الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( وإن أراد أن يرد بعضه لم يجز ; لأن على البائع ضررا في تبعيض الصفقة عليه ، فلم يجز من غير رضاه ، وإن اشترى عبدين فوجد بأحدهما عيبا فهل له أن يفرده بالرد ؟ فيه قولان أحدهما لا يجوز ; لأنه تبعيض صفقة على البائع فلم يجز [ ص: 365 ] من غير رضاه والثاني يجوز لأن العيب اختص بأحدهما ، فجاز أن يفرده بالرد ، وإن ابتاع اثنان عبدا فأراد أحدهما أن يمسك حصته وأراد الآخر أن يرد حصته جاز لأن البائع فرق الملك في الإيجاب لهما فجاز أن يرد عليه أحدهما دون الآخر كما لو باع منهما في صفقتين ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) هذه ثلاث مسائل : الأولى إذا كان المبيع عينا واحدة في صفقة واحدة ، فإن كانت باقية في ملك المشتري فليس له أن يرد بعضها بغير رضا البائع لمعنيين ( أحدهما ) تفريق الصفقة ( والثاني ) أن الشركة عيب ، فإذا رد النصف كان معيبا ولا يجوز رد العين إذا حدث فيها عيب ، والمنع في هذه الحالة لا يكاد يعرف فيه خلاف ، وصرح القاضي حسين أنه لا خلاف فيه . قال الإمام : ورأيت لصاحب التقريب طرد القولين فيه وهو خطأ غير بعيد وهذا الخلاف نقله القاضي حسين عن صاحبه فيما إذا باع النصف ، ومع ذلك غلطه ، وإن كان قد باع بعض العين لغير البائع فكذلك عند الجمهور . وقال الماوردي : إن جوزنا تفريق الصفقة فله رد ما بقي واسترجاع حصته ، والتوقف حتى ينظر ما يئول إليه حاله . وحكى ذلك عن نقل الشيخ أبي علي ، وحكاه القاضي حسين عن صاحبه كما تقدم وغلطه ، ولم يطرد الماوردي هذا في حال بقاء الجميع في ملكه ، بل جزم بالمنع .

                                      ( فإن قلنا ) بجواز الرد فذاك ، ويسترجع قسطه من الثمن بلا خلاف . قال الإمام : إذ لو قلنا : يسترجع الجميع وباقي المبيع في يده فكان مضيا إلى إثبات شيء من المبيع في يد المشتري من غير مقابل ، وأورد ابن الرفعة أنه : لم لا يقال يبقى الباقي بجميع الثمن ولا يسترجع شيئا ؟ ويكون المردود كالتالف قبل القبض ويكون فائدة الرد التخلص عن عهدة المبيع ، كما قاله القاضي حسين فيما إذا أبرئ من الثمن ، قلت : فالقاضي حسين وافق الإمام على ما قال ، وعلل بعدم الفائدة في الرد لو قلنا : يمسك الجميع ، والله أعلم .

                                      ( وإن قلنا ) بالصحيح المشهور الذي جزم به المصنف أنه لا يجوز [ ص: 366 ] له الرد ففي حالة بقائه كله في ملكه لا أرش له ; لأنه متمكن من رد الجميع ، وفي حالة خروجه عن ملكه إن كان بالمبيع ; فقد حكى الماوردي عنه في وجوب الأرش وجهين مبنيين على التعليلين فيما إذا باع الجميع ( أصحهما ) الوجوب ، وسنذكرهما في كلام المصنف في بيع الجميع بعد ثلاثة فصول إن شاء الله تعالى ، وفيما إذا خرج بغير المبيع بالوقف رجع بالأرش ، وبالعتق لا يمكن ; لأنه يسري إلى الباقي وبالهبة على ما سنذكره في كلام المصنف في خروج الجميع ، فإن على القول بامتناع الرد في النقص والعجز عن رد الجميع يكون الكلام في الأرش كالكلام في تعذر الرد في الجميع ، حرفا بحرف ، والصحيح فيما إذا خرج بعضه بالبيع هنا أنه لا رد ولا أرش . قال الشافعي رحمه الله في المختصر : ولو كان باعها أو بعضها ثم [ ردها ] عليه بالعيب لم يكن له أن يرجع على البائع بشيء ، ولا من قيمته من العيب وقال في الأم في اختلاف العراقيين في باب الاختلاف في العيب : وإذا اشترى الرجل من الرجل الجارية أو الثوب أو السلعة ، فباع نصفها من رجل ، ثم ظهر منها على عيب ، دله له البائع لم يكن له أن يرد النصف بحصته من الثمن على البائع ، ولا يرجع عليه بشيء من نقص العيب من أصل الثمن ، وذكر الشافعي رحمه الله كلاما أكثر من ذلك سأذكره عند بيع الجميع . فإن فيه إشارة إلى أن العلة كونه لم يأنس من الرد ، وهناك أذكره إن شاء الله تعالى .

                                      وكلام المصنف رحمه الله يقتضي أنه إذا رضي البائع جاز ، ولنا في إفراد إحدى العينين بالرد برضاء البائع وجهان ( أصحهما ) الجواز ، فليكن ما اقتضاه كلام المصنف رحمه الله جاريا على الأصح ( إذا قلنا ) بذلك ، فلو بذل المشتري أرش نقصان النقيض هل يجبر البائع عليه ؟ يحتمل أن يأتي فيه الخلاف فيما إذا طلب أحدهما الرد مع أرش العيب ، وطلب الآخر الإمساك وغرامة الأرش ، فإن قلنا : يجاب المشتري أجبناه وأجبرنا البائع ، ومن ذلك يأتي في المسألة أوجه ( أصحها ) امتناع الرد إلا برضاء البائع ( والثاني ) الامتناع مطلقا ( والثالث ) الجواز مع أرش التبعيض ( والرابع ) من غير أرش ، وهو ما يقتضيه كلام صاحب التقريب والماوردي ، والوجهان بعيدان والأكثرون على [ ص: 367 ] القطع بخلافهما وقد أطلق أكثر الأصحاب هذا الحكم ، والخلاف في جواز التبعيض ، ولم يفرقوا بين المتقوم والمثلي . ولا شك أن ما ذكروه يظهر في المتقوم للمعنيين المذكورين .

                                      ( أما ) المثلي فالحنطة ونحوها إذا اشترى صبرة حنطة فوجد بها عيبا فأراد رد بعضها ، قال صاحب التتمة : إن قلنا في العبدين يجوز فههنا كذلك وإلا فوجهان والفرق أن رد البعض لا يؤدي إلى تجهيل الثمن ، قلت : وينبغي بناؤهما على خلاف سيأتي أن المانع الضرر أو اتحاد الصفقة ( إن قلنا ) بالأول جاز ; لأنه لا ضرر ( وإن قلنا ) بالثاني فالصفقة متحدة ، فينبني على أنه هل يجوز تفريق الصفقة أو لا ؟ فعلى الأول يجوز ، وعلى الثاني يمتنع ، ولا يضر كون التفريق هنا اختياريا لكونه لا ضرر فيه . وقد رأيت المسألة منصوصا عليها في البويطي في آخر باب الصرف ، وقال : ومن اشترى من رجل متاعا جملة مما لا يكال ولا يوزن فوجد ببعضه عيبا يرده جميعا أو يأخذه جميعا ، وإن كان مما يكال ويوزن فهو مخير إن شاء أخذ الجيد بحصته ورد ما بقي ، وهذا صريح في الجواز ، ودال على أن المراعى الضرر ، ولو باع المشتري للمشتري بعض العين الواحدة من البائع ثم وجد بالباقي عيبا . قال القاضي حسين : فالمذهب أن له الرد إذ ليس فيه تبعيض الملك على البائع وقيل : لا يرده ( قلت ) وينبغي بناء ذلك على أن المانع الضرر أو اتحاد الصفقة ( إن قلنا ) بالأول فله الرد ( وإن قلنا ) بالثاني فتخرج على التفريق كما تقدم ، وسيأتي حكمه في كلام المصنف في بقية هذا الفصل إن شاء الله تعالى .

                                      ( فرع ) لو مات المشتري في هذه الصورة وخلف وارثين ، فهل لأحدهما رد نصيبه ؟ فيه ثلاثة أوجه : ( أحدها ) ليس له الانفراد لاتحاد الصفقة ، وهو قول ابن الحداد ، والأصح عند الرافعي ، واستدلوا له بأنه لو سلم أحد الاثنين نصف الثمن لم يلزم البائع تسليم النصف إليه فعلى هذا هل يجب له الأرش ؟ فيه ثلاثة أوجه ( ثالثها ) إن أيس على الرد رجع وإلا فلا ، وهو الأصح عند القاضي حسين ، وقد ذكر الرافعي هذه المسألة عند ما إذا اشترى وكيل عن رجلين ، وسأذكر ما قاله هناك إن شاء الله تعالى .

                                      [ ص: 368 ] والثاني ) يجوز أن ينفرد برد نصيبه لأنه جميع ماله . حكاه الرافعي .

                                      ( والثالث ) أن البائع مخير بين أن يأخذ نصف المبيع ويعطي نصف الثمن وبين أن يعطي نصف الأرش ويخير الذي يريد الرد على إسقاط حقه ، قاله الماوردي ، وحكاه العمراني أن أبا الطيب ذكره عن ابن الحداد في شرح المولدات .



