الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم ) .

الفضل : الزيادة ، واستعماله في الخير ، وفعله فعل يفعل ، وأصله أن يتعدى بحرف الجر وهو ( على ) ثم بحذف ( على ) على حد قول الشاعر ، وقد جمع بين الوجهين :


وجدنا نهشلا فضلت فقيما كفضل ابن المخاض على الفصيل



وأما في الفضلة من الشيء ، وهي البقية ، فيقال : فضل يفضل ، كالذي قدمناه ، وفضل يفضل ، نحو : سمع يسمع ، وفضل يفضل ، بكسرها من الماضي ، وضمها من المضارع ، وقد أولع قوم من النحويين بإجازة فتح ضاد فضلت في البيت وكسرها ، والصواب الفتح .

الجزاء : القضاء عن المفضل والمكافأة ، قال الراجز :


يجزيه رب العرش عني إذ جزى     جنات عدن في العلالي العلا



والإجزاء : الإغناء .

قبول الشيء : التوجه إليه ، والفعل قبل يقبل ، والقبل : ما واجهك ، قال القطامي :


فقلت للركب لما أن علا بهم     من عن يمين الحبيا نظرة قبل



الشفاعة : ضم غيره إلى وسيلته ، والشفعة : ضم الملك ، الشفع : الزوج ، والشفاعة منه ; لأن الشفاعة والمشفوع له : شفع ، وقال الأحوص :


كان من لامني لأصرمها     كانوا لليلى بلومهم شفعوا



وناقة شفوع : خلفها ولد ، وقيل : خلفها ولد وفي بطنها ولد ، الأخذ : ضد الترك ، والأخذ : القبض والإمساك ، ومنه قيل للأسير : أخيذ ، وتحذف فاؤه في الأمر منه بغير لام ، وقل الإتمام . العدل : الفداء ، والعدل : ما يساويه قيمة وقدرا ، وإن لم يكن من جنسه ، وبكسر العين : المساوي في الجنس والجرم . ومن العرب من يكسر العين من معنى الفدية ، وواحد الأعدال بالكسر لا غير ، والعدل : المقبول القول من الناس ، وحكي فيه أيضا كسر العين ، وقال ثعلب : العدل : الكفيل والرشوة ، قال الشاعر :


لا يقبل الصرف فيها نهاب العدلا



النصر : العون ، أرض منصورة : ممدودة بالمطر ، قال الشاعر :


أبوك الذي أجدى علي بنصره     وأمسك عني بعده كل قاتل



وقال الآخر :


إذا ودع الشهر الحرام فودعي     بلاد تميم وانصري أرض عامر



والنصر : العطاء ، والانتصار : الانتقام . النجاة : التنجية من الهلكة بعد الوقوع فيها ، والأصل : الإلقاء [ ص: 188 ] بنجوة ، قال الشاعر :


ألم تر للنعمان كان بنجوة     من الشر لو أن امرأ كان ناجيا



الآل : قيل بمعنى الأهل ، وزعم أن ألفه بدل عن هاء ، وأن تصغيره أهيل ، وبعضهم ذهب إلى أن ألفه بدل من همزة ساكنة ، وتلك الهمزة بدل من هاء ، وقيل : ليس بمعنى الأهل لأن الأهل القرابة ، والآل من يئول من قرابة أو ولي أو مذهب ، فألفه بدل من واو ، ولذلك قال يونس في تصغيره : أويل ، ونقله الكسائي نصا عن العرب ، وهذا اختيار أبي الحسن بن الباذش ، ولم يذكر سيبويه في باب البدل أن الهاء تبدل همزة ، كما ذكر أن الهمزة تبدل هاء في : هرقت ، وهيا ، وهرحت ، وهياك . وقد خصوا ( آل ) بالإضافة إلى العلم ذي الخطر ممن يعلم غالبا ، فلا يقال : آل الإسكاف والحجام ، قال الشاعر :


