الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى : وبدو الصلاح في الثمار أن يطيب أكلها ، فإن كان رطبا بأن يحمر أو يصفر ، وإن كان عنبا اسود بأن يتموه ، وإن كان أبيض بأن يرق ويحلو ، وإن كان زرعا بأن يشتد وإن كان بطيخا بأن يبدو فيه النضج ، وإن كان قثاء بأن يكبر بحيث يؤخذ ويؤكل ، والدليل عليه ما روى أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم : { نهى عن بيع الحب حتى يشتد ، وعن بيع العنب حتى يسود ، وعن الثمرة حتى تزهي } ، وروى جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم : { نهى عن بيع الثمرة حتى تطعم } .

                                      التالي السابق


                                      [ ص: 149 ] الشرح ) أما حديث أنس فروى البخاري منه : أن النهي عن بيع الثمرة حتى تزهي ، وفي رواية : ثمر النخل ، وروى الترمذي منه النهي عن بيع العنب حتى يسود ، وعن بيع الحب حتى يشتد ، وقال : حسن غريب لا يعرفه مرفوعا إلا من حديث حماد بن سلمة ، وروى البيهقي الجميع كما ذكر المصنف ، لكن قدم ذكر الثمرة على الحب والعنب ، ( وأما ) حديث جابر فرواه البخاري ومسلم رحمهما الله ، ولفظهما : { عن بيع الثمرة حتى تطيب } ، وعندهما في رواية أخرى واللفظ للبخاري رضي الله عنه " أن تباع الثمرة حتى تشقح ، فقيل وما تشقح ؟ قال : تحمار وتصفار ويؤكل منها " ، وعند مسلم في رواية : { وعن بيع الثمرة حتى تطعم } كما ذكرها المصنف ، فإذا أردت عزو حديث جابر الذي في الكتاب على الإطلاق قل : رواية مسلم . وقوله : يتموه قال ابن أبي عصرون : يدور فيها الماء الحلو ، ويصفو لونها ، وقوله : يشتد أي يصلب ويقوى . وقد تقدم ذلك ، وقوله : حتى يطعم - بضم الياء وكسر العين - ويقال - بفتح العين - وضبطه ابن البدري أنه - بفتح التاء والعين - أيضا وهي خطأ ، قال : معناه حتى تصير طعما ، وقيل : تبلغ حين تطعم ، وقد ورد في الصحيح من حديث ابن عمر أن النبي : صلى الله عليه وسلم { نهى عن بيع النخل حتى يزهو ، وعن السنبل حتى يبيض } . " ولا تنافي بين هذا وبين حديث أنس المتقدم أنه نهى عن بيع الحب حتى يشتد ; لأن وقت اشتداده وقت مبادي بياضه .

                                      ( أما الأحكام ) فقد اختلف الناس في تفسير بدو الصلاح ، فروي عن ابن عمر أن " بدو الصلاح في الثمر بطلوع الثريا " ، وقد تقدم ذلك في الحديث عنه ، وحكي عن عطاء وجماعة : أن بدو الصلاح أن يوجد في الثمرة ما يؤكل قليل أو كثير ، قال ابن المنذر : وروينا ذلك عن ابن عمر وابن عباس ، وروي عن النخعي : أن بدو الصلاح بقوة الثمرة واشتدادها ، وعندي أن ذلك ليس باختلاف محقق يرجع إلى معنى ، وكان ابن عمر إنما أطلق طلوع الثريا ; لأنه أوان طيب الثمرة غالبا عندهم في ذلك الوقت ، فتباين الألفاظ عن العلماء في ذلك لا ينبغي أن يعتمد عليه في إثبات اختلاف .

                                      ومذهبنا : أن بدو الصلاح [ ص: 150 ] يرجع إلى تغير صفة في الثمرة ، وذلك يختلف باختلاف الأجناس ، وهو على اختلافه راجع إلى شيء واحد مشترك بينهما وهو طيب الأكل ، وفي ذلك جمع بين الحديثين اللذين ذكرهما المصنف فإن حديث أنس اعتبر الاشتداد في الحب والاسوداد في العنب والزهو في الثمرة ، وحديث جابر دل على اعتبار الطعم في الثمرة ، وهي تشمل العنب وغيره ، فيكون اعتبار الاسوداد وشبهه ; لأنه وقت للطعم لا لعينه ، فلذلك قال في الحديث : { حتى تطيب } .

