الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 135 ] كتاب الرهن الرهن لغة : حبس الشيء بأي سبب كان

وفي الشريعة : جعل الشيء محبوسا بحق يمكن استيفاؤه من الرهن كالديون

وهو مشروع بقوله تعالى { فرهان مقبوضة } وبما روي { أنه عليه الصلاة والسلام اشترى من يهودي طعاما ورهنه به درعه } وقد انعقد على ذلك الإجماع ، ولأنه عقد وثيقة لجانب الاستيفاء فيعتبر [ ص: 136 ] بالوثيقة في طرف الوجوب وهي الكفالة

قال ( الرهن ينعقد بالإيجاب والقبول ويتم بالقبض ) قالوا : الركن الإيجاب بمجرده ; لأنه عقد تبرع فيتم بالمتبرع كالهبة والصدقة

[ ص: 137 ] والقبض شرط اللزوم على ما نبينه إن شاء الله تعالى

وقال مالك : يلزم بنفس العقد ; لأنه يختص بالمال من الجانبين فصار كالبيع ، ولأنه عقد وثيقة فأشبه الكفالة

ولنا ما تلونا ، والمصدر المقرون بحرف الفاء في محل الجزاء يراد به الأمر ، [ ص: 138 ] ولأنه عقد تبرع لما أن الراهن لا يستوجب بمقابلته على المرتهن شيئا ولهذا لا يجبر عليه فلا بد من إمضائه كما [ ص: 139 ] في الوصية وذلك بالقبض ، ثم يكتفي فيه بالتخلية في ظاهر الرواية ; لأنه قبض بحكم عقد مشروع فأشبه قبض المبيع

[ ص: 140 ] وعن أبي يوسف رحمه الله أنه لا يثبت في المنقول إلا بالنقل ; لأنه قبض موجب للضمان ابتداء بمنزلة الغصب ، بخلاف الشراء ; لأنه ناقل للضمان من البائع إلى المشتري وليس بموجب ابتداء والأول أصح .

[ ص: 135 ]

التالي السابق


[ ص: 135 ] ( كتاب الرهن )

مناسبة كتاب الرهن لكتاب الصيد من حيث إن كل واحد من الرهن والاصطياد سبب لتحصيل المال كذا في الشروح

أقول : يرد على ظاهر هذا التوجيه أن المناسبة المذكورة متحققة بين ما ذكر في كثير من الكتب السابقة واللاحقة فلا تكون مرجحة لإيراد كتاب الرهن عقيب كتاب الصيد

والجواب أن المراد أن هذه المناسبة مع ملاحظة المناسبات المذكورة في الكتب السابقة واللاحقة تقتضي إيراد كتاب الرهن عقيب كتاب الصيد ، وإلا يلزم تفويت تلك المناسبات فتكون مرجحة مع تلك الملاحظة ، وقد نبهت على هذه النكتة غير مرة في نظائر هذا المقام فلا تغفل

ثم من محاسن الرهن حصول النظر لكل من جانبي الدائن والمديون كما فصل في النهاية ومعراج الدراية

وسببه ما ذكر في سائر المعاملات من تعلق البقاء المقدر بتعاطيه

وأما تفسيره لغة وشريعة وركنه وشرط جوازه وشرط لزومه ودليل مشروعيته وحكمه فيجيء كل ذلك في الكتاب شيئا فشيئا صراحة أو إشارة فتنبه له في موضعه إن شاء الله تعالى ( قوله الرهن في اللغة حبس الشيء بأي سبب كان وفي الشريعة جعل الشيء محبوسا بحق يمكن استيفاؤه من الرهن كالديون ) قال بعض الفضلاء : هذا تعريف الرهن التام أو اللازم ، وإلا ففي انعقاد الرهن لا يلزم الحبس بل ذلك بالقبض انتهى

أقول : ليس هذا بسديد ، إذ لا شك أنه يتحقق بانعقاد الرهن معنى جعل الشيء محبوسا بحق ، إلا أن للعاقد الرجوع عنه ما لم يقبض المرتهن الرهن فقبل القبض يوجد معنى الحبس ، ولكن لا يلزم ذلك إلا بعد القبض ، والمأخوذ من التعريف المذكور في الكتاب للرهن إنما هو نفس الحبس لا لزومه ، فيصدق هذا [ ص: 136 ] التعريف على الرهن قبل تمامه ولزومه أيضا بلا ريب

ثم إن الإمام النسفي لما قال في الكنز : هو حبس شيء بحق يمكن استيفاؤه منه كالدين ، قال الزيلعي في شرحه : هذا حده في الشرع ، ثم قال : وقوله كالدين إشارة إلى أن الرهن لا يجوز إلا بالدين ; لأنه هو الحق الممكن استيفاؤه من الرهن لعدم تعينه انتهى

أقول : فيه نظر ; لأن الظاهر المتبادر من الكاف في قوله كالدين أن يجوز الرهن بغير الدين أيضا ، فإن لم يكن في قوله كالدين إشارة إلى جواز الرهن بغير الدين أيضا فلا أقل من أن لا يكون فيه إشارة إلى انحصار ما يجوز الرهن به في الدين فلا وجه لقول الزيلعي قوله كالدين إشارة إلى أن الرهن لا يجوز إلا بالدين ( قوله الرهن ينعقد بالإيجاب والقبول ) قال في العناية : ركن الرهن الإيجاب وهو قول الراهن رهنتك هذا المال بدين لك علي وما أشبهه ، والقبول وهو قول المرتهن قبلت ; لأنه عقد ، والعقد ينعقد بالإيجاب والقبول ، وعلى ذلك عامة المشايخ انتهى

وأورد بعض الفضلاء على قوله ; لأنه عقد والعقد ينعقد بالإيجاب والقبول بأن قال : هذا منقوض بعقد التبرعات ، وقال : إلا أن يخص العقد في الصغرى بما سوى التبرع

أقول : ليس شيء من إيراده وتوجيهه بمستقيم

أما الأول فلأن من يقول من المشايخ بأن انعقاد الرهن لا يكون إلا بمجموع الإيجاب والقبول يقول بأن الأمر كذلك في سائر عقد التبرعات أيضا ، واختلاف المشايخ في أن القبول هل هو ركن كالإيجاب أم لا ؟ ليس بمختص بعقد الرهن بل يعم سائر التبرعات أيضا من العقود كالهبة والصدقة كما مر في أوائل كتاب الهبة ، فلا انتقاض بشيء على أصل من يقول من المشايخ بأن القبول ركن في كل عقد ، وقول القدوري : الرهن ينعقد بالإيجاب والقبول ، وتعليل صاحب العناية إياه بقوله : لأنه عقد والعقد ينعقد بالإيجاب والقبول مبني على أصل هؤلاء المشايخ

وأما قول سائر المشايخ فقد ذكره المصنف بقوله قالوا : الركن الإيجاب بمجرده ; لأنه عقد تبرع فيتم بالمتبرع ، وأوضحه صاحب العناية في شرحه

وأما الثاني فلأنه لو خص العقد في الصغرى بما سوى التبرع صار المعنى ; لأنه أي الرهن عقد غير تبرع ، وكل عقد غير تبرع ينعقد بالإيجاب والقبول ، ولا شك أن الصغرى تصير حينئذ كاذبة ; إذ لم يقل أحد بأن عقد الرهن ليس بعقد تبرع ، بل أطبقت كلماتهم على أنه عقد تبرع فلا صحة للتخصيص بما سوى التبرع ( قوله قالوا : الركن الإيجاب بمجرده ; لأنه عقد تبرع فيتم بالمتبرع كالهبة والصدقة ) قال صاحب العناية في حل هذا التعليل : لأنه عقد تبرع ، وكل ما هو كذلك يتم بالمتبرع ، فالرهن يتم بالمتبرع ، أما أنه عقد تبرع فلأن الراهن لم يستوجب بإزاء ما أثبت للمرتهن من اليد شيئا [ ص: 137 ] عليه ، ولا نعني بالتبرع إلا ذلك

وأما أن كل ما هو كذلك يتم بالمتبرع فكالهبة والصدقة ، وقال : فيه نظر ; لأنه استوجب عليه صيرورته مستوفيا لدينه عند الهلاك