                                      ( المسألة الثانية ) إذا اشترى عينين من رجل واحد صفقة واحدة ولها صور : ( إحداها ) ما ذكره المصنف أن يجد العيب بإحداهما ، وهما باقيان في يده فهل له إفراد المعيبة بالرد ؟ فيه قولان ( أظهرهما ) عند الماوردي والرافعي ، وقال القاضي أبو الطيب والروياني : إنه ظاهر المذهب ، وقطع به الشيخ أبو حامد ، وهو المنصوص عليه في الأم في كتاب الصلح وهو قول جمهور الأصحاب : إنه ليس له ذلك ، بل يردهما جميعا أو يمسكهما جميعا ، سواء أكان ذلك قبل القبض أم بعده وسواء أكان مما يتساوى قيمته كالكرين من الطعام ، أو يختلف كالعبدين والثوبين ، هكذا ذكره ، وقد تقدم عن مختصر البويطي أن من اشترى مما يكال ويوزن أنه يجوز التبعيض ، ومقتضى ذلك أن يجوز إفراد أحد الكرين بالرد .

                                      ( والقول الثاني ) الجواز ، واختاره الروياني في الحلية ، والقولان عند الماوردي والقاضي أبي الطيب والغزالي والروياني وغيرهم مبنيان على تفريق الصفقة ( إن قلنا ) يفرق جاز ، وإلا لم يجز ، لكن قياس هذا البناء كما قال الرافعي أن يكون قول التجويز أظهر ، وأشار إلى الجواب بأن الصفقة وقعت مجتمعة ، ولا ضرورة إلى تفريقها فلا يفرق يعني وليس كما إذا جمعت حلالا وحراما أو حلالين ، وتلف أحدهما قبل القبض فإن التفريق هناك ليس اختياريا ، وحاول ابن الرفعة إثبات قول يمنع إفراد المعيب بالرد . وإن قلنا : يجوز تفريق الصفقة وذكر من نص الشافعي في الصلح ما يدل دلالة ظاهرة على ذلك ويمكن أن يؤخذ من كلام المصنف ما يدل له لأنه علل المنع بما يحصل من الضرر بتبعيض الصفقة فلم يجز من غير رضاه . وهذا الكلام يشعر بجواز تفريق الصفقة [ ص: 369 ] إذا رضي ، فالراجح أن لا يجهل ، القولان مبنيين على تفريق الصفقة بل مرتبين ، بأن يقال : إن منعنا تفريق الصفقة منعنا هنا ، وإلا فقولان ، والترتيب أوفق لكلام الأئمة الذين أطلقوا البناء ، فإنه قد يطلق البناء على الترتيب ويبعد جعلهما قولين برأسهما أوفق لكلام المصنف ، فإنه علل قول الجواز بأن العيب أخص بأحدهما . وهذا يقتضي بمفهومه أن العيب إذا لم يختصر وكان فيهما لا يجوز الإفراد مع القول بجواز تفريق الصفقة . فأفاد أول كلامه وآخره أن لنا قولا بالمنع . وإن جوزنا تفريق الصفقة لأجل الضرر وقولا بالجواز ، ومنعنا تفريق الصفقة ، قلت : تفريق الصفقة القهري لا يمكن القول بالجواز مع منعه ; لأنه على ذلك القول يستحيل شرعا . وأما التفريق الاختياري برد أحد العينين دون الأخرى فكلا القولين اللذين ذكرهما المصنف رحمه الله يفرعان على منعه ، بمعنى أن المشتري ممنوع منه . وعلى تجويز التفريق القهري فإن أريد بالتفريق القهري فالترتيب صحيح كما اقتضاه كلام الأئمة ، وإن أريد التفريق الاختياري فلا ترتيب ، فلا بناء ، وهما القولان بعينهما . وعلة المصنف تقتضي عدم جريانهما فيما إذا كان المعيب فيهما ، وسأتعرض لذلك في بقية الكلام إن شاء الله تعالى .

                                      ثم إن النص المذكور عن الصلح يدل دلالة قوية على المنع مع القول بتفريق الصفقة ولم أذكر لفظه خشية التطويل مع ظهوره ، فهو يرد التخريج على تفريق الصفقة ، والقول بالجواز مبنيا عليها إلا أن يكون لنا نص في موضع آخر على الجواز ، في خصوص مسألة إفراد المعيب ، ولم أقف عليه ، ولذلك قطع الشيخ أبو حامد بالمنع والذي يقول بالجواز هنا يقول فيما إذا اشترى شقصي دارين أنه يجوز للشفيع أن يأخذ أحدهما دون الآخر ، وقد يحتمل ذلك في شقصي دار واحدة أن يأخذ بعضه ويدع بعضه . قاله صاحب التلخيص . قال الرافعي : والقولان مفروضان في العبدين ، وفي كل شيء لا تتصل منفعة أحدهما بالآخر ، فأما في زوجي خف ومصراعي باب ونحوهما فلا يجوز الإفراد بحال ، وارتكب بعضهم طرد القولين فيه ( قلت ) وجعله صاحب التتمة مرتبا ( إن قلنا ) هناك لا يجوز فههنا وجهان ، وبناهما على أصل أشار القاضي حسين إذا غصب فرد خف [ ص: 370 ] قيمة الزوج عشرة فتلف في يده ورجع قيمة الآخر إلى درهمين ، هل يضمن خمسة أو ثمانية . إن قلنا : خمسة جاز له إفراد أحدهما بالرد ، وإن قلنا ثمانية فلا . وإذا قلنا بالصحيح وأنه لا يجوز الإفراد ، فقال المشتري : رددت المعيب فهل يكون ذلك ردا لهما ؟ فيه وجهان ( أصحهما ) لا بل هو لغو ولو رضي البائع بإفراده جاز على الأصح . هكذا أطلق الرافعي الخلاف ، وينبغي إذا قلنا بجواز تفريق الصفقة أن يجوز قطعا ; لأنه إنما امتنع لضرر البائع وقد رضي . أما إذا منعنا تفريق الصفقة فيمتنع ، وإن رضي . ولذلك قال الغزالي : إنه أقيس الوجهين فيما إذا رضي المنع . قال : لأن استحالة تفريق الصفقة الواحدة لا يختلف بالتراضي ، وما ذكره الغزالي من أنه الأقيس جار على ما قرره من البناء على تفريق الصفقة ، وقد تقدم أن الراجح عدم البناء ، وأن الأولى أن يكون الخلاف مرتبا ، فكذلك الأصح الجواز إذا رضي ، وهو الذي نص الشافعي عليه في كتاب الصلح . والمشكل طريقة الماوردي فإنه قطع بالجواز إذا رضي البائع مع بنائه القولين عند عدم رضاه على تفريق الصفقة ، ولو أراد رد السليم والمعيب معا على هذا القول المانع من الإفراد ; جاز . قال الإمام : لم يختلف العلماء فيه ، وعلى القول الآخر المجوز للإفراد ( الأصح ) الجواز ، وفيه وجه حكاه الإمام والغزالي في الوسيط أنه لا يردهما إلا إذا كانا معيبين ، وضعفه الرافعي وحكى ابن يونس أن الغزالي قال : ( إذا قلنا ) لا يرد يطالب بالأرش ، وتعتبر القيمة يوم العقد ، واعترض الناس عليه بأنه ليس في الوسيط إلا فيما إذا تلف أحد العبدين والأرش يتعين في مسألة التلف بخلاف هذه المسألة إذ يمكن .

                                      ( قلت : ) وهو كذلك ولا اتجاه لما قاله ابن يونس . نعم لو كان صاحب الوجه المذكور الذي يقول : إنه لا يردهما إلا إذا كانا [ ص: 371 ] معيبين يقول : إنه لا يرد المعيب وحده اتجه عنده طلب الأرش ، لكنه ينفيه قول الإمام فيما إذا منعنا الإفراد : إنه لم يختلف العلماء في جواز رد الجميع ، فتعين أن يكون الوجه الذي في الوسيط بمنع ردهما تفريعا على جواز رد أحدهما وحينئذ لا وجه لطلب الأرش لإمكان الرد . ولو أراد رد السليم وحده قطع الماوردي بأنه لا يجوز . وقال ابن الرفعة : إنه لا خلاف فيه ; لأنه إنما يجوز تبعا ، وقد فقدت التبعية ، والله أعلم . وإذا جوزنا الإفراد فرده اشترط قسطه من الثمن بلا خلاف . وقد تقدم من الإمام تعليله واعتراض ابن الرفعة عند الكلام في العين الواحدة .

