه كلام [ ص: 616 ] الإمام والفوراني والمتولي والبغوي ، وينبغي أن يحمل كلام الماوردي على هذا المعنى . قال الرافعي : هكذا فصلوه ، وكأنهم تكلموا فيما يعرفه في المبيع من العيوب وأما ما لا يعرفه ويريد البراءة عنه لو كان ، فقد حكى الإمام تفريعا على فساد الشرط فيه خلافا مخرجا على ما ذكره من المعنيين ، يعني أن العلة في فساد الشرط الجهالة أو كونه من مقتضى العقد ( إن قلنا ) بالأول صح لانتفاء الجهالة .

                                      ( وإن قلنا ) بالثاني فلا ، ومثل صاحب التتمة بتسمية العيب بأن يقول على أنه برئ من الزنا والإباق والسرقة ، وهذا الذي تقدم من أن الذي تمكن معاينته لا تكفي فيه التسمية هو قول الأصحاب . قال : لقلة الجهالة ، وهذا مخالف لما تقدم من كلام الشافعي ، ومثل القاضي هذا النوع بإخباره بمثل الجدار وانكساح الجذع . ( فرع ) ادعى الرافعي أنه لا خلاف في البراءة إذا شرط البراءة من الزنا والسرقة والإباق ، لأن ذكرهما إعلام ، وفي كلام القاضي حسين في الفتاوى ما يقتضي المنازعة في هذا الإطلاق ، وأنه إن قال : هو آبق وبعتكه بشرط أني بريء من عيب الإباق ، برئ قطعا ، ولو قال : لا أعلمه آبقا وبعتكه بشرط أني بريء من عيب الإباق ، قال : فلهذه المسألة مقدمة ، وهي أنه لو اشتراه ولم يعلمه وجهل كما لو باع مال ابنه على ظن أنه حي فبان ميتا . ( فإن قلنا ) يبرأ برئ هنا .

                                      ( وإن قلنا ) لا يبرأ فالبيع بهذا الشرط هل يصح ؟ على قولين ( فإن قلنا ) يصح ففي صحة الشرط جوابان - وإن قال : بعتكه بشرط أنى بريء من الإباق ، ويعني لو لم يعلم شيئا قال : فالظاهر أنه ليس له رده ; لأن الشرط إعلام . وإن قال : لا أعلم هل هو آبقا أو لا ، ولم يرد عليه ، يعني ولم يشترط فوجده آبقا فله الرد ، ذكر هذه المسائل القاضي حسين في فتاويه . [ ص: 617 ] الضرب الثالث ) أن يبرأ إليه من كل عيب من غير أن يسميها ، ولا يقف المشتري عليها فهو محل الأقوال والطرق المتقدمة . ( فرع ) في الاستدلال للأقوال المذكورة غير القول الظاهر من المذهب أو أجوبتها . أما القول الأول وهو أنه يبرأ من كل عيب ، وهو مذهب أبي حنيفة فلقوله صلى الله عليه وسلم : { المؤمنون عند شروطهم } وبأن الإبراء من المجهول صحيح { لقوله صلى الله عليه وسلم لرجلين تخاصما عنده في مواريث درست : أسهما وأوجبا وليحلل أحدكما صاحبه } رواه البيهقي في كتاب الصلح ، وبأنه إسقاط حق لا تسليم فيه فيصح في المجهول كالطلاق والعتق ، وبأن خيار العيب إنما يثبت لاقتضاء مطلق العقد السلامة ، فإذا صرح بالبراءة ارتفع الإطلاق .

                                      ( والجواب ) عن الأول أنه روي في هذا الحديث ما وافق الحق منها ، على أن الحديث المذكور فيه كلام . ومنع بعضهم صحته ، ثم هو معارض لقوله صلى الله عليه وسلم : { كل شرط ليس هو في كتاب الله فهو باطل } ونهيه عن بيع وشرط ( وعن الثاني ) بأن التحليل يصح بأن يصيره معلوما . فيقول : من كذا وكذا ( وعن الثالث ) بأن الطلاق والعتق يصح تعليقهما ، فصحا في المجهول بخلاف الرد بالعيب . وأما القول الثاني وهو أنه لا يبرأ من شيء من العيوب إلا بالتسمية والتوقيف فالنهي عن بيع وشرط . وعن الغرر . ومن القياس أنه رفق في البيع لا يثبت إلا بالشرط ، فلا يثبت مع الجهالة كالأجل والرهن والضمان ، ولأنه عيب لم يقف عليه المشتري فيثبت له رد المبيع على صفته كما إذا لم يبرأ منه وفيه احتراز عن حدوث العيب والرضا به ، وبأن الإبراء من المجهول لا يصح ; لأنه تبرع لا يصح تعليقه فلا يصح في المجهول كالهبة وبأنه خيار ثابت بالشرع فلا ينفى بالشرط كسائر مقتضيات العقد . وملخص هذه الأقيسة الدالة لهذا القول ترجع إلى سببين ( أحدهما ) التعليل بالجهالة ( والثاني ) بمخالفة مقتضى العقد ، ووضع الشرع في الرد بالعيب .