والجواب أن المراد بالاستيجاب ما يكون ابتداء ، والرهن ليس كذلك انتهى

أقول : في الجواب بحث ; لأن الراهن إن لم يستوجب شيئا على المرتهن ابتداء فقد استوجب عليه شيئا في البقاء ، وهو صيرورة المرتهن مستوفيا لدينه عند الهلاك ، فلم يكن الرهن عقد تبرع من كل وجه ، بل كان فيه معنى المعاوضة من وجه حيث صار المرتهن مستوفيا لدينه عند هلاك الرهن في يده فينبغي أن لا يتم بإيجاب الراهن وحده ، بل لا بد أن يتوقف على قبول المرتهن أيضا حتى يتم جعلنا إياه مستوفيا لدينه حكما عند الهلاك كما هو مذهبنا على ما سيجيء تفصيله فليتأمل ( قوله والقبض شرط اللزوم على ما نبينه ) قال في العناية : كأنه تفسير لقول القدوري ويتم بالقبض فيكون الرهن قبل القبض جائزا ، وبه يلزم ، وهو أيضا اختيار شيخ الإسلام ، وهو مخالف لرواية عامة الكتب

قال محمد : لا يجوز الرهن إلا مقبوضا

وقال الحاكم في الكافي : لا يجوز الرهن غير مقبوض

وقال الطحاوي في مختصره : ولا يجوز إلا مقبوضا مفرغا محوزا

وقال الكرخي في مختصره : قال أبو حنيفة وزفر وأبو يوسف ومحمد والحسن بن زياد : لا يجوز الرهن إلا مقبوضا ، إلى هنا لفظ العناية

وقصد بعض الفضلاء دفع مخالفة ما في الكتاب لرواية عامة الكتب فقال : سبق في كتاب الهبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { لا تجوز الهبة إلا مقبوضة } والقبض ليس بشرط الجواز في الهبة فليكن هنا كذلك فليتأمل انتهى

أقول : هذا قياس مع الفارق ; إذ قد دعت الضرورة هناك إلى صرف نفي الجواز عن ظاهره ; إذ الجواز قبل القبض ثابت هناك بالإجماع ، فحملنا نفي الجواز بدون القبض في قوله عليه الصلاة والسلام { لا تجوز الهبة إلا مقبوضة } على نفي ثبوت حكم الهبة وهو الملك للموهوب له

وأما هنا فلا ضرورة ولا مجال للحمل على نفي ثبوت الملك للمرتهن بدون القبض وثبوته له بالقبض كما هو موجب النفي والاستثناء ; إذ ليس حكم الرهن ثبوت الملك للمرتهن بحال أصلا فبقي نفي الجواز ها هنا على ظاهره

قوله ( ولنا ما تلونا ، والمصدر المقرون بحرف الفاء في محل الجزاء يراد به الأمر ) نظيره قوله تعالى { فضرب الرقاب } أي فاضربوها وقوله تعالى { فتحرير رقبة مؤمنة } أي فليحررها [ ص: 138 ] وقوله تعالى { فعدة من أيام أخر } بتقدير فصوم عدة من أيام أخر : أي فليصم عدة من أيام أخر ، فكان المصدر فيما تلونا ها هنا أيضا وهو قوله تعالى { فرهان مقبوضة } بمعنى الأمر : أي فارهنوا وارتهنوا

ثم لما كان بمعنى الأمر ولم يعمل بموجب الأمر الذي هو الوجوب واللزوم في حق نفس الرهن حيث لم يجب الرهن على المديون بالإجماع وجب أن يعمل به في شرطه وهو القبض كما قلنا في قوله عليه الصلاة والسلام { الحنطة بالحنطة مثلا بمثل } بالنصب : أي بيعوا ، فلم يعمل الأمر في نفس البيع ; لأن البيع مباح غير واجب فصرف إلى شرطه وهو المماثلة في أموال الربا ، فكذا هنا ، هذا زبدة ما ذكر في جملة الشروح في شرح هذا المقام