                                      ( فرع ) قال أبو حنيفة رضي الله عنه بالجواز فيما بعد القبض ، ووافق فيما قبله . واحتج من نصر قوله بأنه تم العقد فيهما ، وانفرد أحدهما بسبب الخيار ، وثبت فيه الخيار كما لو اشترى عبدين واشترط في أحدهما خيار الثلاث ونقض أصحابنا عليه ذلك بما قبل القبض ، أو وجد العيب فيهما ، أو كانا مصراعي باب وزوجي خف ، أو مما تتساوى أجزاؤه مثل كرين من طعام فإن أبا حنيفة رحمه الله قال في هذه المواضع الأربعة مثل ما قلناه . والجواب على شرط الخيار في أحدهما من وجوه بالنقض بالمسائل المذكورة وبأن صاحبه قد رضي بالتبعيض لما شرط ، وبأن وصف تمام العقد لا تأثير له في الأصل ; لأنه يجوز أن يرد الذي شرط فيه الخيار قبل القبض وبعده . فهذا الكلام في ظهور العيب بإحدى العينين وهما باقيتان ، وهي مسألة الكتاب ، على أن إطلاق كلام المصنف رحمه الله يحتمل أن يشمل هذه الصورة والصورة الثالثة التي سنذكرها . وهي إذا كان السليم تالفا ، فإن كان الأول وهو الظاهر ، فالأظهر من قولي الكتاب الأول ، وهو أنه لا يجوز الإفراد وإن كان الباقي . . . الأولى المنع وفي الثالثة الجواز كما . . . ويرجح حمل كلام المصنف على [ ص: 372 ] العموم . . . القولين في الصورتين أن القاضي . . . في حكاية القولين بين ما إذا كان العيب في أحدهما وما إذا كان فيهما وأحدهما تالف ولم يذكر الترتيب . . . سنذكره .

                                      ( الصورة الثانية ) وجد العيب بهما جميعا ، وهما باقيان فله ردهما قطعا ، وفي إفراد أحدهما بالرد القولان السابقان . هكذا قال القاضي حسين والإمام والرافعي وغيرهم . وقد تقدم التنبيه على أن كلام المصنف يفهم القطع بالمنع في هذه الصورة ، وإن كان ساكتا عن التصريح بها ، ولا شك أن الشيخ أبا حامد رحمه الله يقطع هذا بطريق الأولى ، وإنما النزاع في جريان الخلاف عند غيره . وقد نقل صاحب الاستقصاء عن صاحب الإفصاح أنه لا يجوز إفراد أحدهما بالرد إجماعا كالطعام الواحد .

                                      ( قلت : ) وهذا ليس بصريح لأن نص الشافعي رحمه الله تقدم في المكيل والموزون أنه يرد بعضه على ما إذا كانا باقيين ، فأولى بالجواز لتعذر ردهما ، فمن جوز هناك فههنا أولى ، ومن منع هناك إما قطعا كالشيخ أبي حامد وغيره حكاية القولين ، وبنوهما على تفريق الصفقة ، إن قلنا : يفرق جاز وإلا فلا ، والبناء هنا ظاهر ، والمراد بالتفريق المبني على التفريق القهري إن منعناه امتنع هنا ، وإن جوزناه جاز لوجود الضرورة ، ومقتضى هذا البناء أن يكون قول الجواز هنا أظهر ، والرافعي رحمه الله اقتصر في باب تفريق الصفقة على ترتيب الخلاف ، وأولوا به الجواز ، وليس في ذلك بيان الأصح . وأعاد المسألة في باب الرد بالعيب ، ولم يتعرض لحكم رد الباقي هل يجوز أو لا ، وبما ذكرته من الترتيب يعرف أن الأظهر الجواز ، لكن النص الذي سنذكره عن البويطي والنص الذي سنذكره عن اختلاف العراقيين كلاهما يدل على خلافه ، وهو ما يقتضي كلام الماوردي أنه [ ص: 373 ] الأصح ، ولعل الأصح عند الماوردي امتناع تفريق الصفقة ، والمراد بالتلف إما حسا وإما شرعا ، فإن جوزنا الإفراد رد الباقي ، واسترد من الثمن حصته بلا خلاف ، وقد تقدم تعليله عن الإمام واعتراض ابن الرفعة بطريق التوزيع بتقدير العبدين سليمين وتقويمهما ويسقط المسمى على القيمتين . فلو اختلفا في قيمة التالف فادعى المشتري ما يقتضي زيادة الرجوع على ما اعترف به البائع فالأظهر عند القاضي أبي الطيب والرافعي والمصنف حيث ذكر في باب اختلاف المتبايعين أن القول قول البائع مع يمينه . إما بثمن ملكه فلا يرد منه ما اعترف به .

                                      وهذا القول نسبه القاضي أبو الطيب والرافعي إلى نصه في اختلاف العراقيين ( والثاني ) أن القول قول المشتري لأنه تلف في يده فأشبه الغاصب مع المالك إذا اختلفا في القيمة كان القول قول الغاصب الذي حصل إهلاك في يده ، وهذا القول في اختلاف العراقيين أيضا وقد رأيتهما فيه . ولكن هل هما تفريع على جواز الإفراد أو على منعه ؟ فيه نظر سأنبه عليه في آخر الكلام . والاعتماد في حكايتهما هنا على نقل الأئمة . وقد اقتصر الرافعي رحمه الله وغيره على استرجاع حصة المردود من الثمن ، ولم يتعرضوا لشيء آخر . ولا شك أن التالف إذا كان معيبا أيضا يجب الأرش عليه لتعذر رده ، كما يجب الأرش إذا تلف المبيع كله وتبين عيبه ، وإنما سكتوا عن ذلك إحالة له على ذلك المكان واقتصارا على القدر المختص بهذا المكان . وإن لم يجز الإفراد فقولان فيما حكاه القاضي حسين وطائفة ( ووجهان ) فيما حكاه آخرون واقتضى إيراد الرافعي والنووي ترجيحه ( أصحهما ) عند الرافعي وغيره وهو الذي ذكره الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب في تعليقهما لا فسخ له ولكن يرجع بأرش العيب لأن الهلاك أعظم من العيب ، ولو حدث عنده عيب لم يتمكن من الرد . وهذا هو الذي نقله الربيع في مختصر البويطي ، فعلى هذا إن اختلفا في قيمة التالف عاد القولان لأنه في الصورتين يرد بعض الثمن ، إلا أنه على ذلك القول يرد حصة الباقي ، وعلى هذا القول يرد أرش العيب ، وهل النظر في قيمة التالف في الصورتين إلى يوم العقد أو يوم القبض ؟ فيه الخلاف الذي في اعتبار القيمة لمعرفة أرش العيب القديم ، وسيأتي إن شاء الله تعالى ( والأصح منه ) اعتبار أقل القيمتين .

                                      [ ص: 374 ] والوجه الثاني ) أنه يضم قيمة التالف إلى الباقي ويردهما ويفسخ العقد . قال الرافعي وهو اختيار القاضي أبي الطيب ، واحتج له بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المصراة برد الشاة بدل اللبن الهالك . ( قلت : ) ولم أر ذلك في تعليقة القاضي أبي الطيب ، بل الذي فيها أنا إذا قلنا لا يرد رجع بالأرش كما تقدم عنه ، ولم يحك فيه خلافا ، وأنا إن قلنا له رده فيرده بحصته من الثمن . قال : وقال بعض أهل خراسان : العقد على هذا القول فيهما جميعا ثم يرد الباقي وقيمة التالف ، ويسترجع كما في المصراة ، قال القاضي أبو الطيب : وهذا خطأ ، ويخالف نص الشافعي ; لأنه نص على ذلك في اختلاف العراقيين ، وقال : يرجع إلى حصته من الثمن ، ثم فرع عليه ، وذكر الاختلاف ، فالعجب من الرافعي رحمه الله إلا أن يكون القاضي أبو الطيب نقله عن بعض الخراسانيين كما رأيت ، لكنه جعله مفرعا على القول بالرد ، وحكاه الإمام وغيره وجعله الغزالي والرافعي رحمهما الله مفرعا على قول المنع كما تقدم . ولا تنافي بينه وبين ما فعله أبو الطيب ، فإن أبا الطيب يقول : ( إن قلنا ) لا يرده أي أصلا يرجع بالأرش ( وإن قلنا ) يرده فهل يفرده ؟ أو يضم معه قيمة التالف ؟ فيه وجهان وهؤلاء يقولون : ( إن قلنا ) يفرده استرد القسط ، وإلا فهل يمتنع عليه الرد ، أو يضم معه قيمة التالف ؟ ( فيه وجهان ) فالكلامان راجعان إلى معنى واحد ، وإنما النزاع في نسبة الرافعي القول المذكور إلى اختيار أبي الطيب ووافق الرافعي على ذلك ابن الرفعة وزاد ابن الرفعة أن ابن الصباغ نقل القولين في ذلك ، أعني في ضم قيمة التالف إلى الموجود كما حكاهما الإمام وغيره ، ولم أر ذلك في الشامل بل رأيت فيه ما يحتمل أن يكون سبب الوهم الذي عرض للرافعي وتبعه هو عليه في النقل عن أبي الطيب . قال ابن الصباغ قال : حكى أبو الطيب عن بعض أهل خراسان أنه يفسخ العقد قال : وهذا هو السنة لحديث المصراة . فلعل الرافعي طالع ذلك وظن أن الضمير في قال لأبي الطيب وإنما هو لبعض أهل [ ص: 375 ] خراسان يبينه ما في تعليق أبي الطيب ، وقد تقدم الرافعي في ذلك العمراني فنقل المسألة في الزوائد من الشامل . وزاد فقال : وقال القاضي : هذا هو السنة . قال ابن الصباغ : وهذا ليس بصحيح [ أنه ] هو القاضي ، وابن الصباغ ناقل عنه أو موافق له ، وبالجملة فالقول منصوص عليه في البويطي لأن في مختصر البويطي : ولو اشترى ثوبين في صفقة واحدة فقبضهما فهلك أحدهما وأصاب بالآخر عيبا فله أن يرد القائم وقيمة التالف ، ويرجع بأصل الثمن الذي أعطاه ، فإن اختلفا في القيمة فالقول قول البائع ، من قبل أن الثمن كله قد لزم المشتري ، وهو يريد إسقاط الشيء عنه لما يدعي من كثرة قيمة الغائب ولا أقبل دعواه . قال الربيع : وله قول آخر : إذا اشترى شيئين في صفقة واحدة فهلك واحد وأصاب بالآخر عيبا لم يكن له إلى الرد سبيل من قبل أنه كان له أن يرد الشيء كما أخذه ، فلما لم يرده مثل ما أخذ كان لا رد له وليس له أن ينقص عليه ما اشترى منه ، ويرجع عليه بقيمة العيب الذي وجده في الثوب الباقي ، فهذا الكلام الذي في مختصر البويطي يقتضي إثبات قولين : ( أحدهما ) يضم قيمة التالف إلى الباقي ويردهما .