                                      فإن قالوا : الهبة فيها تسليم والجهالة تمنع من التسليم ، [ ص: 618 ] انتقض عليهم بالوصية والإقرار ففيهما تسليم واجب ويصحان في المجهول ، وفي الاستدلال طريقة أخرى بأن تفرض المسألة فيمن شرط البراءة مما يحدث في يده من عيب ; لأنه إبراء من الضمان قبل التسليم ، فلم يجز كالإبراء من ضمان جميع الثمن إذا تلف في يده ، وأما القولان الرابع والخامس فضعيفان جدا لا دليل لهما ، والسادس وهو مذهب أحمد قريب من الثالث الذي هو ظاهر المذهب . ( فرع ) في الاستدلال للقول الظاهر من المذهب ، الحجة في ذلك ما ذكره الشافعي رضي الله عنه من قضاء عثمان رضي الله عنه مع مفارقة الحيوان لما سواه كما بينه ، فلو حكمنا بأن البيع والشرط لا يصح لأدى إلى أن لا يستقر بيع في حيوان أصلا ، والتمسك به من وجهين ( أحدهما ) أن ابن عمر من كبار الصحابة وزيد بن ثابت أيضا كذلك ، وقد قيل : إنه المشتري منه وترافعهما إلى إمام الوقت في خصومة ويقضى بينهما بقضاء ، الظاهر أن ذلك يعسر ، ولم يثبت عن أحد منهم الإنكار فكان إجماعا ، واعترض على هذا بأن ابن عمر مخالف ، فإنه علم بالعيب واعتقد أنه لا يثبت الرد ( أما ) علمه فلامتناعه من اليمين ( وأما ) اعتقاده فلو لم يكن كذلك لقبله .

                                      وأجاب الأصحاب بأنه يحتمل أن لا يكون علم وامتنع عن اليمين تورعا ( قلت ) وهذا الجواب والاحتمال يعتضد بما تقدم عن البيهقي أنه لم يثبت عن ابن عمر القول بالبراءة ، لكن الشافعي رحمه الله في اختلافه مع مالك قال : وقد اختلف عثمان وابن عمر في العبد يبتاع ويبرأ صاحبه من العيب ، فقضى عثمان على ابن عمر رضي الله عنه بأن يحلف ما كان به داء علمته ، وقد رأى ابن عمر أن التبري يبرئهما مما علم وما لم يعلم ، قال الشافعي يخاطب من سأله : فاخترت قول ابن عمر وسمعت من أصحابك من يقول : عثمان الخليفة وقضاؤه بين المهاجرين والأنصار كأنه قول عامتهم ، وقوله بهذا كله أولى أن يتبع من ابن عمر . انتهى . ذكر الشافعي هذا فيما روى مالك عن عثمان وخلافه . فهذا الكلام من الشافعي يقتضي اعتقاده أن ابن عمر مخالف لعثمان ، وحينئذ يعتضد [ ص: 619 ] الاستدلال بهذا الوجه الذي ذكره الأصحاب - وممن ذكره الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب ، وإن كان ما ذكروه من الاحتمال صحيحا ، لكن لا يستقيم الاستدلال للشافعي بذلك ، وهو قائل بخلافه . نعم يصح لمن ينظر من حيث الجملة ، ولا يتقيد بكلام الشافعي أن يقوله . ومما يضعف التمسك بهذا الوجه للمذهب أن الشافعي عضد قول عثمان رضي الله عنه بما ذكره من مفارقة الحيوان كان كذلك لما سماه تقليدا ، وأيضا فإنه مشى على أن قول الصحابي إذا انتشر ولم يعرف له مخالف يكون كالإجماع السكوتي ، وفيه نزاع ، فإنه أنزل رتبة مما يتحقق فيه سكوت الباقين .

