الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( وإن قال : بعتك هذه الدار دخل فيها ما اتصل بها من الرفوف المسمرة والخوابي والأجاجين المدفونة فيها للانتفاع بها . وإن كان فيها رحا مبنية دخل الحجر السفلاني في بيعها ; لأنه متصل بها وفي الفوقاني وجهان ( أحدهما ) أنه يدخل وهو الصحيح ، ; لأنه ينصب هكذا ، فدخل فيه كالباب ( والثاني ) لا يدخل ; لأنه منفصل عن المبيع ، ويدخل الغلق المسمر في الباب ، وفي المفتاح وجهان ( أحدهما ) يدخل فيه ; لأنه من مصلحته فلا ينفرد عنه ( والثاني ) لا يدخل ; لأنه منفصل فلم يدخل فيه كالدلو والبكرة ، وإن كان في الدار شجرة فعلى الطرق الثلاثة التي ذكرناها في الأرض )

                                      [ ص: 521 ]

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) الخوابي والأجاجين بجيمين ، وهي الأواني التي تغسل فيها الثياب قال ابن معن : وتسمى المراحض ، والمقصود هنا كل ما ثبت من ذلك للصبغ أو الدبغ أو العجن ، أو الإخراج الشيرج من كسب السمسم ، ونحو ذلك ، والغلق والبكرة . ( أما الأحكام ) فقال الأصحاب : إذا قال : بعتك هذه الدار دخلت في البيع الأرض والأبنية على تنوعها ، سفلها وعلوها ، حتى يدخل الحمام المعدود من مرافقها ، وحكي عن نصه أن الحمام لا يدخل ، وحمله الأصحاب على حمامات الحجاز ، وهي بيوت من خشب تنقل في الأسفار ، فأما الحمامات المبنية من الطين والآجر إذا كان بحيث لا يمكن نقله ، فإنه يدخل في العقد ، [ ص: 514 ] وحكوا أن الربيع حمله على ذلك ، وفصل الغزالي في الحمام فقال : إن كان لا يستقل دون الدار اندرج ، وإن استقل فهو من الدار كالبناء من البستان ، يعني فيجري فيه الخلاف في ذلك . واختار ابن الرفعة أن الحمام الخشب الذي لا ينقل لا يدخل لقول الشافعي رضي الله عنه : وما كان مما يجب من البنيان مثل البناء بالخشب ، فإن هذا متميز كالنبات والحديد فهو لبائعه إلا أن يدخله المشتري في صفقة البيع . وقال : إنه لم ير أحدا من الأصحاب تعرض له ، وأنه فقه ظاهر ; لأن ما كان من أجزاء الأرض إذا أثبت فيها وإذا تغيرت صفته كاللبن يجعل أجزاء ، أو لم يتغير كالأحجار واللبن يقرب أن يتبعها كما لو كان متصلا من أصل الخلقة بخلاف ما إذا كان من خشب ، وإن كان الشجر الأخضر يتبع في بيع الأرض ولكنه ليس بجزء منها . وإنما تبعها ; لأنه صار كالجزء المتصل بها ، ولهذا ينمو بها بخلاف البناء .

                                      ( قلت ) وقد رأيت النص المذكور في الأم في باب ثمر الحائط يباع أصله ، ولكني لم أعرف ما معنى قوله : يجب من البنيان ، ولا ضبط هذه الكلمة أيضا عني يجب ، غير أنه إذا كانت الحمام كلها من خشب وهي مثبتة في الدار لا تنقل ولا تحول ، كانت كالسور الخشب المسمرة التي لا تحول ، وفي دخولها وجهان ( أصحهما ) الدخول كما سيأتي ، وإذا كان كذلك فيكون ما قاله ابن الرفعة موافقا لأحد الوجهين ، وليس مما انفرد به عن الأصحاب كما ظن ، ولكن مأخذ الأصحاب القائلين بذلك غير المأخذ الذي ذكره ، وذلك عندهم في كل متصل مثبت يمكن الانتفاع به بعد انفصاله ، ولا فرق في ذلك بين أن يكون من خشب أو طين أو غيرهما . وكذلك طردوه في صندوق رأس البئر وهي الخرزة التي على فوهتها ، والغالب إنما تكون من حجر أو رخام ، وكذلك طردوه في معجن الجيار ، والغالب أنه يكون من فخار فهو كالآجر الذي جعله هو من جنس أجزاء الأرض ، وفرق بينه وبين الخشب ، وكذلك حجر الرحا ، وغير ذلك مما ستأتي أمثلته ، حتى لو فرضنا حماما من حجر ، وهي مثبتة في الدار ، وكان [ ص: 515 ] يمكن أن تنقل وهي على حالها ، وينتفع بها ، اقتضى أن يجري فيها الخلاف المذكور في الأمثلة المذكورة ، ثم إن الشافعي رضي الله عنه إنما ذكر النص المذكور في الأرض ، والمعنى الذي أبداه ابن الرفعة وهو اعتبار أجزاء الأرض إنما يتم فيها ، والكلام هنا إنما هو في بيع الدار ، ومن المعلوم أن الدار في العرف غالبا يشتمل على أجناس من أجزاء الأرض وغيرها ، ولا يلزم من القول بعدم دخول ما ليس من أجزاء الأرض تحت اسم الأرض القول بعدم دخوله تحت اسم الدار ، والتحقيق ما قدمته من إلحاقها بالسرير ونحوه والله أعلم .