                                      ( والثاني ) يمتنع الرد ويرجع بالأرش ، وهما هذان القولان اللذان فرعناهما على عدم جواز الإفراد . فهما متعاضدان في منع الإفراد كما قدمت لك أولا . وقد تأملت نصه في اختلاف العراقيين فلم أجده صريحا في الرد واسترجاع القسط . وإنما قال : إذا اشترى ثوبين صفقة واحدة فهلك أحدهما في يده ووجد بالثاني عيبا واختلفا في ثمن الثوبين فالقول قول البائع مع يمينه ، من قبل أن الثمن كله قد لزم المشتري . والمشتري إن أراد رد الثوب يرده بأكثر الثمن ، أو أراد الرجوع بالعيب رجع به بأكثر الثمن . ولا نعطيه بقوله الزيادة . قال الربيع : وفيه قول آخر أن القول قول المشتري من قبل أنه المأخوذ منه الثمن . قال الشافعي [ ص: 376 ] رحمه الله : إذا اشترى شيئين في صفقة فهلك أحدهما ووجد بالآخر عيبا فليس إلى الرد سبيل فيرجع بقيمة العيب لأنه اشتراهما صفقة . فليس له أن ينقضها .

                                      ( قلت : ) وهذا هو معنى ما في البويطي وليس فيه زيادة عليه إلا القول الآخر الذي حكاه الربيع أن القول قول المشتري وآخر كلامه المذكور صريح في عدم الرد . وأول كلامه فيه احتمال لما قاله أبو الطيب . وما قاله في مختصر البويطي . وإنما احتجت إلى ذلك لقول القاضي أبي الطيب إنه قال : يرجع إلى حصته من الثمن . وهذا بحسب ما فهمه من اختلاف العراقيين من منع التفريق . والقاضي أبو الطيب نقله عنه بلفظ آخر صريح في التفريق . فلعل له في اختلاف العراقيين نصا آخر . وأبدى ابن الرفعة فيما حكى عن اختلاف العراقيين نظرا من وجهين : ( أحدهما ) أنا نفرع على منع التفريق فالنص مصرح بالتفريق فكيف يرد به ؟ وهذا قاله ابن الرفعة بناء على ما نقله القاضي أبو الطيب ، ونقله ابن الرفعة عن ابن الصباغ اعتراضا عليه لكنك قد عرفت فيه النص بلفظ وليس فيه تصريح بالتفريق . ولو ثبت ذلك فالعذر عن أبي الطيب أنه لم يجعل ذلك تفريعا على منع التفريق حتى يعترض عليه بما ذكر ، بل إنما قال : إذا جوزنا الرد كما تقدم النقل عنه فإذا نقل عن الشافعي رحمه الله أنه قال : مع الرد يسترجع القسط ; يكون ذلك ردا على من يقول : لا يسترجع القسط ، بل يضم القيمة عن التالف ويسترجع جميع الثمن ردا ظاهرا .

                                      ( والوجه الثاني ) من اعتراض ابن الرفعة على أبي الطيب أن اختلاف العراقيين قيل : إنه من القديم ، وهذا بعيد لأن ذلك من رواية الربيع عن الشافعي رضي الله عنه وإن فرعنا على هذا الوجه [ ص: 377 ] وأنه يضم قيمة التالف إلى الباقي ويردها فاختلفا في قيمة التالف فالقول قول المشتري مع يمينه لأنه حصل التلف في يده وهو الغارم ، وبه جزم القاضي حسين مع حكاية القولين في الصورتين الأوليين ، قال : وكل موضع كان الغارم هو المشتري فالقول قوله ، وكل موضع كان الغارم هو البائع فعلى القولين ، وفي التتمة حكاية وجه آخر أن القول قول البائع لأن المشتري يريد إزالة يده عن الثمن المملوك له وذكر في الروضة أنه شاذ .

                                      ( قلت ) في مختصر البويطي بعد أن قال : إنه يرد القائم وقيمة التالف ، قال : فإن اختلفا في القيمة فالقول قول البائع من قبل أن الثمن كله قد لزم المشتري ، وهو يريد إسقاط الشيء عنه لما يدعي من كثرة قيمة الفائت ولا أقبل دعواه ، وهذا يدل على الوجه الذي قاله في التتمة بل هو هو ، والقيمة هنا معروفة واعتبارها بيوم التلف على الأصح فليس كما تقدر على القدر الآخر حيث يعتبر أقل الثمنين على الأصح . أشار إليه الإمام في باب التخالف .

                                      ( فرع ) إذا ظهر العيب بالتالف فقط لم يرد الباقي قطعا ، ويرجع بأرش التالف .

                                      ( فرع ) لو ظهر العيب بأحدهما أو بهما بعد بيع أحدهما فقد جمع الرافعي بين ذلك وبين ما إذا كان أحدهما تالفا ، وجزم به الشيخ أبو حامد هنا أيضا بامتناع الرد ; لأنه لم يحصل اليأس من الرد ، وقد تقدم فيما إذا كان المبيع واحدا وخرج بعضه عن ملكه أن الصحيح امتناع رد الباقي فاشتركت صورة التلف وصورة البيع في الترتيب ، على ما إذا كانا باقيين كما قال الرافعي رحمه الله لكن الصحيح في الأولى الجواز ، وفي الثانية المنع ، وهذا الذي ذكرناه إذا باع أحدهما وكانا معيبين أو باع الصحيح ، وبقي المعيب .

                                      ( أما ) لو باع المعيب وبقي الصحيح فلا يرد الباقي الآن قطعا ، والكلام في الأرش على ما مر وتحقيق الصحيح في ذلك يتوقف على [ ص: 378 ] تحقيق العلة فيما إذا باع البعض هل هو عدم اليأس أو غيره ؟ وسيأتي إن شاء الله ذلك بعد ثلاثة فصول .



                                      ( فرع ) استثنى صاحب التلخيص من وجوب الأرش على القول بمنع الإفراد مسألة واحدة وهي أن يكون قد باع أحدهما ، قال : ينظر ، فإن كان صحيحا لم يدلس فيه بعيب ; لم يرجع بنقصان العيب ، وإن كان معيبا ففي هذا الموجود قولان ( أحدهما ) يرجع بنقصان العيب ، والآخر ليس له الرجوع .

                                      ( قلت ) لعل مراده إن كان المبيع صحيحا من عيب حادث عند المشتري ولم يدلس فيه على المشتري الثاني لشيء حدث عنده فليس له الرجوع بالأرش لعدم اليأس من رجوع المبيع إليه ، ويردهما معا ، وذلك يوافق ما قاله الشيخ أبو حامد ، وهو يجيء على المذهب على ما سيأتي خلافا لأبي إسحاق وإن كان معيبا بعيب حدث عنده ففي رجوعه بأرش العيب في الثاني قولان ، كما لو تلف أحدهما أو أعتقه بناء على تفريق الصفقة .

                                      ( فرع ) بما ذكرناه يتبين أن الخلاف في الجميع ، ولكنها مراتب ففي العبدين إذا كان أحدهما تالفا ، الجواز قوي جدا ودونه إذا كان أحدهما معيبا ، والخلاف فيه قوي أيضا ، وإن كان الأصح فيهما المنع ، ودونه إذا كانا باقيين في ملكه ، والعيب بأحدهما ودونه إذا كانا باقيين ، والعيب بهما ودونه في العبد الواحد إذا باع بعضه ، ودونه في العبد إذا كان كله باقيا في ملكه ، فهذه ست مراتب لا يرد على الصحيح إلا في الأولى .

                                      ( فرع ) حكم نقص أحدهما حكم تلفه وعتقه وبيعه ، قال صاحب التلخيص : وينبغي أن يكون كذلك ما لم يرض البائع بأحدهما مع النقص الحادث ، فيصير كما لو لم يكن نقص .

