الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                            صفحة جزء
                                                                                            2684 - ذكر من لقي سلمان الفارسي قبل الإسلام من الراهبين ، وذكر عتق سلمان الفارسي

                                                                                            6603 - حدثنا علي بن حمشاذ العدل ، ومحمد بن أحمد بن بالويه الجلاب ، قالا : [ ص: 790 ] ثنا أبو بكر محمد بن شاذان الجوهري ، ثنا سعيد بن سليمان الواسطي ، ثنا عبد الله بن عبد القدوس ، عن عبيد المكتب ، حدثني أبو الطفيل ، حدثني سلمان الفارسي قال : كنت رجلا من أهل جي وكان أهل قريتي يعبدون الخيل البلق ، فكنت أعرف أنهم ليسوا على شيء ، فقيل لي : إن الدين الذي تطلب إنما هو بالمغرب فخرجت حتى أتيت الموصل ، فسألت عن أفضل من فيها فدللت على رجل في صومعة فأتيته ، فقلت له : إني رجل من أهل جي وجئت أن أطلب العمل ، وأتعلم العلم فضمني إليك أخدمك ، وأصحبك وتعلمني شيئا مما علمك الله . قال : نعم ، فصحبته فأجرى علي مثل ما كان يجرى عليه ، وكان يجرى عليه الخل والزيت والحبوب ، فلم أزل معه حتى نزل به الموت فجلست عند رأسه أبكيه ، فقال : ما يبكيك ؟ فقلت : أبكي أني خرجت من بلادي أطلب الخير فرزقني الله صحبتك ، فعلمتني ، وأحسنت صحبتي ، فنزل بك الموت ، فلا أدري أين أذهب ؟ فقال : لي أخ بالجزيرة مكان كذا وكذا وهو على الحق ، فأته فأقرئه مني السلام ، وأخبره أني أوصيت إليه وأوصيتك بصحبته ، فلما أن قبض الرجل خرجت فأتيت الرجل الذي وصفه لي فأخبرته بالخبر ، وأقرأته السلام من صاحبه وأخبرته أنه هلك وأمرني بصحبته ، فضمني إليه وأجرى علي كما كان يجري علي مع الآخر فصحبته ما شاء الله ، ثم نزل به الموت ، فلما نزل به الموت جلست عند رأسه أبكي ، فقال لي : ما يبكيك ؟ قلت : خرجت من بلادي أطلب الخير فرزقني الله صحبة فلان ، فأحسن صحبتي وعلمني وأوصاني عند موته بك ، وقد نزل بك الموت فلا أدري أين أتوجه ، فقال : تأتي أخا لي على درب الروم فهو على الحق ، فأته وأقرئه مني السلام واصحبه فإنه على الحق ، فلما قبض الرجل خرجت حتى أتيته ، فأخبرته بخبري وتوصية الآخر قبله قال : فضمني إليه وأجرى علي كما كان يجري علي ، فلما نزل به الموت جلست أبكي عند رأسه ، فقال لي : ما يبكيك ؟ فقصصت قصتي قلت له : إن الله تعالى رزقني صحبتك فأحسنت صحبتي وقد [ ص: 791 ] نزل بك الموت ولا أدري أين أتوجه ، فقال : لا دين وما بقي أحد أعلمه على دين عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام في الأرض ، ولكن هذا أوان يخرج فيه نبي أو قد خرج بتهامة وأنت على الطريق لا يمر بك أحد إلا سألته عنه ، فإذا بلغك أنه قد خرج ، فإنه النبي الذي بشر به عيسى صلوات الله عليه وسلامه عليهما ، وآية ذلك أن بين كتفيه خاتم النبوة ، وأنه يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة . قال : فكان لا يمر بي أحد إلا سألته عنه ، فمر بي ناس من أهل مكة فسألتهم فقالوا : نعم ، ظهر فينا رجل يزعم أنه نبي ، فقلت لبعضهم : هل لكم أن أكون عبدا لبعضكم على أن تحملوني عقبه وتطعموني من الكسر ، فإذا بلغتم إلى بلادكم ، فإن شاء أن يبيع باع ، وإن شاء أن يستعبد استعبد ، فقال رجل منهم : أنا . فصرت عبدا له حتى أتى بي مكة ، فجعلني في بستان له مع حبشان كانوا فيه ، فخرجت فسألت فلقيت امرأة من أهل بلادي فسألتها ، فإذا أهل بيتها قد أسلموا ، قالت لي : إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يجلس في الحجر هو وأصحابه إذا صاح عصفوربمكة حتى إذا أضاء لهم الفجر تفرقوا ، فانطلقت إلى البستان فكنت أختلف ، فقال لي الحبشان : ما لك ؟ فقلت : أشتكي بطني ، وإنما صنعت ذلك لئلا يفقدوني إذا ذهبت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فلما كانت الساعة التي أخبرتني المرأة يجلس فيها هو وأصحابه خرجت أمشي حتى رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فإذا هو يجلس ، وإذا أصحابه حوله فأتيته من ورائه فعرف النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي أريد ، فأرسل حبوته فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه فقلت : الله أكبر هذه واحدة ، ثم انصرفت فلما أن كانت الليلة المقبلة لقطت تمرا جيدا ، ثم انطلقت حتى أتيت به النبي صلى الله عليه وآله وسلم فوضعته بين يديه ، فقال : " ما هذا ؟ " فقلت : صدقة ، فقال للقوم : " كلوا " ولم يأكل ، ثم لبثت ما شاء الله ثم أخذت مثل ذلك ثم أتيته فوضعته بين يديه ، فقال : " ما هذا ؟ " فقلت : هدية فأكل منها ، وقال للقوم : " كلوا " ، فقلت : أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله . فسألني عن أمري وأخبرته ، فقال : " اذهب فاشتر نفسك " ، فانطلقت إلى صاحبي ، فقلت : بعني نفسي ، فقال : نعم ، على أن تنبت لي بمائة نخلة ، فما غادرت منها نخلة إلا نبتت ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فأخبرته أن النخل قد نبتت فأعطاني قطعة من ذهب ، فانطلقت بها فوضعتها في كفة الميزان ووضعت في الجانب الآخر نواة قال : فوالله ما استقلت قطعة الذهب من الأرض قال : وجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبرته " فأعتقني .

                                                                                            [ ص: 792 ] هذا حديث صحيح الإسناد والمعاني قريبة من الإسناد الأول .

                                                                                            التالي السابق


                                                                                            الخدمات العلمية