                                      ( وإن قلنا ) بأن الإجماع في السكوت حجة لا سيما هذه المسألة مع الاحتمال القوي في مخالفة ابن عمر وورود الرواية عنه وعن زيد بذلك من غير هذه الطريق وإن كانت ضعيفة ، فإن ذلك يخرم الظن بعدم الخالف . وذكر الإمام ههنا معترضا على التمسك بهذا الوجه أن مذهب الشافعي في الجديد أنه لا ينسب إلى ساكت قول . ( الوجه الثاني ) من الاستدلال ما ذكره الشافعي وأشار إليه من اعتضاد قول عثمان رضي الله عنه بالقياس . ومثل هذا يكون حجة عند الشافعي على القديم فلأن قول الصحابي حجة يقدم على القياس . وأما على الجديد فلأنه يرى أن قول الصحابي مع القياس الضعيف المسمى عند الماوردي بقياس التقريب يقدم على القياس القوي المسمى عند الماوردي بقياس التحقيق ، وهل المراد بالضعيف الذي لا تجتمع فيه شروط القياس فيشكل اعتضاد ما ليس بحجة بما ليس بحجة . ويأتي فيه البحث الذي تقدم في المرسل في مسألة بيع اللحم بالحيوان ، أو الذي اجتمعت فيه شروط القياس لكنه خفي لو انفرد يقدم القياس القوي عليه ، وهذا هو الذي ينبغي أن يكون المراد .

                                      وقد فسر الماوردي في كتاب الأيمان مراده بقياس التقريب وقياس التحقيق وههنا مباحث : [ ص: 620 ] أحدها ) أطلق الشيخ أبو حامد هنا أن قول الصحابي على القديم حجة مقدمة على القياس واقتضى كلامه أن ذلك مطلق وإن لم ينتشر . وقيده الماوردي بالمنتشر الذي لم يعلم خلافه ، وهما قولان . في القديم منقولان عن الشافعي في كتب الأصول - وقال ابن الصباغ : إنه في القديم حجة ، وفي الجديد ليس بحجة إلا أن ينتشر ، فاقتضى ذلك أنه إذا انتشر يكون حجة في الجديد . وقال الجوري : إن قول الصحابي الذي ليس له مخالف إنما يكون حجة في الجديد إذا اعتضد بضرب من القياس وإنه في القديم حجة ، فإذا احتمل المسألة أصلا كان ما وافقه أولى ، وهو أدون الاجتماعات ، وأعلى منه الإجماع الذي تعرفه الخاصة كتحريم النكاح في العدة وأعلى منه ، وهو إجماع الخاصة والعامة لكون الظهر أربعا ، هذا مختصر كلام الجوزي .

                                      وقال البندنيجي في مقدمة كتاب الذخيرة : قال الشافعي في أدب القاضي : ولا يجوز لأحد من أهل العلم أن يقلد أحدا غير رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يرد الشافعي أن النبي صلى الله عليه وسلم قوله يسمى تقليدا ، وإنما أراد قبول قوله في صورة التقليد - فأما الصحابة فإن قال علماؤها قولا كان حجة مقطوعا على معيتها وإن قال واحد منهم قولا وانتشر في الباقين فإن صوبوه أو قالوا ما يدل على الرضا ، فهو إجماع أيضا ، وحجة مقطوع على معيتها إن بلغهم وسكتوا ، ولم يكن منهم ما يدل على نص ولا إنكار فإذا انقرض العصر كان حجة أيضا مقطوعا على معيتها في إطلاق اسم الإجماع عليه من ناحية العبارة وجهان ظاهر قول الشافعي إنه لا يسمى إجماعا . وقال داود ، وأكثر المتكلمين : ليس بحجة . وإن قال واحد منهم قولا ولم ينتشر قال في القديم : هو حجة ، وهو قول مالك وأبي حنيفة ، وقال في الجديد : ليس بحجة ( فإن قلنا ) ليس بحجة - فإن عاضده قياس وإن ضعف - كان قوله مقدما على القياس القوي ، وإن لم يعضده قياس كان بمنزلة قول التابعي يقدم القياس عليه ، ولا يخص بقوله العموم ( وإن قلنا ) حجة قدم [ ص: 621 ] على القياس القوي إلا أن يكون القياس في معنى الأصل ، فيكون هذا القياس مقدما عليه ، وهل يخص به العموم ؟ وجهان ، هذا في قول الصحابي على سبيل الفتيا .