                                      هذا ما يتعلق بالحمام ( وأما ) الآلات فهي على ثلاثة أضرب ( أحدها ) ما أثبت تتمة للدار ليدوم فيها ويبقى كالسقوف والأبواب المنصوبة وما عليها متصلا بها من الأغاليق والحلق والسلاسل والضباب والجناح والدرج والمراقي المعقود من الآجر والجص وغيره ( والآجر ) المغروس في الدار ، والبلاط والطوابيق يدخل في البيع ، فإنها معدودة من أجزاء الدار . ( الثاني ) ما هو مثبت فيها متصل بها ولكن لا على هذا الوجه كالرفوف المتصلة ، وهي المسمرة أو التي أطرافها في البناء والخوابي ، واحدتها خابية وهي الزير عند أهل مصر ، والأجاجين ، والدنان المبنية للانتفاع بها في ترك الماء فيها ، أو غسل الثياب ، والسلالم المسمرة والأوتاد المثبتة للانتفاع بها في الأرض والجدران ، والتحتاني من حجر الرحا المثبتة ، وخشب القصار ، ومعجن الخباز ، والسرر المسمرة ، والدرابزين ، وصندوق رأس البئر ، وصندوق الطحان وفي جميع ذلك وجهان ( أحدهما ) وهو الذي جزم به المصنف أنها تدخل لثباتها واتصالها ( والثاني ) لا تدخل ; لأنها إنما أثبتت لسهولة الارتفاق بها كي لا تتزعزع وتتحرك عند الاستعمال ، وعند القاضي حسين المغلاق من هذا النوع الذي فيه وجهان ، وجعله في كل ما هو متصل ، ويمكن الانتفاع به بعد الانفصال والأكثرون عدوا الأغاليق من القسم الأول . [ ص: 516 ]

                                      وقد تقدم في حجارة رحا الماء عن صاحب الحاوي وغيره أربعة أوجه ، ومحلها هناك في بيع الأرض ، وما نحن فيه في بيع الدار ، وفصل الماوردي في الحباب المدفونة فقال : إن كان دفنها استيداعا لها في الأرض لم تدخل في البيع ، وإن كان دفنها للانتفاع بها على التأبيد كحباب الزياتين والبزارين والدهانين دخلت ، وهذا جزم منه بأحد الوجهين المتقدمين كي لا يتزعزع ويتحرك عند الاستعمال . ( الضرب الثالث ) المنقولات كالدلو والرشا والمجارف والسرر والرفوف الموضوعة على الأوتاد ، والسلاليم التي لم تسمر ولم تطين ، والأقفال والكنوز والدفائن والصناديق والمتاع ، ورحا اليد التي تنقل وتحول ، والخزائن المنفصلة وأقفالها ومفاتيحها ، والأبواب المقلوعة ، والحجارة المدفونة ، والآجر الذي دفن ليخرج ويستعمل ، وكذا كل ما فصل من آلة البناء من آجر وخشب فلم تستعمل ، أو كان أبوابا ولم تنصب ، وجزم الرافعي وجماعة بأن البكرة كالدلو من هذا النوع الذي لا خلاف فيه ، وحكى القاضي حسين في البكرة وجهين وليس ببعيد فإن البكرة كالمتصل ، وليس كالدلو ، فلا يدخل شيء منها في البيع جزما . وفي حجر الرحا الفوقاني إذا كان الرحا مبنيا وجهان ( أصحهما ) عند المصنف وشيخه أبي الطيب والرافعي ، وهو اختيار أبي إسحاق الدخول ، ومقابلة قول ابن أبي هريرة ، وهما مفرعان على قولنا : إن التحتاني يدخل .

