الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( الفرق الثالث عشر والمائة بين قاعدة التفضيل بين المعلومات )

وهي عشرون قاعدة

( القاعدة الأولى ) تفضيل المعلوم على غيره بذاته دون سبب يعرض له يوجب التفضيل له على غيره ، وله مثل : أحدها الواجب لذاته المستغني في وجوده عن غيره كذات الله سبحانه وتعالى وصفاته المعنوية السبعة [ ص: 212 ] وهي العلم والقدرة والإرادة والحياة والكلام النفساني والسمع والبصر .

وثانيهما العلم حسن لذاته وهو أفضل من الظن للقطع بعدم الجهل معه وتجويز الجهل مع الظن وذلك لذات العلم لا لصفة قامت به كما أن الجهل نقيصة لذاته لا لصفة قامت به أوجبت نقصه بخلاف الجاهل والعالم ، نقص الجاهل لصفة قامت به وهي الجهل وفضل العالم لصفة قامت به وهي العلم .

وثالثها الحياة أفضل من الموت لذاتها لا لمعنى أوجب لها ذلك [ ص: 213 ] وسبب تفضيلها كونها يتأتى معها العلم والقدرة والإرادة وغير ذلك من التصرفات وصفات الكمال كالنبوءة والرسالة وغيرهما ، وتعذر جميع ذلك مع الموت .

وتلك الحياة لذاتها لا لمعنى أوجب لها ذلك .

التالي السابق


حاشية ابن الشاط

قال : ( الفرق الثالث عشر والمائة بين قاعدة التفضيل بين المعلومات وهي عشرون قاعدة ) .

قلت : الفضل كون معلوم ما منفردا بصفة مدح ، أو بمزية في صفة مدح ، والتفضيل على ضربين عقلي ووضعي ، ومعنى العقلي أن فضل المتصف بالفضل لمعقوله لا لغير ذلك ، ومعنى الوضعي أن فضل المتصف به ليس لمعقوله بل لموجب غيره أوجب له ذلك قال شهاب الدين ( القاعدة الأولى : تفضيل المعلوم على غيره بذاته دون سبب يعرض له يوجب التفضيل له على غيره وله مثل ؛ أحدها الواجب لذاته المستغني في وجوده عن غيره كذات الله سبحانه وتعالى وصفاته المعنوية السبعة [ ص: 212 ] وهي العلم والقدرة والإرادة والحياة والكلام النفساني والسمع والبصر ) قلت : ما قاله من أن التفضيل بالذات له مثل ليس بصحيح بل لا مثال له إلا واحد وهو ذات الله تعالى وصفاته ولا يسوغ أن يقال : إنها مثل باعتبار الذات والصفات ؛ لأنه لا يسوغ أن يقال إنها غيره .

قال : ( وثانيها العلم حسن لذاته ) قلت ما قاله في ذلك ليس بجار على مذهب الأشعرية في قولهم إن الحسن والقبح ليسا بذاتيين ، وإنما يجري ذلك على مذهب المعتزلة فقوله ليس بصحيح ، قال : ( وهو أفضل من الظن للقطع بعدم الجهل معه وتجويز الجهل مع الظن ) قلت ما قاله هنا كلام ساقط عديم التحصيل ، كيف يكون العلم أفضل من الظن بسبب القطع بعدم الجهل معه وتجويز الجهل مع الظن ؟ وقد زعم أنه حسن لذاته والذاتي لا يعلل ، وكيف يجوز الجهل مع الظن ، والجهل والظن ضدان فكيف يجوز اجتماعهما هذا كله كلام من لم يحصل شيئا من علم الكلام ألبتة .

قال ( وذلك لذات العلم لا لصفة قامت به كما أن الجهل نقيصة لذاته لا لصفة قامت به أوجبت نقصه ) .

قلت : قوله لا لصفة قامت به يشعر أنه يجوز قيام الصفة بالصفة وذلك محال عند أهل هذا العلم . قال ( بخلاف الجاهل والعالم ؛ نقص الجاهل لصفة قامت به وهي الجهل ، وفضل العالم لصفة قامت به وهي العلم ) قلت : ما قاله هنا صحيح . قال : ( وثالثها الحياة أفضل من الموت لذاتها لا لمعنى أوجب لها ذلك ) . قلت : ما قاله [ ص: 213 ] في ذلك دعوى بغير حجة .

قال ( وسبب تفضيلها كونها يتأتى معها العلم والقدرة والإرادة وغير ذلك من التصرفات ، وصفات الكمال كالنبوءة والرسالة وغيرهما وتعذر جميع ذلك مع الموت وتلك للحياة لذاتها لا لمعنى أوجب لها ذلك ) . قلت : عاد إلى تعليل الذاتي ثم كر إلى عدم التعليل وذلك كله غير صحيح .



حاشية ابن حسين المكي المالكي

( الفرق الثالث عشر والمائة بين قاعدة التفضيل بين المعلومات )

الفضل كون معلوم ما منفردا بصفة مدح ، أو بمزية في صفة مدح والتفضيل على ضربين

الأول عقلي بأن يكون الفضل لمعقول المتصف به لا لغير ذلك .