                                      أما حكمه فإن كان بعد استشارة الصحابة فإجماع ، وإلا فإن انتشر ولم ينكر فالذي سمعت الشيخ يقول : ليس بحجة ، وهو بمنزلة قول الواحد إذا لم ينتشر على قولين ، لأن حكم الحاكم لا يسع خلافه ، فلا يدل السكوت على الرضا ، ورأيت أبا علي الطبري في الإفصاح يقول : هذا حجة قولا واحدا ، ولكن هل يقع على معيتها ؟ على وجهين . ( أحدهما ) نعم كالفتوى ( والثاني ) لا ، وإذا انتشر قول التابعي في التابعين لم يكن كانتشار قول الصحابي في الصحابة على الأصح وهو قول أبي العباس ، هذا تلخيص كلام البندنيجي وكثير مما ذكره شاركه فيه المصنف وأكثر الأصحاب ، ولكن في كلامه زيادة فوائد ، فلذلك رأيت نقله ، واختار المصنف على قولنا : إنه ليس بحجة ، أنه إذا عضده قياس ضعيف لا يصير حجة ; لأن كلا منهما بانفراد ليس بحجة . وقال الصيرفي : يصير حجة ، وهو الذي قاله المصنف في الأصول يخالف ما قاله الشيخ أبو حامد والماوردي هنا أن ذلك حجة على القديم والجديد ، وقد قدمت أنه ينبغي تفسير الضعيف بما يكون حجة إلا أن يكون ثم قياس أقوى منه فيقدم هو مع قول الصحابي على القياس القوي ، وحينئذ يتجه ما قاله الشيخ أبو حامد ولا يرد ما قاله المصنف إلا أن يكون فهم عن الصيرفي أنه يقول بظاهر عبارته وحينئذ لا يكون قادحا في التفسير الذي ذكرته .

                                      وقد رأيت كلام أبي بكر الصيرفي في كتابه المسمى بالإجماع والاختلاف ، وهو يشعر بما قلناه ، ويشير إلى أن ذلك تأويل قول الشافعي في القديم إنه حجة كأنه يرى أنه إذا لم ينتشر ولا يعضده شيء لا يقول الشافعي به في قديم ولا جديد ، وإن اعتضد أو انتشر قال به في القديم والجديد . [ ص: 622 ] قال القاضي حسين في أول تعليقته : إنه إذا اقترن بقول الصحابي قياس خفي قدم على القياس الجلي قولا واحدا ، وهذا يوافق ما قلته وما قاله الشيخ أبو حامد وغيره ، ويؤيد قول الشافعي في اختلاف الحديث ، وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه صلى في ليلة ست ركعات في كل ركعة ست سجدات ، قال : لو ثبت ذلك عن علي لقلت به ، فإنه لا مجال للقياس فيه ، فالظاهر أنه فعله توقيفا . فهذا النص من الشافعي يدل على أنه يقول بقول الصحابي في بعض المواضع وإن لم يكن ذلك عين المسألة التي نحن فيها ، وإنه إنما يرده إذا دل دليل على خلافه والأصوليون ذكروا هذا النص من تفاريع الشافعي في القديم ، وعندي في ذلك أن اختلاف الحديث من كتبه الجديدة ، وقد رويناه من طريق المصريين عنه .

                                      وقال الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني : قول الصحابي إذا انتشر حجة مقطوع بها وهل يسمى إجماعا ؟ فيه وجهان ، وإن لم ينتشر فليس بحجة في الجديد وهو حجة في القديم ، فعلى القديم في تخصص العموم به وجهان ويقدم القياس الجلي عليه . وفي القياس الخفي وهو الشبه وجهان ( أحدهما ) يقدم على قول الصحابي . ( والثاني ) يقدم قول الصحابي عليه ، وهو قول أبي حنيفة ، ومن لا خبرة له من أصحابه يقول : إنه يقدم على القياس الجلي ، وأما على الجديد فلا يخص به العموم قطعا ، وفي ترجيح أحد القياسين فالقياس الذي عضده من الفرق بين الحيوان وغيره إن لم يكن حجة أيضا لم تثبت الدلالة باجتماعهما وإن كان الفرق المذكور كافيا في القياس وتقدم الحجة ، فالحجة فيه لا في القول المذكور .

                                      ( والجواب ) أن القياس القوي يقتضى أن لا يبرأ مطلقا أو يبرأ مطلقا كما قال الشافعي ، وقد أشار الشافعي بقوله : وإنه أصح في القياس ، يشير بذلك إلى أن هذا قياس أصح ، وأن ما ذكره من المعنى بين الحيوان وغيره قياس صحيح فلو انفرد هذان القياسان لقلنا بالقياس الأصح لكن لما جاء قضاء عثمان رضي الله عنه قوي هو [ ص: 623 ] والقياس الصحيح على القياس الأصح . ولا يمنع إذا لم يكن قول الصحابي حجة أن لا يقوى به لا سيما عثمان وقضاؤه في هذا . ( الأمر الثالث ) أنه إذا كان الأمر كذلك فلم سماه الشافعي تقليدا ؟ وقبول قول الصحابي على القديم أو إذا اعتضد بما ذكرتم على الجديد حجة وقبول الحجة لا يسمى تقليدا لقبول الخبر .