                                      قال الأصحاب : ولا يصح ضبطه بطلوع الثريا ; لأن من البلاد ما يتأخر فيه صلاح الثمر ، أو يتقدم ، بل البلد الواحد قد يتعجل في عام ، لاشتداد الحر ودوامه ، ويتأخر في آخر لاشتداد البرد ودوامه ، وطلوع الثريا لا يختلف ; لأنها تطلع بعد ثمانية عشر يوما من بشنس قالوا : وكذلك اعتباره بالأكل لا يصح ; لأن ثمار النخل تؤكل طلعا وبلحا ، والكرم يؤكل حصرما ، وليس ذلك صلاحا له ، ولا يصح اعتباره بالقوة ; لأن قوة الثمرة قبل صلاحها ، وإذا صلحت لانت ونضجت .

                                      وقد أشار الشافعي رضي الله عنه إلى اختلاف بدو الصلاح في أجناس الثمار بقوله : وللخربز نضج كنضج الرطب ، فإذا رأى ذلك فيه حل بيع خربزه ، والقثاء تؤكل صغارا طيبا ، فبدو صلاحه أن يتناهى عظمه أو عظم بعضه ، ( واعترض ) عليه أبو بكر بن داود بأنه إما أن يكون الشافعي رضي الله عنه أراد أن يعلمنا أنه يحب القثاء ، فلا فائدة في ذلك ، أو أن يعلمنا المحسوسات ولا يجوز أن يعلم الناس ذلك ; لأنهم يعلمونه ضرورة . ( وأجاب ) الأصحاب : بأن الشافعي قصد بهذا القول أن يفرق بين ما طعمه في الابتداء مخالف لما يكون في النهاية ، وأن القثاء [ ص: 151 ] بخلاف ذلك ; لأنه في ابتدائه وصغره طعمه كطعمه في حال كبره ، بخلاف بقية الثمار ، فإنها تكون في ابتدائها حامضة أو مرة ، ثم تصير حلوة ، وأكثر الأصحاب لم يذكروا لبدو الصلاح ضابطا كما فعل المصنف ، بل جعلوه مختلفا كما اقتضاه كلام الشافعي .

                                      قال الماوردي : وجملة الثمار على ثمانية أقسام ( أحدها ) : ما يكون بدو الصلاح فيه باللون ، وذلك في النخل بالاحمرار والاصفرار ، وفي الكرم بالحمرة أو السواد أو الصفار والبياض ، ( وأما ) الفواكه المتلونة ( فمنها ) ما يكون صلاحه بالصفرة كالمشمش ( ومنها ) ما يكون بالبياض كالتفاح . ( قلت ) : ومحل ذلك فيما يتلون عند الإدراك بلون يخالف اللون السابق ، وجعل القاضي أبو الطيب نوعا من التفاح يكون أخضر في حال كماله كما يكون في صغره ، قال : فبدو الصلاح فيه بطيب طعمه وحلاوته ، وكذلك جعل الشيخ أبو حامد العنب الأبيض ، وما قالاه ظاهر .

                                      ( القسم الثاني ) : ما بدو صلاحه بالطعم ، فمنه ما يكون بالحلاوة كقصب السكر ، ومنه ما يكون بالحموضة كالرمان ، فإذا زالت المرارة بالحموضة أو الحلاوة فقد بدا صلاحه . ( القسم الثالث ) ما بدو صلاحه بالنضج كالتين والبطيخ ، فإذا لانت صلابته بدا صلاحه ، وهذا معنى قول غير الماوردي طيب أو الحلاوة ، والعبارات الثلاث متقاربة ، فإن ذلك يحصل في وقت واحد ، وقال صاحب التتمة لما تكلم في البطيخ : الخيار والباذنجان حكمهما حكم البطيخ ، إلا في شيء واحد ، وهو أن بدو الصلاح فيهما ليس أن يكبر ويتناهى ; لأنهما لا يؤكلان في تلك الحالة ، ولكن أن يصير [ ص: 152 ] إلى الحد الذي يقصد تناوله في تلك الحالة في العرف والعادة ، فإذا كان في جملة الصفقة واحدة قد بلغت الحد ، فهو وقت إباحة بيعه .

