الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        [ ص: 290 ] 5 - قالوا : حديث يكذبه العيان

        احتراق ورق المصحف

        قالوا : رويتم عن ابن لهيعة ، عن مشرح بن عاهان ، عن عقبة بن عامر قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : لو جعل القرآن في إهاب ، ثم ألقي في النار ما احترق ، قالوا : وهذا خبر لا نشك في بطلانه ؛ لأنا قد نرى المصاحف تحترق وينالها ما ينال غيرها من العروض والكتب .

        قال أبو محمد : ونحن نقول : إن لهذا تأويلا ذهب عليهم ولم يعرفوه ، وأنا مبينه إن شاء الله تعالى .

        حدثني يزيد بن عمرو قال : سألت الأصمعي عن هذا الحديث فقال : يعني لو جعل القرآن في إنسان ، ثم ألقي في النار ما احترق .

        [ ص: 291 ] وأراد الأصمعي أن من علمه الله تعالى القرآن من المسلمين وحفظه إياه لم تحرقه النار يوم القيامة إن ألقي فيها بالذنوب ، كما قال أبو أمامة : " احفظوا القرآن أو اقرؤوا القرآن ولا تغرنكم هذه المصاحف ؛ فإن الله تعالى لا يعذب بالنار قلبا وعى القرآن " . وجعل الجسم ظرفا للقرآن كالإهاب .

        والإهاب : الجلد الذي لم يدبغ .

        ولو كان الإهاب يجوز أن يكون مدبوغا ما جاز أن يجعله كناية عن الجسم .

        ومثله قول عائشة - رضي الله عنها - حين خطبت ووصفت أباها فقالت : " قرر الرؤوس على كواهلها وحقن الدماء في أهبها " . تعني في الأجساد .

        وفيه قول آخر قال بعضهم : كان هذا في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - علما للنبوة ودليلا على أن القرآن كلام الله تعالى ومن عنده نزل أبانه الله تعالى بهذه الآية في وقت من تلك الأوقات وعند طعن المشركين فيه ، ثم زال ذلك بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - ، كما تكون الآيات في عصور الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - من ميت يحيا ، وذئب يتكلم ، وبعير يشكو ، ومقبور تلفظه الأرض ، ثم يعدم ذلك بعدهم .

        وفيه قول آخر : وهو أن يرد المعنى في قوله ما احترق إلى القرآن لا إلى الإهاب .

        يريد أنه إن كتب القرآن في جلد ثم ألقي في النار ، احترق الجلد والمداد ولم يحترق القرآن ، كأن الله - عز وجل - يرفعه منه ويصونه عن النار ، ولسنا نشك في أن القرآن في المصاحف على الحقيقة لا على المجاز كما يقول أصحاب الكلام : " إن الذي في المصحف دليل على القرآن وليس به " .

        [ ص: 292 ] والله - تبارك وتعالى - يقول : إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو ، يريد المصحف .

        التالي السابق


        الخدمات العلمية