نحن آل الله في بلدتنا     لم نزل آلا على عهد إرم



قال الأخفش : لا يضاف ( آل ) إلا إلى الرئيس الأعظم ، نحو : آل محمد ، صلى الله عليه وسلم ، وآل فرعون لأنه رئيسهم في الضلالة ، قيل : وفيه نظر ; لأنه قد سمع عن أهل اللغة في البلدان فقالوا : آل المدينة ، وآل البصرة ، وقال الكسائي : لا يجوز أن يقال : فلان من آل البصرة ، ولا من آل الكوفة ، بل يقال : من أهل البصرة ، ومن أهل الكوفة . انتهى قوله ، وقد سمع إضافته إلى اسم الجنس وإلى الضمير ، قال الشاعر :


وانصر على آل الصليب وعابديه اليوم آلك



وقال هدبة :


أنا الفارس الحامي حقيقة والدي     وآلي كما تحمي حقيقة آلكا



وقد اختلف في اقتباس جواز إضافته إلى المضمر ، فمنع من ذلك الكسائي ، وأبو جعفر النحاس ، وأبو بكر الزبيدي ، وأجاز ذلك غيرهم . وجمع بالواو والنون رفعا وبالياء والنون جرا ونصبا ، كما جمع أهل فقالوا : آلون ، والآل : السراب ، يجمع على أفعال ، قالوا : أأوال ، والآل : عمود الخيمة ، والآل : الشخص ، والآلة : الحالة الشديدة .

فرعون لا ينصرف للعلمية والعجمة ، وسيأتي الكلام عليه . سامه : كلفه العمل الشاق ، قال الشاعر :


إذا ما الملك سام الناس خسفا     أبينا أن نقر الخسف فينا



وقيل : معناه : يعلمونكم من السيماء ، وهي العلامة ، ومنه : تسويم الخيل ، وقيل : يطالبونكم من مساومة البيع ، وقيل : يرسلون عليكم من إرسال الإبل للرعي ، وقال أبو عبيدة : يولونكم ، يقال : سامه خطة خسف ، أي أولاه إياها . السوء : مصدر أساء ، يقال : ساء يسوء ، وهو متعد ، وأساء الرجل : أي صار ذا سوء ، قال الشاعر :


لئن ساءني أن نلتني بمساءة     قد سرني أني خطرت ببالك



ومعنى ساءه : أحزنه ، هذا أصله ، ثم يستعمل في كل ما يستقبح ، ويقال : أعوذ بالله من سوء الخلق وسوء الفعل : يراد قبحهما . الذبح : أصله الشق ، قال الشاعر :


كأن بين فكها والفك     فأرة مسك ذبحت في سك



وقال :


كأنما الصاب في عينيك مذبوح



والذبحة : داء في الحلق ، يقال منه : ذبحه يذبحه ذبحا ، والذبح : المذبوح . الاستحياء هنا الإبقاء حيا ، واستفعل فيه بمعنى أفعل . استحياه وأحياه بمعنى واحد ، نحو قولهم : أبل واستبل ، أو طلب الحياء ، وهو الفرج ، فيكون استفعل هنا للطلب ، نحو : استغفر ، أي تطلب الغفران . وقد تقدم الكلام على استحيا من الحياء في قوله : ( إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ) النساء : اسم يقع [ ص: 189 ] للصغار والكبار ، وهو جمع تكسير لنسوة ، ونسوة على وزن فعلة ، وهو جمع قلة ، خلافا لابن السراج ، إذ زعم أن فعلة اسم جمع لا جمع تكسير ، وعلى القولين لم يلفظ له بواحد من لفظه ، والواحدة : امرأة .

البلاء : الاختبار ، بلاه يبلوه بلاء : اختبره ، ثم صار يطلق على المكروه والشدة ، يقال : أصاب فلانا بلاء : أي شدة ، وهو راجع لمعنى البلى ، كأن المبتلى يئول حاله إلى البلى ، وهو الهلاك والفناء ، ويقال : أبلاه بالنعمة ، وبلاه بالشدة ، وقد يدخل أحدهما على الآخر فيقال : بلاه بالخير ، وأبلاه بالشر ، قال الشاعر :


جزى الله بالإحسان ما فعلا بكم     فأبلاهما خير البلاء الذي يبلو



فاستعملهما بمعنى واحد ، ويبنى منه افتعل فيقال : ابتلي .

التالي السابق


الخدمات العلمية