                                      ( الرابع ) : ما بدو صلاحه بالقوة والاشتداد ، كالبر والشعير ، فإذا بدت قوته واشتد بدا صلاحه . ( الخامس ) : ما بدو صلاحه بالطول والامتلاء كالعلف والبقول والقصب ، فإذا تناهى طوله وامتلاؤه إلى الحد الذي يجذ عليه ، بدا صلاحه ، هكذا قال الماوردي ، وسنذكر في آخر الكلام فرعا عن الإمام في القرط ، وما في معناه من البقول ، يخالف ذلك ، وما قاله الماوردي أولى لما سنذكر ، ونص الشافعي يدل لما قاله الماوردي ، والماوردي في إجازته بيع البقول إذا بدا صلاحها من غير شرط القطع تابع للصيمري .

                                      وقال ابن الرفعة معتذرا عن الماوردي في ذلك : إن القصب إذا انتهى إلى تلك الحال لا يبقى عرفا ، بل العرف قطعه ، فاكتفى به كما اكتفى به في التبقية في الثمرة لعدم ، وهذا الاعتذار يقتضي أن القطع واجب ، وإنما يترك شرطه اكتفاء بالعرف في ذلك ، قال : وفائدة ذلك أنه لو انتهى بعضه إلى هذا الحال جاز بيع جميعه من غير شرط القطع ، واستحق التبقية في الباقي إلى أوان قطعه .

                                      ( السادس ) : ما بدو صلاحه بالعظم والكبر كالقثاء والخيار والباذنجان . ( السابع ) : ما بدو صلاحه بانشقاق كمامه كالقطن والجوز ، فإذا تشقق جوز القطن وسقطت القشرة العليا عن جوز الأكل بدا صلاحه ، ومقصود الماوردي من هذا : أنه إذا تشقق بعضه جاز بيع المتشقق منه وغير المشقق ، إذا نظمهما العقد وغيره كما تقدم ، وليس مراده أن يجوز بيعه قبل التشقق بشرط القطع ; لأن ذلك ممتنع لانتشاره ، وإنما سبق الكلام في المعنى الأول . [ ص: 153 ]

                                      ( الثامن ) : ما بدو صلاحه بانفتاحه وانتشاره كالورد والنيلوفر ، فإذا تفتح المنضم وانتشر فقد بدا صلاحه ، وورق التوت : بدو صلاحه أن يصير كأرجل البط ، هكذا قال عطاء والنخعي ، وجملة القول في بدو الصلاح : أن تنتهي الثمرة أو بعضها إلى أدنى أحوال كمالها ، هكذا كلام الماوردي ، إلا ما في ضمنه مما حكيناه عن غيره ، وما نقله في ورق التوت يوافق ما قاله صاحب التهذيب ، فإنه قال : إن بيع أوراق الفرصاد قبل تناهيها لا يجوز إلا بشرط القطع ، وكذلك قال القاضي حسين ، فلذلك رأى الرافعي أن يضبط حالة بدو الصلاح في هذه الأشياء بصيرورتها إلى الصفة التي تطلب غالبا لكونها على تلك الصفة ، وهو موافق للضابط الذي قاله الماوردي وهو أسلم من ضابط الماوردي ، فإن الكمال بالمعنى المذكور في باب الربا ليس مرادا ههنا ، واعتبار الماوردي أدنى الأحوال أحسن من عبارة الرافعي ، فإنه قد تكون الصفة المقصودة منه غالبا نهاية تلك الحالة أو وسطها ، ولا يعتبر في بدو الصلاح إلا أولها ، فينبغي أن يزاد هذا اللفظ في كلام الرافعي ; ليصير الضابط أوضح مع أنه صحيح بدونها ، فإن اللفظ منزل على ذلك .

                                      وقد حكى الروياني عن القاضي أبي حامد أنه قال في جامعه : قد قيل : ورق التوت يباع إذا خرج من كمامه ، وبه يبدو صلاحه ، ثم نقل قول عطاء والنخعي المتقدم ، والله أعلم .

                                      وقد ظهر لك بما ذكرته أن قول المصنف : وبدو الصلاح في الثمار أن يطيب أكلها ، غير شامل لجميع أنواع بدو الصلاح ، إذ ليس فيه ذكر الورق ، وكلام الشافعي رحمه الله تعالى في الأم مصرح باعتبار بدو الصلاح في الحناء والكرسف والقصب ، ظاهر اللفظ يرد عليه القثاء ونحوه فيجب أن يقال : المراد ابتداء أكله المعتاد ، ( فإن قيل ) : البسر ليست العادة أن يؤكل في أول احمراره أو اصفراره ، بل يؤخر إلى تناهيه ، ومع ذلك بدو الصلاح فيه أن يحمر ويصفر ، كما صرح به الحديث ونص الشافعي ، قال إمام الحرمين : بين بدو الصلاح وبين الإدراك وأوان القطاف قريب من شهرين ، يعني فلأجل ذلك لا يشترط الغاية المطلوبة في الطيب ، ( فالجواب ) : ما قاله الإمام ، فإنه أورد ما الذي أوجب الفرق بين القثاء والثمار ؟ وأجاب : بأن [ ص: 154 ] لا فرق ، فإن الزهو إذا ابتدأ الناس في الأكل ، وقد يعقب تأخر المطعم إلى تمام الإدراك ، كذلك القول في القثاء ، فإن الصغار منه تبتدر ، ولكن عموم الأكل يتأخر ، والذي يتناهى صغره لا يؤكل قصدا إلا أن يتفق على شذوذ ، فرجع الحاصل إلى طيب الأكل وابتداء الاعتياد فيه ، فعلامة ذلك في المتلونات التلون إلى جهة الإدراك ، وفيما لا يتلون القوة وجريان الحلاوة فأشار الإمام إلى أن الذي لا يؤكل في العادة أصلا كالقثاء في حال تناهي صغره لم يبد صلاحه . والذي يؤكل في العادة بدا صلاحه ، وللأكل في العادة مراتب : ابتداء ووسط وانتهاء ، والمعتبر ابتداؤها وهو حاصل في البسر بالاحمرار دون القثاء في صغره .

                                      وإدخال المصنف الزرع في أصناف الثمر ، يشهد له قول الله تعالى : { كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده } وكل ما ذكر المصنف واضح مما ذكرته ، إلا قوله : إن صلاح العنب الأسود بأن يتموه ، والذي حكيته فيما تقدم من كلام الماوردي ، وهو الموجود في كلام الشيخ أبي حامد والقاضي أبي الطيب : أن صلاح العنب الأسود باسوداده وفي كلام الماوردي أن الصلاح في الكرم بالتموه إلى الحمرة أو السواد ، والله أعلم .

                                      وقول المصنف رحمه الله تعالى في القثاء : حيث يؤخذ ويؤكل ، تنبيه على أن إمكان الأكل موجود فيه من قبل ، ولكنه لا يؤخذ للأكل في العادة ، وفي معنى القثاء الخيار والباذنجان ، كما صرح به الروياني ، قال : وفي الرمان بالحموضة أو الحلاوة وزوال المرارة ، وفي الورد الانفتاح والانتشار .



                                      ( فرع ) إذا باع أوراق الفرصاد مع الأغصان ، فإن بلغ نهايته جاز من غير شرط ، ثم إن كانت المقاطع معلومة فذاك ، وإلا بأن يترك على الشجر سنة أو أكثر لم يجز ما لم يبين موضع القطع ويعلم عليه علامة ، وكذلك إذا باع الأوراق وحدها قبل نهايتها بشرط القطع ، ولكن لا تقطع الأغصان معها ، قال ذلك القاضي حسين .



                                      [ ص: 155 ] فرع ) قال الشافعي والأصحاب : إذا بدا صلاح ما خرج من القثاء والبطيخ لم يجز بيع ما لم يخلق منه تبعا لما خلق ، ووجب إفراد العقد بالموجود ، وقال مالك : يجوز بيع ما لم يخلق تبعا لما خلق ; لأن الحادث يختلط فدعت الضرورة إلى بيعه قبل وجوده تبعا ، وهي دعوى ممنوعة ، قال بعض الأصحاب : وطريق تحصيل ذلك : أن يشتري هذا الشجر مع ثمرته ، وبدونها ، بشرط القطع ، ويستأجر منه الأرض سنة أو سنتين فلا يملك مطالبته بالقطع .



