الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء أن الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام

                                                                                                          317 حدثنا ابن أبي عمر وأبو عمار الحسين بن حريث المروزي قالا حدثنا عبد العزيز بن محمد عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام قال أبو عيسى وفي الباب عن علي وعبد الله بن عمرو وأبي هريرة وجابر وابن عباس وحذيفة وأنس وأبي أمامة وأبي ذر قالوا إن النبي صلى الله عليه وسلم قال جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا قال أبو عيسى حديث أبي سعيد قد روي عن عبد العزيز بن محمد روايتين منهم من ذكره عن أبي سعيد ومنهم من لم يذكره وهذا حديث فيه اضطراب روى سفيان الثوري عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل ورواه حماد بن سلمة عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه محمد بن إسحق عن عمرو بن يحيى عن أبيه قال وكان عامة روايته عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر فيه عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم وكأن رواية الثوري عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أثبت وأصح مرسلا

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          ( باب ما جاء أن الأرض كلها إلا المقبرة والحمام )

                                                                                                          قوله : ( وأبو عمار الحسين بن حريث ) بضم الحاء المهملة وفتح الراء وسكون التحتية وبالمثلثة الخزاعي مولاهم المروزي ، ثقة من العاشرة ، روى عن الفضل بن موسى والنضر بن شميل وفضل بن عياض وخلق وعنه ( خ م د ت س و د ) بالإجازة مات راجعا من الحج سنة أربع وأربعين ومائتين .

                                                                                                          قوله : ( الأرض كلها مسجد ) أي يجوز الصلاة فيها ( إلا المقبرة ) قال في القاموس المقبرة مثلثة الباء وكمكنسة موضع القبور ( والحمام ) بتشديد الميم الأولى هو الموضع الذي يغتسل فيه بالحميم وهو في الأصل الماء الحار ، ثم قيل لموضع الاغتسال بأي ماء كان . والحديث يدل على منع الصلاة في المقبرة والحمام ، وقد اختلف الناس في ذلك . وأما المقبرة فذهب أحمد إلى تحريم الصلاة في المقبرة ، ولم يفرق بين المنبوشة وغيرها ، ولا بين أن يفرش عليها شيئا يقيه من النجاسة أم لا ، ولا بين أن [ ص: 220 ] يكون في القبور أو في مكان منفرد منها كالبيت . وإلى ذلك ذهبت الظاهرية ولم يفرقوا بين مقابر المسلمين والكفار . وذهب الشافعي إلى الفرق بين المقبرة المنبوشة وغيرها فقال : إذا كانت مختلطة بلحم الموتى وصديدهم وما يخرج منهم لم تجز الصلاة فيها للنجاسة ، فإن صلى رجل في مكان طاهر منها أجزأته . وذهب الثوري والأوزاعي وأبو حنيفة إلى كراهة الصلاة في المقبرة ، ولم يفرقوا كما فرق الشافعي ومن معه بين المنبوشة وغيرها . وذهب مالك إلى جواز الصلاة في المقبرة وعدم الكراهة ، وحديث الباب يرد عليه . والظاهر ما ذهب إليه الظاهرية والله تعالى أعلم . وأما الحمام فذهب أحمد إلى عدم صحة الصلاة فيه ، وذهب الجمهور إلى صحة الصلاة في الحمام مع الطهارة ، وتكون مكروهة ، وظاهر الحديث هو المنع ، والله تعالى أعلم .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن علي وعبد الله بن عمرو وأبي هريرة وجابر وابن عباس وحذيفة وأنس وأبي أمامة وأبي ذر قالوا : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " جعلت لي الأرض كلها مسجدا وطهورا ) يعني أن هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم لم يذكروا الاستثناء ، أما حديث علي فأخرجه البزار . وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه أحمد . وأما حديث أبي هريرة فأخرجه مسلم والترمذي . وأما حديث جابر فأخرجه الشيخان والنسائي . وأما حديث ابن عباس فأخرجه أحمد ، وأما حديث حذيفة فأخرجه مسلم والنسائي . وأما حديث أنس فأخرجه السراج في مسنده بإسناد ، قال العراقي : صحيح ، وأما حديث أبي أمامة فأخرجه أحمد والترمذي في كتاب السير ، وقال : حسن صحيح . أما حديث أبي ذر فأخرجه أبو داود .

                                                                                                          قلت : وفي الباب أيضا عن أبي موسى أخرجه أحمد والطبراني بإسناد جيد ، وعن ابن عمر أخرجه البزار والطبراني ، وعن السائب بن يزيد فأخرجه أيضا الطبراني .

                                                                                                          قوله : ( حديث أبي سعيد قد روي عن عبد العزيز بن محمد روايتين ) أي روي عنه على نحوين فبعض أصحابه رواه عنه موصولا بذكر أبي سعيد ، وبعضهم رواه عنه مرسلا وبينه [ ص: 221 ] الترمذي بقوله : منهم من ذكر عن أبي سعيد ومنهم من لم يذكره قوله : ( ورواه محمد بن إسحاق عن عمرو بن يحيى عن أبيه ) يعني لم يذكر أبا سعيد ( قال ) أي أبو عيسى الترمذي ( وكان عامة روايته ) أي رواية محمد بن إسحاق ( عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم ) أي كان عامة رواية محمد بن إسحاق عن عمرو بن يحيى عن أبيه بذكر أبي سعيد موصولا ( ولم يذكر فيه عن أبي سعيد ) أي لكن أبا إسحاق لم يذكر في حديث الباب أبا سعيد بل رواه مرسلا ( وكأن رواية الثوري عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أثبت وأصح ) قال الحافظ في التلخيص : وقال البزار : رواه عبد الواحد بن زياد ، وعبد الله بن عبد الرحمن ، ومحمد بن إسحاق عن عمرو بن يحيى موصولا : وقال الدارقطني في العلل : المرسل المحفوظ ، وقال فيها حدثنا جعفر بن محمد المؤذن ثقة ، حدثنا السري بن يحيى ، حدثنا أبو نعيم وقبيصة ، حدثنا سفيان عن عمرو بن يحيى عن أبيه ، عن أبي سعيد به موصولا ، وقال : المرسل المحفوظ . وقال الشافعي : وجدته عندي عن ابن عيينة موصولا ومرسلا . ورجح البيهقي المرسل أيضا . وقال النووي في الخلاصة : هو ضعيف . وقال صاحب الإمام : حاصل ما علل به الإرسال ، وإذا كان الواصل له ثقة فهو مقبول ، وأفحش ابن دحية فقال في كتاب التنوير له : هذا لا يصح من طريق من الطرق كذا قال فلم يصب . قلت : وله شواهد منها حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا : نهى عن الصلاة في المقبرة أخرجه ابن حبان ، ومنها حديث علي : أن حبي نهاني أن أصلي في المقبرة . أخرجه أبو داود ، انتهى .




                                                                                                          الخدمات العلمية