                                      ( فائدة ) أكثر الأصحاب يطلقون توزيع الثمن على العبدين باعتبار قيمتهما والرافعي في هذا الباب قبل باعتبار قيمتهما إلى سليمين ، [ ص: 379 ] ولا يتأتى غير ذلك إذا كان المشتري جاهلا بالعيب ، فإنه إنما بذل الثمن على ظن السلامة ، ولو وزعنا الثمن عليهما على ما هما عليه من العيب أدى ذلك إلى خبط وفساد دل عليه الامتحان ، فالصواب تقدير السلامة كما ذكره الرافعي هنا وهي فائدة عظيمة نافعة في مسائل : ( منها ) في الشفعة حيث يأخذ الشخص بقسطه من الثمن وغيرها من المسائل .

                                      ( ومنها ) في المرابحة إذا وزع الثمن فيجبر بما يخصه من الثمن بوصف السلامة ، ويجبر بالعيب الذي ظهر له ، ولا يجوز أن يجبر بقسطه من الثمن باعتبار العيب .

                                      ( ومنها ) مسألة تقدمت في الربا في الصرف ، إذا باع دينارين بدينارين فخرج أحدهما معيبا اختار القاضي أبو الطيب وجماعة البطلان ; لأنه تبين أنه من قاعدة مد عجوة ، وأطلق الشيخ أبو حامد وجماعة الصحة واستشكله في ذلك الباب ، وانتدبت له مأخذا بعيدا ، وبهذه الفائدة هنا يترجح ، فظهر مأخذ حسن يحمل عليه ويتمسك به فيه ، ويقوى على أي طالب لأن الفساد في قاعدة مد عجوة من جهة التوزيع ، والتوزيع ههنا لا يقتضي المفاضلة إذا وزع باعتبار السلامة ، وإنما يقتضي إذا وزع عليها باعتبار العيب .

                                      ( ومنها ) في تفريق الصفقة في الدوام إذا تلف أحد المبيعين قبل القبض . ( ومنها ) في غير ذلك ، ولا تخفى الفروع بعد بيان القاعدة ، وهي قاعدة مهمة يجب الاعتناء بها وملاحظتها في مسائل كثيرة في أبواب متعددة .

                                      ( فرع ) لا خلاف أنه لو ظهر العيب بالتالف وحده فليس له الرد ; لأن التالف لا يقبل الفسخ مقصودا أو مسوغا ، وإنما صح الفسخ [ ص: 380 ] في التالف تبعا ، قاله القاضي حسين ، وإنما ذكرته وإن كان واضحا لئلا يتوهم أن بقاء السليم مسوغ لورود الرد على المعيب في الصفقة التي شملته ، وليس لتكلف المبيع جملة ; إذ لا مورد أصلا . فلذلك نبهت عليه .



                                      ( المسألة الثالثة من مسائل الكتاب ) إذا اشترى اثنان من واحد عينا ووجدا بها عيبا وأراد أحدهما إمساك حصته والآخر رد حصته ; جاز على القول الظاهر المنقول عن نصه في كتبه الجديدة ومعظم كتبه القديمة ، وبه قال أحمد ومالك في رواية ، وأبو يوسف ومحمد وابن أبي ليلى ومنه أخذت الصفقة تتعدد بتعدد المشتري ، وهو الأصح ، ووجهوه بأنه رد جميع ما ملك مجازا كالمشتري الواحد . قال الشافعي رحمه الله تعالى في المختصر : ولو أصاب المشتريان صفقة واحدة من رجل بجارية عيبا فأراد أحدهما الرد والآخر الإمساك فذلك لهما ; لأن المعهود في شراء الاثنين أن كل واحد منهما مشتري النصف بنصف الثمن . انتهى .

                                      ( والقول الثاني ) ويحكى عن رواية أبي ثور عن القديم وقال أبو داود : إنه مرجوع عنه . وبه قال أبو حنيفة إنه ليس له الانفراد بالرد ; لأن العبد خرج عن ملك البائع كاملا والآن يعود إليه بعضه ، وبعض الشيء لا يشترى بما يخصه من الثمن لو بيع كله ، وربما أوردوا ذلك بعبارة أخرى فقالوا : خرج عن ملكه مجتمعا أو صفقة واحدة . ومن هذا القول أخذ أن الصفقة وإن تعدد المشتري متحدة على ما قاله الإمام ، لكن الصحيح المشهور الذي جزم به كثيرون أن الصفقة متعددة ، وبذلك منعوا من قال : خرج عن ملكه صفقة . ومنعوا أيضا من قال : خرج مجتمعا أشار المصنف رحمه الله في استدلاله من قوله : إن البائع فرق الملك في الإيجاب . أي فلم يخرج مجتمعا . وأما من قال : كلامك إن أريد بصفة الكمال فهي معنى ، وإن أريد التأكيد فلا يفيد . ومن هنا نعلم أن المصنف رحمه الله جازم بأن الصفقة متعددة . واعترض القائلون باتحادها وامتناع الانفراد بالرد ، ما لو قال : بعتكما هذا العبد بألف ، فقال أحدهما : قبلت نصفه بنصف الثمن ، [ ص: 381 ] وبما إذا أحضر أحدهما نصف الثمن وأراد إجبار البائع على تسليم نصف العبد ، وبأن الشركة عيب . وأجاب الأصحاب عن الأول بأن عندنا في المسألة وجهين ( أحدهما ) يصح وهو الذي جزم به القاضي أبو الطيب وجماعة من العراقيين ، وإنه يلزم البيع في حقه سواء قبل صاحبه أو رده ، وقيل إن للشافعي رحمه الله نصا في الخلع يشهد له وقال الإمام : إنه الأظهر في القياس ، ورجحه الروياني في الحلية ( والثاني ) وهو الأصح عند طائفة منهم الرافعي ، وهو الأظهر في النقل على ما قاله الإمام لا يصح ( وإن قلنا ) بالتعدد فإن صيغة إيجاب البائع تقتضي جوابهما ، فكأنها مشروطة بأن يجيباه معا ، فليس ذلك من حكم العقد ، وإنما هو من مقتضى اللفظ عرفا . وفي هذا نظر من جهة أن اشتراط ذلك يقتضي الفساد .

                                      وعن الثاني أن الحكم عندنا أن البائع يجبر على تسليم نصيبه ، وسيأتي ذلك في كلام المصنف في آخر باب اختلاف المتبايعين إن شاء الله تعالى . وعن الثالث بأن البائع هذا الذي شرط بينهما ، فلم يكن هذا العيب حادثا في يد المشتري ، وقد عرفت بما ذكرته أن استدلال المصنف رحمه الله أمس بكلام المخالف من استدلال غيره بأنه رد جميع ما ملك ، وإن كان الكل صحيحا . وقوله كما لو باع منهما في صفقتين ، أي متعددتين لفظا ، فإن هذه متعددة حكما لا لفظا . وقال القاضي حسين : الأولى أن يفرض الكلام فيما لو مات أحد المشتريين والبائع وارثه ، أو عاد إلى البائع نصيب أحدهما بالبيع أو بالهبة كي يسقط على كلامهم أن الشركة عيب ، ووافق أبو حنيفة رحمه الله على أنه إذا اشترى رجلان شقصا من واحد ، فللشفيع أن يأخذ نصيب أحدهما بالشفعة . وهذا الذي التزمه الأصحاب من أن العقد متعدد هو المشهور . وقال أبو المظفر بن السمعاني : إن هذه طريق سقيمة لا يمكن تمشيتها ، ومن اعتمد عليها فلضعفه في المعاني ; لأن قوله : بعت منكما [ ص: 382 ] في جانبه كلمة واحدة . نعم في جانب المشتري هي بمنزلة عقدين ولو جاز أن نجعل عقدين لتعدد المشتري ; لجاز ذلك لتعدد الجميع . والمعتمد من الجواب أن الصفقة وإن كانت واحدة ، لكن يجوز لأحدهما أن يرد ; لأن الخيار ثابت لهما ، وهو حق مشروع ؟ فيمكن من استيفائه على وجه لا يؤدي إلى تفويت وإسقاط بعدم مساعدة الآخر له . وأجاب عن كون الشركة عيبا بأن التي كانت بين المشتريين قد زالت ، والتي وجدت بين البائع والمشتري إنما وجدت بعدم الرد ، والرد لا يعيب المبيع لكن يعيده إلى ملك البائع ، ثم الشركة تثبت باختلاف الملك فلا يكون العيب الذي هو معلول الرد سابقا لعلته ، وما قاله أولا لا يمكن تمشيته ، فإن من مقتضاه أن أخذ الوارثين لمشتري العين الواحدة مستقل بالرد ، وليس كذلك لما سيأتي إن شاء الله تعالى وما قاله ثانيا وإن كان محتملا فيمكن الانفصال عنه . وقد ظهر لك بما تقدم أنا إن قلنا باتحاد الصفقة منعنا انفراد أحدهما بالرد ( وإن قلنا ) بالتعدد فقولان ( أحدهما ) المنع لضرر التبعيض ، هذا إذا نظرت إلى التعدد والاتحاد أولا فلك أن تجعل القولين أولا في الانفراد فأحرزنا ، فمن ضرورته تجويز التفريق ، وإن منعنا الانفراد هل ذلك لحكمنا بالاتحاد أو لضرر التبعيض ؟ وإن كانت الصفقة متعددة ففيه وجهان ، وهذه الطريقة أوفق لكلامهم ، والأصح من الوجهين الثاني لما سيأتي من كلام البويطي .

