الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في كراهية أن يخص الإمام نفسه بالدعاء 357 حدثنا علي بن حجر حدثنا إسمعيل بن عياش حدثني حبيب بن صالح عن يزيد بن شريح عن أبي حي المؤذن الحمصي عن ثوبان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يحل لامرئ أن ينظر في جوف بيت امرئ حتى يستأذن فإن نظر فقد دخل ولا يؤم قوما فيخص نفسه بدعوة دونهم فإن فعل فقد خانهم ولا يقوم إلى الصلاة وهو حقن قال وفي الباب عن أبي هريرة وأبي أمامة قال أبو عيسى حديث ثوبان حديث حسن وقد روي هذا الحديث عن معاوية بن صالح عن السفر بن نسير عن يزيد بن شريح عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم وروي هذا الحديث عن يزيد بن شريح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وكأن حديث يزيد بن شريح عن أبي حي المؤذن عن ثوبان في هذا أجود إسنادا وأشهر

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( أخبرنا إسماعيل بن عياش ) بن سليم العنسي أبو عتبة الحمصي صدوق في روايته عن أهل بلده مخلط في غيرهم كذا في التقريب . وقال في الخلاصة : وثقه أحمد وابن معين ودحيم والبخاري وابن عدي في أهل الشام وضعفه في الحجازيين ، انتهى . قلت : روى إسماعيل بن عياش هذا الحديث عن حبيب بن أبي صالح وهو من أهل بلده فإنه حمصي ( حدثني حبيب بن صالح ) قال في التقريب : حبيب بن صالح أو ابن أبي موسى الطائي أبو موسى الحمصي ثقة من السابعة ( عن يزيد بن شريح ) الحضرمي الحمصي مقبول من الثالثة كذا في التقريب ، وقال في الخلاصة : ووثقه ابن حبان ( عن أبي حي المؤذن ) اسمه شداد بن حي صدوق من الثالثة كذا في التقريب . قال السيوطي في قوت المغتذي : ليس للثلاثة يعني لحبيب بن صالح ويزيد بن شريح وأبي حي عند المؤلف إلا هذا الحديث ، انتهى ( عن ثوبان ) الهاشمي مولى النبي صلى الله عليه وسلم صحبه ولازمه ونزل بعده الشام ومات بحمص سنة 54 أربع وخمسين .

                                                                                                          قوله : " لا يحل " أي لا يجوز " لامرئ " وكذا لامرأة " أن ينظر في جوف بيت امرئ " أي [ ص: 286 ] داخله وفي رواية أبي داود في قعر بيت " حتى يستأذن " أي أهل البيت " فإن نظر فقد دخل " أي إن نظر قبل الاستئذان من جحر أو غيره فقد ارتكب إثم من دخل البيت بلا استئذان قال ابن العربي : الاطلاع على الناس حرام بالإجماع ، فمن نظر داره فهو بمنزلة من دخل داره " ولا يؤم " الرفع نفي بمعنى النهي " قوما فيخص " بالنصب بأن المقدرة لوروده بعد النفي على حد لا يقضى عليهم فيموتوا قاله المناوي ، قلت : ويمكن أن يكون بالرفع عطفا على لا يؤم " نفسه بدعوة دونهم " أي دون مشاركتهم في دعائه " فإن فعل فقد خانهم " قال الطيبي : نسب الخيانة إلى الإمام لأن شرعية الجماعة ليفيد كل من الإمام والمأموم الخير على صاحبه ببركة قربه من الله تعالى ، فمن خص نفسه فقد خان صاحبه ، وإنما خص الإمام بالخيانة ؛ لأنه صاحب الدعاء ، وإلا فقد تكون الخيانة من جانب المأموم " وهو حقن " بفتح الحاء وكسر القاف وهو الذي به بول شديد يحبسه والجملة حال قال ابن العربي : اختلف في تعليله فقيل : لأنه يشتغل ولا يوفي الصلاة حقها من الخشوع ، وقيل : لأنه حامل نجاسة ؛ لأنها متدافعة للخروج فإذا أمسكها قصدا فهو كالحامل لها ، انتهى . والمعتمد هو الأول . وفي رواية أبي داود : ولا يصل وهو حقن حتى يتخفف نفسه بخروج الفضلة .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن أبي هريرة وأبي أمامة ) أما حديث أبي هريرة فأخرجه أبو داود من طريق ثور عن يزيد بن شريح عن أبي حي المؤذن عنه . وأما حديث أبي أمامة فلينظر من أخرجه .