ثم إن كثيرا من الشراح استشكلوا كلام المصنف ها هنا ، فقال صاحب النهاية : في تسمية الرهان بالمصدر نظر ; لأن الرهان جمع رهن كالنعل والنعال والحبل والحبال ، كذا في كتب اللغة ، ولأن قوله مقبوضة بالتأنيث دال على أنه جمع وليس بمصدر ، ولو تمحل متمحل بتصحيح ما في الكتاب بقوله تقديره فرهن رهان مقبوضة فكان المصدر محذوفا فجعل المحذوف بمنزلة الثابت فقال والمصدر المقرون بحرف الفاء ، والرهان لما كان مصدرا على قول صاحب الكتاب كان إرادة المرهون به جائزة كالرهن يراد به المرهون ، ثم أنث المرهون بتأويل السلعة أو العين فقيل مقبوضة بالتأنيث كما يؤنث الصوت بتأويل الصيحة لكان وجها بعيدا ; إذ في الأول ورود الإلباس وفي الثاني لا يبقى المصدر بحقيقته والله أعلم ، إلى هنا لفظ النهاية

وقال صاحب غاية البيان : وقد سمى صاحب الهداية الرهان مصدرا كما ترى ، وكذلك ذكر شيخ الإسلام علاء الدين الإسبيجابي في شرح الكافي

ولنا فيه نظر ; لأنه خلاف ما ثبت في قوانين اللغة كالجمهرة وديوان الأدب وغيرهما ; لأنهم قالوا : الرهان جمع رهن ، وجمع الرهن رهون ورهان ورهن بضمتين ، والرهينة بمعنى الرهن أيضا وجمعها رهائن

نعم الرهان يجيء مصدرا من قولهم راهنه على كذا : أي خاطره مراهنة ورهانا من باب المفاعلة ، ولكن ليس ذلك مما نحن فيه ، ولو كان المصدر هو المراد في الآية لم يحتج في صفة الرهان إلى تاء التأنيث فافهم ، إلى هنا لفظه

وقال صاحب الكفاية : في تسميته الرهان بالمصدر نظر [ ص: 139 ] لأن الرهان جمع رهن كالنعل والنعال والحبل والحبال ، وقوله مقبوضة بالتأنيث دال على أنه جمع وليس بمصدر ، وإنما قال : والمصدر المقرون ; لأن تقديره والله أعلم فرهن رهان مقبوضة انتهى

وقال صاحب معراج الدراية : وفي النهاية : في تسميته الرهان بالمصدر نظر ; لأن الرهان جمع رهن كالنعل والنعال وهكذا في كتب اللغة ، ويدل عليه قوله { مقبوضة } بالتأنيث فدل أنه جمع لا مصدر

وقال في الفوائد الشاهية : يجوز أن يكون الرهان مصدرا من باب المفاعلة كالقتال والضراب ، ومقبوضة صفة لموصوف محذوف وهو فرهان مرهونة مقبوضة ، وأنث المرهون بتأويل السلعة أو العين كما يؤنث الصوت بتأويل الصيحة ، ويجوز أن يكون الرهان مصدرا بمعنى المفعول ، وأنث المرهون لما ذكرنا ، ويجوز أن يكون الرهان قائما مقام مصدر محذوف وهو فرهن رهان مقبوضة فيكون مصدرا تقديرا لا تحقيقا ، إلى هنا كلامه

وأما صاحب العناية فعد ما استشكلوه أمرا هينا وتعجب منه حيث قال : قيل إن المصنف جعل الرهان مصدرا وهو جمع رهن ، ثم قال : والجواب عنه أنه مما يقضى منه العجب ; لأنه جمع رهن والرهن مصدر فجمعه كذلك ، وإسناد مقبوضة إلى ضمير المصدر مجاز عقلي كما في : سيل مفعم انتهى

أقول : منشأ مجازفته هذه الغفول عما ذكر في كتب اللغة وكتب التفسير ; لأن كون الرهان جمع رهن أمر مقرر ، وأما كونه جمع رهن بمعنى المصدر فكلا بل هو جمع رهن بمعنى المرهون

قال في المغرب : والرهن المرهون والجمع رهون ورهان ورهن

وقال في القاموس : الرهن ما وضع عندك لينوب مناب ما أخذ منك والجمع رهان ورهون ورهن بضمتين