                                      ( والجواب ) أن الواجب اتباعه ، وقيام الحجة به وهو مجموع ما حصل من قول عثمان مع القياس الفارق والموصوف بالتقليد هو قول عثمان رضي الله عنه وحده ، وإطلاق التقليد عليه وحده صحيح ، لأنه لا يجب قبوله وحده ولا يدرى من أين قاله ، وهذان هما حد التقليد ، فاجتمع هنا تقليد ودليل ، والممتنع عندنا هو التقليد بغير دليل ، والروياني قال : إنه ما قصد بهذه العبارة محض التقليد ، بل أراد الاستئناس كما قال في الفرائض أنه قلد زيد بن ثابت في الإخوة مع الجد ثم عقبه بالقياس . ( الرابع ) في قول مالك رضي الله عنه في ذلك الأمر المجتمع عليه عندنا هو في هذا الموضع وغيره من هذه المشكلات التي استشكلها إمامنا الشافعي وغيره ، ففي الأم من كلام الربيع أو من كلام البويطي الله أعلم في اختلاف الشافعي ومالك ( فقلت ) للشافعي : إن لنا كتابا قد صرنا إلى اتباعه ، وفيه الأمر عندنا ، فقال الشافعي : قد أوضحنا لك ما يدلك على دعوى الإجماع بالمدينة أو في غيرها ، وطول الشافعي في البحث في ذلك الإيراد ، نحو ثلاث ورقات ثم قال : وما كلمت منكم أحدا قط فرأيته يعرف معناها ، وما ينبغي لكم أن تجهلوا كيف موضع الأمر عندنا إن كان يوجد فيه ما ترون .

                                      ( قلت ) وقد قال أبو الوليد الباجي المالكي في كتابه الذي ألفه في أصول الفقه ، وقد روى إسماعيل بن أبي أويس رحمه الله عن مالك بيان قوله : الأمر المجتمع عليه ( فقال ) إسماعيل بن أبي أويس : سألت خالي مالكا عن قوله في الموطإ الأمر المجتمع عليه والأمر عندنا [ ص: 624 ] يفسره لي ، فقال : أما قولي : الأمر المجتمع عليه عندنا ، الأمر الذي لا اختلاف فيه ، فهذا ما لا اختلاف فيه قديما ولا حديثا . وأما قولي : المجتمع عليه فهو الذي اجتمع عليه من أرضى من أهل العلم وأقتدي به ، وإن كان فيه بعض الخلاف . وأما قولي : الأمر عندنا وما سمعت أهل العلم ، فهو قول من أرتضيه وأقتدي به ، وما اخترته من قول بعضهم ، هذا معنى قول مالك دون لفظه ( قال ) وتنزيل مالك لهذه الألفاظ على هذا الوجه وترتيبها مع تقاربها في الألفاظ يدل على تجوزه في العبارة ، وأنه يطلق لفظ الإجماع ، وإنما يريد به ترجيح ما يميل إليه من الرتبة .