                                      التفريع على هذين القولين إن جوزنا الانفراد ، فانفرد أحدهما فتبطل الشركة بينهما ، ويخلص للممسك ما أمسك وللراد ما استرد ، أو تبقى الشركة بينهما فيما أمسكه الممسك واسترده الراد . حكى القاضي الماوردي فيه وجهين ، قال الرافعي : أصحهما أولهما . قلت والوجه الثاني بعيد جدا ، وكيف يقال إن نصف العبد الذي أمسكه الممسك يكون بينه وبين الراد والراد لم يبق على ملكه شيئا ، وكيف يقال إن نصف الثمن الذي استرجعه الراد يأخذ الممسك نصفه وهو لم يرد شيئا ؟ ووجهه الماوردي أنه لم يكن بينهما قسمة . وهذا توجيه ضعيف ; لأن ذلك يكون في المعين لا في المشاع ، فإن النصف المشاع المردود مختص بالراد قطعا ، وحمله ابن الرفعة على ما إذا كان الثمن مشتركا [ ص: 383 ] بينهما ، وهذا الحمل قد يقال : إنه يصح معه الاشتراك في المسترد من الثمن ، أما بقاء الشركة في نصف العبد الباقي فلا والتحقيق أنه لا تصح الشركة في المسترد من الثمن أيضا لأن الثمن الذي كان مشتركا بينهما ملكه البائع ثم انتقض ملكه في نصفه الشائع المختص بالراد بحكم رده ويقسمه الراد والبائع وهو قسمة جديدة واردة على ملكيهما ، وليس للممسك فيها حظ ، ونصفه الشائع لم ينقض الملك في شيء منه . فلا وجه لهذا الوجه أصلا .

                                      نعم : قد تقدم لنا عن صاحب التقريب شذوذ في جواز رد بعض العين الواحدة ، فعلى ذلك إذا قال الراد : رددت النصف ولم يعين أنه نصفه ، وقلنا بأن هذه الصيغة تحمل على الإشاعة كما هو في العتق وغيره على أحد الوجهين فيصح الرد في نصف نصيبه ، ولكن لا يبقى نصيب الممسك مشتركا ولا المسترد من الثمن مشتركا لعدم صحة الرد في نصيب شريكه ، بل يبقى للراد ربع العبد وللممسك نصفه ، ويسترد الراد ربع الثمن ، وبالجملة فهذا الوجه إلى الغلط أقرب . ومن التفريع على هذا القول أنه لا يلزم الراد ضم أرش التبعيض إلى ما يرد ; لأن البائع الذي أضر بنفسه ، قاله الإمام . وإن منعنا الانفراد فذاك فيما ينقص بالتبعيض ( أما ) ما لا ينقص كالحبوب ففيه وجهان مبنيان على أن المانع ضرر التبعيض أو اتحاد الصفقة ، فعلى الأول يجوز وعلى الثاني يمتنع وهو الذي جزم به القاضي حسين ، والتعليل الأول يمنع أخذ اتحاد الصفقة من هذا القول ، والوجهان المذكوران بيانهما حكاهما الرافعي والإمام ، وقد تقدم عن نصه في البويطي جواز ذلك في المشتري الواحد ، ففي المشتريين أولى ، ولذلك أصلح بعضهم بعض نسخ التنبيه ، وجعل : إن اشترى اثنان عبدا ، ولفظ مختصر المزني شاهد له ، ونقله بعضهم عن المختصر : سلعة مكان جارية ، فيكون شاهدا للنسخ المشهورة ، ويكون كلام البويطي الذي حكيته مفيدا لذلك . وهذا إذا لم يقسماه ، فإن اقتسماه فكذلك عند الإمام ، وفيه فرض المسألة وبناه القاضي حسين فيما نقله ابن الرفعة على الخلاف [ ص: 384 ] في القسمة إن قلنا : إفراز ( وإن قلنا ) : بيع فكما لو اطلع على العيب بعد بيع بعضه . هكذا نقل ابن الرفعة عن القاضي ، ولم أره في تعليقه هكذا ، لكنه لو قال فيما لو اشترى مشاعا كنصف عرصة ثم قاسم المبيع ثم وجد عيبا قديما إن قلنا القسمة إفراز ; له الرد وإلا فلا ، كما لو باع بعض المبيع ، قال : وفيه نظر .

                                      ( قلت : ) أما البناء على أن القسمة إفراز أو بيع فمتجه متعين ( وأما ) منع الرد إذا قلنا : إنها بيع فيما إذا قاسم البائع فمشكل على القاضي حسين لأنه تقدم عنه أن المذهب فيما إذا باع بعض العين من البائع أنه يرد فينبغي أن يكون هنا ، الصحيح الرد على البائع إذا قاسمه على القولين ، وذكر القاضي في الفتاوى إذا اشترى شقصا من ربع وقاسم شريكه ثم وجد به عيبا قال ( إن قلنا ) القسمة إفراز له الرد ( وإن قلنا ) بيع فهو باع نصف ما في يده بنصف ما في يد شريكه . فيرد النصف الذي يملك من الشريك عليه ، فإذا رد يعود إليه النصف الذي يملك منه الشريك ثم يرد الكل بالعيب ، وإلا يبطل حقه ، لأن الرد يعقبه فسخ العقد لاختلاف الملك ، قال : وعلى هذا لو اشترى عبدا بدراهم ، وباعه بثوب ، ثم وجد بالثوب عيبا فرده واسترد العبد وبه عيب قديم ، فإن كان قد علم به وهو في يد المشتري الثاني له أن يرد ; لأنه قصد رد الثوب ، والعبد عاد لا باختياره ، وفيه وجه أنه لا يرد ; لأنه برد الثوب اختار ملك العبد معيبا .

                                      ( قلت : ) هكذا قال القاضي ، وهو على رأيه الذي سنذكره فيما إذا باع المعيب ثم اشتراه عالما بعيبه أنه لا يرده على الأول ، والصحيح خلافه ، ولو أراد الممنوع من الرد الأرش . قال الإمام : إن حصل اليأس من إمكان رد نصيب الآخر بأن أعتقه وهو معسر فله أخذ الأرش ، وإن لم يحصل نظر إن رضي صاحبه بالعيب فيبنى على أنه لو اشترى نصيب صاحبه وضمه إلى نصيبه وأراد أن يرد الكل ويرجع بنصف الثمن ، هل يجبر على قبوله كما في مسألة النعل ، وفيه وجهان ( إن قلنا ) لا ، أخذ الأرش ( وإن قلنا ) نعم ، فكذلك في أصح الوجهين ، لأنه توقع بعيد ، وإن كان صاحبه غائبا لا يعرف الحال ففي الأرش وجهان عن حكاية صاحب التقريب من جهة الحيلولة الناجزة .



                                      [ ص: 385 ] وقد بقي مسائل من هذا النوع لم يذكرها المصنف .

                                      ( منها ) إذا تعدد البائع ، كما لو اشترى واحدا عينا من رجلين ، فله رد نصف المبيع على أحد البائعين ، وقاله القاضي حسين وغيره ، فإن الصفقة تتعدد بتعدد البائع قطعا ، ووافقه أبو حنيفة رحمه الله فيه ، ولو اشترى واحد شقصين من رجلين فهل للشفيع أن يأخذ نصيب أحدهما ؟ فيه وجهان ( أحدهما ) نعم للتعدد ( والثاني ) لا ، للضرورة . قاله أبو حنيفة رحمه الله وقد تقدم مذهبنا ومذهبه فيما إذا تعدد المشتري . قال القاضي حسين : فمذهب أبي حنيفة في الشفعة على عكس مذهبه في الرد بالعيب .

                                      ( ومنها ) إذا تعدد العاقدان بأن اشترى رجل عينا من رجلين فهو في حكم أربعة عقود . وكان كل واحد منهما اشترى ربع المبيع من هذا والربع من ذلك . فله أن يرد نصيب أحد البائعين . وكذلك لصاحبه ، قال القاضي حسين وغيره . ولو اشترى ثلاثة أنفس من ثلاثة أنفس عبدا لكل واحد من الثلاثة أن يرد بيع العبد على كل واحد من البائعين الثلاثة ; لأن حكمها حكم العقود التسعة ، قاله الماوردي .

                                      ( ومنها ) إذا تعدد المعقود عليه والعاقد معا بأن اشترى رجلان عبدين من رجلين فلكل واحد منهما رد الربع من العبدين على كل واحد من البائعين ، وهل له رد الربع من أحدهما على أحد البائعين ؟ على القولين في تفريق الصفقة في الرد . هكذا قال القاضي حسين . وقال أيضا في الصورة المذكورة بعينها في هذا الموضع بعينه : هل لكل منهما رد النصف من أحدهما على أحد البائعين ؟ على القولين . هكذا رأيته في النسخة ، وكأنها غلط ، والصواب أن يقال على البائعين إسقاط أحدهما فإن كل واحد من المشتريين اشترى النصف من البائعين لا من أحدهما ، والتحقيق في ذلك أن يقال : لهما رد العبدين على البائعين قطعا ، ورد نصفهما على أحد البائعين قطعا ، وهل لأحدهما رد نصفهما على البائعين ، أو ربعهما على أحد البائعين ؟ فيه الخلاف فيما إذا اشترى اثنان من واحد ، وهل لأحدهما رد الربع من أحدهما [ ص: 386 ] على أحد البائعين على قولي التفريق فيما إذا اشترى عبدين من واحد ، هذا إذا كان كل من العبدين مشاعا بين البائعين .