                                      ( فرع ) قال الشافعي رضي الله عنه : ولا يجوز أن يستثني الثمرة مدا ، وقسم الأصحاب الاستثناء في البيع إلى أربعة أقسام . ( الأول ) : أن يكون الاستثناء معلوما والمبيع بعده معلوما ، وهذا على ضربين مشاع ومحرز ، فالمحرز : بعتك ثمرة هذه الحائط إلا ثمرة هذه النخلات العشر بعينها ، فهذا جائز بالاتفاق ، والمشاع : بعتك ثمرة هذه الحائط إلا ربعها صحيح أيضا ، ويكون المبيع ثلاثة أرباعها مشاعا ، وقال الأوزاعي : باطل ; لأنه بيع على شرط الشركة .

                                      ( والقسم الثاني ) أن يكون الاستثناء مجهولا ، والمبيع بعده مجهولا ، وهو ضربان مشاع ومحدد فالمشاع كقوله : بعتك هذه الثمرة إلا قوت سنتي أو قوت غلماني ، باطل اتفاقا ، وما ورد من ذلك عن ابن عمر رضي الله عنه محمول على أنه كان معلوما ، والمحدد كبيع الثمرة إلا عشر نخلات منها لا بعينها فهو باطل .

                                      وقال مالك رحمه الله تعالى : إن كان قدر ثلث الثمرة فما دون جاز ، وكان له عشر نخلات وسط .

                                      ( والقسم الثالث ) : أن يكون الاستثناء معلوما والمبيع بعده مجهولا ، كقوله : بعتك هذه الثمرة إلا صاعا منها فهو باطل ، وقال مالك : جائز .

                                      ( والقسم الرابع ) : أن يكون الاستثناء مجهولا ، والمبيع معلوما ، كقوله : بعتك من هذه الثمرة مائة صاع ، والباقي لي ، فإن علما أن فيها مائة صاع فصاعدا صح ، إن أمكن كيل الثمرة ، وبطل إن لم يمكن كيلها ، ولا يصح الخرص فيها ; لأن البيع بالخرص [ ص: 156 ] لا يجوز ; لأنه تخمين وحدس ، وإنما يجوز في حق المساكين لأنه مواساة .

                                      ( قلت ) : الصحيح في العرايا أنه لا يختص بالمساكين ، والله أعلم ، وإن لم يعلما أن في الثمرة مائة صاع كان البيع باطلا ; للجهل بوجود المبيع ، فلو كيلت من بعد ، فكانت مائة صاع فصاعدا لم يصح البيع بعد فساده ، قال ذلك الماوردي وغيره من الأصحاب ، ذكر الفرع ولكن لم يستوعبوا هذه الأقسام مبسوطة كاستيعابه ، والله أعلم .



                                      ( فرع ) إذا باع ثمرة حائط بأربعة آلاف درهم إلا ما يخص ألفا منها ، قال الشافعي والأصحاب : يكون الاستثناء صحيحا ; لأن ما يخص ألفا منها هو ربع الثمرة ، فإن قال : إلا ما يخص قيمة ألف منها بسعر اليوم لم يصح ; لأنه غير معلوم ، هكذا فرض القاضي أبو الطيب المسألة ، وهو غير ظاهر ، قال الماوردي فيها : إن كان الاستثناء بسعر ما باع صح ، وإن كان بسعر يومه لم يجز ، ومراده ما قاله أبو الطيب ، وكلام أبي الطيب أبين وأحسن .



                                      ( فرع ) قال : اشتريت منك هذا الثوب بهذه الدراهم إلا خمسة دراهم لم يجز ، قاله الروياني ، ولو قال : بعتك قفيزا من هذه الصبرة إلا مكوكا جاز ; لأنهما معلومان ، قاله الروياني .



                                      ( فرع ) قال : بعتك ثمرة هذا النخل إلا النوع المعقلي ، فإن شاهد المعقلي المستثنى وعلم قدره صح البيع ، وإن جهله فسد . قاله الماوردي .



                                      ( فرع ) باع شاه واستثنى سواقطها ، قال في الصرف : لا يصح ، كذا إذا قال : إلا رأسها ويديها ، ولا فرق بين أن يكون البيع لمسافر أو لحاضر ، أو يكونا حاضرين أو مسافرين ، وبه قال أبو حنيفة ، وقال مالك في حق المسافر : يجوز ، قاله القاضي أبو الطيب .



                                      ( فرع ) باع قطنا واستثنى حبه ، أو سمسما واستثنى كسبه ، أو شاة واستثنى جلدها ، كان البيع في هذا كله باطلا ، قاله الماوردي .



                                      [ ص: 157 ] فرع ) بيع الثمرة وفيها قدر الزكاة مذكور فيه ، ولكن يذكر هنا ما يتعلق بهذا المكان ، وهو أنه لو قال : بعتك الثمرة إلا مقدار الزكاة يصح بشرط أن نذكر قدر الزكاة في البيع ، أهو العشر ؟ أو نصف العشر ؟ وقال مالك : يكتفى بالعلم به شرعا عن ذكره ، ورده أصحابنا ، فإن أراد أن يدفع قدر الزكاة من غير تلك الثمرة ففيه وجهان . ( أحدهما ) : يجوز ، لأنه يحل محل البائع ( والثاني ) : لا ; لأنه كالوكيل ، فإن استهلك المشتري الثمرة رطبا ففيما يطلب به من حق الزكاة وجهان . ( أحدهما ) : العشر تمرا على الوجه الذي يجبر له دفع الزكاة من غيرها ، فيكون ذلك ضمانا لعشرها تمرا ، ( والثاني ) : يطالب بقيمة عشرها رطبا على الوجه الذي يمنع دفع الزكاة من غيرها . فعلى هذا إن نقصت قيمة عشرها رطبا عن قيمة عشرها تمرا ، ففي الرجوع على البائع يفصل ما بينهما وجهان مخرجان من أن الزكاة وجبت في الذمة أو في العين ؟ فعلى الأول : يرجع ، وعلى الثاني : لا يرجع عليه لزوال يده عن عين . قال ذلك الماوردي ، ولعل ذلك مفروض فيما إذا أمر البائع المشتري بأداء الزكاة ، وكذلك قاله الروياني نقلا عن الماوردي .

                                      ( فرع ) الزرع الذي يخلف كالقرط وما في معناه من البقول يكون متزايدا أبدا ، لا وقوف له فإذا بيع منه جذة ، فلا بد من شرط القطع . ولا ينظر في هذا القسم إلى ما يقع في زمن العاهات ، ولا إلى طيب الأكل لأجل الاختلاط ، قاله الإمام ، وقد تقدم عن الماوردي ما يخالفه ، وقول الإمام : إنها لا تزال متزايدة يمنع ، فإن فرض كذلك فالأمر كما قال ، كما سيأتي في كلام المصنف في بيع الثمار الذي يعلم اختلاطها .



                                      ( فرع ) إذا اشترى الزرع الذي لا يخلف ، إما بعد بدو الصلاح ، وإما قبله شرط القطع ، وقد ظننت تبقيته إما بعد بدو الصلاح وإما قبله باتفاقهما ، فالزيادة التي تحصل في الزرع للمشتري بالاتفاق ، كنمو الثمرة إلى وقت اتفاق القطع ، وليست كزيادة الزرع المخلف ، قاله الإمام ، والزرع الذي لا يخلف لو قطع يملك المشتري ظاهره ، [ ص: 158 ] وعروقه المستترة بالأرض ، قاله الإمام ( قلت ) : فيجيء على ذلك أنه إذا حصد وكانت عروقه تضر بالأرض كالذرة ، يجب على المشتري قلعها وتسوية الحفر الحاصلة بسببها كما تقدم ، مثله إذا اشترى الأرض ، فإنه يجب على البائع ذلك ، وإن لم يضر بالأرض لم يجب كما تقدم أيضا ، وسنذكر في مسألة اختلاط الرطبة عن صاحب التتمة ما يخالف ما قاله الإمام هنا إن شاء الله تعالى .




                                      الخدمات العلمية