                                      أما إن قلنا بعدم الدخول فيه ففي الفوقاني أولى ، والأقيس عند الإمام أن لا يدخل واحد منهما ، وفي مفتاح المغلاق المثبت وجهان ( أحدهما ) أنه لا يدخل كسائر المنقولات ، وهو قول ابن أبي هريرة ( وأصحهما ) عند الرافعي وغيره ، ويحكى عن صاحب التلخيص وأبي إسحاق المروزي أنه يدخل ، ; لأنه من توابع المغلاق المثبت ، قال صاحب الحاوي : وهكذا كل ما كان منفصلا لا يمكن للانتفاع به إلا مع متصل بالدار فيه وجهان ، ورتب القاضي حسين [ ص: 517 ] الوجهين في المفتاح على الوجهين في المتصل ، وأولى بعدم الدخول وفي ألواح الدكاكين مثل هذين الوجهين ; لأنها أبواب لها ، وإن كانت تنقل وترد ، وقيل : تدخل وجها واحدا ; لأنها كالجزء منها . حكاه الروياني وهو المذكور في التتمة .

                                      قال الرافعي : والذي يقتضيه العرف الدخول ، وهذا ميل منه إلى ، الطريقة التي حكاها الروياني ، وإن لم يذكرها ، وجزم ابن خيران في اللطيف بعدم دخول شريحة الدكان ودراباتها إلا ما كان من الدرابات مسمرا ، والبغوي صحح الدخول كما اقتضاه كلام الرافعي ، ولو جعل في الدار مدبغة وفيها أجاجين مبنية فإن قال : بعتك هذه الدار ففي دخول الأجاجين خلاف مرتب على الخلاف المتقدم فيها ، حيث لا تكون الدار مدبغة ، فالدخول هاهنا أولى ، وإن قال : بعتك هذه المدبغة دخلت الأجاجين قطعا ، فإن لفظ المدبغة والمصبغة متضمنين للأجاجين المبنية فيها . قال الإمام : ومراقي الخشب إذا أثبتت إثبات تخليد فهي على الأصح كمرقى الآجر والجص ، بخلاف السلاليم ، وفي التتمة أن في أصل هذه المسائل الخلاف في تجويز الصلاة إلى العصا المغروزة في سطح الكعبة إن جوزنا فقد عددناها من البناء ، فتدخل وإلا فلا ، قال الرافعي : وهذا يقتضي التسوية بين اسم الدار والمدبغة ، قال ابن الرفعة : وفيه نظر ; لأن مأخذ الدخول على هذا ما يشير إليه اللفظ ، فنزل ذلك منزلة التصريح والدخول " ويدخل في بيع الدار التنور ، وعبر الشيخ أبو حامد عن هذا التقسيم بعبارة أخرى فقال : ما يكون في الدار على ثلاثة أضرب : متصل ومنفصل لا يتعلق بمنفعة المتصل ، ومنفصل متعلق بالمتصل ، فالأول يدخل ، والثاني لا يدخل ، والثالث فيه وجهان كالحجر الفوقاني من الرحا والمفتاح وذكر الروياني في توجيه القول بدخول الحجر الفوقاني القياس على الأبواب ، مع أن الأبواب قائمة في الدورات غير مغروزة فيها ، والقائل الآخر يفرق بأن الأبواب البقاء محيط بها ، وإنما تثبت منفصلة ليمكن ردها وفتحها .

                                      ( فرع ) ذكر الإمام أن هذا الخلاف المذكور في الأجاجين المثبتة [ ص: 518 ] والحجر الأسفل من الرحا والسلاليم المسمرة يجري في بيع الأرض إذا قلنا : إنه يدخل في بيعها البناء والغراس . ( فرع ) تقدم الخلاف في دخول الرحا مرتبا ، ومن ذلك يأتي فيهما ثلاثة أوجه ، وقال ابن الرفعة : إنها مفرعة على النص في أن البناء والغراس يدخلان في بيع الأرض ( أما ) إذا قلنا بعدم الدخول فلا يدخل واحد من الحجرين قولا واحدا ، وهذا منه رحمه الله إنما يحسن إذا كان الكلام في دخول ذلك في الأرض ، ولم يجر لذلك ذكر ، وإنما كلامنا وحكاية الأصحاب الأوجه في ذلك في دخولها تحت اسم الدار ، وحينئذ فيتجه الخلاف مطلقا ، ; لأن الأبنية تندرج في بيع الدار إلا على ما قاله الجوري ، وذلك ضعيف جدا ، والله أعلم . ( فرع ) الميزاب عده صاحب الحاوي مما يدخل ، فيحتمل أن يكون ملحقا بالأبواب والضباب ، فيدخل جزما ويحتمل أن يكون ملحقا بالرفوف المتصلة ; فيجري فيها الوجهان ، ويكون أطلق القول فيه على رأي المصنف في دخولها ، ويدخل الاختصاص التي على السطح ، قاله صاحب التتمة .



                                      ( فرع ) تقدم عن أبي الحسين الجوري أنه إذا رهن أرضا أو دارا ففي دخول البناء قولان ، ونبهت هناك على غرابته ، وأنه على مسافة تقتضي جريان ذلك في البيع ، فإن صح ذلك زال الحكم بتبعية أكثر ما ذكرناه ; لأنه إذا لم يدخل البناء لا تدخل هذه الأشياء بطريق أولى ، لكن هذا بعيد جدا لا يشهد له عرف أما اللغة .



                                      ( فرع ) إذا كان في الدار بئر دخلت لبنها وآجرها ، قاله القاضي أبو الطيب وغيره ، ولا خلاف في ذلك ، وممن صرح بعدم الخلاف فيه صاحب العدة في البئر ، وسيأتي الكلام في الماء ، أو صهريج دخل في البيع أيضا ; لأنه من جملة بنائها فهو كالخزائن والسقوف ، ذكره صاحب الاستقصاء .



                                      ولو كان وراء الدار بستان متصل بالدار لم يدخل في العقد ، وإن قال بحقوقها ; لأن اسم الحقوق لا يطلق على البستان المتصل بالدار ، قاله القاضي حسين .



                                      ( فرع ) وأما حريم الدار ، فإن كانت في سكة غير نافذة دخل ، ولو كان في الحريم أشجار ففي دخولها الخلاف في دخول الأشجار في الدار ، وإن كانت في سكة نافذة أو في طريق الشارع لم يدخل الحريم ، قاله القاضي حسين ، وصاحب التهذيب والرافعي وغيرهم ، قال الرافعي : بل لا حريم [ ص: 519 ] لمثل هذه الدار على ما سنذكر في إحياء الموات ، وقال المتولي : إن الأشجار في الطريق النافذ لا تدخل إلا بالتنصيص ، وفي غير النافذ إن أطلق العقد لم تدخل ، وإن قال بحقوقها دخلت ; لأن تلك البقعة وما فيها من جملة حقوق تلك البقعة ، وهذا يقتضي أن الحريم في السكة غير النافذة لا يدخل إلا بالتنصيص ، وما تقدم عن القاضي حسين والبغوي والرافعي أولى والله أعلم . وقال ابن خيران في اللطيف : إن بئر المطر إذا كانت في ملكه خارج الدار لم تدخل في البيع ولا بالشرط ، وهذا يوافق ما تقدم عن التتمة ، قاله ابن الرفعة ( قلت : ) قال في شرح الوسيط . ثم يكتب بعده . وهذا الذي ذكره ابن الرفعة صحيح ، وليس اعتراضا على كلام الأصحاب فإن مقصودهم أنه حيث ثبت الحريم هل يدخل هو ، وأشجاره في بيع الدار أم لا ؟ ولا شك أن الحريم ثابت في السكة المنسدة إذا لم يكن فيها إلا تلك الدار ، وفي الصورة التي فرضها ابن الرفعة أيضا والله أعلم . قال ابن الرفعة : وحيث يدخل حريم الدار في بيع الدار ينبغي أن يدخل حريم القرية في بيع القرية .