                                      ( التفريع ) وقد ذكره المصنف ( إن قلنا ) الشرط باطل ففي بطلان البيع به وجهان . وقال الإمام : قولان ( أظهرهما ) عند القاضي حسين والإمام والروياني وابن داود والرافعي ، وهو قول ابن سريج على ما حكاه الماوردي ، وفي المجموع للمحاملي والتجريد له ، وهو من كلام الشيخ أبي حامد أنه ظاهر المذهب ، وقال في العدة : إنه ظاهر قول الشافعي ، وهو الذي قدمه المصنف هنا إنه لا يبطل ; لحديث عثمان رضي الله عنه ، فإنه صحح البيع لكن هذا الاستدلال فيه نظر ; لأن الشافعي استدل لصحة الشرط بأثر عثمان ، فكيف يستدل به لصحة البيع مع بطلان الشرط ؟ ، واعلم أن قضاء عثمان على ابن عمر رضي الله عنهم باليمين أنه ما علم . نص منه في أن البيع صحيح ، وقد يقول القائل بعد ذلك : إنه ليس فيه أن الشرط صحيح ، لاحتمال أن يكون عثمان عنده أن الشرط باطل ، وأن ظهور العيب موجب للرد على ابن عمر ولو كان غير ذلك من العيوب ، أو في غير الحيوان ، لقضى فيه بهذا أيضا ، وهذا الاحتمال هو الذي لاحظه صاحب هذا الوجه ، والله أعلم . لكن يشكل عليه قول عثمان : تحلف أنك ما علمت ؟ وعندنا وعند صاحب هذا لأنا لا نعرف خلافا في هذا - المذهب فيه أن من حلف في العيب في غير هذه المسألة يحلف على البت ، ولا يحلف على نفي [ ص: 625 ] العلم : فإن خالف صاحب هذا الوجه في ذلك لم يستقم له على قاعدة الشافعي ، وقد ظهر لك بهذا أن أثر عثمان صحيح في صحة البيع ، وفي أحد أمرين بعده ، إما في صحة الشرط والفرق بين العلم ، كما قاله الشافعي ، وإما في أن من حلف على نفي العيب يحلف على نفي العلم ، فإنه قد يكون مذهب عثمان ذلك وهذا يبين لنا إشكالا في التمسك به ، الظاهر من المذهب والإمام تمسك له بأن الشرط في وضعه ليس مخالفا لمقتضى العقد ، لأن الغرض من العقد النفوذ ، فالشرط يتضمن تأكيد اللزوم والظاهر السلامة ، واعترض على هذا المعنى بأنه لو صح لوجب الحكم بصحة الشرط من وجهة موافقة مقصود العقد . وفرق المتولي بين شرط البراءة وسائر الشروط الفاسدة ، بأن قضية الامتناع من التزام سبب في هذا الشرط أن المبيع لا يكون في ضمانه قبل القبض ، والمنقول فيه أن العقد يبطل . ( والوجه الثاني ) وهو الذي قدمه في التنبيه وقال الماوردي : إنه قول جمهور أصحابنا ، وقال الروياني وغيره من الأصحاب : إنه القياس ، وجزم به الروياني في الحلية أنه يبطل العقد كسائر الشروط الفاسدة ، ولأنه يختلف ما يقتضيه العقد من الرد بالعيب ، ولأنه يفضي إلى جهالة الثمن بالطريقة التي قدرها المصنف وسيأتي أن ابن أبي عصرون اختار هذا أيضا ومال الغزالي إليه ، وفي المجرد من تعليق أبي حامد أن الأول ليس بشيء . ( وإن قلنا ) بصحة الشرط فكذلك في العيوب الموجودة عند العقد ، أما الحادث بعده وقبل القبض فيجوز الرد به ، قاله الماوردي والمتولي والرافعي وغيرهم ، وقال القاضي حسين : إنه لا خلاف على المذهب فيه ، نقل صاحب التتمة وغيره عن أبي يوسف أنه يجوز ، ونقله البغوي عن أبي حنيفة ، وقد وهم بعضهم فزعم أن كلام الغزالي فيه إشارة إلى إلحاق الحادث بعد العقد وقبل القبض بالحادث قبلها في اشتراط البراءة عنه ، فلا تعتبر بذلك ، ولو شرط البراءة عن العيوب الكائنة [ ص: 626 ] والتي تحدث ، ففيه طريقان في تعليقة القاضي حسين ( إحداهما ) القطع بالبطلان ( والثانية ) على قولين بالكائنة ، وقال الرافعي : فيه وجهان ( أصحهما ) يذكر . وقال الأكثرون غيره : إنه فاسد ، قال القاضي حسين : ويبطل البيع بهذا الشرط ، وصاحب التتمة قال في هذه الصورة : إنه إذا فسد الشرط فالحكم في بطلان العقد على ما سبق ، يعني فيصح العقد على المذهب ، فإن أفرد ما سيحدث بالشرط فهو بالفساد أولى . قال الرافعي : ومقتضى ذلك مجيء الخلاف فيه بالترتيب . وقال الإمام : المذهب أن الشرط يبطل بخلاف ما ذكرناه في المسألة الأولى يعني إذا جمع بين الكائنة والتي ستحدث . وصرح الإمام بثلاثة أوجه ( أحدها ) صحة البراءة في العيوب الحادثة مطلقا . ( والثاني ) الفساد مطلقا ( والثالث ) الفرق بين أن يذكر تابعا أو مقصودا ، وهذا معنى الأولوية التي ذكرها الرافعي ، وحيث فرقنا بين الحادث والقديم . فلو اختلفا في عيب هل هو حادث أو قديم ؟ قال الماوردي : ففيه وجهان من اختلاف أصحابنا في اختلاف العلة فيما إذا ادعى البائع في غير هذه الصورة الحدوث ، وادعى المشتري القدم ، فالقول قول البائع ، فمنهم من قال : إن العلة أن الحدوث تعين والتقدم مشكوك فيه ، فههنا لا يبرأ منه البائع ، ويكون القول قول المشتري - ومنهم من قال : العلة أن ما أوجب الإمضاء أولى ، فالقول هنا قول البائع ، ويمنع المشتري من الفسخ - وإن فرعنا على القول الثالث فلا يبرأ مما علمه وكتمه ، ولا عما لم يعلمه من العيوب الظاهرة من الحيوان على الأصح ، ومنهم من اعتبر نفس العلم كما تقدم ، وهما وجهان حكاهما الماوردي ، هل المراد ما لم يكن معلوما لخفائه ؟ وإن علمه البائع ؟ أو ما لم يعلمه لجهله ؟ ومقتضى كلام الروياني نسبة الأول إلى المحصلين من أصحابنا وأنه الصحيح ونسبة الثاني إلى حكاية أبي علي في الإفصاح والقاضي أبي حامد في الجامع وأنه غلط ، والروياني قال هذا دفعا لمن زعم أن الحيوان يأتي فيه التفصيل بين المعلوم وهو المحكي في [ ص: 627 ] الإفصاح والجامع وحيث حكى الوجهين من كلام الماوردي لم يتعرض له هل يلحق مأكوله في جوفه بالجواز قيل : نعم ; لعسر الوقوف وقال الأكثرون منهم الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب والقاضي الروياني قال : إنه لا خلاف فيه وجماعة حكوا الخلاف كما تقدم ، منهم الجرجاني والرافعي وغيرهما لتبدل حال الحيوان ، فإن العيب الذي به قد يزول بنفسه وبأنه لا يمكن معرفة العيب الذي في باطن الحيوان ، وهذا يمكن بإدخال عود ونحوه ، وبأن الحيوان يغتدي بالصحة والسقم فلا يخلو في الغالب عن عيب بخلاف هذا ، فعلى هذا قال الشيخ أبو حامد : إن ( قلنا ) بطريقة الإصطخري كان فيه قولان ( وإن قلنا ) بالطريقة الأخرى لم يصح الشرط قولا واحدا ( قلت ) وهذا على الطريقة المشهورة ، وتأتي فيه الطرق المتقدمة ( فرع ) قد اجتمع في الشرط مع العقد ثلاثة أقوال يصحان ويفسدان ، يصح العقد ويفسد الشرط . قال الإمام والقاضي حسين قبله : وهذا كاختلاف الأقوال في شرط نفي خيار المجلس والرؤية إذا جوزنا بيع الغائب ، وفيها الأقوال الثلاثة كما وصفناها ، وخيار الرد بالعيب خيار شرعي يتضمنه مطلق العقد ، كخيار المجلس ، وخيار الرؤية ( قلت ) لكن الأصح في نفي خيار المجلس بطلان العقد ( والأصح ) هنا صحته عند الإمام والرافعي ، فيحتاج إلى الفرق ، وأما على ما نسبه الماوردي إلى الجمهور فلا . قال القاضي حسين : فعلى هذا الترتيب يجتمع في الحيوان أربعة أقوال هذه الثلاثة ورابع وهو التفصيل . ( تنبيه ) عرفت بما تقدم أن المذهب فساد الشرط في غير الحيوان وصحته في الحيوان مع التفصيل في البراءة ، فإن سقط ذلك في غير الحيوان . قال ابن أبي عصرون : فالشرط والبيع باطلان ، وهذا منه كأنه اختيار لقوله : البطلان ، إذا قلنا بفساد الشرط ( أما ) على القول الذي صححه الرافعي وغيره من أنه إذا فسد الشرط يصح العقد ، فينبغي أن يكون كذلك ، ولا فرق بين الحيوان وغيره في ذلك إذا قلنا [ ص: 628 ] بفساد الشرط بالحيوان ، وكذلك أطلق صاحب التتمة أن المذهب أن العقد صحيح .



