الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ومن سورة الحج

                                                                                                          3168 بسم الله الرحمن الرحيم حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان بن عيينة عن ابن جدعان عن الحسن عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم إلى قوله ولكن عذاب الله شديد قال أنزلت عليه هذه الآية وهو في سفر فقال أتدرون أي يوم ذلك فقالوا الله ورسوله أعلم قال ذلك يوم يقول الله لآدم ابعث بعث النار فقال يا رب وما بعث النار قال تسع مائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى الجنة قال فأنشأ المسلمون يبكون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قاربوا وسددوا فإنها لم تكن نبوة قط إلا كان بين يديها جاهلية قال فيؤخذ العدد من الجاهلية فإن تمت وإلا كملت من المنافقين وما مثلكم والأمم إلا كمثل الرقمة في ذراع الدابة أو كالشامة في جنب البعير ثم قال إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة فكبروا ثم قال إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة فكبروا ثم قال إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة فكبروا قال لا أدري قال الثلثين أم لا قال هذا حديث حسن صحيح قد روي من غير وجه عن الحسن عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( ومن سورة الحج ) مكية إلا ومن الناس من يعبد الله الآيتين أو إلا هذان خصمان . الست آيات فمدنيات ، وهي أربع أو خمس أو ست أو سبع أو ثمان وسبعون آية

