الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( وإن كان السفر معصية لم يجز أن يمسح أكثر من يوم وليلة لأن ما زاد يستفيده بالسفر وهو معصية فلا يجوز أن يستفاد بها رخصة ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) : إذا كان سفره معصية كقطع الطريق وإباق العبد ونحوهما لم يجز أن يمسح ثلاثة أيام بلا خلاف لما ذكره المصنف ، وهل يجوز يوما وليلة أم لا يستبيح شيئا أصلا ؟ فيه وجهان حكاهما الشيخ أبو حامد في باب صلاة المسافر والماوردي والشيخ نصر المقدسي والشاشي هنا وحكاهما البندنيجي والغزالي وآخرون في باب صلاة المسافر أصحهما : يجوز ، وبه قطع جمهور المصنفين كما أشار إليه المصنف ، لأن ذلك جائز بلا سفر ، والثاني : لا يجوز تغليظا عليه كما لا يجوز له أكل الميتة بلا خلاف ، فإن أراد الأكل والمسح فليتب وحكى الماوردي هذين الوجهين في العاصي بسفره وفي الحاضر المقيم على معصية ، قال : وبالجواز قال ابن سريج وبالمنع قال أبو سعيد الإصطخري ، وهذا الوجه في المقيم غريب والمشهور القطع بالجواز ، ونقل البندنيجي والرافعي الوجهين أيضا في العاصي بالإقامة كعبد أمره سيده بالسفر فأقام ، ويقال رخصة ورخصة بإسكان الخاء وضمها وجهان مشهوران في كتب اللغة والله أعلم



                                      ( فرع ) : قال ابن القاص وسائر أصحابنا : لا يستبيح من سفره معصية شيئا من رخص السفر ، من القصر والفطر والمسح ثلاثا والجمع والتنفل على الراحلة وترك الجمعة وأكل الميتة إلا التيمم إذا عدم الماء ففيه [ ص: 511 ] ثلاثة أوجه . الصحيح أنه يلزمه التيمم وتجب إعادة الصلاة ، فوجوب التيمم لحرمة الوقت والإعادة لتقصيره بترك التوبة ( والثاني ) يجوز التيمم ولا تجب الإعادة ( والثالث ) يحرم التيمم ويأثم بترك الصلاة إثم تارك لها مع إمكان الطهارة لأنه قادر على استباحة التيمم بالتوبة من معصيته . قال ابن القاص والقفال وغيرهما : ولو وجد العاصي بسفره ماء فاحتاج إليه للعطش لم يجز له التيمم بلا خلاف ، قالوا : وكذا من به قروح يخاف من استعمال الماء الهلاك وهو عاص بسفره لا يجوز له التيمم لأنه قادر على التوبة وواجد للماء ، قال القفال في شرح التلخيص : فإن قيل : كيف حرمتم أكل الميتة على العاصي بسفره مع أنه يباح للحاضر في حال الضرورة وكذا لو كان به قروح في الحضر جاز التيمم ؟ . فالجواب أن أكل الميتة وإن كان مباحا في الحضر عند الضرورة لكن سفره سبب لهذه الضرورة وهو معصية فحرمت عليه الميتة في الضرورة كما لو سافر لقطع الطريق فجرح لم يجز له التيمم لذلك الجرح مع أن الجريح الحاضر يجوز له التيمم . فإن قيل : تحريم الميتة واستعمال الجريح الماء يؤدي إلى الهلاك جوابه ما سبق أنه قادر على استباحته بالتوبة ، هذا كلام القفال وقال الشيخ أبو حامد في باب استقبال القبلة من تعليقه قال بعض أصحابنا : جواز أكل الميتة لا يختص بالسفر لأن للمقيم أكلها عند الضرورة ، قال أبو حامد : وهذا غلط لأن الميتة التي تحل في السفر بسبب السفر غير التي تحل في الحضر ، ولهذا لا تحل الميتة لعاص بسفره ، وتحل للمقيم على معصيته عند الضرورة ، هذا كلام أبي حامد ، وفي المسألة تفريع وكلام سنوضحه في باب صلاة المسافر إن شاء الله تعالى




                                      الخدمات العلمية