                                      ( فرع ) لو شرط أن لا يرد المبيع بالعيب القديم والحادث فيضمانه قال القاضي حسين : يبطل البيع قولا واحدا ، وتبعه المتولي فقال : إذا شرط أن لا يرد عليه إذا وجد به عيبا فالعقد باطل وعللاه بأنه منع تصرف في حق ثبت له بمقتضى العقد بخلاف شرط البراءة ، فإنه بشرط البراءة منع ثبوت الحق ، وخالف الرافعي ما جرى فيه الخلاف وهو أظهر . وإن ما ذكره القاضي في شرط البراءة يمكن أن يقال مثله في شرط عدم الرد ولو اختلفا في شرط مبيع البراءة فادعاه البائع وأنكر المشتري ( فإن قلنا ) البيع صحيح مع شرط البراءة تحالفا على الصحيح وقيل : القول قول المشتري مع يمينه ; لأن الأصل عدم الشرط ، وهو قول القاضي أبي حامد ، ولم يذكر الروياني في البحر غيره ، وقال : يحلف أنه لم يعلم ولم يرض . ( وإن قلنا ) فاسد ، ففي التهذيب أن القول قول البائع بيمينه ، وينبغي أن يخرج على الاختلاف في دعوى الصحة والفساد ، ومن المعلوم الظاهر أنه إذا باع بشرط البراءة من عيب علمه المشتري ورآه أن البيع صحيح ولا أثر للشرط المذكور في هذه الحالة ، ومن جملة الإطلاق أن يقول له : هذه هي العيوب وأبرئني منها ( وإذا قلنا ) بالصحيح فقال المشتري : علمت هذا العيب وكتمته . وقال البائع : لم أعلم ، فالقول قول البائع مع يمينه ، فيحلف بالله : بعته وما علمت به عيبا كتمته ، بدليل حديث عثمان ، قاله في التهذيب