                                                                                                          قوله : ( عن الحسن ) هو البصري . قوله يا أيها الناس اتقوا ربكم أي احذروا عقابه [ ص: 8 ] واعملوا بطاعته إن زلزلة الساعة شيء عظيم الزلزلة شدة الحركة على الحال الهائلة ووصفها بالعظم ولا شيء أعظم مما عظمه الله تعالى قيل هي من أشراط الساعة قبل قيامها وقال ابن عباس : زلزلة الساعة قيامها فتكون معها واختاره ابن جرير في تفسيره وبعده يوم ترونها أي الساعة وقيل الزلزلة تذهل قال ابن عباس : تشغل وقيل تنسى كل مرضعة عما أرضعت أي كل امرأة معها ولد ترضعه وتضع كل ذات حمل حملها أي تسقط من هول ذلك اليوم كل حامل حملها . قال الحسن : تذهل المرضعة عن ولدها لغير فطام وتضع الحامل ما في بطنها غير تمام ، فعلى هذا القول تكون الزلزلة في الدنيا لأن بعد البعث لا يكون حبل ومن قال : تكون الزلزلة في القيامة قال : هذا على وجه تعظيم الأمر وتهويله لا على حقيقته كما تقول : أصابنا أمر يشيب فيه الوليد تريد به شدته وترى الناس سكارى على التشبيه وما هم بسكارى على التحقيق ولكن ما رهقهم من خوف عذاب الله هو الذي أذهب عقولهم وأزال تمييزهم ، وقيل سكارى من الخوف وما هم بسكارى من الشراب ولكن عذاب الله شديد أي فهم يخافونه ( قال ) أي عمران بن حصين ( وهو في سفر ) جملة حالية والضمير لرسول الله صلى الله عليه وسلم ( ابعث بعث النار ) وفي حديث أبي سعيد عند البخاري : أخرج بعث النار وفي حديث أبي هريرة عنده : أخرج بعث جهنم من ذريتك . قال الحافظ : البعث بمعنى المبعوث وأصلها في السرايا التي يبعثها الأمير إلى جهة من الجهات للحرب وغيرها ومعناها هنا : ميز أهل النار من غيرهم وإنما خص بذلك آدم لكونه والد الجميع ولكونه كان قد عرف أهل السعادة من أهل الشقاء . فقد رآه النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء وعن يمينه أسودة وعن شماله أسودة الحديث ( وما بعث النار ) الواو عاطفة على شيء محذوف تقديره سمعت وأطعت وما بعث النار أي وما مقدار مبعوث النار ، وفي حديث أبي هريرة " فيقول : يا رب كم أخرج " ( قال : تسعمائة وتسعة وتسعون في النار وواحد إلى الجنة ) ، وفي حديث أبي سعيد ( من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون ) ، وفي حديث أبي هريرة " أخرج من كل مائة تسعة وتسعين " ، فحديث أبي هريرة مخالف لحديث عمران بن حصين وأبي سعيد مخالفة ظاهرة ، وأجاب الكرماني بأن مفهوم العدد لا اعتبار له فالتخصيص بعدد لا يدل على نفي الزائد والمقصود من العددين واحد وهو تقليل عدد المؤمنين وتكثير عدد الكافرين . قال الحافظ : ومقتضى كلامه الأول تقديم حديث أبي هريرة على حديث [ ص: 9 ] أبي سعيد فإنه يشتمل على زيادة . فإن حديث أبي سعيد يدل على أن نصيب أهل الجنة من كل ألف واحد ، وحديث أبي هريرة يدل على أنه عشرة . فالحكم للزائد ومقتضى كلامه الأخير أن لا ينظر إلى العدد أصلا بل القدر المشترك بينهما ما ذكره من تقليل العدد ، قال : وقد فتح الله تعالى في ذلك بأجوبة أخر . وهو حمل حديث أبي سعيد ومن وافقه على جميع ذرية آدم فيكون من كل ألف واحد ، وحمل حديث أبي هريرة ومن وافقه على من عدا يأجوج ومأجوج فيكون من كل ألف عشرة ، ويقرب ذلك أن يأجوج ومأجوج ذكروا في حديث أبي سعيد دون حديث أبي هريرة ، ويحتمل أن يكون الأول يتعلق بالخلق أجمعين والثاني بخصوص هذه الأمة . ويقربه قوله في حديث أبي هريرة : " إذا أخذ منا " . لكن في حديث ابن عباس : " وإنما أمتي جزء من ألف " ويحتمل أن تقع القسمة مرتين مرة من جميع الأمم قبل هذه الأمة فقط فيكون من كل ألف واحد ، ومرة من هذه الأمة فقط فيكون من كل ألف عشرة ، ويحتمل أن يكون المراد ببعث النار الكفار ومن يدخلها من العصاة فيكون من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون كافرا ومن كل مائة تسعة وتسعون عاصيا انتهى " فأنشأ المسلمون يبكون " قال في النهاية أنشأ يفعل كذا ويقول كذا أي ابتدأ يفعل ويقول : " قاربوا " أي اقتصدوا في الأمور كلها واتركوا الغلو فيها والتقصير يقال : قارب فلان في أموره إذا اقتصد " وسددوا " أي اطلبوا بأعمالكم السداد والاستقامة وهو القصد في الأمر والعدل فيه ( فإنها لم تكن نبوة قط ) قال في القاموس : ما رأيته قط ويضم ويخففان وقط مشددة مجرورة بمعنى الدهر مخصوص بالماضي أي فيما مضى من الزمان انتهى ( إلا كان بين يديها جاهلية ) قال في النهاية الجاهلية هي الحال التي كانت عليها العرب قبل الإسلام من الجهل بالله ورسوله وشرائع الدين والمفاخرة بالأنساب والكبر والتجبر وغير ذلك انتهى . والمراد بالجاهلية هنا الحال التي كان عليها الناس قبل بعثة نبيهم ( فيؤخذ العدد ) أي عدد بعث النار ( فإن تمت ) أي هذه العدة من الجاهلية ( إلا كمثل الرقمة في ذراع الدابة ) قال في النهاية الرقمة هنا الهنة الناتئة في ذراع الدابة من داخل وهما رقمتان في ذراعيها انتهى . وفي القاموس : الرقمتان هنتان شبه ظفرين في قوائم الدابة . وقال النووي في شرح مسلم : الرقمة بفتح الراء وإسكان القاف قال أهل اللغة : الرقمتان في الحمار هما الأثران في باطن عضديه وقيل هي الدائرة في ذراعيه وقيل هي الهنة الناتئة في ذراع الدابة من داخل انتهى ( أو كالشامة ) أي الخال في الجسد معروفة ( فكبروا ) تكبيرهم لسرورهم بهذه البشارة العظيمة ولم يقل [ ص: 10 ] أولا نصف أهل الجنة لفائدة حسنة ؛ وهي أن ذلك أوقع في نفوسهم وأبلغ في إكرامهم فإن إعطاء الإنسان مرة بعد أخرى دليل على الاعتناء به ودوام ملاحظته ، وفيه فائدة أخرى هي تكرار البشارة مرة بعد أخرى ، وفيه أيضا حملهم على تجديد شكر الله تعالى وتكبيره وحمده على كثرة نعمه . ثم إنه وقع في هذا الحديث : ( نصف أهل الجنة ) . وقد ثبت في حديث بريدة أن " أهل الجنة عشرون ومائة صف ; ثمانون منها من هذه الأمة وأربعون من سائر الأمم " . أخرجه الترمذي في باب كم صف أهل الجنة . فهذا دليل على أنهم يكونون ثلثي أهل الجنة فيكون النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أولا بحديث النصف ثم تفضل الله سبحانه بالزيادة فأعلمه بحديث الصفوف فأخبر به النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك ولهذا نظائر كثيرة في الحديث معروفة . قوله ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه أحمد .




                                                                                                          الخدمات العلمية