الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( ولا يجوز بيع اللبن في الضرع ، لما روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال { لا تبيعوا الصوف على ظهر الغنم ، ولا تبيعوا اللبن في الضرع } ولأنه مجهول القدر ، لأنه قد يرى امتلاء الضرع من السمن فيظن أنه من اللبن ولأنه مجهول الصفة لأنه قد يكون اللبن صافيا ، وقد يكون كدرا ، وذلك غرر من غير حاجة فلم يجز ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) هذا الأثر عن ابن عباس صحيح ، رواه الدارقطني والبيهقي ، وروياه عنه مرفوعا بإسناد ضعيف قال البيهقي : تفرد برفعه عمر بن فروخ ، وليس بقوي ، قال : والمحفوظ أنه موقوف واتفقت نصوص الشافعي [ ص: 396 ] والأصحاب على بطلان بيع اللبن في الضرع ، لما ذكره المصنف ، ولأنه لا يمكن تسليمه حتى يختلط بغيره مما يحدث ، وهذه العلة هي المرضية عند إمام الحرمين ، فلو قال : بعتك من اللبن الذي في ضرع هذه الشاة أو البقرة رطلا فطريقان ( المذهب ) بطلانه ، وبه قطع الأكثرون لأنه مجهول ، ولأنه لا يتيقن وجود ذلك القدر ( والطريق الثاني ) فيه قولا بيع الغائب ، وحكاه المتولي وغيره . ولو حلب شيئا من اللبن فأراه ثم قال : بعتك رطلا مما في الضرع ، فوجهان مشهوران في كتب الخراسانيين ذكرهما القاضي حسين وإمام الحرمين والفوراني والروياني وآخرون ( أحدهما ) يصح ، كما لو رأى أنموذجا من خل أو لبن في إناء ( وأصحهما ) لا يصح ، لأنه يختلط بغيره مما يدر في الضرع لحظة بلحظة ، صححه القاضي حسين والروياني وآخرون ، ولو قبض قدرا من الضرع وأحكم شده ثم باع ما فيه فقد ذكر الغزالي في الوسيط في صحته وجهين ، وهذا نقل غريب لا يكاد يوجد لغيره ( والصحيح ) بطلان هذا البيع .

                                      ( فرع ) أجمع المسلمون على جواز بيع حيوان في ضرعه لبن ، وإن كان اللبن مجهولا ، لأنه تابع للحيوان ، ودليله من السنة حديث المصراة .

                                      ( فرع ) في مذاهب العلماء في بيع اللبن في الضرع ، وقد ذكرنا أن مذهبنا بطلانه ، وبه قال جمهور العلماء منهم ابن عباس وأبو هريرة ومجاهد والشعبي وأحمد وإسحاق وأبو حنيفة وأبو ثور وابن المنذر ، وقال طاوس : يجوز بيعه كيلا ، وقال سعيد بن جبير : يجوز بيعه ، وقال الحسن البصري : يجوز شراء لبن الشاة شهرا ، ومثله عن مالك ومحمد بن مسلمة المالكي ، [ ص: 397 ] قالوا : لأنه معلوم القدر والصفة في العادة ، وقاسوه على ما إذا استأجر امرأة للإرضاع شهرا ، فإنه يصح ويستحق اللبن . واحتج أصحابنا بما ذكره المصنف وذكرناه من الأثر عن ابن عباس وكونه مجهولا مختلفا مع الحديث الصحيح في النهي عن بيع الغرر ( وأما ) قولهم : معلوم القدر والصفة في العادة فغير مسلم ، والفرق بينه وبين استئجار المرأة للإرضاع أن الحاجة تدعو إلى استئجارها بخلاف مسألتنا ، والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية