الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 84 ] 78 سورة النبأ

                                                                                                                                                                                                                                      سورة النبأ مكية، وآياتها أربعون.

                                                                                                                                                                                                                                      بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                                                                                      عم يتساءلون

                                                                                                                                                                                                                                      عم أصله (عما) فحذف منه الألف، إما فرقا بين "ما" الاستفهامية وغيرها، أو قصدا للخفة لكثرة استعمالها، وقد قرئ: على الأصل، و"ما" فيها من الإبهام للإيذان بفخامة شأن المسؤل عنه وهوله وخروجه عن حدود الأجناس المعهودة، أي: عن أي شيء عظيم الشأن. يتساءلون أي: أهل مكة ، وكانوا يتساءلون عن البعث فيما بينهم ويخوضون فيه إنكارا واستهزاء، لكن لا على طريقة التساؤل عن حقيقته ومسماه، بل عن وقوعه الذي هو حال من أحواله ووصف من أوصافه، فإن "ما" وإن وضعت لطلب حقائق الأشياء ومسميات أسمائها كما في قولك: ما الملك؟ وما الروح ؟ لكنها قد يطلب بها الصفة والحال، تقول: ما زيد؟ فيقال: عالم ، أو طبيب، وقيل: كانوا يسألون عنه الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين استهزاء، كقولهم: يتداعونهم، أي: يدعونهم، وتحقيقه أن صيغة التفاعل في الأفعال المتعدية موضوعة لإفادة صدور الفعل عن المتعدد ووقوعه عليه، بحيث يصير كل واحد من ذلك فاعلا ومفعولا معا، لكنه يرفع بإسناد الفعل إليه ترجيحا لجانب فاعليته ويحال بمفعوليته على دلالة العقل، كما في قولك: تراءى القوم، أي: رأى كل واحد منهم الآخر، وقد تجرد عن المعنى الثاني، فيراد بها مجرد صدور الفعل عن المتعدد، عاريا عن اعتبار وقوعه عليه، فيذكر للفعل حينئذ مفعول متعدد، كما في المثال المذكور، أو واحد كما في قولك: تراءوا الهلال، وقد يحذف لظهوره كما فيما نحن فيه، فالمعنى: عن أي شيء يسأل هؤلاء القوم الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ؟! وربما تجرد عن صدور الفعل عن المتعدد أيضا، فيراد بها تعدده باعتبار تعدد متعلقه مع وحدة الفاعل، كما في قوله تعالى: فبأي آلاء ربك تتمارى وقوله تعالى:

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية