الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      [ ص: 217 ] قال المصنف رحمه الله تعالى ( ويعتبر التساوي فيما يكال ويوزن بكيل الحجاز ووزنه لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " { المكيال مكيال أهل المدينة والميزان ميزان أهل مكة } " )

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) الحديث المذكور رواه أبو داود والنسائي ولفظ أبي داود " { الوزن وزن أهل مكة ، والمكيال مكيال أهل المدينة } ولفظ النسائي " { المكيال على مكيال أهل المدينة ، والوزن على وزن أهل مكة } رواه من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر أبو داود اختلافا في سنده ومتنه ( وأما ) السند فقيل فيه : عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا لا يضر ، فإنه أيا ما كان فهو صحابي وأما المتن فإنه رواه باللفظ المتقدم من حديث سفيان عن حنظلة عن طاوس عن ابن عمر قال رواه الوليد بن مسلم عن حنظلة قال : " { وزن المدينة ومكيال مكة } " قال أبو داود أيضا : اختلف في المتن في حديث مالك بن دينار عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم قد ذكره أبو عبيدة في غريب . الحديث فقال : وبعضهم يقول : " { الميزان ميزان المدينة والمكيال مكيال مكة } " قال أبو عبيدة : يقال : إن هذا الحديث أصل لكل شيء ، والكيل والوزن إنما يأتم الناس فيهما بأهل مكة وأهل المدينة ، وإن تغير ذلك في سائر الأمصار . [ ص: 218 ] قال الخطابي لي : هذا حديث قد تكلم فيه بعض الناس وتخبط في تأويله ، وزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد بهذا القول تعديل الموازين والأرطال والمكاييل ، وجعل عيارها أوزان أهل مكة ، ومكاييل أهل المدينة فيكون عند الشارع حكما بين الناس يحملون عليها إذا تداعوا ، فادعى بعضهم وزنا أوفى ، أو مكيالا أكبر ، وادعى الخصم أن الذي لزمه هو الأصغر منهما دون الأكبر ، قال : وهذا تأويل فاسد خارج عما عليه أقاويل أكثر الفقهاء ، وذلك أن من أقر لرجل بمكيلة أو بغيره أو برطل من تمر أو غيره فاختلفا في قدر المكيلة والرطل ، فإنهما يحملان على عرف البلد الذي هو به ، ولا يكلف أن يعطى برطل مكة ولا بمكيال المدينة ، وكذلك إذا أسلف في عشرة مكاييل قمح أو شعير وليس هناك إلا مكيلة واحدة معروفة ، فإنهما يحملان عليها فإن كان هناك مكاييل مختلفة فأسلفه في عشرة مكاييل ولم يصف الكيل بصفة يتميز بها عن غيره فالسلم فاسد وعليه رد الثمن ، وإنما جاء الحديث في نوع ما يتعلق به أحكام الشريعة في حقوق الله سبحانه وتعالى دون ما يتعامل به الناس في بياعاتهم وأمور معاشهم .

