الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب كيف يعرض الإسلام على الصبي

                                                                                                                                                                                                        2890 حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا هشام أخبرنا معمر عن الزهري أخبرني سالم بن عبد الله عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه أخبره أن عمر انطلق في رهط من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مع النبي صلى الله عليه وسلم قبل ابن صياد حتى وجدوه يلعب مع الغلمان عند أطم بني مغالة وقد قارب يومئذ ابن صياد يحتلم فلم يشعر بشيء حتى ضرب النبي صلى الله عليه وسلم ظهره بيده ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم أتشهد أني رسول الله فنظر إليه ابن صياد فقال أشهد أنك رسول الأميين فقال ابن صياد للنبي صلى الله عليه وسلم أتشهد أني رسول الله قال له النبي صلى الله عليه وسلم آمنت بالله ورسله قال النبي صلى الله عليه وسلم ماذا ترى قال ابن صياد يأتيني صادق وكاذب قال النبي صلى الله عليه وسلم خلط عليك الأمر قال النبي صلى الله عليه وسلم إني قد خبأت لك خبيئا قال ابن صياد هو الدخ قال النبي صلى الله عليه وسلم اخسأ فلن تعدو قدرك قال عمر يا رسول الله ائذن لي فيه أضرب عنقه قال النبي صلى الله عليه وسلم إن يكنه فلن تسلط عليه وإن لم يكنه فلا خير لك في قتله [ ص: 199 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 199 ] قوله : ( باب كيف يعرض الإسلام على الصبي ) ذكر فيه حديث ابن عمر في قصة ابن صياد ، وقد تقدم توجيه هذه الترجمة في ( باب هل يعرض الإسلام على الصبي ) في كتاب الجنائز ، ووجه مشروعية عرض الإسلام على الصبي في حديث الباب من قوله صلى الله عليه وسلم لابن صياد أتشهد أني رسول الله وكان إذ ذاك لم يحتلم ، فإنه يدل على المدعي ، ويدل على صحة إسلام الصبي ، وأنه لو أقر لقبل لأنه فائدة العرض .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أن عمر انطلق إلخ ) هذا الحديث فيه ثلاث قصص أوردها المصنف تامة : في الجنائز من طريق يونس ، وهنا من طريق معمر ، وفي الأدب من طريق شعيب ، واقتصر في الشهادات على الثانية ، وذكرها أيضا فيما مضى من الجهاد من وجه آخر ، واقتصر في الفتن على الثالثة ، وقد مضى شرح أكثر مفرداته في الجنائز . وقوله " قبل ابن صياد " بكسر القاف وفتح الموحدة أي إلى جهته ، وقوله ( وقد قارب ابن صياد يومئذ يحتلم ) في رواية يونس ، وشعيب " وقد قارب ابن صياد الحلم " ولم يقع ذلك في رواية الإسماعيلي فاعترض به فقال : لا يلزم من كونه غلاما أن يكون لم يحتلم .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 200 ] قوله : ( أشهد أنك رسول الأميين ) فيه إشعار بأن اليهود الذين كان ابن صياد منهم كانوا معترفين ببعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لكن يدعون أنها مخصوصة بالعرب ، وفساد حجتهم واضح جدا ، لأنهم إذا أقروا بأنه رسول الله استحال أن يكذب على الله ، فإذا ادعى أنه رسوله إلى العرب وإلى غيرها تعين صدقه ، فوجب تصديقه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فقال ابن صياد أتشهد أني رسول الله ) في حديث أبي سعيد عند الترمذي " فقال أتشهد أنت أني رسول الله " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قال له النبي صلى الله عليه وسلم : آمنت بالله ورسله ) وللمستملي " ورسوله " بالإفراد ، وفي حديث أبي سعيد " آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر " قال الزين بن المنير ، إنما عرض النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام على ابن صياد بناء على أنه ليس الدجال المحذر منه . قلت : ولا يتعين ذلك ، بل الذي يظهر أن أمره كان محتملا فأراد اختباره بذلك فإن أجاب غلب ترجيح أنه ليس هو ، وإن لم يجب تمادى الاحتمال ، أو أراد باستنطاقه إظهار كذبه المنافي لدعوى النبوة ، ولما كان ذلك هو المراد أجابه بجواب منصف فقال : آمنت بالله ورسله " . وقال القرطبي : كان ابن صياد على طريقة الكهنة يخبر بالخبر فيصح تارة ويفسد أخرى ، فشاع ذلك ولم ينزل في شأنه وحي ، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم سلوك طريقة يختبر حاله بها ، أي فهو السبب في انطلاق النبي صلى الله عليه وسلم إليه ، وقد روى أحمد من حديث جابر قال " ولدت امرأة من اليهود غلاما ممسوحة عينه ، والأخرى طالعة ناتئة ، فأشفق النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون هو الدجال " . وللترمذي عن أبي بكرة مرفوعا يمكث أبو الدجال وأمه ثلاثين عاما لا يولد لهما ثم يولد لهما غلام أضر شيء وأقله منفعة ، قال ونعتهما فقال : أما أبوه فطويل ضرب اللحم كأن أنفه منقار ، وأما أمه ففرضاخة أي بفاء مفتوحة وراء ساكنة وبمعجمتين ، والمعنى أنها ضخمة طويلة اليدين " قال فسمعنا بمولود بتلك الصفة ، فذهبت أنا والزبير بن العوام حتى دخلنا على أبويه - يعني ابن صياد - فإذا هما بتلك الصفة " ولأحمد والبزار من حديث أبي ذر قال بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى أمه فقال : سلها كم حملت به فقالت حملت به اثني عشر شهرا ، فلما وقع صاح صياح الصبي ابن شهر انتهى ، فكأن ذلك هو الأصل في إرادة استكشاف أمره .