الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( وإن باع المخيض بالمخيض نظرت فإن لم يطرح فيه الماء جاز ; لأنه بيع لبن بلبن ، وإن طرح فيه ماء للضرب لم يجز لتفاضل الماءين وتفاضل اللبنين ) .

                                      [ ص: 458 ]

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) تقدم في كلام المصنف أن المخيض لبن نزع منه الزبد فلذلك لم يحتج إلى تقييده بأن يكون منزوع الزبد ، فإذا كان زبده فيه لا يجوز بيعه ، فلا يباع بمثله ولا بزبد ولا سمن ، أما المنزوع الزبد ، وهو الدوغ ، فيباع بالزبد والسمن ، نص عليه الشافعي والأصحاب . وأما بيعه بمثله ; فإن لم يكن فيه ماء جاز المماثلة ، جزم بذلك الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب والمحاملي وابن الصباغ والرافعي والقاضي حسين ، ومال المتولي إلى المنع ; لأنه ليس على حالة الادخار ; ولا على حال كمال المنفعة . فليكن كبيع الدقيق بالدقيق ، فإنه مجهول التساوي حالة الكمال . وإن طرح فيه ماء للضرب وهو لم يجز جزم به أبو الطيب والقاضي حسين وصاحب التتمة وقال : إنه لا خلاف فيه ، كما ذكره المصنف وهو مقتضى كلام الرافعي ولا فرق فيما فيه ماء بين أن يباع بمثله أو بالخالص ، وممن صرح بذلك القاضي حسين . واعلم أن الشافعي رضي الله عنه نص على أنه لا يجوز السلف في المخيض . قال : ; لأنه لا يكون مخيضا إلا بإخراج زبده وزبده لا يخرج إلا بالماء ولا يعرف المشتري كم فيه من الماء لخفاء الماء في اللبن انتهى .

                                      [ ص: 457 ] وهذا الكلام من الشافعي يقتضي أنه لا يجوز بيع المخيض بالمخيض مطلقا فإن كان في المخيض ما يتصور نزع الزبد منه بغير ماء صح كلام الأصحاب ولزم القول بجواز السلم فيه وكذلك أطلق الصيمري أنه لا يجوز بيع المخيض بالمخيض لأجل الماء ، وكذلك قال الماوردي : إنه لا يجوز بيع بعضه ببعض إلا أن طريق إخراج الزبد بغير ماء فيجوز بيعه بمثله ، فينزل كلام المصنف على ذلك . ( فرع ) قال أبو الطيب : وأما ما بعد ذلك من الألبان المعقودة فلا يجوز بيع بعضها ببعض لكون بعضه أشد انعقادا من بعض ، ولمخالطة بعضه للملح والإنفحة ( قلت ) : ويجب حمل ذلك على ما إذا كان يؤثر في كيله كما ستعرفه عن قرب .



                                      ( فرع ) دخول الماء في اللبن مانع لبيعه مطلقا بجنسه وبغيره ، للجهل بالمقصود ، فإن الماء في اللبن غير مقصود ، ومقداره مجهول ، وممن نص على ذلك الصيمري في شرح الكفاية ، هكذا أطلقوه ، وينبغي أن يحمل ذلك على ما هو الغالب من الجهل بمقدار الخليط ، أما لو شاهد البائع والمشتري اللبن والماء وعلما مقدارهما ثم خلطهما وتبايعا . فلا مانع من الصحة إذا كان البيع بنقد أو شبهه أما إذا كان البيع بلبن مثله أو خالص فينبغي أن يقال : إن كان الماء يسيرا بحيث لا يؤثر في المكيال جاز ; لأن اللبن مكيل كما تقدم مثله في الحنطة المشوبة بحبات يسيرة من الشعير إذا بيعت بمثلها . وكذلك يقتضيه كلام ابن الصباغ ، فإنه قيد المخالط من الماء والملح بكونه يؤثر في كيله ، وعليه يحمل إطلاق غيره وإن كان كثيرا . فإن كان اللبنان جنسا واحدا امتنع لقاعدة مد عجوة . وإن كانا جنسين فسأفرد لهما فرعا قريبا إن شاء الله تعالى ، ولا اختصاص لهذا الكلام بالمخيض ، بل هو جار في الحليب وغيره من أنواع اللبن ، والمصنف إنما تكلم فيه إلى المخيض ; لأنه الذي يخالطه الماء غالبا والله تعالى أعلم .



                                      [ ص: 458 ] فرع ) لو باع المخيض بعد إخراج الزبد منه بالزبد أو السمن ، قال الشافعي في المختصر : فلا بأس ، وممن نص عليه من الأصحاب نصر .



                                      ( فرع ) لو باع لبن غنم بلبن بقر وفرعنا على الصحيح في أنهما جنسان جاز متماثلا ومتفاضلا بشرط التقابض ، فإن كان أحدهما أو كلاهما مشوبا بالماء ، وكان الماء مجهول المقدار لم يصح للجهل بالمقصود ، وإن كان معلوما كما فرضته فيما تقدم ، فينبغي على قياس ما تقدم أن يقال : إن كان الماء يسيرا غير مقصود صح كبيع الحنطة بالشعير ، وفي كل منهما حبات من الآخر غير مقصودة ، ولا يعتبر بأثرها في الكيل لاختلاف الجنس ، وإن كان كثيرا بحيث يقصد ( فإن قلنا : ) الماء مملوك ربوي لم يجز لقاعدة مد عجوة ( وإن قلنا : ) مملوك غير ربوي تأتي فيه الطريقة التي ذكرها البغوي في الخلول من التخريج على القولين في الجمع بين مختلفي الحكم ; لأن اللبنين يشترط التقابض فيهما بخلاف الماءين ( وإن قلنا ) الماء ليس بمملوك أصلا ، فيأتي فيه ما مر في مسألة الخلول ، فليطالع التنبيه الذي هناك ، وكذلك يجوز أن يباع لبن الغنم بزبد البقر ، وزبد الغنم بسمن البقر ، وسمن الغنم بسمن البقر ، يدا بيد ، قاله الصيمري ، وقد تقدم ذلك معرفا في مواضعه .




                                      الخدمات العلمية