                                      وقوله " { والوزن وزن أهل مكة } " يريدون الذهب والفضة خصوصا دون سائر الأوزان ، معناه أن الوزن الذي تتعلق به الزكاة في النقود دون أهل مكة وهي دراهم الإسلام المعدلة منها العشرة بسبعة مثاقيل ، فإذا ملك رجل منها مائتي درهم وجبت فيها الزكاة ، وذلك أن الدراهم مختلفة الأوزان في بعض البلدان والأماكن فمنها البغلي ، ومنها الطبري ، ومنها الخوارزمي ، وأنواع غيرها ، فالبغلي ثمانية دوانيق وهو نقد أهل مكة ووزنهم الجائز بينهم ، وكان أهل مكة يتعاملون بالدراهم عددا وقت مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها والدليل عليه قول عائشة رضي الله عنها في قصة بريرة " إن شئت أعددتها لهم " فأرشدهم صلى الله عليه وسلم إلى الوزن فيها وجعل العيار وزن أهل مكة دون ما يتفاوت وزنه فيها في سائر البلدان وأطال الخطابي في تحقيق الدراهم وضربها ثم قال : وأما قوله " { والمكيال مكيال أهل المدينة } فإنما هو الصاع الذي يتعلق به وجوب الكفارات ، ويجب إخراج صدقة الفطر له ، وتكون بقدر النفقات وما في معناها معيار ، [ ص: 219 ] وللناس صيعان مختلفة فصاع أهل الحجاز خمسة أرطال وثلث بالعراقي وصاع أهل البيت فيما يذكره زعماء الشيعة تسعة أرطال وثلث وينسبونه إلى جعفر بن محمد وصاع أهل العراق ثمانية أرطال وهو صاع الحجاج الذي سعر به على أهل الأسواق ولما ولي خالد بن عبد الله القسري العراق ضاعف الصاع فبلغ به ستة عشر رطلا فإذا جاء باب المعاملات حملنا العراقي على الصاع المتعارف المشهور عند أهل بلاده والحجازي على الصاع المعروف ببلاده الحجاز وكذلك أهل كل بلد على عرف أهله فإذا جاءت الشريعة وأحكامها فهو صاع المدينة فهو معنى الحديث وتوجيهه عندي والله أعلم .

                                      هذا آخر كلام الخطابي رحمه الله . وكذلك قال ابن معن في شرح المهذب : إن هذا الذي ذكره الشيخ يحتاج إلى تأويل ، إذ لا خلاف أن التساوي لا ينحصر في الكيل بمكيال المدينة ولا التساوي بميزان مكة في الموزونات والمكيلات في سائر البلاد ، بل أي كيل اتفقا عليه وعرف التساوي جاز البيع ، وإن لم يكن ميزان مكة أو كيل المدينة وكذلك قال إمام الحرمين : إنه لا خلاف أن اعتبار مكاييل أهل المدينة وموازين أهل مكة لا تراعى . وقال الشارحون للمهذب والأصحاب : إنه ليس المراد أنه لا يكال إلا بكيل المدينة ، ولا يوزن بوزن مكة ، وإنما المراد أن المرجع في كون الشيء مكيلا أو موزونا إلى هذين البلدين ، فكل مطعوم كان أصله بالحجاز في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الكيل كالبر والشعير والتمر والملح واللوبية والباقلا ، قالهما صاحب الاستقصاء ونحو ذلك فاعتبار المماثلة فيه بالكيل ، وما كان أصله بالحجاز الوزن كالذهب والفضة ونحوهما ، فاعتبار المماثلة فيه بالوزن قال الشافعي - رحمه الله تعالى - في باب بيع الآجال من الأم : وأصل الوزن والكيل بالحجاز ، فكل ما وزن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فأصله الوزن وكل ما كيل فأصله الكيل وما أحدث الناس منه مما يخالف ذلك رد [ ص: 220 ] إلى الأصل . واتفق الأصحاب على ما قاله الشافعي رحمه الله ، وأنه إن أحدث الناس خلاف ذلك فلا اعتبار به . واستدل له الشيخ أبو حامد والمصنف وغيرهما بالحديث المذكور في الكتاب واحتج له ابن الصباغ وابن أبي عصرون من جهة المعنى بأن ما كان مكيلا منه في زمنه صلى الله عليه وسلم انصرف التحريم إليه بتفاضل الكيل وكذلك ما كان يوزن فلا يجوز أن يغير بعد ذلك ، والحديث وإن لم يذكر فيه إلا مكة والمدينة فلا خلاف أنه لا يختص بهما بل الحجاز كله كذلك وأطلق الشافعي والأصحاب ذلك إطلاقا .

