الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الآداب الشرعية والمنح المرعية

ابن مفلح - محمد بن مفلح بن محمد المقدسي

صفحة جزء
[ ص: 519 ] فصل ( كراهة النظر إلى ما يحرم والتفكر فيه ومن حرمه لسد الذريعة ) .

يكره النظر إلى ملابس الحرير ، وأواني الذهب والفضة ، ونحوها إن رغبه نظرها في التزين والتجمل ، والمفاخرة ذكره في الرعاية وغيرها .

وقال ابن عقيل : ريح الخمر كصوت الملاهي حتى إذا شم ريحها فاستدام شمها كان بمثابة من سمع صوت الملاهي وأصغى إليها ، ويجب ستر المنخرين والإسراع كوجوب سد الأذنين عند الاستماع ، وعلى هذا يحرم النظر إلى الحرير ، وأواني الذهب والفضة إن دعت إلى حب التزين بها والمفاخرة ، ويحجب ذلك عنه ونزيد فنقول : التفكر الداعي إلى استحضار صور المحظور محظور ، حتى لو فكر الصائم فأنزل أثم وقضى ، وكان عندي كالعابث بذكره فيمني ، وأدق من هذا لو استحضر صورة المعشوق وقت جماعه أهله .

وقال المروذي : كنت مع أبي عبد الله بالعسكر في قصر إتياح فأشرت إلى شيء على الجدار قد نصب فقال لي : لا تنظر إليه . قلت : فقد نظرت إليه . قال لي : فلا تفعل لا تنظر إليه .

قال الشيخ وجيه الدين في شرح الهداية : ويكره أن يتخذ خرقة لمسح العرق لأنه من التكبر والتجبر ، وكذا يكره أن يتخذ خرقة للامتخاط كذا قال والأولى أنه لا يكره ، وإن فعل ذلك على وجه التكبر والتجبر توجه التحريم وإنما يفعل كثيرا للترفه والنظافة ، قال : فإن كانت لإماطة الأذى وإزالة القذر والحاجة لم تكره .

وقال في الغنية : يستحب أن لا يخلي الإنسان نفسه حضرا وسفرا من [ ص: 520 ] سبعة أشياء بعد تقوى الله والثقة به : التنظيف ، والتزيين ، والمكحلة ، والمشط ، والسواك ، والمقص ، والمدارة وهي خشبة مدورة الرأس أوفى من شبر تتخذها العرب والصوفية يدرءون بها عن أنفسهم الأذى كالقمل وغيره ، ويحكون بها الجسد ويقتلون الدبيب حتى لا يباشروا كل شيء بأيديهم والسابع قارورة من الدهن ; لأنه قد روي في حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يفوته ذلك حضرا ولا سفرا .

قال الشيخ وجيه الدين : والتربع في الجلوس إن كان لحاجة لم يكره وإن كان للتكبر والتجبر كره كذا قال ، ويتوجه أن يقال لا كراهة في التربع في الجلوس كغيره من أنواعه وهذا هو ظاهر ما ذكره الأصحاب إلا أن يكون على وجه التكبر والتجبر فيتوجه التحريم وسبق ذلك في آداب المسجد وصفة الجلوس للأكل .

قال رحمه الله ولا بأس بربط الخيط في الإصبع للحفظ ، والذكر انتهى كلامه وهذا يفعله كثير من الناس . وقد قال الشاعر :

إذا لم تكن حاجاتنا في صدوركم فليس بمغن عنك عقد الرتائم

وقال أيضا :

إذا لم تك الحاجات من همة الفتى     فليس بمغن عنك عقد الرتائم

والرتائم جمع رتيمة ورتمة وهو خيط يشد في الإصبع ليتذكر به الحاجة تقول منه أرتمت الرجل إرتاما : والرتمة بالتحريك ضرب من الشجر والجمع رتم .

وفي مسائل أبي داود قبيل باب التشهد في الصلاة سمعت أحمد يقول كان يحيى بن يمان يحضر سفيان ومعه خيط فكلما حدث سفيان بحديث عقد عقدة فإذا رجع إلى البيت كتب حديثا وحل عقدة .

التالي السابق


الخدمات العلمية