                                                                                                          قوله : ( حديث ثوبان حديث حسن ) وأخرجه أبو داود وابن ماجه وسكت عنه أبو داود والمنذري .

                                                                                                          قوله : ( وقد روي هذا الحديث عن معاوية بن صالح عن السفر ) بفتح السين المهملة وسكون الفاء ( بن نسير ) بضم النون وفتح السين المهملة مصغرا وآخره راء الأزدي الحمصي أرسل عن أبي الدرداء وهو ضعيف من السادسة ، وروى هذا الحديث بهذا الطريق ابن ماجه بلفظ : نهى أن يصلي الرجل وهو حاقن . وحديث ثوبان رضي الله عنه هذا يدل على كراهة أن [ ص: 287 ] يخص الإمام نفسه بالدعاء ولا يشارك المأمومين فيه ، ولذلك قال العلماء الشافعية والحنبلية يستحب للإمام أن يقول في دعاء القنوت المروي عن الحسن بن علي رضي الله عنه : اللهم اهدنا فيمن هديت بجمع الضمير مع أن الرواية اللهم اهدني فيمن هديت بإفراد الضمير . قال الشيخ منصور بن إدريس الحنبلي في كشاف القناع في شرح الإقناع : والرواية إفراد الضمير وجمع المؤلف لأن الإمام يستحب له أن يشارك المأموم في الدعاء ، انتهى . وكذلك قال الشيخ منصور بن يونس البهوتي الحنبلي في شرح المنتهى .

                                                                                                          فإن قلت : قد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يدعو في صلاته وهو إمام بالإفراد فكيف التوفيق بين ذلك وبين حديث ثوبان ؟

                                                                                                          قلت : ذكروا في التوفيق بينهما وجوها ، قال الحافظ ابن القيم في زاد المعاد : والمحفوظ في أدعيته صلى الله عليه وسلم في الصلاة كلها بلفظ الإفراد كقوله : " رب اغفر لي وارحمني واهدني " وسائر الأدعية المحفوظة عنه ، ومنها قوله في دعاء الاستفتاح : اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والبرد والماء البارد ، اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب الحديث . وروى أحمد وأهل السنن من حديث ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم : لا يؤم عبد قوما فيخص نفسه بدعوة فإن فعل فقد خانهم . قال ابن خزيمة في صحيحه : وقد ذكر حديث " اللهم باعد بيني وبين خطاياي " الحديث ، قال في هذا دليل على رد الحديث الموضوع : لا يؤم عبد قوما فيخص نفسه بدعوة دونهم فإن فعل فقد خانهم . وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول : هذا الحديث عندي في الدعاء الذي يدعو به الإمام لنفسه وللمأمومين ويشتركون فيه كدعاء القنوت ونحوه ، انتهى كلام ابن القيم .

                                                                                                          قلت : الحكم على حديث ثوبان المذكور بأنه موضوع ليس بصحيح ، بل هو حسن كما صرح به الترمذي ، وقال العزيزي : هذا في دعاء القنوت خاصة بخلاف دعاء الافتتاح والركوع والسجود والجلوس بين السجدتين والتشهد ، وقال في التوسط معناه تخصيص نفسه بالدعاء في الصلاة والسكوت عن المقتدين ، وقيل نفيه عنهم كارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا أحدا وكلاهما حرام ، أو الثاني حرام فقط لما روي أنه كان يقول بعد التكبير : " اللهم نقني من خطاياي " الحديث ، انتهى . قلت : قول الشافعية وغيرهم أنه يستحب للإمام أن يقول اللهم اهدنا بجمع الضمير فيه [ ص: 288 ] أنه خلاف المأثور ، والمأثور إنما هو بإفراد الضمير ، فالظاهر أن يقول الإمام بإفراد الضمير كما ثبت لكن لا ينوي به خاصة نفسه بل ينوي به العموم والشمول لنفسه ولمن خلفه من المأمومين هذا ما عندي والله تعالى أعلم .




                                                                                                          الخدمات العلمية