الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء لا يقطع الصلاة شيء

                                                                                                          337 حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب حدثنا يزيد بن زريع حدثنا معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس قال كنت رديف الفضل على أتان فجئنا والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه بمنى قال فنزلنا عنها فوصلنا الصف فمرت بين أيديهم فلم تقطع صلاتهم قال أبو عيسى وفي الباب عن عائشة والفضل بن عباس وابن عمر قال أبو عيسى وحديث ابن عباس حديث حسن صحيح والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من التابعين قالوا لا يقطع الصلاة شيء وبه يقول سفيان الثوري والشافعي

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          ( باب ما جاء لا يقطع الصلاة شيء )

                                                                                                          وقال البخاري في صحيحه : باب من قال لا يقطع الصلاة شيء . قال الحافظ في الفتح أي من فعل غير المصلي ، والجملة المترجم بها أوردها في الباب صريحا من قول الزهري ، ورواها مالك في الموطأ عن الزهري ، عن سالم بن عبد الله بن عمر ، عن أبيه من قوله ، وأخرجها الدارقطني مرفوعة من وجه آخر عن سالم لكن إسنادها ضعيف ، ووردت أيضا مرفوعة من حديث أبي سعيد عند أبي داود ، ومن حديث أنس وأبي أمامة عند الدارقطني ، ومن حديث جابر عند الطبراني في الأوسط ، وفي إسناد كل منهما ضعف . وروى سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن علي وعثمان وغيرهما نحو ذلك موقوفا ، انتهى ما في الفتح .

                                                                                                          قوله : ( كنت رديف الفضل ) هو الفضل بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي هو أكبر أولاد عباس رضي الله عنه استشهد في خلافة عمر ( على أتان ) بفتح الهمزة وشذ كسرها كما حكاه الصنعاني هي الأنثى من الحمير ، وربما قالوا للأنثى أتانة حكاه يونس وأنكر غيره ( فجئنا [ ص: 257 ] والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه بمنى ) زاد في رواية الشيخين إلى غير جدار . قال القاري في المرقاة : قد نقل البيهقي عن الشافعي أن المراد بقول ابن عباس إلى غير جدار إلى غير سترة ، ويؤيده رواية البزار بلفظ : والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي المكتوبة ليس شيء يستره لكن البخاري أورد هذا الحديث في باب الإمام سترة لمن خلفه ، وهذا مصير منه إلى أن الحديث محمول على أنه كان هناك سترة . قال الشيخ ابن حجر يعني العسقلاني : كأن البخاري حمل الأمر في ذلك على المألوف المعروف من عادته عليه السلام أن لا يصلي في الفضاء إلا والعنزة أمامه ، كذا ذكره ميرك . وفي شرح الطيبي قال المظهر : قوله إلى غير جدار أي إلى غير سترة ، والغرض من الحديث أن المرور بين يدي المصلي لا يقطع الصلاة ، انتهى كلامه . فإن قلت : قوله إلى غير جدار لا ينفي شيئا غيره فكيف فسره بالسترة ؟ قلت : إخبار ابن عباس عن مروره بالقوم وعن عدم جدار مع أنهم لم ينكروا عليه ، وأنه مظنة إنكار يدل على حدوث أمر لم يعهد قبل ذلك من كون المرور مع عدم السترة غير منكر ، فلو فرض سترة أخرى لم يكن لهذا الإخبار فائدة ، انتهى . قال القاري : يمكن إفادته أن سترة الإمام سترة القوم كما فهم البخاري ( فنزلنا عنها ) أي عن الأتان ( فوصلنا الصف فمرت بين أيديهم فلم تقطع صلاتهم ) استدل به على أن مرور الحمار لا يقطع الصلاة فيكون ناسخا لحديث أبي ذر الذي رواه مسلم في كون الحمار يقطع الصلاة ، وكذا مرور المرأة والكلب الأسود . قلت : في هذا الاستدلال نظر فتفكر ، وقد أوضحه الشوكاني .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن عائشة والفضل بن عباس وابن عمر ) أما حديث عائشة فأخرجه الشيخان عنها قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل وأنا معترضة بينه وبين القبلة كاعتراض الجنازة .

                                                                                                          وأما حديث الفضل بن عباس فأخرجه أبو داود عنه قال : أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في بادية لنا ومعه عباس فصلى في صحراء ليس بين يديه سترة ، وحمارة لنا وكلبة تعيثان بين يديه فما بالى بذلك ، وأخرجه النسائي نحوه ، وفي إسناده مجالد بن سعيد بن عمير الهمداني الكوفي ، وقد تكلم فيه غير واحد وأخرج له مسلم حديثا مقرونا بجماعة من أصحاب الشعبي .

                                                                                                          وأما حديث ابن عمر فأخرجه الدارقطني بلفظ : أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر قالوا : لا يقطع صلاة المسلم شيء وادرأ ما استطعت ، وفيه إبراهيم بن يزيد الخوزي وهو ضعيف : قال [ ص: 258 ] العراقي : والصحيح عن ابن عمر ما رواه مالك في الموطأ من قوله إنه كان يقول لا يقطع الصلاة شيء مما يمر بين يدي المصلي .

                                                                                                          قوله : ( حديث ابن عباس حديث حسن صحيح ) وأخرجه الشيخان بنحوه ليس في روايتهما : فمرت بين أيديهم فلم تقطع صلاتهم .

                                                                                                          قوله : ( قالوا لا يقطع الصلاة شيء ، وبه يقول سفيان والشافعي ) وبه يقول الحنفية واستدلوا بحديث الباب ، وبحديث لا يقطع الصلاة شيء ، روي عن ابن عمر وأبي سعيد وأنس وأبي أمامة وجابر وبما روى سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن علي وعثمان وغيرهما نحو ذلك موقوفا كما عرفت في كلام الحافظ .




                                                                                                          الخدمات العلمية