                                      وذكره صاحب البيان وإسماعيل الخضري شارح المهذب مبينا فقالا مكة والمدينة ومخاليفهما . وقال صاحب الاستقصاء تبعا للشيخ أبي حامد والمحاملي وغيرهما : وذكر مكيال أحد البلدين وميزان الآخر على سبيل التنبيه بما ذكر في كل واحد منهما على ما لم يذكره في البلد الآخر ، ولذلك جاء الخبر على الوجهين يعني الوجهين الذين ذكرهما أبو داود في المتن في رواية " { وزن مكة ومكيال المدينة } " وفي رواية " { وزن المدينة ومكيال مكة } " وقد سبقه إلى هذا المعنى الشيخ أبو حامد قال : فإن ذلك لم يختلف على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم في البلدين جميعا فإن كانت تكال كانت العادة فيهما الكيل ، وكذلك الوزن ومما استدل به المحاملي في المسألة أن ما ورد به الشرع مطلقا وليس له حد في الشرع ولا اللغة يرجع فيه إلى العرف والعادة ، وأولى العادات ما كان في زمنه صلى الله عليه وسلم وهذه الطريقة أولى . فإن الذي يظهر من قوله " الميزان ميزان أهل مكة كاعتبار الوزن " . واعلم أنه ليس في كلام المصنف ما يقتضي أن يعتبر الاكتيال بمكيال الحجاز بل إنه يعتبر التساوي به ، ومتى تساوى طعامان في مكيال ، أي مكيال كان ، فعلم استواؤهما في مكيال الحجاز ، بمعنى أنه لو كيلا به كانا مستويين ، وكذلك إذا استوى موزونان في أي ميزان كان فعلم أنهما لو وزنا بميزان الحجاز كانا مستويين فهذا وجه تصحيح كلام المصنف ، وتكون فائدة ذلك نفي فساد المكيل في الوزن أو الموزون في الكيل ، وإن أردت دفع السؤال مرة فاجعل قوله بكيل الحجاز ووزنه معمولا لقوله : ويكال ويوزن ، [ ص: 221 ] كأنه قال : ويعتبر التساوي المذكور في الفصل المتقدم وهو التساوي في الكيل في المكيل والوزن في الموزون فيما هو مكيل بالحجاز أو موزون به .

                                      وأما ما ليس مكيلا بالحجاز ولا موزونا به فسيأتي حكمه ، فهذا محمل سائغ ، ويؤيده أنه لو كان المراد : ويعتبر التساوي بكيل الحجاز ووزنه فيما يكال ويوزن مطلقا لم يحسن قوله بعد ذلك : وإن كان مما لا أصل له بالحجاز في الكيل والوزن . وجوز إمام الحرمين في حمل الحديث احتمالين ( أحدهما ) ما قاله الخطابي ( والثاني ) أنه لعل اتحاد المكاييل كان يعم في المدينة ، واتحاد الموازين كان يعم بمكة ، فخرج الكلام على العادة ( قلت ) وكلا الاحتمالين ممكن ، وما قاله الخطابي أقرب إلى تأسيس القواعد الشرعية ، وأما انحصاره في الأشياء التي ذكرها فلا يلزم بل من جملة الأمور الشرعية التي يجب اندراجها فيه كل ما اعتبر التقدير فيه بالكيل أو الوزن . ومن ذلك ما يكال ويوزن من الربويات فيعتبر به فيصح استدلال الشيخ ، والمقصود أن يعتبر بعادة الحجاز في الكيل والوزن . وأما كون المكيل بالكيل والموزون بالوزن فقد تقدم دليله في الفصل السابق . قال بعضهم : والسر في هذا الحديث أن أهل مكة كانوا تجارا لما فيهم من الأغنياء وأهل المدينة كانوا أصحاب النخيل والكيل ، وقول الشيخ بكيل الحجاز ووزنه ، أي في زمان النبي صلى الله عليه وسلم فهو المعتبر . وأما العادة الحادثة بالحجاز في غير زمنه صلى الله عليه وسلم فلا اعتبار بها اتفاقا ، وقد تقدم ذلك في كلام الشافعي وصرح به الأصحاب قال إمام الحرمين : ولو اتحد مكيال لم يعهد مثله في عصر الشارع وكان يجري التماثل به فالوجه للقطع بجواز رعاية التماثل به . فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتعهدنا في الحديث إلا بالكيل المطلق فيما يكال ، ولم يعين مكيالا .

                                      ( قلت ) وهذا الذي قاله إمام الحرمين حق لا شك فيه ، وإذا تأملت ما قدمته لك من أن التساوي في مكيال دال على التساوي في كل مكيال تنبهت لذلك . فافهم ذلك فإنه المقصود ، وليس المقصود أعيان المكاييل ، فإنا إذا كلنا صاعا بصاع المدينة وعلمنا بأن الصاع يسع قدحين بالكيل المصري [ ص: 222 ] علمنا أن الصاع يساوي القدحين . هذا لا شك فيه ، وكذلك إذا وزنا درهما بدرهم في ميزان بعض البلاد وتساويا يعلم أنهما مستويان في جميع الموازين إذا كانت كلها صحيحة . قال إمام الحرمين : أجمع أئمتنا على أن الدراهم إذا بيعت بالدراهم وعدلتا بالتساوي في كفتي ميزان فالبيع صحيح ، وإن كان لا يدري ما تحويه كل كفة . قال : وهذا الذي ذكرته في مكيال يجري العرف باستعماله ، ولكن لم يعهد في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلو بيع ملء قصعة بملئها وما جرى العرف بالكيل بأمثالها ، فقد حكى شيخي ترددا عن القفال والظاهر عندنا الجواز ( قلت : ) هذا الذي رجحه الإمام هو الراجح عن الأصحاب وجزم به جماعة منهم القاضي أبو الطيب . وكذلك يكال بالدلو والدورق والجرة والجفنة والزمبيل وبحفر حفرة تكال فيها . قاله الشيخ أبو الطيب وصاحب التتمة والله سبحانه أعلم .

                                      ومحل خلاف القفال في قصعة لم يجر العرف بالكيل بها ، أما قصعة يعتاد الكيل بها وإن لم يكن في عهد الشارع فيجوز جزما كما اقتضاه كلام القفال وابن أبي الدم في كلامه على الوسيط ، وقال الإمام الرافعي : والوزن بالطيار وزن وإن لم يكن له لسان . والاستواء يبين فيه بتساوي فرعي الكفتين . والوزن بالقرطستون وزن قالا : وقد يتأتى الوزن بالماء بأن يوضع الشيء في ظرف ويكفى على الماء وينظر إلى مقدار غوصه . ولكنه ليس وزنا شرعيا ولا عرفيا . والظاهر أنه لا يجوز التعويل عليه في تماثل الربويات . قال النووي رحمه الله : قد عول أصحابنا عليه في أداء المسلم فيه وفي الزكاة في مسألة الإناء بعضه ذهب وبعضه فضة . قال : ولكن الفرق ظاهر ، وتوقف ابن الرفعة في الوزن بالطيار لعدم اللسان والله أعلم . وهذه القاعدة المقررة في هذا الفصل وإن كانت عامة ، فإنما تنفع فيما سوى الأشياء الستة المنصوص عليها ( وأما ) الستة فقد تقدم في الفصل السابق حديث عبادة ، والتنصيص فيه على أن الذهب والفضة موزونان ، [ ص: 223 ] والأربعة الباقية مكيلة وتقدم تفصيل صاحب التتمة وغيره في الملح ، والله أعلم .

                                      ( فرع ) المخالف لنا في هذه المسألة أبو حنيفة رضي الله عنه نقل أن الأربعة المنصوص عليها مكيلة ، ولا اعتبار بما أحدثه الناس من بعد فيها وأما ما سوى الأربعة فالاعتبار فيها بعادة الناس في بلدانهم ، ولا اعتبار بعادة الحجاز ، ولا بما كان في ذلك الزمان ، واستدل الأصحاب بالحديث المذكور وبالقياس على الأشياء الستة المذكورة في الحديث لو أحدث الناس فيها عادة غير ما كانت عليه لم يعتبر في بيع بعضها ببعض .

