الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( الفرق الرابع عشر والمائة بين قاعدة [ ص: 2 ] ما يصح اجتماع العوضين فيه لشخص واحد وبين قاعدة ما لا يصح أن يجتمع فيه العوضان لشخص واحد )

اعلم أن القاعدة الشرعية الأكثرية أنه لا يجوز أن يجتمع العوضان لشخص واحد فإنه يؤدي إلى أكل المال بالباطل وإنما يأكله بالسبب الحق إذا خرج من يده ما أخذ العوض بإزائه فيرتفع الغبن والضرر على المتعاوضين فلذلك لا يجوز أن يكون للبائع الثمر والسلعة معا ولا للمؤجر الأجرة والمنفعة معا وكذلك بقية الصور غير أنه قد استثنيت مسائل من هذه القاعدة للضرورة وأنواع من المصالح : المسألة الأولى

الإجارة على الصلاة فيها ثلاثة أقوال الجواز والمنع والثالث التفرقة بين أن يضم إليها الأذان فتصح أو لا يضم إليها فلا تصح وجه المنع أن ثواب صلاته له فلو حصلت له الأجرة أيضا لحصل العوض والمعوض وهو غير جائز وحجة الجواز أن الأجرة بإزاء الملازمة في المكان المعين وهو غير الصلاة ووجه التفرقة أن الأذان لا يلزمه فيصح أخذ الأجرة عليه فإذا ضم إلى الصلاة قرب العقد من الصحة وهو المشهور : المسألة الثانية

أخذ الخارج في الجهاد من القاعد من أهل ديوانه [ ص: 3 ] جعلا على ذلك ومنع من ذلك الشافعي وأبو حنيفة وأجازه مالك رحمهم الله وقال مالك لا يجعل لغير من في ديوانه لعدم الضرورة لذلك وثواب الجهاد حاصل للخارج فلا يجتمع له العوض والمعوض لأن حكمة المعاوضة انتفاع كل واحد من المتعاوضين بما بذل له حجة مالك عمل الناس في ذلك ولأنه باب ضرورة أن ينوب بعضهم عن بعض إذا كانوا أهل ديوان واحد فإن تعددت الدواوين فلا ضرورة تخالف لأجلها القاعدة المجمع عليها : المسألة الثالثة

مسألة المسابقة بين الخيل فقلنا السابق لا يأخذ ما جعل للسابق لأن السابق له أجر التسبب للجهاد فلا يأخذ الذي جعل في المسابقة لئلا يجتمع له العوض والمعوض فلهذه الحكمة وبسبب هذه القاعدة اشترط بعض العلماء الثالث المحلل لأخذ العوض

التالي السابق


حاشية ابن الشاط

قال ( الفرق الرابع عشر والمائة بين قاعدة ما يصح اجتماع العوضين فيه لشخص واحد وبين قاعدة ما لا يصح أن يجتمع فيه العوضان لشخص واحد ) قلت في هذا الفرق نظر يفتقر إلى بسط وما ذكره من المسائل الثلاث لقائل أن يقول ليس المبذول فيها عوضا عن الثواب بل هو معونة على القيام بتلك الأمور فللقائم بها ثوابه ولمن تولى المعونة ثوابه فلم يجتمع العوضان لشخص واحد بوجه والله تعالى أعلم

وما قاله في الفروق الخمسة التي بعده صحيح وكذلك ما قاله في الفرق العشرين والمائة ما عدا قوله كما أن المشترك الذي هو مفهوم أحدها متعلق الوجوب فإن المشترك ليس هو مفهوم أحدها ولا هو متعلق الوجوب كما سلف التنبيه على مثله غير مرة .



