الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
[ درس ] { باب في التدبير وأحكامه وهو لغة النظر في عواقب الأمور لتقع على الوجه الأكمل وشرعا قال المصنف ( التدبير تعليق مكلف ) خرج الصبي والمجنون والمكره ( رشيد ) خرج العبد والسفيه فلا يصح تدبيرهما [ ص: 381 ] ( وإن ) كان المكلف الرشيد ( زوجة ) دبرت ( في زائد الثلث ) أي فيما زاد على ثلث مالها ، وإن لم يكن لها غير ذلك العبد فيمضي ويلزمها وليس لزوجها رده بخلاف العتق وسائر التبرعات إذ لا ضرر على زوجها في ذلك ; لأن العبد في رقها إلى الموت .

وأما تدبيرها في الثلث فما دونه فلا خلاف في نفوذه ( العتق ) مفعول تعليق أي تعليقه نفوذ العتق ; لأن المعلق إنما هو نفوذه .

وأما إنشاؤه فمن الآن ( بموته ) أي موت المعلق بكسر اللام خرج المعلق على دخول دار مثلا أو زمن أو موت غيره فلا يسمى تدبيرا ( لا على وصية ) خرج ما علقه على موته على وجه الوصية ، فإنه عقد غير لازم يجوز الرجوع فيه بخلاف التدبير ومثل الوصية بقوله ( كإن مت من مرضي ) هذا فأنت أو فعبدي حر ( أو ) إن مت من ( سفري هذا ) فأنت حر ( أو ) قال في صحته أنت ( حر بعد موتي ) ولم يقيد بتدبير ولا غيره فوصية في الثلاثة غير لازمة .

وأما إن قال أنت مدبر بعد موتي فتدبير قطعا والحاصل أن التدبير ما كان على وجه الانبرام واللزوم لا على وجه الانحلال كأن يكون على وجه يكون أو لا يكون كالموت في المرض والسفر ، فإنه وصية ولو أتى بلفظ التدبير وكذا بعد موتي إذا لم يقيد بلفظ التدبير ومحل كونه وصية يجوز الرجوع فيه ( ما لم يرده ) أي ما لم يقصد به التدبير ، فإن قصد التدبير بأن أتى بما يدل عليه كأن يقول حر بعد موتي بالتدبير أو إن مت من مرضي فعبدي حر لا رجوع لي فيه أو لا يغير عن حاله ونحو ذلك فهو تدبير لازم [ ص: 382 ] ومثل ذلك ما إذا أقر بأنه أراد بهذه الألفاظ التدبير ( و ) ما ( لم يعلقه ) على شيء ، فإن علقه على شيء كان تدبيرا نحو إن كلمت زيدا أو دخلت الدار فأنت حر إن مت من مرضي أو سفري هذا أي وحصل المعلق عليه كالدخول إذ بحصول المعلق عليه لزم المعلق واللازم تدبير لا وصية ( أو ) قال ( أنت حر بعد موتي بيوم ) أو شهر أو نحو ذلك فوصية لا تدبير لكونه غير معلق على الموت وظاهره ولو أراده أو علق وقيل حذف من هنا قوله ما لم يرده ولم يعلق لدلالة الأول عليه وذكر صريحه بثلاث صيغ معلقا له بالمصدر وهو تعليق بقوله ( بدبرتك وأنت مدبر أو حر عن دبر مني ) ودبر كل شيء ما وراءه بسكون الباء وضمها والجارحة بالضم أكثر وأنكر بعضهم الضم في غيرها ومحل كونه تدبيرا لازما إذا ما لم يصرفه للوصية كأن يقول ولي الرجوع أو الفسخ في ذلك وإلا كان وصية كما أن صريح الوصية نحو أعتقوه إذا مت أو هو حر إن مت أو بعد موتي إذا أراد به التدبير أو علقه انصرف للتدبير كما تقدم

التالي السابق


{ باب في التدبير } ( قوله : تعليق مكلف ) أي ولو كان سكران بحرام إذا كان عنده نوع تمييز ، وأما إذا كان طافحا فهو كالبهيمة لا يلزمه شيء اتفاقا وما في عبق ففيه نظر ، وأما السكران بحلال فكالمجنون ( قوله خرج الصبي والمجنون والمكره ) أي ، فإن تدبيرهم باطل من أصله وكذا يقال في تدبير العبد والسفيه فيما يأتي أما بطلانه من المجنون والمكره والعبد فباتفاق ، وأما بطلانه من الصغير والسفيه فعلى الراجح كما في حاشية شيخنا على خش وقال بعضهم إنه من الصغير والسفيه وصية بلفظ التدبير فإطلاق التدبير عليه مجاز لا حقيقة وحينئذ فيخرج من الثلث ولهما الرجوع فيه بعد البلوغ والرشد واستظهره في المج .