                                      ( ومنها ) إذا كان أحد العبدين لهذا ، والآخر لذاك ، وجمعا بينهما في الصفقة وجوزناه على أحد القولين ، فهل له رد أحد العبدين بالعيب إن جوزناه فيما إذا كانا لواحد فههنا أولى وإلا فوجهان ، والفرق أنه رد عليه جميع ما ملك من جهته ، قاله القاضي حسين ، وقد تقدم عنه وعن غيره أنه يرد نصف العين الواحدة على أحد البائعين ، فالقول هنا بأنه لا يرد بعيد .

                                      ( ومنها ) إذا اشترى رجل عبدين من رجلين مشتركين بينهما ، فله أن يرد على أحدهما نصفي العبدين ، وليس له أن يرد نصفي العبدين عليهما ، ولو أراد رد نصف أحد العبدين على أحدهما فعلى قولين . ولو أراد رد ربع العبدين عليهما أو على أحدهما لم يجز بحال . قاله القاضي حسين . قال : والحد فيها أن فيما هو الخير يثبت الخيار وفيما هو الشر وجهان .

                                      ( ومنها ) اشترى اثنان عبدين من واحد فحكمهما ظاهر فيما تقدم أنهما رد العبدين قطعا ولأحدهما رد حصته منهما على الأصح كأحد المشتريين الواحد ، وليس له رد نصف العبد الواحد على الأصح كأحد العبدين مع المشتري الواحد ، ولم أرها مسطورة .

                                      ( فرع ) جملة المسائل المذكورة ترجع إلى ثمانية أقسام ، أن يتحد الجميع ، أو يتعدد المبيع فقط أو المشتري فقط وهذه الثلاثة مذكورة في الكتاب أو يتعدد البائع فقط أو البائع والمبيع . أو البائع والمشتري . أو المبيع والمشتري أو يتعدد الجميع . ووجه أنه إما أن يتعدد الجميع أو يتحد الجميع . أو يتحد واحد فقط أو يتعدد واحد فقط . وفي كل من القسمين الآخرين ثلاثة . [ ص: 387 ] فرع ) لو اشترى شيئا واحدا في صفقتين نصفه بصفقة ونصفه بصفقة أخرى من ذلك الرجل أو من غيره جاز له رد أحد النصفين بالعيب دون الثاني بلا خلاف لتعدد الصفقة .

                                      ( فرع ) هذا كله إذا تولى كل واحد منهما العقد بنفسه أو كان عن كل واحد وكيل واحد . أما إذا عقد بالوكالة وحصل التعدد في الوكيل أو في الموكل . فهل الاعتبار في تعدد العقد واتحاده بالعاقد أو المعقود له ؟ فيه أوجه ( أصحها ) عند الأكثرين أن الاعتبار بالعاقد ، وبه قال ابن الحداد ; لأن أحكام العقد تتعلق به وخيار المجلس يتعلق به دون الموكل ، ويعتبر رؤيته دون رؤية الموكل .

                                      ( والثاني ) الاعتبار بالمعقود له وهو الموكل . قاله أبو زيد والخضري ونسبه بعضهم إلى أئمة العراق . وهو الأصح في الوجيز .

                                      ( والثالث ) الاعتبار في طرف البيع بالمعقود له وفي الشراء بالعاقد . قاله أبو إسحاق المروزي ونسبه الروياني إلى القفال . والفرق أن العقد يتم في الشراء بالمباشر دون المعقود له . ولهذا لو أنكر المعقود له الإذن في المباشرة وقع العقد للمباشر بخلاف طرف البيع . قال الإمام رحمه الله : وهذا الفرق فيما إذا كان التوكيل في الشراء في الذمة فإن وكله بشراء عبد بثوب معين فهو كالتوكيل بالبيع . ( والرابع ) قال في التتمة : الاعتبار في جانب الشراء بالموكل ، وفي البيع بهما جميعا ، فأيهما تعدد تعدد العقد اعتبارا بالشقص المشفوع ، فإن العقد يتعدد بتعدد الموكل في حق الشفيع ، ولا يتعدد بتعدد الوكيل حتى لو اشترى الواحد شقصا لاثنين ، فللشفيع أخذ حصة أحدهما بالفلس ولو اشترى وكيلان شقصا لواحد لم يجز للشفيع أخذ بعضه ، وفي جانب البيع حكم تعدد الوكيل ، والموكل واحد ، حتى لو باع وكيل رجلين شقصا من رجل ليس للشفيع أخذ بعضه ، وإذا ثبت ذلك في الشفعة ثبت في سائر الأحكام . قال صاحب التتمة : وهذا أبعد الطرق ، لأن في باب الشفعة [ ص: 388 ] يأخذ من المشتري فإذا أخذ نصف ما في يده أضر به ، وههنا يرد على البائع ، فإذا تعدد البائع ورد على أحدهما ما كان له ; لم يتضمن ضررا ، وإذا تعدد الوكيل واتحد البائع فرد عليه نصف ماله تضمن ضررا ، وهذا الذي قاله صاحب التتمة صحيح ، ومدرك الشفعة غير مدرك هذا الباب ، ولذلك نقول في الشفعة : إن الصفقة تتعدد بتعدد المشتري جزما ، وفي البائع خلاف عكس ما في هذا الباب ، ففي كل باب ينظر إلى المعنى المختص بذلك الباب .

                                      ( والخامس ) إذا كان الوكيل من جهة المشتري فالعبرة بالموكل ، وإن كان من جهة البائع فالعبرة بالعاقد ، وهذا بالعكس مما قاله أبو إسحاق حكاه القاضي حسين في تعليقه ، وهو مغاير لما حكاه صاحب التتمة ، فهذه خمسة أوجه في تعدد الصفقة واتحادها إذا جرت بوكالة ، ونقل صاحب التتمة عن القفال فيما إذا وكل رجلان رجلا فاشترى لهما عبدا . قال : وقال القفال : إن كان البائع يعلم أنه وكيل رجلين فلأحدهما أن يرد نصيبه وإن كان البائع يعتقد أنه يشتري لنفسه أو اعتقد أنه وكيل لواحد فليس لأحدهما أن يرد النصف ، وهذا ليس وجها سادسا في التعدد والاتحاد ، بل تفريع على القول بالتعدد ، وهكذا يقتضيه كلام القاضي حسين وغيره ، وعلى هذا مأخذه رضا البائع بالتبعيض وعدمه ، وهو من نص الشافعي رحمه الله في الرهن إذا اشترى رجل له ولشريكه عبدا ورهن الثمن عينا مشتركة ، ثم وفر أحد الشريكين نصيبه من الثمن انفك نصيبه من الرهن على أحد القولين ، وهل للبائع الخيار بخروج بعض الرهن عن يده قبل كمال حقه ؟ . قال الشافعي رحمه الله : إن كان البائع عالما بأنه مشتريه لنفسه ولشريكه وأن الرهن مشترك بينهما فلا خيار له ، وإن كان يعتقد أنه اشترى لنفسه على الخصوص أو لشريكه ، وأن الرهن لواحد فله الخيار ، وكذلك في هذه المسألة ولا دليل في ذلك ، على أن القفال يقول بالتعدد لتعدد الوكيل في الشراء ، ولا يخالفه ، كما تقدمت الحكاية عنه في موافقة أبي إسحاق ، ولكن مأخذه ما ذكر ، وإنما ذكرت ما قاله [ ص: 389 ] مع الأوجه في تعدد الصفقة واتحادها ; لأنا نحتاج إليه في هذا المكان ; إذ المقصود ههنا ما يترتب على هذا الأصل من الفروع في الرد ، ولا بد من التفريع عليه ، وقد يجيء في بعض الفروع بسببه ستة أوجه ، وضعف القاضي حسين قول أبي إسحاق ، ورأى أن الصحيح مأخذ ابن الحداد ومأخذ أبي زيد ، وأن أصلها أن وكيل الشراء هل يطالب بالثمن ؟ ووكيل البيع هل يطالب بتسليم المبيع ؟ .



                                      ( فروع ) على هذا الأصل ( منها ) لو اشترى وكيل لرجل شيئا فخرج معيبا فإن قلنا بالأصح وهو اعتبار العاقد مطلقا ، أو لقول أبي إسحاق ، فليس لأحد الوكيلين إفراد نصيبه بالرد ، وبه قطع الماوردي ، وقاسه جماعة على ما لو اشترى ومات عن اثنين وخرج معيبا لم يكن لأحدهما إفراد نصيبه بالرد ، وهل لأحد الموكلين والاثنين أخذ الأرش ؟ سيقع التعرض له إن شاء الله تعالى عند ذكر المصنف مسألة الاثنين في آخر الفصل إن شاء الله تعالى ، فهذا إذا قلنا بقول ابن الحداد وهو الأصح ، ويوافقه هنا قول أبي إسحاق ، وإن قلنا بقول أبي زيد جاز لكل من الموكلين إفراد نصيبه بالرد ، وكذلك على الوجه الذي حكاه صاحب التتمة ، والوجه الذي حكاه القاضي حسين على رأي القفال يفرق بين علم البائع وجهله إن علم جاز لأحدهما أن يرد نصيبه ، وإن جهل فلا لأنه لم يرض بتبعيض الملك عليه كذلك تقدم عن صاحب التتمة ، وقاله القاضي حسين وصاحب التهذيب ولم يعينا قائله ، فحصل في هذا الفرع ثلاثة أوجه .