حاشية ابن حسين المكي المالكي

[ ص: 3 ] بسم الله الرحمن الرحيم ) وبه نستعين الحمد لله الملهم للصواب والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله والأصحاب ( الفرق الرابع عشر والمائة بين قاعدة ما يصح اجتماع العوضين فيه لشخص واحد وبين قاعدة ما لا يصح أن يجتمع فيه العوضان لشخص واحد ) إنما يتم الفرق بينهما بناء على تسليم ما قاله الأصل من أن قاعدة أنه لا يجوز أن يجتمع العوضان لشخص واحد لأنه يؤدي إلى أكل المال بالباطل وإنما يأكله بالسبب الحق إذا خرج من يده ما أخذ العوض بإزائه فيرتفع الغبن والضرر على المتعاوضين فلذلك لا يجوز أن يكون للبائع الثمن والسلعة معا ولا للمؤجر الأجرة والمنفعة معا أكثرية لا كلية فيستثنى منها مسائل ( المسألة الأولى )

الإجارة على الصلاة فيها ثلاثة أقوال

الأول الجواز لأن الأجرة [ ص: 3 ] بإزاء الملازمة في المكان المعين وهو غير الصلاة والثاني المنع لأن ثواب صلاته له فلو حصلت له الأجرة أيضا لحصل له اجتماع العوض والمعوض وهو غير جائز الثالث التفرقة بين أن يضم إليها الأذان فتصح أو لا يضم إليها فلا تصح لأن الأذان لا يلزمه فيصح أخذ الأجرة عليه فإذا ضم إلى الصلاة قرب العقد من الصحة وهو المشهور وفي بداية المجتهد لابن رشد وأما إجارة المؤذن فإن قوما لم يروا في ذلك بأسا قياسا على الأفعال غير الواجبة وقوما كرهوا ذلك وحرموه محتجين بما روي عن عثمان بن أبي العاص قال قال { رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرة } وسبب الاختلاف هل هو واجب أم ليس بواجب .

ا هـ بتصرف ( المسألة الثانية )

أخذ الخارج في الجهاد من القاعد من أهل ديوانه جعلا على ذلك أجازه مالك رحمه الله تعالى لعمل الناس في ذلك ولأنه باب ضرورة أن ينوب بعضهم عن بعض إذا كانوا أهل ديوان واحد وإلا فلا ضرورة تخالف لأجلها القاعدة المجمع عليها فيقال بالجواز مع اجتماع ثواب الجهاد والجعل للخارج ومنع من ذلك الشافعي وأبو حنيفة رحمهما الله تعالى ولو كان الخارج من أهل ديوانه لا من أهل ديوان آخر عملا بالقاعدة ( المسألة الثالثة )

المسابقة بجعل أي مال يجعل بين المتسابقين ليأخذه السابق أو من حضر في الخيل من الجانبين والإبل كذلك والخيل من جانب والإبل من جانب جائزة بمعنى الإذن الصادق بالوجوب إن توقف أصل الجهاد عليها لأن الوسائل تعطى حكم المقاصد ولأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب وبالندب إن توقفت البراعة فيه عليها وبالإباحة إن لم يتوقف عليها شيء أن يصح تبع الجعل وإخراجه غير المتسابقين ليأخذه من سبق منهما أو أخرجه أحدهما فإن سبق غيره أخذه السابق وإن سبق هو فلمن حضر كما في مختصر خليل وشراحه فاشترطوا الثالث المحلل لأخذ العوض وفي المنح عن الأصل وهي مستثناة من ثلاث قواعد للمنع القمار وتعذيب الحيوان لغير أكله وحصول العوض والمعوض لشخص واحد في بعض الصور [ ص: 4 ] وهي ما إذا أخرج الجعل غير المتسابقين ليأخذه السابق مع أن له أجر التسبب للجهاد لكن قال ابن الشاط لا يسلم أن المبذول في هذه المسائل الثلاث عوض عن الثواب بل هو معونة على القيام بتلك الأمور فللقائم بها ثواب ولمن يؤتي المعونة ثواب فلم يجتمع العوضان لشخص واحد بوجه على أن في هذا الفرق نظرا يفتقر إلى بسط . ا هـ ولم يظهر لي وجه النظر فتأمل والله أعلم




الخدمات العلمية