( قوله خرج العبد ) أي لأن تدبيره باطل ; لأنه محجور عليه بالأصالة وقوله والسفيه أي سواء كان مولى عليه أو كان مهملا فلا يصح تدبيره من حيث كونه تدبيرا ، وإن صح على أحد القولين السابقين من جهة أنه يكون وصية يخرج من الثلث بالأولى من الصغير انظر بن [ ص: 381 ] وعدم صحته من المهمل هو قول ابن القاسم ، وأما عند مالك فيصح ; لأن تصرفه قبل الحجر محمول على الإجازة عنده ( قوله : وإن زوجة دبرت في زائد الثلث ) أي دبرت عبدا قيمته أزيد من ثلث مالها ولو عبر المصنف بلو لرد قول سحنون أن قول ابن القاسم يصح من الزوجة في زائد الثلث خطأ كان أحسن ابن رشد وروي عن مالك مثل قول سحنون انظر المواق ا هـ بن وقوله وأن زوجة إلخ أي هذا إذا كان المكلف الرشيد غير زوجة أعم من كونه رجلا أو امرأة أو كان زوجة دبرت في ثلثها بل وإن كان زوجة دبرت إلخ ( قوله : فيمضي ) أي التدبير أي يمضي عقده من الآن ، وإن كان لا يخرج حرا إلا بعد موتها من ثلثها .

( قوله بخلاف العتق ) أي ولو لأجل ( قوله : وسائر التبرعات ) أي فإن لزوجها ردها حيث زاد التبرع على الثلث ( قوله : لأن العبد في رقها إلى الموت ) أي فلها استخدامه والتجمل به وفي هذا منفعة للزوج فلم يخرج العبد بالتدبير عن تمتع الزوج به إلى موتها وبعد الموت الزوج كبقية الورثة بخلاف العتق ، فإن العبد يخرج به عن تمتع الزوج ( قوله : بموته ) أي على موته فالباء بمعنى على ; لأن التعليق يتعدى بعلى أو على حالها لكن مع التقدير عامل تتعلق به أي رابطا له أي للعتق بموته .

( قوله : أو زمن ) أي كأن مضت سنة فأنت حر أو إن مات زيد فأنت حر ( قوله : لا على وصية ) أي لا على وجه الوصية ولما شمل تعريفه الوصية بالعتق كأنت حر بعد موتي أو إن مت فأعتقوا عبدي فلانا أخرجها بهذا القيد فهو من تتمة التعريف لئلا يكون غير مانع ( قوله : بخلاف التدبير ) أي ، فإنه عقد لازم ثم إن من المعلوم أن الفرق بين الوصية والتدبير باللزوم وعدم اللزوم فرع عن افتراق حقيقتهما .

وحاصل الفرق بينهما الذي نقله بن عن المعيار أن العتق في التدبير ألزمه ذمته وأنشأه من الآن ، وإن كان معلقا على الموت فوجب أن لا يرجع فيه والوصية أمر بالعتق بعد موته ولم يعقد على نفسه عتقا الآن فالعتق إنما يقع على العبد بعد موت الموصي فلذا كان له أن يرجع كمن وكل رجلا ليبيع عبده أو يهبه فله أن يرجع عن ذلك بما شاء من قول أو فعل ما لم ينفذ الوكيل ما أمره به ( قوله : كإن مت من مرضي أو سفري هذا ) إنما يكون هذا وصية إن جعل الجواب فأنت حر كما فعل الشارح ، فإن جعل الجواب فأنت مدبر كان وصية أيضا على قول ابن القاسم وفي الموازية إنه تدبير لا رجوع فيه ووجه الأول أعني كونه وصية أنه لما علقه على أمر محتمل لأن يكون أو لا يكون لم يلتزمه انظر بن ( قوله : ولا غيره ) أي مما يدل على التدبير كما يأتي .