                                      ( ومنها ) لو وكل رجلان ببيع عبد لهما ، أو وكل أحد الشريكين صاحبه فباع الكل ، ثم خرج معيبا ، هل الأصح وهو قول ابن الحداد : لا يجوز للمشتري رد نصيب أحدهما ؟ وعلى الثلاثة الأوجه الأخر يجوز ، وعلى الخامس يقتضي أن لا يجوز . وحكى الماوردي الوجهين هنا مع قطعه بالمنع أن التوكيل بالشراء كما تقدم يخالف بين الصورتين ، وهو يقتضي طريقة بأن العبرة في جانب الشراء بالعاقد ، وفي جانب البيع وجهان ، ولذلك أبديت فيما تقدم نظرا في قول من نسب قول أبي زيد إلى أئمة العراق . [ ص: 390 ] ومنها ) لو وكل رجلين في بيع عبده فباعه لرجل ، فعلى الوجه الأول يجوز للمشتري رد نصيب أحدهما ، وعلى الأوجه الأربعة الأخر لا يجوز .

                                      ( ومنها ) على ما قاله الرافعي : لو وكل رجلان رجلا في شراء عبد ، أو وكل رجلا في شراء عبد له ولنفسه ففعل وخرج العبد معيبا ، فعلى الوجه الأول والثالث ليس للموكلين إفراد نصيبه بالرد ، وعلى الثاني والرابع يجوز . وقال القفال : إن علم البائع أنه يشتري لهما فلأحدهما رد نصيبه لرضا البائع بالتبعيض وإن جهله ، قلت : وهذا الفرع هو الأول بعينه ، وقد تكرر ذلك في الشرح والروضة . وأظن الحامل على ذلك أن صاحب التهذيب ذكر هذا الفرع كما هو هنا ، وذكر الحكم فيه بالرد ثم أعاده لأجل الكلام في الأرش ، وغير عبارته فقال : إذا اشترى رجل بوكالة رجلين لهما شيئا فذكرهما الرافعي بالعبارتين وقدم الثاني على الأول ، وذكر حكم الرد في الموضعين ، وكان يستغني بالأول عن الثاني . وتبعه في الروضة على ذلك ، والله أعلم .

                                      ( فرع ) نقل ابن الرفعة هذا الفرع المتقدم لو كان المشتري واحدا لنفسه ولموكله ، وصرح بذلك في العقد ، فهل لأحدهما أن ينفرد بالرد ؟ فيه وجهان . واختيار أبي إسحاق لا . والثاني وهو الأصح وبه قال ابن أبي هريرة نعم . لأنهما بالذكر صارا كما لو باشرا ، حكاه صاحب البحر والقاضي أبو الطيب في كتاب الشركة .

                                      ( قلت : ) وذلك مخالف لما ذكر أنه لا يصح هنا ( والأصح ) ما ذكروه هنا ; لأن الأصح أن الوكيل مطالب بالعهدة وإن صرح بالمباشرة . ( ومنها ) لو وكل رجلان رجلا في بيع عبد ، ورجلان رجلا في شراء ، فتبايع الوكيلان فخرج معيبا ، فعلى الأوجه ( الأول ) لا يجوز التفريق ، وعلى ( الثاني ) و ( الرابع ) يجوز فلهما أن يردا على أحد البائعين نصف العبد ، ولأحدهما أن يرد النصف عليهما ، وله رد الربع [ ص: 391 ] من أحدهما لأنه جميع ما يملكه عليه ، وعلى ( الثالث ) في جانب المشتري متحد دون البائع ، فيكون حكمه حكم الواحد يشتري من رجلين ، فلهما أن يردا نصيب أحد البائعين ، وليس لأحدهما أن يرد نصيبه عليهما ، وعلى ( الخامس ) يقتضي أنه كما لو اشترى اثنان من واحد عكس الثالث ، فلكل من الموكلين في الشراء رد حصته بكمالها ، وليس له رد نصفها على أحد الموكلين في البيع وعلى ما قاله القفال يفرق بين العلم والجهل كما تقدم ، فهذه خمسة أوجه في هذا الفرع . وصاحب التتمة حكى فيه خمسة أوجه أيضا ، لكنه لم يحك الوجه الذي قاله القاضي حسين ، وإنما ذكر الوجه الذي تقدمت حكايته عنه ، والذي يظهر في هذا الفرع أنه يتجه التفريع عليه ، وعلى الثاني كما تقدمت . وأما الرافعي رحمه الله فإنه اختصر جدا .

                                      وقال : فعلى الوجه الأول لا يجوز التفريق ، وعلى الوجه الآخر يجوز ، هكذا رأيته في النسخة ، الوجه الآخر والمراد به قول أبي زيد ، ويكون قد يدل التفريع على بقية الوجوه الأربعة التي ذكرها في الروضة وبعض نسخ الرافعي ، وعلى الأوجه الأخر يجوز ، فمقتضاه أنه يجوز على الوجه الثاني والثالث والرابع . فأما جوازه على الثاني والرابع فصحيح على إطلاقه كما تقدم . وأما على الثالث فليس على إطلاقه وقد تقدم بيانه . ( ومنها ) وكل رجل رجلين في بيع عبد ، ووكل رجل آخرين في شراه ، فتبايع الوكلاء ، فعلى الوجه الأول يجوز التفريق . قال الرافعي والنووي : وعلى الوجوه الأخر لا يجوز ، والأمر كما قالاه على الوجه الثاني مطلقا . وأما على الثالث فيكون كما لو اشترى اثنان من واحد ، وعلى الرابع كما لو اشترى واحد من اثنين ، وعلى الخامس كذلك ، ولا يخفى الحكم في ذلك ، والرافعي رحمه الله لم يذكر الوجه الخامس في أصل المسألة ، فحصل في هذا الفرع أربع طرق . وهذه الفروع الخمسة ذكرها الرافعي رحمه الله وتقدمه بذكرها جماعة ، وهي في الرافعي والروضة ستة للتكرار الذي تقدم التنبيه عليه . [ ص: 392 ] ومنها ) ولم يذكره الرافعي : لو وكل الواحد رجلين في الشراء دون البيع قال القاضي حسين : فعلى طريقة ابن الحداد والشيخ أبي إسحاق للموكل أن يرد النصف ، وعلى طريقة أبي زيد ليس له رد النصف . قلت : وعلى ما حكاه صاحب التتمة والذي حكاه القاضي حسين أيضا ليس له الرد ، ولا يأتي هنا الوجهان .

                                      ( فرع ) إذا صدر العقد بالوكالة فذلك على ستة عشر قسما ; لأنه إما أن يتحد وكيل البيع ووكيل الشراء وموكلاهما ، وإما أن يتعدد الجميع ، وإما أن يتحد واحد فقط وهو أربعة . وإما أن يتعدد واحد فقط ، وهو أربعة ، وإما أن يتعدد اثنان وهو ستة تقدم من هذه الأقسام الستة عشر ستة في الفروع ، الستة المذكورة ، وهي إذا تعدد واحد فقط بصورة الأربعة ، وقسمان من تعدد الاثنين وهما تعدد الوكيلين ، وتعدد الموكلين ، وبقيت عشرة منها اتحاد الجميع ولا حاجة إليه هنا ، والتسعة الباقية لا يخفى تدبرها وتفريعها على الفقيه ، وإذا أخذ مع هذه الأقسام تعدد العين المبيعة واتحادها كانت الأقسام اثنين وثلاثين فرعا ويحتاج الفقيه في حكم كل منها وتفريعه إلى تيقظ ، والله أعلم .

                                      ( فرع ) فأما إذا جرى العقد بوكالة من أحد الطرفين فقط فستة عشر مسألة لأن العاقد لنفسه إما واحد أو متعدد ، وعلى التقديرين فالوكيل مع موكله أربع صور صارت ثمانية مضروبة في تعدد المبيع واتحاده ، فهذه ستة عشر في البائع ومثلها في المشتري ، وقبلها اثنان وثلاثون ، وقبلها فيما إذا كان العقد بغير وكالة ثمانية ، وكل منها إما أن يفصل فيه الثمن أو لا ، ولولا التطويل لذكرت كل صورة من ذلك وحكمها وما يقتضيه التفريع فيها ، ولكن معرفة الأصل كافية للتبيين ، والله أعلم . وإنما ذكرت تعدد المبيع واتحاده وإن لم يكن له أثر في تعدد الصفقة ; لأن له أثرا في الرد بالعيب الذي نتكلم فيه كما تقدم ، والله تعالى أعلم . [ ص: 393 ] فرع ) هذا كله إذا جرى العقد بصيغة واحدة ، فلو جرى بصيغتين فلكل منهما حكمها ، وقد تقدم التنبيه على كل ، والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية