الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء فيمن أم قوما وهم له كارهون

                                                                                                          358 حدثنا عبد الأعلى بن واصل بن عبد الأعلى الكوفي حدثنا محمد بن القاسم الأسدي عن الفضل بن دلهم عن الحسن قال سمعت أنس بن مالك يقول لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة رجل أم قوما وهم له كارهون وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط ورجل سمع حي على الفلاح ثم لم يجب قال وفي الباب عن ابن عباس وطلحة وعبد الله بن عمرو وأبي أمامة قال أبو عيسى حديث أنس لا يصح لأنه قد روي هذا الحديث عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل قال أبو عيسى ومحمد بن القاسم تكلم فيه أحمد بن حنبل وضعفه وليس بالحافظ وقد كره قوم من أهل العلم أن يؤم الرجل قوما وهم له كارهون فإذا كان الإمام غير ظالم فإنما الإثم على من كرهه وقال أحمد وإسحق في هذا إذا كره واحد أو اثنان أو ثلاثة فلا بأس أن يصلي بهم حتى يكرهه أكثر القوم

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( أخبرنا محمد بن القاسم الأسدي ) قال العراقي : لم أر له عند المصنف يعني الترمذي إلا هذا الحديث وليس له في بقية الكتب شيء وهو ضعيف جدا كذبه أحمد والدارقطني ، وقال أحمد : أحاديثه موضوعة ( عن الفضل بن دلهم ) بفتح الدال وسكون اللام بوزن جعفر هو لين رمي بالاعتزال من السابعة ( عن الحسن ) هو الحسن البصري .

                                                                                                          قوله : " رجل أم قوما وهم له كارهون " لأمر مذموم في الشرع ، وإن كرهوا لخلاف ذلك فلا كراهة : قال ابن الملك : كارهون لبدعته أو فسقه أو جهله ، أما إذا كان بينه وبينهم كراهة عداوة بسبب أمر دنيوي فلا يكون له هذا الحكم " وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط " هذا إذا كان السخط لسوء خلقها أو سوء أدبها أو قلة طاعتها : أما إن كان سخط زوجها من غير جرم فلا إثم عليها ، قاله ابن الملك . وقال المظهر : هذا إذا كان السخط لسوء خلقها وإلا فالأمر بالعكس ، انتهى . قال في القاموس السخط بالضم وكعنق وجبل ومقعد ضد الرضا ، وقد سخط كفرح وتسخط وأسخطه أغضبه " ورجل سمع حي على الفلاح ، ثم لم يجب " أي لم يذهب إلى المسجد للصلاة مع الجماعة من غير عذر .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن ابن عباس وطلحة ) أي طلحة بن عبيد الله ( وعبد الله بن عمرو وأبي أمامة ) أما حديث ابن عباس فأخرجه ابن ماجه بلفظ : قال : ثلاثة لا ترتفع صلاتهم فوق [ ص: 289 ] رءوسهم شبرا : رجل أم قوما وهم له كارهون ، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط ، وأخوان متصارمان ، قال العراقي : وإسناده حسن . وأما حديث طلحة فأخرجه الطبراني في الكبير بلفظ : قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أيما رجل أم قوما وهم له كارهون ، لم تجز صلاته أذنيه . وفي إسناده سليمان بن أيوب الطلحي قال فيه أبو زرعة : عامة أحاديثه لا يتابع عليها . وقال الذهبي في الميزان : صاحب مناكير وقد وثق وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه أبو داود بلفظ : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : ثلاثة لا يقبل الله منهم صلاة ، من تقدم قوما وهم له كارهون ، ورجل أتى الصلاة دبارا والدبار أن يأتيها بعد أن تفوته ، ورجل اعتبد محرره ، وفي إسناده عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي ضعفه الجمهور . وأما حديث أبي أمامة فأخرجه المصنف في هذا الباب . وفي الباب أيضا عن أبي سعيد عند البيهقي وعن سلمان عن ابن أبي شيبة

                                                                                                          قوله : ( حديث أنس لا يصح إلخ ) حاصله أن الثابت هو المرسل وأما الموصول فهو ضعيف فإنه قد تفرد بوصله محمد بن القاسم الأسدي وهو ضعيف : قال الشوكاني في النيل وأحاديث الباب يقوي بعضها بعضا فينتهض للاستدلال بها على تحريم أن يكون الرجل إماما لقوم يكرهونه . ويدل على التحريم نفي قبول الصلاة وأنها لا تجاوز آذان المصلين ولعن الفاعل لذلك ، انتهى .

                                                                                                          قوله : ( فإذا كان الإمام غير ظالم فإنما الإثم على من كرهه ) يريد أن محمل الحديث ما إذا كان سبب الكراهة من الإمام وإلا فلا إثم عليه بل الإثم على القوم ( قال أحمد وإسحاق في هذا إذا كره واحد أو اثنان أو ثلاثة فلا بأس أن يصلي بهم حتى يكرهه أكثر القوم ) قال الشوكاني : وقيدوه بأن [ ص: 290 ] يكون الكارهون أكثر المأمومين ولا اعتبار بكراهة الواحد والاثنين والثلاثة إذا كان المؤتمون جمعا كثيرا إلا إذا كانوا اثنين أو ثلاثة فإن كراهتهم أو كراهة أكثرهم معتبرة ، قال والاعتبار بكراهة أهل الدين دون غيرهم حتى قال الغزالي في الإحياء : لو كان الأقل من أهل الدين يكرهونه فالنظر إليهم ، قال : وحمل الشافعي الحديث على إمام غير الوالي لأن الغالب كراهة ولاة الأمر ، قال : وظاهر الحديث عدم الفرق ، انتهى .




                                                                                                          الخدمات العلمية