الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ومن سورة هود

                                                                                                          3109 حدثنا أحمد بن منيع حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا حماد بن سلمة عن يعلى بن عطاء عن وكيع بن حدس عن عمه أبي رزين قال قلت يا رسول الله أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه قال كان في عماء ما تحته هواء وما فوقه هواء وخلق عرشه على الماء قال أحمد بن منيع قال يزيد بن هارون العماء أي ليس معه شيء قال أبو عيسى هكذا روى حماد بن سلمة وكيع بن حدس ويقول شعبة وأبو عوانة وهشيم وكيع بن عدس وهو أصح وأبو رزين اسمه لقيط بن عامر قال وهذا حديث حسن

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          ( ومن سورة هود )

                                                                                                          هي مكية إلا أقم الصلاة الآية أو إلا فلعلك تارك الآية و أولئك يؤمنون به الآية وهي مائة وثنتان أو ثلاث وعشرون آية .

                                                                                                          قوله : ( عن وكيع بن حدس ) بالحاء والدال المهملتين المضمومتين ، وقد يقال بالعين بدل الحاء .

                                                                                                          [ ص: 420 ] قوله : ( قبل أن يخلق خلقه ) وفي رواية لأحمد : قبل أن يخلق السماوات والأرض ( كان في عماء إلخ ) .

                                                                                                          قال الخازن في تفسيره : قال أبو بكر البيهقي في كتاب الأسماء والصفات له : قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : كان الله ولم يكن شيء قبله يعني لا الماء ولا العرش ولا غيرهما ، وقوله وكان عرشه على الماء يعني خلق الماء وخلق العرش على الماء ثم كتب في الذكر كل شيء ، وقوله في عماء : وجدته في كتاب عماء مقيدا بالمد ، فإن كان في الأصل ممدودا فمعناه سحاب رقيق . ويريد بقوله : في عماء أي فوق سحاب مدبرا له وعاليا عليه كما قال سبحانه وتعالى أأمنتم من في السماء يعني من فوق السماء وقوله تعالى لأصلبنكم في جذوع النخل يعني على جذوعها ، وقوله ما فوقه هواء أي ما فوق السحاب هواء ، وكذلك قوله ( ما تحته هواء ) أي ما تحت السحاب هواء وقد قيل إن ذلك العمى مقصور ، والعمى إذا كان مقصورا فمعناه لا شيء ثابت لأنه مما عمى عن الخلق لكونه غير شيء . فكأنه قال في جوابه : كان قبل أن يخلق خلقه ولم يكن شيء غيره ، ثم قال ما فوقه هواء وما تحته هواء : أي ليس فوق العمى الذي هو لا شيء موجود هواء ولا تحته هواء ; لأن ذلك إذا كان غير شيء فليس يثبت له هواء بوجه .

                                                                                                          وقال الهروي صاحب الغريبين : قال بعض أهل العلم معناه أين كان عرش ربنا فحذف المضاف اختصارا ، كقوله واسأل القرية ويدل على ذلك قوله سبحانه وتعالى وكان عرشه على الماء هذا آخر كلام البيهقي .

                                                                                                          وقال ابن الأثير : العماء في اللغة : السحاب الرقيق ، وقيل الكثيف ، وقيل هو الضباب ، ولا بد في الحديث من حذف مضاف تقديره : أين كان عرش ربنا فحذف ويدل على هذا المحذوف قوله تعالى وكان عرشه على الماء وحكي عن بعضهم في العمى- المقصور- أنه هو كل أمر لا يدركه الفطن .

                                                                                                          وقال الأزهري : قال أبو عبيد : إنما تأولنا هذا الحديث على كلام العرب المعقول عنهم ، وإلا فلا ندري كيف كان ذلك العماء .

                                                                                                          قال الأزهري : فنحن نؤمن به ولا نكيف صفته . انتهى كلام الخازن .

                                                                                                          وقال السيوطي في مصباح الزجاجة : قال القاضي ناصر الدين ابن المنير : وجه الإشكال في الحديث الظرفية والفوقية والتحتية ، قال والجواب أن " في " بمعنى على ، وعلى بمعنى الاستيلاء ، أي [ ص: 421 ] كان مستوليا على هذا السحاب الذي خلق منه المخلوقات كلها والضمير في فوقه يعود إلى السحاب ، وكذلك تحته ، أي كان مستوليا على هذا السحاب الذي فوقه الهواء وتحته الهواء ، وروي بلفظ القصر في العمى . والمعنى عدم ما سواه كأنه قال : كان ولم يكن معه شيء ، بل كل شيء كان عدما عمى لا موجودا ولا مدركا ، والهواء : الفراغ أيضا العدم كأنه قال : كان ولا شيء معه ولا فوق ولا تحت . انتهى .

                                                                                                          قلت : إن صحت الرواية " عمى " بالقصر فلا إشكال في هذا الحديث ، وهو حينئذ في معنى حديث : كان الله ولم يكن شيء غيره وكان عرشه على الماء رواه البخاري وغيره عن عمران بن حصين ، وإن صحت الرواية " عماء " بالمد ، فلا حاجة إلى تأويل بل يقال نحن نؤمن به ولا نكيفه بصفة ، أي نجري اللفظ على ما جاء عليه من غير تأويل كما قال الأزهري ( وخلق عرشه على الماء ) وفي رواية أحمد : ثم خلق عرشه على الماء .

                                                                                                          قال الحافظ : قد روى أحمد والترمذي وصححه من حديث أبي رزين العقيلي مرفوعا : إن الماء خلق قبل العرش . وروى السدي في تفسيره بأسانيد متعددة : إن الله لم يخلق شيئا مما خلق قبل الماء . وأما ما رواه أحمد والترمذي وصححه من حديث عبادة بن الصامت مرفوعا : أول ما خلق الله القلم ، ثم قال اكتب فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة فيجمع بينه وبين ما قبله بأن أولية القلم بالنسبة إلى ما عدا الماء والعرش ، أو بالنسبة إلى ما صدر منه من الكتابة ، أي أنه قيل له اكتب أول ما خلق . انتهى .

                                                                                                          قوله : ( قال أحمد ) أي ابن منيع ( قال يزيد ) أي ابن هارون في تفسير العماء المذكور في الحديث ( العماء أي ليس معه شيء ) كذا فسر يزيد العماء بأنه ليس معه شيء ، وقد عرفت أن العماء بالمد هو السحاب الرقيق ، والعمى بالقصر بمعنى ليس معه شيء .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن ) وأخرجه أحمد وابن ماجه .




                                                                                                          الخدمات العلمية