الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى : ( فإن اشتراها وهي حامل فولدت عنده ( فإن قلنا ) إن الحمل له حكم ، رد الجميع ( وإن قلنا ) لا حكم للحمل ، رد الأم دون الولد ) .

                                      [ ص: 427 ]

                                      التالي السابق


                                      [ ص: 427 ] الشرح ) هذا بناء صحيح اتفق عليه الأصحاب والصحيح ، أن له حكما ويقابله قسط من الثمن ويحبسه على استيفاء الثمن . فالصحيح أنه يرد الجميع ، وعلى الثاني يكون الولد كالولد الحادث فيأتي فيه الخلاف في الرد قبل بلوغه سن التفريق ، والأصح المنع كما تقدم ، خلافا للمصنف رحمه الله ويأتي فيه أيضا ما تقدم في الولد الحادث قبل القبض إن حصلت الولادة قبل القبض من الخلاف في حبسه بالثمن ، ورجوعه إلى البائع عند اتفاق فسخ أو انفساخ على ما تقدم ، وسواء قلنا له رد الجميع على الصحيح أو رد الأم دون الولد على القول الآخر ، فشرطه على ما قال الماوردي والروياني والرافعي رحمهم الله وأفهم كلام ابن الصباغ أن يكون حصل لها بالوضع نقص ، فإن حصل نقص فلا رد . وقد تقدم أن ابن الرفعة قال : قياسه أن يتخرج على الوجهين ، يعني في العيب الذي تقدم سببه ، هل يكون من ضمان البائع ؟ أو من ضمان المشتري ؟ والأصح أنه من ضمان البائع ، فينبغي على ذلك أن يرد ، وإن حصل نقص وأيد ذاك بما إذا أصدقها جارية حائلا ثم حملت في يده ثم وضعت في يدها ثم طلقها ، وأن الرافعي رحمه الله حكى في نسبة النقص الحاصل إليه أو إليها وجهين ، وهذا الذي ذكره ابن الرفعة قوي وقياسه أن يكون الأصح أنه يرد ، ولكن الماوردي وابن الصباغ جزما بخلاف ذلك . واعلم أني قدمت عن القاضي حسين والبغوي والرافعي ما يقتضي أن الخلاف في كون ذلك مع ضمان البائع ، أو من ضمان المشتري جار مع العلم ، وفرعوا عليه أنه يرد الجارية بعد زوال البكارة والعبد بعد قطع يده بعيب آخر قديم مع العلم بالتزوج والجناية على قولنا : إن ذلك من ضمان البائع ، وهو الصحيح الذي استشكله هناك وقلت : ينبغي أن يكون الرضا بالعيب قطعا لأثره حتى يكون ما يوجد في يد المشتري ، وإن كان من سببه منسوبا إلى يد المشتري لرضاه لسببه دون البائع ، ولم أر من اعتضد به في ذلك النقل ، ولا ما يرده إلا كلام القاضي حسين ومن تبعه على سبيل التفريع ، فإن كان الأمر كما قلت فقد اندفع الإشكال عن الماوردي وابن الصباغ هنا ، فإن [ ص: 428 ] المشتري عالم بالحمل ، فكذلك النقصان الحادث عنده منسوب إليه .

                                      وقد وجدت بعد ذاك بآخر التتمة صرح بامتناع الرد إذا علم بالزوجية ثم أزال الزوج بكارتها بعد القبض ، ووجد بها عيبا آخر وقد ألحقته هناك فاندفع السؤال . نعم لو لم يعلم بالحمل كان ذلك من ضمان البائع ولا يمنع الرد حينئذ ولا يندفع الإشكال عن الرافعي لتصريحه بالحكمين في المسألتين على أن الماوردي رحمه الله في أصل المسألة مال إلى أن ذلك من ضمان المشتري ، فلعله ذكر التفريع هنا على ما مال إليه هناك فلا يرد عليه شيء ، وإن كان الأمر كما ذكره القاضي حسين ومن تبعه ، وأن الحادث الذي تقدم سببه منسوب إلى البائع في عدم منع الرد بغيره مع علم المشتري ، وإن لم يكن يرد به فطريق الجواب يحتاج إلى تأويل . والذي خطر لي الآن أن يحمل المنع من الرد على حالة يحصل فيها من الولادة نقصان عن قيمتها مع الحمل ، فإنه رضي بها حاملا فالغالب أنها بالولادة تزيد قيمتها عن حالة الحمل فإن الحمل عيب فإذا نقصت بالولادة عن قيمتها حاملا كان ذلك عيبا جديدا مانعا من الرد ; لأنه ليس الغالب حصوله بسبب الحمل والذي لا يغلب حصوله من السبب المتقدم تبعد نسبته إليه ، فلذلك لم يجعل من ضمان البائع فيكون مانعا من الرد بعيب آخر . وأما مسألة الصداق فتحمل على أن المراد النقصان عن حالة الخيار ، وهي الحالة التي كانت عليها عند الإصداق ، ولا شك أن الجارية إذا حبلت وولدت تنقص قيمتها عما كانت عليه قبل ذلك ، والنقص بالحمل قد زال بالوضع وبقي النقص الآخر عن حالة الحبال ، فالولادة في يد الزوجة وسببها في يد الزوج وهو مما فعلت ، ولا يندر فيجري فيه الخلاف ، فإن فرض نقص بالولادة عن حالة الحمل الحاصل في يد البائع ، فهو نقص جديد يتجه أن يكون من ضمان الزوجة ، كما في المشتري ههنا ، هذا ما خطر لي في ذلك ، وفيه نظر ، والله أعلم .

                                      ( فرع ) أطلق الرافعي رحمه الله اشتراط عدم النقص بالولادة ، ولم يفرق بين ما بعد القبض وما قبله ، والماوردي وابن الصباغ [ ص: 429 ] رحمهما الله فرضا المسألة فيما إذا كانت الولادة عند المشتري ، كما فرض المصنف رحمه الله ولا شك أنها إذا ولدت قبل القبض ولم يحصل نقص ترد إذا اطلع على عيب آخر ، أما إذا حصل نقص فقد قدمت كلاما في أن العيب الحادث قبل القبض إذا استند إلى أمر سابق علم المشتري هل يكون موجبا للرد أو لا ؟ وهل يكون مانعا من الرد بغير أو لا ؟ والذي ظهر أنه ليس موجبا ولا مانعا وقد صرح صاحب التتمة أنه إذا اشترى أمة مزوجة عالما بتزويجها ، فأزال بكارتها قبل القبض ، ثم اطلع على عيب بها ، هذا ما يقتضي تقييد كلام الرافعي رحمه الله ، والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية