الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف - رحمه الله تعالى - ( ولا يجوز بيع عين مجهولة كبيع عبد من عبيد ، وثوب من أثواب ، لأن ذلك غرر من غير حاجة ، ويجوز أن يبيع قفيزا من صبرة ، لأنه إذا عرف الصبرة عرف القفيز منها فزال الغرر ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) القفيز مكيال معروف ، ومراد الفقهاء به التمثيل ، وأصل القفيز مكيال يسع اثني عشر صاعا ، والصاع خمسة أرطال وثلث بالبغدادي ، هكذا ذكره أهل اللغة ، وأصحاب الغريب وغيرهم ، قال الأزهري : الإردب أربعة وعشرون صاعا ، وهو أربعة وسبعون منا ، والمنا رطلان ، والعنقل نصف إردب ، قال : والكرستون قفيزا ، والقفيز ثمانية مكاكيك ، والمكوك صاع ونصف . وهو ثلاث حجليات والعرق ثلاثة آصع وقول المصنف ( لأن ذلك غرر من غير حاجة ) احتراز من السلم ومن أساس الدار .

                                      ( أما الأحكام ) فقد سبق أن من شروط المبيع كونه معلوما ، قال أصحابنا : وليس معناه أنه يشترط العلم به من كل وجه ، بل المشترط علم عينه وقدره وصفته ، وقد ذكر المصنف ذلك كله في فصول متراسلة فبدأ باشتراط عين المبيع ، قال أصحابنا : لا يجوز بيع عين مجهولة ، فلو قال : بعتك أحد عبيدي أو أحد عبدي هذين أو شاة من هذا القطيع أو من هاتين الشاتين أو ثوبا من هؤلاء أو من هذين أو ما أشبه ذلك ، فالبيع باطل ، وكذا لو قال : بعتكهم إلا واحدا منها ، وسواء تساوت قيمتهم وقيم الشياه والأثواب أم لا ، وسواء قال : ولك الخيار في التعيين أم لا ، فالبيع [ ص: 347 ] باطل في كل هذا عندنا بلا خلاف إلا قولا قديما حكاه المتولي أنه إذا قال : بعتك أحد عبيدي أو عبيدي الثلاثة على أن تختار من بينهم في ثلاثة أيام أو أقل ، صح العقد ، وهذا شاذ مردود لأنه غرر . ولو كان له عبد فاختلط بعبيد لغيره ولم يعرفه فقال : بعتك عبدي من هؤلاء والمشتري يراهم كلهم ولا يعرف عينه فوجهان ، قطع المتولي بأنه كبيع الغائب ففيه الخلاف ، وقال البغوي : عندي أن هذا باطل وهذا أصح ، ولو فرقت صيعان الصبرة المتماثلة فباع صاعا منها ، فالمشهور في المذهب بطلان البيع ، وبه قطع الجمهور ، كما ذكرنا في نظائره ، وحكى المصنف في تعليقه عن شيخه القاضي أبي الطيب الطبري في صحة بيعه لعدم الغرر ، وكما لو باع بدرهم فإنه يحمل على درهم من نقد البلد ، ولا يضر عدم تعينه ، والمذهب : البطلان لأنه قد يختلف به غرض بخلاف الدراهم ، ولأنه يمكنه أن يبيع أحد الصيعان بعينه ، ولا يجوز إبهامه ، وأما الدراهم فتحتاج إلى إثباته في الذمة ، والله سبحانه وتعالى أعلم .



                                      ( فرع ) قال أصحابنا : يجوز بيع الجزء الشائع من كل جملة معلومة من دار أو أرض أو عبد أو صبرة أو ثمرة وغيرها ، لعدم الغرر ، لكن لو باع جزءا شائعا من شيء بمثله من ذلك الشيء بأن كانت دار بين اثنين نصفين فباع أحدهما نصيبه لشريكه بنصيبه ، ففي صحة البيع وجهان ( الصحيح ) الصحة وسبقت المسألة بفروعها وفوائدها في آخر باب ما يجوز بيعه ، ولو باع الجملة واستبقى منها جزءا شائعا جاز ، مثاله : بعتك هذه الثمار إلا ربعها وقدر الزكاة منها ، ولو قال : بعتك ثمرة هذا البستان بثلاثة آلاف درهم إلا ما يخص ألفا ، فإن أراد ما يخصه إذا وزعت الثمرة على المبلغ المذكور صح وكان استثناء للثلث وإن أراد ما يساوي ألفا عند التقويم فلا ، لأنه مجهول ، والله سبحانه أعلم .

                                      [ ص: 348 ] فرع ) إذا باع قفيزا من صبرة فقد قطع المصنف بالصحة ، ومراده إذا كانت الصبرة أكثر من قفيز وهي متساوية وكانت مجهولة الصيعان فباع صاعا منها فيصح على المذهب ، وبه قطع الأكثرون ، وهو المنصوص وفيه وجه أنه لا يصح ، وهو اختيار القفال ، وسنعيد المسألة واضحة إن شاء الله تعالى ، حيث بسطها المصنف بعد هذا في فصل بيع مجهول القدر .

                                      ( فرع ) قد ذكرنا أن مذهبنا أنه لا يجوز بيع عبد من عبيد ولا من عبدين ولا ثوب من ثياب ، ولا من ثوبين ، سواء شرط الخيار أم لا وقال أبو حنيفة : إذا باع عبدا من عبدين أو ثلاثة بشرط خيار ثلاثة أيام صح . وإن باعه عبدا من أربعة فأكثر لم يصح ، وقال مالك : إذا باع عبدا من عبيد أو ثوبا من ثياب وكلها متقاربة في الصفة وشرط الخيار للمشتري صح البيع .




                                      الخدمات العلمية