الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      [ ص: 409 ] قال المصنف رحمه الله تعالى ( وإن كان لرجل عبدان فباع أحدهما من رجل ، والآخر من رجل آخر ، في صفقة واحدة بثمن واحد ، فإن الشافعي رحمه الله قال فيمن كاتب عبدين بمال واحد : إنه على قولين ( أحدهما ) يبطل العقد ، لأن العقد الواحد مع اثنين عقدان ، فإذا لم يعلم قدر العوض في كل واحد منهما بطل كما لو باع كل واحد منهما في صفقة بثمن مجهول ( والثاني ) يصح ، ويقسم العوض عليهما على قدر قيمتهما ، فمن أصحابنا من قال : في البيع أيضا قولان ، وهو قول أبي العباس ، قال أبو سعيد الإصطخري وأبو إسحاق : يبطل البيع قولا واحدا ، لأن البيع يفسد بفساد العوض ( والصحيح ) قول أبي العباس لأن الكتابة أيضا تفسد بفساد العوض ، وقد نص فيها على قولين ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) نص الشافعي رحمه الله على أنه إذا كاتب عبيدا بعوض واحد على قولين ( أحدهما ) صحة الكتابة ويوزع العوض عليهم بالقيمة ( والثاني ) فسادها ونص على أنه لو اشترى عبيدا من مالكيهم أو وكيلهم ولكل واحد عبد معين فاشتراهم بثمن واحد أن البيع باطل ، ونص أنه لو باع عبديه لرجلين لكل واحد عبد معين بثمن واحد ، وأن البيع باطل ، وصورته أن يقول : بعتك يا زيد هذا العبد ، وبعتك يا عمرو هذا العبد كليهما بألف درهم فقالا : قبلنا ، قال الأصحاب : ويتصور أن يخلع نسوة بعوض واحد ، وأن يتزوج نسوة بعوض واحد في عقد واحد ، بأن يكون الولي واحدا ، مثل أن يكون له بنات بنين أو بنات إخوة أو بنات أعمام أو معتقات . ويتصور مع تعدد الولي بأن يوكل الأولياء رجلا واحدا قال أصحابنا : فيصح النكاح في مسألة النكاح ، ويقع الطلاق في مسألة الخلع .

                                      ( وأما ) المسمى في الصداق والخلع ففيه طريقان ( أحدهما ) يفسد ، ويجب مهر المثل لكل واحدة في مسألة النكاح ، وعلى كل واحدة في مسألة الخلع . [ ص: 410 ] والطريق الثاني ) وهو الأصح أن المسألة على قولين في النكاح والخلع ( أصحهما ) فساد المسمى ووجوب مهر المثل ( والثاني ) صحته ، ويوزع عليهن على قدر مهور أمثالهن .

                                      ( وأما ) البيع والكتابة ففيهما أربع طرق ( أصحها ) طرد القولين فيهما ( أصحهما ) الفساد فيهما ( والثاني ) الصحة والتوزيع عليهم بالقيمة ( والطريق الثاني ) القطع بفساد البيع وصحة الكتابة ( والثالث ) يفسد البيع ، وفي الكتابة قولان ( والرابع ) تصح الكتابة ، وفي البيع قولان ، وإن أفردت قلت : في البيع طريقان ( أصحهما ) قولان ( أصحهما ) البطلان ( والطريق الثاني ) القطع بالبطلان وفي الكتابة طريقان ( أصحهما ) قولان ( أصحهما ) الفساد ( والطريق الثاني ) القطع بالصحة ، والأصح في الجميع الفساد ( فإذا قلنا ) بصحة الصداق وزع المسمى على نسبة مهر أمثالهن على المذهب ، وفيه قول ضعيف ، وبعضهم يحكيه وجها أنه يوزع على عدد رءوسهن .

                                      ( وإذا قلنا ) بفساد الصداق ففيما يجب لكل واحدة القولان فيما لو أصدقهما خمرا ونحوها ( أصحهما ) مهر المثل ( والثاني ) يوزع المسمى على مهور أمثالهن ، ويجب لكل واحدة ما يقتضيه التوزيع ، ويكون الحاصل لهن على هذا القول بقدر المسمى ، إذا قلنا بالصحة لكن يدفع الزوج من حيث شاء ، ولا يجب من نفس المسمى ( أما ) إذا زوج أمتيه بعبد على صداق واحد فيصح المسمى بلا خلاف ، فإن المستحق لصداقهما واحد كما لو باع عبديه بثمن ، ولو كان له أربع بنات ولآخر أربعة بنين فزوجهن بهم صفقة بمهر واحد ، بأن قال : زوجت بنتي فلانة ابنك فلانا ، وفلانة فلانا بألف ، فطريقان حكاهما المتولي ( أحدهما ) في صحة الصداق القولان ( والثاني ) القطع ببطلانه لتعدد المعقود له من الجانبين ، والله سبحانه وتعالى أعلم .



                                      [ ص: 411 ] فرع ) لو كان لرجل عبد فقال لرجلين : بعتكما هذا العبد بألف فقالا : قبلنا ، صح البيع ، لأن الثمن ينقسم على أجزائه ، ويكون لكل واحد منهما نصفه بخمسمائة وهذا لا خلاف فيه ، فإن قال أحدهما : قبلت ، ولم يقبل الآخر ، كان للقابل نصفه بخمسمائة ، لأن إيجابه لهما بمنزلة عقدين لكل واحد عقد ، فصح قبول أحدهما دون الآخر ، ولو كان له عبدان فقال لرجلين : بعتكما هذين العبدين بألف ، فقالا : قبلنا ، صح البيع بلا خلاف ، ويكون لكل واحد نصف العبدين بخمسمائة ، كما لو باعهما لواحد ، فلو قال أحدهما : قبلت نصفهما وسكت الآخر ، صح البيع في نصفيهما للقابل بخمسمائة ، لما ذكرناه في العبد الواحد . وهكذا لو قال أحدهما قبلت ولم يقل : نصفهما ، وسكت الآخر ، صح في نصفهما للقابل بخمسمائة ، لأن إطلاق القبول يرجع إلى ما يقتضيه الإيجاب ، وهو نصفهما له بخمسمائة ، وإن قال أحدهما : قبلت أحد العبدين أو قبلت هذا بخمسمائة لم يصح البيع بلا خلاف ، لأنه ليس مطابقا للإيجاب ، وإن قال أحدهما قبلت نصف أحد العبدين أو نصف هذا العبد بحصته ، لم يصح بلا خلاف لما ذكرناه ، والله سبحانه وتعالى أعلم .




                                      الخدمات العلمية