والثاني وضعي بأن يكون الفضل لا لمعقول المتصف به بل لموجب غيره أوجب له ذلك وذلك أن التفضيل بين المعلومات إن كان بحسب الذات ، أو بحسب الصفة الحقيقية فهو عقلي ، وإن كان بغير ذلك كأن يكون بالطاعة أو بكثرة الثواب ، أو بشرف الموصوف ، أو الصدور ، أو لمدلول أو الدلالة ، أو التعلق أو المتعلق ، أو بكثرة التعلق أو بالمجاورة ، أو بالحلول أو بالإضافة ، أو بالأنساب والأسباب ، أو بالثمرة والجدوى أو بأكثرية الثمرة ، أو بالتأثير ، أو بجودة النية والتركيب أو باختيار الرب لمن يشاء على من يشاء ولما يشاء على ما يشاء فهو وضعي فقاعدة التفضيل ترجع إلى عشرين قاعدة بل قال ابن الشاط : لا أعرف الآن دليل صحة حصر وجوه التفضيل في عشرين قاعدة ا هـ .

أي بل إنها تزيد على ذلك ، وقال الأصل وأسباب التفضيل كثيرة لا أقدر على إحصائها خشية الإسهاب ، وإنما بعثني على الوصول فيها إلى هذه الغاية ما أنكره بعض فضلاء الشافعية على القاضي عياض رحمهما الله تعالى من قوله إن الأمة أجمعت على أن البقعة التي ضمت أعضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل البقاع فقال الثواب على العمل هو سبب التفضيل والعمل ههنا متعذر ضرورة أن العمل على قبره صلى الله عليه وسلم محرم فيه عقاب شديد فضلا عن أن يكون فيه أفضل المثوبات فكيف مع عدم الثواب يصح هذا الإجماع وشنع عليه كثيرا وما بلغني أيضا عن المأمون بن الرشيد الخليفة أنه قال : أسباب التفضيل أربعة وكلها كملت في علي رضي الله عنه فهو أفضل الصحابة وأخذ يرد بذلك على أهل السنة فأردت ببيان تعدد الأسباب والوصول فيها إلى هذه الغاية أن أبطل ما ادعياه من الحصر من حيث إن أسبابه أعم من الثواب بل ومن الأربعة التي زعم المأمون الحصر فيها ، وإلا لما كان جلد المصحف بل ولا المصحف نفسه أفضل من غيره لتعذر العمل فيه ولعدم تحقق الأسباب الأربعة فيه وهو خلاف المعلوم من الدين بالضرورة ا هـ بتصرف [ ص: 215 ] وزيادة .

( القاعدة الأولى ) تفضيل المعلوم على غيره بذاته وليس له إلا مثال واحد وهو ذات الله سبحانه وتعالى وصفاته المعاني السبعة وهي العلم والإرادة والقدرة والحياة والكلام النفساني والسمع والبصر ، إذ لا يسوغ أن يقال في صفات المعاني : إنها غير الذات كما لا يصح أن يقال : إنها عين الذات لأنا لو قلنا هي هو لأدى إلى اتحاد الصفات والموصوف وهو لا يعقل ولو قلنا : غيره لكانت إما محدثة فيكون محلا للحوادث وهو محال ، وإما قديمة فيلزم تعدد القدماء المتغايرة وهو محال وليس المراد بالغير هنا ما قابل العين بل المراد به المنفك فحاصل المعنى أنها ليست منفكة ولا عينا بل شيء ملازم بخلاف الوجود فقد قيل إنه عين الذات بناء على أنه وجه واعتبار ، وإنه غيرها بناء على أنه حال وهو ما له ثبوت في نفسه .

وفي محله نعم قال السكتاني قولنا : الله موجود حكم معنوي يعتقد ويبرهن عليه لا مجرد إخبار لفظي فالحق أن الصفة يكفي فيها مغايرة المفهوم ، وإن لم تكن زائدة في الخارج كيف وقد عدوا السلوب يعني القدم والبقاء ومخالفته تعالى للحوادث وقيامه تعالى بنفسه والوحدانية صفات وبالجملة فصفات الباري التي عدها المتكلمون وأوجبوا معرفتها تفصيلا إما أن تدل على معنى زائد على الذات وهي المعاني السبعة المذكورة وهذه ، وإن كانت ليست عين الذات إلا أنها ليست منفكة عنها بل ملازمة لها .

وإما أن لا تدل على ذلك بل إما أن تكون عدمية عبارة عن سلبها نقصا عن الذات وهي صفات السلوب الخمس المذكورة ، وإما أن تكون وجها واعتبارا لا حالا لأن الحق نفيه وهي الصفة النفسية أعني الوجود والصفات المعنوية وهي الكون عالما ومريدا وقادرا ومتكلما وحيا وسميعا وبصيرا والاعتبار قد اختار العلامة الأمير في حاشيته على عبد السلام أن له من اسمه نصيبا فلا ثبوت له إلا في ذهن المعتبر وإنه أمر واحد فقط إن انتزع من خارج موجود مشاهد كالكون أبيض كان صادقا لتأييد الخارج له ، وإن كان مجرد اعتبار كاعتبار الكريم بخيلا كان كاذبا لمعارضة الوجود الخارجي له لا أمران بحت لا ثبوت له إلا في الذهن وما له ثبوت في نفسه دون المحل بخلاف الحال وبين وجهه فانظره فالوجود والمعنوية ، وإن لم تكن زائدة في الخارج على الذات كصفات السلوب لأنها من حيث إنها صفات يحكم بها على الذات حكما معنويا يعتقد ويبرهن عليه كصفات السلوب يكفي في كونها غير الذات مغايرة مفهومها لمفهوم الذات بالأولى من صفات السلوب فافهم .




الخدمات العلمية