( قوله : وأما إن قال أنت مدبر بعد موتي ) أي أو قال أنت حر بعد موتي بالتدبير فهو تدبير فيهما قطعا ( قوله : ما كان على وجه الانبرام واللزوم ) أي من الآن كدبرتك أو أنت مدبر أو أنت حر عن دبر مني ، وإن كان معلقا على الموت كأنت مدبر بعد موتي أو أنت حر بعد موتي بالتدبير ( قوله : لا على وجه الانحلال ) أي لا ما كان على وجه الانحلال وقوله كأن يكون على وجه أي معلقا على وجه وقوله يكون أي محتمل لأن يكون أو لا يكون ( قوله : ولو أتى إلخ ) أي بأن قال : إن مت من مرضي هذا أو من سفري هذا فأنت مدبر ( قوله : إذا لم يقيد بلفظ التدبير ) أي كأن قال أنت حر بعد موتي أي وأما إن قيد به كأنت مدبر بعد موتي أو أنت حر بعد موتي بالتدبير كان تدبيرا ( قوله : ومحل كونه ) أي ما ذكر من الصيغ الثلاثة ( قوله : ما لم يرده ) أي مدة كونه لم يرده بأن خلا لفظه عن نية أو قرينة ، فإن أراده بنية أو قرينة لزمه هذا محصل كلام الشارح وفي بن إن لم يرده أي بالنية .

وأما إذ أتى بما يدل عليه كقوله إذا مت فعبدي فلان حر لا يغير إلخ فهذا من قبيل التدبير الصريح لا بالإرادة [ ص: 382 ] قوله : ومثل ذلك ) أي مثل ما إذا أتى بما يدل على التدبير ( قوله وما لم يعلقه ) أي وما لم يعلق ما ذكر من الصيغ الثلاث على شيء ، فإن علق واحدة منها على شيء كان تدبيرا .

( قوله : فأنت حر إن مت من مرضي أو من سفري هذا ) أي وإن كلمت أو دخلت الدار فأنت حر بعد موتي ( قوله : لزم المعلق ) أي وهو الحرية بعد الموت من هذا المرض ( قوله : واللازم تدبير لا وصية ) فيه أن الحرية معلقة في الصيغتين الأولتين من صيغ الوصية فلم لم يقل : إنها تلزم بحصول المعلق عليه واللازم تدبير لا وصية وأجيب بأن المعلق عليه هنا اختياري والمعلق على الاختياري يلزم بحصوله على قاعدة الحنث بخلاف قوله : إن مت من مرضي هذا أو من سفري هذا فأنت حر ، فإن المعلق عليه فيهما الموت من هذا المرض أو من هذا السفر ، فإنه غير اختياري فلا يلزم فيهما التدبير إلا بإرادته ( قوله : أو نحو ذلك ) أي أو شهرين أو نصف شهر ( قوله وظاهره ولو أراده إلخ ) أي ظاهره أن هذا وصية غير لازمة سواء أراد بذلك التدبير أو لم يرده علقه أو لم يعلقه ، وإنما كان ظاهره ذلك لتأخيره قوله أو أنت حر بعد موتي بيوم عن قوله إن لم يرده أو لم يعلقه إلا أنه إن أراد بذلك التدبير كان وصية التزم عدم الرجوع فيها ، والوصية إذا التزم عدم الرجوع فيها فيها قولان باللزوم وعدمه وهذا القول هو ما اختاره الشيخ إبراهيم اللقاني .

( قوله : وقيل حذف إلخ ) هذا التقرير هو ما اختاره عج وحاصله أنه إذا قال : أنت حر بعد موتي بيوم أو بشهر أو بأكثر من ذلك أو أقل فهو وصية غير لازمة إن لم يرد بذلك التدبير أو يعلقه وإلا كان تدبيرا فالمصنف حذف إن لم يرده أو يعلقه من هنا لدلالة ما قبله عليه ( قوله : أو حر عن دبر مني ) لما كان هذا اللفظ صريحا في الباب لم يحتج إلى الإرادة بخلاف حر بعد موتي ، فإنه لما كان غير صريح في التدبير لم ينصرف له إلا بالنية أو القرينة ( قوله : والجارحة ) أي والدبر بمعنى الجارحة بالضم أكثر من الإسكان ( قوله إذا لم يصرفه للوصية ) أي ولم يعلقه على إن مت من مرضي هذا أو سفري كما مر وقوله إذا لم يصرفه للوصية أي بما يدل عليها كما مثل أو بالنية وقوله وإلا كان وصية أي وإلا بأن صرفه لها بما يدل عليها أو بالنية كان وصية ، وإنما انصرف صريح التدبير لغيره وهو الوصية لقوة شبهه بها ( قوله : إذا أراد به التدبير ) أي بالنية أو بالقرينة الدالة عليه كما مر




الخدمات العلمية