                                      ( فرع ) شغف بعض الوراقين في هذا الزمان بأن يجعل بدل شرط البراءة : أعلم البائع المشتري أن بالمبيع جميع العيوب ورضي به ، وظنوا أن ذلك يجوز منهم عن بطلان البيع ، والشرط على بعض الأقوال في شرط البراءة ، وهذا جهل لا يجوز فعله ولا يفيد . ( أما ) أنه لا يجوز فعله فلأنه كذب ; لأنه لا يمكن اجتماع جميع العيوب في محل ، [ ص: 629 ] ومنها ما هو متضاد ( وأما ) أنه لا يفيد ; فلما تقدم أن الصحيح عندنا أنه لا يكفي بالتسمية فيما يمكن معاينته كالزنا والسرقة والإباق ، فذكره مجملا بهذه العبارة كذكر ما يمكن معاينته بالتسمية من غير رؤية ، فقياسه أنه لا يفيد فيه أيضا ، فهذا فعل باطل وشهادة باطلة ، قصدت التحذير عنها ; لأن كثيرا ما يغيرها ولا يجوز للحاكم إلزام المشتري بمقتضى هذا الإقرار للعلم بكذبه وبطلانه ، وإذا وقع ذلك يكون حكمه حكم ما لو شرط البراءة ، فيفسد العقد على أحد القولين ، ويصح على الآخر ، ويبرأ من العيب الباطل المجهول في الحيوان دون غيره .



                                      ( فرع ) يختم به الباب ، قال النووي في الروضة : قال أصحابنا : إذا انعقد البيع لم يتطرق إليه الفسخ إلا بأحد سبعة أسباب : خيار المجلس ، والشرط ، والعيب ، وخلف الشرط المقصود ، والإقالة والتحالف وهلاك المبيع قبل القبض . ( قلت ) والتصرية لما كانت ملحقة عند الأكثرين بالعيب ، وعند بعضهم بالخلف لم تكن خارجة عن ذلك ، ولكن قد بقي عليه رجوع البائع عند إفلاس المشتري ، وله أن يلحقه بالعيب ، لكن مثل هذا التكلف يقتضي عد العيب والخلف شيئا واحدا ، فالوجه جعل ذلك قسما آخر ، وبقي عليه أيضا الافتراق في الربويات قبل التقابض ، وهو راجع إلى هلاك المبيع ، وبقي أيضا تعذر إمضاء العقد كما في اختلاط الثمار ، وبيع الصبرة بالصبرة المخالفة لها مكايلة ، كما تقدم على اختلاف فيها . ( وأما ) الخيار الحاصل بسبب الإجبار في المرابحة فهو راجع إلى العيب ; لأنه كالعيب في المبيع ، وقد ذكر المصنف في التنبيه مسألة الاختلاف في قدم العيب وحدوثه ، وإذا باعه عصيرا أو سلمه ، ولم يذكرهما في المهذب في هذا الباب ، وذكر المسألة الأولى في باب اختلاف المتبايعين ، وسنشرحهما هناك إن شاء الله تعالى ، بعون الله وتيسيره




                                      الخدمات العلمية