                                      ( فرع ) إذا اتصل بالدار حجرة أو ساحة أو رحبة ، قال الماوردي وابن أبي عصرون : لم يدخل في البيع لخروج ذلك عن حدود الدار ، التي لا تمتاز الدار عن غيرها إلا بها ، ولا يصح العقد إلا بذكرها ، وهي أربعة حدود في الغالب ، فإن استوفى ذكرها صح البيع ، وإن ذكر حدا أو حدين لم يصح ، وإن ذكر ثلاثة فإن كانت الدار لا تتميز بالثلاثة بطل ، وإن تميزت فالصحيح الصحة وفيه وجه أنه باطل .



                                      ( قلت : ) وفي اشتراط ذكر الحدود إذا كانت الدار معلومة نظر ، والذي ينبغي الصحة إذا ذكر ما يميزها ويمنعها من التباسها بغيرها ، وعلى ذلك ينبغي أن تتبعها الحجرة والساحة والرحبة المتصلة بها ، لاقتضاء العرف ذلك [ وأما ] إذا ذكر الحدود وخرجت الأمور المذكورة عن الحدود فالأمر كما قال الماوردي ، وممن حكى الخلاف في مسألة الحدود تبعا للماوردي الشاشي في الحلية ، وقال ابن الرفعة : إن الذي يظهر من كلام الأصحاب الصحة إذا أطلق من غير ذكر الحدود وتميزت ، وحكي مع ذلك كلام الماوردي أيضا ، والله أعلم بالصواب .



                                      [ ص: 520 ] فرع ) حكاه الماوردي أيضا إذا اتصل بالدار ساباط على حائط من حدودها ففيه ثلاثة أوجه : ( أحدها ) أنه يدخل كالجناح ( والثاني ) لا يدخل إلا بالشرط كالحجرة والساحة ( والثالث ) وهو تخريج أبي العباس إن كان كل واحد من طرفي الساباط مطروحا على حائط لغير هذه الدار لم يدخل ، قال ابن أبي عصرون : وهو أصحها ، وأطلق ابن خيران في اللطيف عدم دخول الساباط .



                                      وإذا باع دارا على بابها ظلة مثبتة على جدارها دخل في مطلق بيع الدار ، خلافا لأبي حنيفة - رحمه الله تعالى - ، قال صاحب العدة : وقال لنا : إنها جزء من الدار ، وإذا دخل الميزاب فيه فهذا أولى .



                                      ( فرع ) تقدم أن الأغاليق تدخل في المبيع ، والمفهوم ما كان مسمرا كالنصب المعهودة والدوار المسمى بالكيلون ، وتقدم أن أقفال الخزائن المنفصلة ، ومفاتيحها لا تدخل ، وذلك ظاهر ; لأن الخزائن المنفصلة لا تدخل فهي أولى ، أما الأقفال الحديد المعهودة على الأبواب المثبتة فلا تدخل ; لأنها منقولة ، كذلك يقتضيه كلام البغوي في التهذيب وغيره ، وأطلق ابن خيران في اللطيف . وهو ظاهر ; لأن العرف لا يقتضي دخولها على الاطراد .



                                      ( تنبيه ) يوجد في بعض المختصرات إطلاق القول بأن المفتاح يدخل في بيع الدار ( والصواب ) أن ذلك محمول على مفتاح الغلق المثبت كالضبة والدار كما نبهت عليه ( أما ) مفتاح الغلق المنقول كالأقفال الحديد الذي ينقل فهو تابع للقفل ، فلا يدخل على ما تقدم عن صاحب التهذيب وغيره قال ابن الرفعة : إنه لا خلاف في ذلك .



                                      [ ص: 521 ] ( فرع ) أما الشجر ففي دخولها في بيع الدار الطرق الثلاث ، التي مرت في دخولها في بيع الأرض ، هكذا قال القاضي أبو الطيب والمحاملي والمصنف وغيرهم من العراقيين والقاضي حسين والرافعي ، وكان يمكن أن يقال : دخول الشجر هنا أولى من دخوله في بيع الأرض ; لأن الدار اسم لجميع ما حواه بناؤه من بناء وشجر وكذلك الأرض ، وحكى الإمام والغزالي الخلاف في المسألة ثلاثة أوجه ( ثالثها ) أنه إن بلغت الأشجار مبلغها تجوز تسمية الدار بستانا لها ; لم تدخل في اسم الدار وإلا دخلت مالا ، وهذا أعدل الوجوه ، وهذا منهما بناء على ما اختاره أن الشجرة لا تدخل في بيع الأرض على الأصح عندهما ، وإلا فمتى قيل بالتبعية في الأرض ففي الدار أولى . واقتضى كلام الإمام في الأوجه المذكورة أن التفريع على اتباع الاسم أي على أن البناء والشجر لا يدخل في بيع الأرض ، وما قاله يؤيد ما ذكرته من الأولوية ، وهو متجه في المعنى إلا أن كلام أكثر الأئمة من العراقيين وغيرهم ، فإنه يمكن أن تكون الطرق الجارية في استتباع الأرض للبناء والشجر جارية في استتباع الدار للشجر ، فعلى طريقة الاستتباع يدخل الشجر هاهنا ، وكذلك على القول بالاستتباع من طريقة طرد الخلاف . ( وأما ) على طريقة تقدم الاستتباع أو على القول الموافق لها من طريقة الخلاف فتجرى الأوجه الثلاثة التي ذكرها الإمام في استتباع الدار الشجر ومنشؤها التردد في أن اسم الدار يشملها ، لا أنها تدخل تابعة ، فإن التفريع على خلافه ، وليس في ذلك إلا زيادة على ما نقلوه ، وتفصيل لما أطلقوه ، وهو حسن وكيفما قدر فالأصح من المذهب الدخول على غير طريقة الإمام والغزالي والله أعلم . وقد وقع في التعبير عن الوجه الثالث تفاوت لطيف ، فعبارة الإمام ما قدمتها ، وكذلك الغزالي في البسيط ، وقال في الوسيط : إن كان بحيث يمكن تسمية ذلك دون الدار بستانا أم يندرج ، وإلا فيندرج ، وأولها ابن الرفعة على أن الشجر يسمى دون الدار بستانا وتكون الدار داخلة تحت اسمه ، وحينئذ يوافق عبارة الإمام والله أعلم .



                                      [ ص: 522 ] ( فرع ) الباب إذا كان مغلوقا لا يدخل في بيع الدار والأرض إلا بالشرط وكذلك ما استهدم من البناء والخشب والآجر وغيره ، قاله ابن خيران في اللطيف ، وقد تقدم بعض ذلك عن غيره أيضا .



                                      ( فرع ) باع سفينة قال الماوردي : يدخل في البيع ما كان من البناء متصلا وفي دخول ما لا يستغنى عنه من آلاتها المنفصلة وجهان يعني المتقدمين عن أبي إسحاق وابن أبي هريرة . ( فرع ) تقدم الكلام في حجري الرحا ودخولها تحت اسم الدار ( وأما ) لو قال : بعت هذه الطاحونة قال الإمام : فالحجر الأسفل يدخل لا محالة ، وفي دخول الحجر الأعلى خلاف ( والأظهر ) دخوله ; لأن تعرضه باسمها للطحن ، والطحن لا يقع إلا بالحجر فهذا هو الذي لا يتجه غيره ولأجل هذا الكلام من الإمام قال الغزالي في الوسيط : إنه لا خلاف في اندراجها تحت اسم الطاحونة أي لا خلاف به احتفال ; وفي البسيط صرح بالخلاف كما ذكر الإمام .



                                      ( فرع ) إذا قال : بعتك هذا الحانوت قال صاحب الاستقصاء : قال الصيمري : دخل في بيعها الدروند والعلج ولا يدخل في بيعها الدرابات ; لأنها منفصلة عنها فهي كالرفوف التي لم تسمر ، قال يعني الصيمري : وأما الشرائح فقد قيل : تدخل في البيع ، وقيل : لا تدخل ( والصحيح ) أنها إن كانت كالمبنى دخلت ، وإلا لم تدخل ، قال : وما سوى ذلك ، فإن كان غير منصوب لم يدخل ، وإن كان منصوبا فقد قيل : يدخل كالباب المنصوب وقيل : لا يدخل كالرفوف التي لم تسمر ( قلت : ) وقد تقدم حكاية الوجهين في الدار قريبا وأما المتصل بالحائط من الخشبة ، فإنه يدخل في البيع أيضا لاتصاله ، جزم به الماوردي .