                                      ( فرع ) عد الماوردي أشياء ادعى فيها أنها كانت في عهده صلى الله عليه وسلم مكيلة ( منها ) الحبوب والأدهان والألبان والتمر والزبيب وما ادعاه سالم له إلا في الأدهان فيستغرق حكمها عند الكلام على بيع الشيرج بالشيرج إن شاء الله تعالى ، وقد عرض لي هاهنا بحث من قول الخطابي ، أن الطبري الذي هو أربعة دوانيق هو وزن أهل مكة ( قلت ) فعلى هذا ينبغي أن ينزل ما أوجبه الشرع من الزكاة وغيرها عليه ، والدرهم اليوم ستة دوانيق على ما تقدم ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم " { الوزن وزن أهل مكة } " ينفي اعتبار غيره مما كان في ذلك الزمان ، ومما حدث بعد فما الدليل على اعتبار هذا الدرهم المعدل بين وزن مكة وغيره ، الذي ضرب في زمان عبد الملك ؟ . وعلى هذا يكون ، النصاب من هذه الدراهم اليوم مائة وثلاثة وثلثا وواجبها ثلاثة وثلث ، وإنما بوزن أهل مكة مائتان والمخرج خمسة فإن كان كذلك فهذه الدراهم المغشوشة اليوم كل مائتين منها يجب فيها الزكاة لأن فيها من الخالص هذا المقدار إلا أن يقال ما قاله الخطابي عن أبي عبيد إنهم كانوا يتعاملون بالبغلية والطبرية نصفين مائة بغلية ومائة طبرية ، فكان في مائتين الزكاة ، لكنا نقول مجرد المعاملة لا يكفي إلا أن يكون متعارفا في مكة [ ص: 224 ] التي اعتبر الشرع وزنها على الخصوص على أن الخطابي قدم في أول كلامه ما يقتضي أن وزن مكة موافق للوزن الذي هو اليوم .



                                      ( فرع ) فيما هو مكيل وما هو موزون . الذهب والفضة موزونان بالنص ، والقمح والشعير مكيلان بالنص ، والملح مكيل بالنص ، إلا أن الأصحاب استثنوا ما إذا كان قطعا كبارا فإنه موزون ، وكل ما هو في جرم التمر ودونه فهو مكيل كاللوز والعناب ، وكل ما فوقه موزون قالهما القاضي حسين ، والعجب أن القاضي حسينا قبل ذلك بسطر قال : إن دهن اللوز موزون لأنه يستخرج من أصل موزون ، والأرز مكيل ، قاله الروياني ، وكذلك الزبيب والسمسم ، قاله الروياني وغيره



                                      ( فرع ) قاله الماوردي - رحمه الله - وصاحب البحر وغيرهما : إذا كانت صيغة بتساوي طعاما في الكيل والوزن ولا يفضل بعضه على بعض فاعرف من حاله أن التماثل فيه بالكيل فقد اختلف أصحابنا هل يجوز بيع بعضه ببعض وزنا ؟ على وجهين ( أحدهما ) لا ، لما فيه من مخالفة النص وتغيير العرف ( والثاني ) يجوز لكون الوزن فيه ثابتا عن الكيل للعلم بموافقته كما كان مكيال العراق ثابتا عن مكيال الحجاز لموافقته في المساواة بين المكيالين ، والذي نقله الروياني عن أصحابنا أنه لا يجوز لأنه لا يتوهم التفاضل ، والوهم كالحقيقة ، ثم نقل مع ذلك ما قاله الماوردي والذي جزم به القاضي حسين أنه لا يجوز بيع الحنطة بالحنطة وزنا ، سواء تفاضلا في الكيل أو تساويا ، وأطلق صاحب الذخائر فيما إذا كانت قرية يباع فيها الطعام وزنا ، فباع بعضه ببعض موازنة وجهين ( وقال ) أصحهما المنع ، وهذا الإطلاق ليس بجيد ، ولعله أراد ما قاله الماوردي فإنه توهم جواز بيعها وزنا ، وإن تفاوتا في الكيل على وجه وليس كذلك ، والظاهر أنه لم يرد إلا ما قاله الماوردي




                                      الخدمات العلمية