وقال في الصحاح : الرهن معروف ، والجمع رهان مثل حبل وحبال

وقال في تفسير القاضي : رهان ورهن كلاهما جمع رهن بمعنى مرهون ، وكذا في سائر التفاسير

ثم إن كون إسناد { مقبوضة } إلى ضمير رهان مجازا عقليا خلاف الظاهر لا يصار إليه بلا ضرورة داعية إليه ، وهي منتفية في الآية المزبورة ، إذ يصح المعنى ويحسن جدا بحمل الرهان على جمع الرهن بمعنى المرهون كما حمل عليه المفسرون ويكون الإسناد إذ ذاك حقيقيا ، فما معنى العدول عنه ، وبناء استدلالنا بتلك الآية على ما هو خلاف الظاهر وخلاف ما عليه فحول المفسرين

ثم إن تمثيله المجاز العقلي الذي ذهب إليه ها هنا بسيل مفعم قبيح جدا ، فإن المفعم اسم مفعول أسند إلى الفاعل كما عرف في موضعه وليس مما أسند إلى المصدر ، بخلاف ما نحن فيه على ما ذهب إليه ، فالمناسب في التمثيل ها هنا أن يقول كما في شعر شاعر على ما ذكر في كتب علم البلاغة

ثم أقول : التوجيهات التي ذكرت في سائر الشروح لتصحيح ما في الكتاب كلها أيضا خلاف الظاهر وخلاف ما عليه جمهور المفسرين ، فالإنصاف أن التمسك بمثلها لا يفيد القطع ولا الإلزام على الخصم ، ولكن الأقرب والأشبه من بينها أن يكون التقدير فرهن رهان مقبوضة ، على أن يكون المصدر المقرون بالفاء محذوفا كما في قوله تعالى { فعدة من أيام أخر } فإن التقدير فيه : فصوم عدة من أيام أخر تأمل ترشد ( قوله ثم يكتفى فيه بالتخلية في ظاهر الرواية ; لأنه قبض بحكم عقد مشروع فأشبه قبض المبيع ) قال بعض الفضلاء : هذا منقوض بصورة الصرف ، فإنه لا بد فيه من القبض بالبراجم ولا يكتفى بالتخلية مع جريان الدليل إلا أن يثبت رواية كفاية التخلية فيه وكونها مختار المصنف انتهى

أقول : الجواب عن [ ص: 140 ] هذا النقض هين

فإن التعليل المذكور على موجب القياس ، ولزوم القبض في الصرف إنما يثبت بالنص وهو قوله صلى الله عليه وسلم { يدا بيد } كما تقرر في محله ، والقياس يترك بالنص على ما عرف ، بخلاف ما نحن فيه فإنه لم يرد فيه نص يقتضي حقيقة القبض وعدم كفاية التخلية فعملنا فيه بموجب القياس ( قوله وعن أبي يوسف أنه لا يثبت إلا بالنقل ; لأنه قبض موجب للضمان ابتداء بمنزلة الغصب ) قال صاحب العناية : فيه نظر ; لأن القبض بعقد التبرع لم يعهد موجبا للضمان وبين التبرع والضمان منافاة ، ولا بد من الضمان في الرهن عند الهلاك فينتفي التبرع انتهى

أقول : هذا النظر في غاية السقوط ; لأن جهة التبرع في الرهن غير جهة الضمان فيه ، فإن جهة التبرع فيه من حيث إنه يجعل محبوسا في يد المرتهن بلا استيجاب شيء عليه بمقابلة ذلك ، وجهة الضمان فيه عند الهلاك من حيث إنه يثبت فيه للمرتهن يد الاستيفاء من وجه فيتقرر عند الهلاك فيصير المرتهن بذلك مستوفيا لدينه كما ستطلع على بيانه ، والمنافاة بين التبرع والضمان إنما تلزم أن لو كانا من جهة واحدة وليس فليس

والعجب من صاحب العناية أنه كيف خفي عليه هذا المعنى مع ظهوره مما سيأتي في الكتاب من تفصيل دليلنا العقلي على مسألة أنه إذا سلم الراهن المرهون إلى المرتهن دخل في ضمانه




الخدمات العلمية