                                      ( فرع ) جرت عادة الأصحاب بذكرها في هذا الباب : لو باع العبد وفي أذنه حلق ، أو في أصبعه خاتم ، أو في رجله حذاء لم يدخل في البيع ; لأن ذلك ليس من أجزاء العبد ، وهل تدخل ثيابه التي عليه في البيع ؟ فيه ثلاثة أوجه ( أحدها ) وهو الذي نسبه الماوردي إلى جميع الفقهاء : لا ; لأنه [ ص: 523 ] لا يدخل شيء من ذلك إلا بالتسمية . قال الروياني : ولكن العادة جارية بالعفو عنها فيما بين التجار ( والثاني ) وبه قال أبو حنيفة يدخل ذلك في مطلق البيع للعادة ( والثالث ) يدخل قدر ما يستر العورة للضرورة كنعل الدابة ، وإن باع دابة وعليها سرج ولجام لم يدخل ذلك في البيع وجها واحدا ، قاله في الاستقصاء ، ولا يدخل في بيعها المقود والحبل ، قاله الروياني ، وحكي عن بعض الناس أنه يدخل في بيعها المقود والحبل . قال الماوردي : وهو قول من أوجب في بيع العبد والأمة قدر ما تستر به العورة . ويدخل في بيع الدابة النعال المسمرة في أرجلها ; لأنها كالمتصلة بخلاف القرط في الأذن حيث لم يدخل ; لأن النعل يستدام والقرط لا يستدام قاله الماوردي . وإن باع سمكة فوجد في جوفها لؤلؤة أو جوهرة لم تدخل في البيع ثم ينظر فإن كانت اللؤلؤة أو الجوهرة فيها أثر ملك من ثقب أو صنعة فهي لقطة ، وإلا فهي ملك الصياد كما يملك ما يأخذه من المعدن ، فإن السمكة قد تمر بمعادن اللؤلؤ والجوهر وربما ابتلعت شيئا منه قاله الماوردي .

                                      وإن باع طيرا فوجد في جوفه جرادا أو سمكا قال الماوردي : دخل في البيع ; لأنه من أغذيته ، قال في الاستقصاء : فهو كالحب في بطن الشاة ، قال الماوردي : ولو وجد في جوفها حماما لم يدخل في البيع ، وإن ابتاع سمكة فوجد في جوفها سمكة جزم الماوردي بالدخول ; لأن السمك قد يتغذى بالسمك وحكى صاحب الاستقصاء أربعة أوجه ( أحدها ) هذا ( والثاني ) لا يدخل ، بل هو على ملك البائع ( والثالث ) إن كان صغيرا دخل ، وإن كان كبيرا لم يدخل ، قال في الاستقصاء : قال الصيمري : ( والصحيح ) أن يقال : إن كان هذا الحوت مما يأكل الحيتان دخل في بيعه كما يدخل في بيع الطير الذي يأكل الحيتان وإن كان مما لا يأكل الحيتان لم يدخل قال الماوردي : قال الشافعي : ويؤكل الحوت والجراد الموجود في جوف الطائر ، قال الماوردي : وهذا صحيح ، لكن بعد الغسل لتنجسها بما في جوف الطائر ، فلو كان مأخوذا من جوف الحوت لم يجب غسله ; لأن ما في جوف الحوت ليس بنجس وما في جوف الطائر نجس ( قلت ) وما في جوف السمك وجهان ( أظهرهما ) [ ص: 524 ] عند الرافعي النجاسة فعلى هذا يجب الغسل فيهما . وإن باع دجاجة وفي جوفها بيض دخل في البيع ، ; لأنه من نماء الأصل فهو كالحمل ، قاله صاحب الاستقصاء .



                                      ( فرع ) في مذاهب العلماء ، حكي عن أبي حنيفة رضي الله عنه أنه قال : حقوق الدار الخارجة منها لا تدخل في بيع الدار وإن كان متصلا بها وهذا قال الشرطيون وكل حق هو لها خارج منها احتراز من قوله ، وحكي عن زفر - رحمه الله - أنه قال : إذا كان في الدار آلة وقماش دخل في البيع ولهذا قال الشرطيون : وكل حق هو لها ومنها ، احتراز من قوله . قال ذلك صاحب الحاوي ورد صاحب الحاوي على زفر بأنه لو دخل ذلك لدخل ما في الدار من عبيد وإماء وما أشبه ذلك وطعام وما أحد قال هذا قال الماوردي : حكي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن جميع ما على العبد والأمة من ثياب وحلي يدخل في البيع ; لأنه في يده .




                                      الخدمات العلمية