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ماذا ترى ؟ قال ابن صياد : يأتيني صادق وكاذب ) في حديث جابر عند الترمذي ونحوه لمسلم " فقال أرى حقا وباطلا ، وأرى عرشا على الماء " وفي حديث أبي سعيد عنده " أرى صادقين وكاذبا " ولأحمد " أرى عرشا على البحر حوله الحيتان " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قال لبس ) بضم اللام وتخفيف الموحدة المكسورة بعدها مهملة أي خلط ، وفي حديث أبي الطفيل عند أحمد فقال " تعوذوا بالله من شر هذا " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( إني قد خبأت لك خبئا ) بكسر المعجمة وبفتحها وسكون الموحدة بعدها همز ، وبفتح المعجمة وكسر الموحدة بعدها تحتانية ساكنة ثم همز أي أخفيت لك شيئا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( هو الدخ ) بضم المهملة بعدها معجمة ، وحكى صاحب المحكم الفتح ، ووقع عند الحاكم [ ص: 201 ] " الزخ " بفتح الزاي بدل الدال وفسره بالجماع ، واتفق الأئمة على تغليظه في ذلك ، ويرده ما وقع في حديث أبي ذر المذكور " فأراد أن يقول الدخان فلم يستطع فقال الدخ " ، وللبزار والطبراني في " الأوسط " من حديث زيد بن حارثة قال " كان النبي صلى الله عليه وسلم خبأ له سورة الدخان " وكأنه أطلق السورة وأراد بعضها ، فإن عندأحمد عن عبد الرزاق في حديث الباب وخبأت له : يوم تأتي السماء بدخان مبين وأما جواب ابن صياد بالدخ فقيل إنه اندهش فلم يقع من لفظ الدخان إلا على بعضه ، وحكى الخطابي أن الآية حينئذ كانت مكتوبة في يد النبي صلى الله عليه وسلم فلم يهتد ابن صياد منها إلا لهذا القدر الناقص على طريقة الكهنة ، ولهذا قال له النبي صلى الله عليه وسلم " لن تعدو قدرك " أي قدر مثلك من الكهان الذين يحفظون من إلقاء شياطينهم ما يحفظونه مختلطا صدقه بكذبه . وحكى أبو موسى المديني أن السر في امتحان النبي صلى الله عليه وسلم له بهذه الآية الإشارة إلى أن عيسى ابن مريم يقتل الدجال بجبل الدخان ، فأراد التعريض ، لابن الصياد بذلك واستبعد الخطابي ما تقدم وصوب أنه أخبأ له الدخ وهو نبت يكون بين البساتين ، وسبب استبعاده له أن الدخان لا يخبأ في اليد ولا الكم . ثم قال : إلا أن يكون خبأ له اسم الدخان في ضميره ، وعلى هذا فيقال : كيف اطلع ابن صياد أو شيطانه على ما في الضمير ؟ ويمكن أن يجاب باحتمال أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم تحدث مع نفسه أو أصحابه بذلك قبل أن يختبره فاسترق الشيطان ذلك أو بعضه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( اخسأ ) سيأتي الكلام عليها في كتاب الأدب في باب مفرد .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فلن تعدو قدرك ) أي لن تجاوز ما قدر الله فيك أو مقدار أمثالك من الكهان . قال العلماء : استكشف النبي صلى الله عليه وسلم أمره ليبين لأصحابه تمويهه لئلا يلتبس حاله على ضعيف لم يتمكن في الإسلام ومحصل ما أجاب به النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال له على طريق الفرض والتنزل : إن كنت صادقا في دعواك الرسالة ولم يختلط عليك الأمر آمنت بك . وإن كنت كاذبا وخلط عليك الأمر فلا . وقد ظهر كذبك والتباس الأمر عليك فلا تعدو قدرك .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( إن يكن هو ) كذا للأكثر ، وللكشميهني " إن يكنه " على وصل الضمير ، واختار ابن مالك جوازه ، ثم الضمير لغير مذكور لفظا ، وقد وقع في حديث ابن مسعود عند أحمد " أن يكون هو الذي تخاف فلن تستطيعه " وفي مرسل عروة عند الحارث بن أبي أسامة " إن يكن هو الدجال " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فلن تسلط عليه ) في حديث جابر " فلست بصاحبه ، إنما صاحبه عيسى ابن مريم " . قوله : ( وإن لم يكن هو فلا خير لك في قتله ) قال الخطابي : وإنما لم يأذن النبي صلى الله عليه وسلم في قتله مع ادعائه النبوة بحضرته لأنه كان غير بالغ ، ولأنه كان من جملة أهل العهد ، قلت : الثاني هو المتعين ، وقد جاء مصرحا به في حديث جابر عند أحمد ، وفي مرسل عروة " فلا يحل لك قتله " ثم إن في السؤال عندي نظرا ، لأنه لم يصرح بدعوى النبوة ، وإنما أوهم أنه يدعي الرسالة ، ولا يلزم من دعوى الرسالة دعوى النبوة ، قال الله تعالى إنا أرسلنا الشياطين على الكافرين الآية .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية