الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف - رحمه الله تعالى - ( ويجوز بيع المصاحف وكتب الأدب لما روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه سئل عن بيع المصاحف ، فقال : لا بأس يأخذون أجور أيديهم ، ولأنه طاهر منتفع به فهو كسائر الأموال )

                                      التالي السابق


                                      . ( الشرح ) اتفق أصحابنا على صحة بيع المصحف وشرائه وإجارته ونسخه بالأجرة ، ثم إن عبارة المصنف والدارمي وغيرهما أنه يجوز بيعه ، وظاهر هذه العبارة أنه ليس بمكروه ، وقد صرح بعدم الكراهة الروياني ، والصحيح من المذهب أن بيعه مكروه ، وهو نص الشافعي في كتاب اختلاف علي وابن مسعود ، وبه قطع البيهقي في كتابه السنن الكبير ، ومعرفة السنن والآثار ، والصيمري في كتابه الإيضاح وصاحب البيان ، فقال : يكره بيعه ، قال : وقيل : يكره البيع دون الشراء ، هذا تفصيل مذهبنا ، وروى الشافعي والبيهقي بإسناده الصحيح عن ابن مسعود أنه كره شري المصحف وبيعه ، قال الشافعي ولا يقول أبو حنيفة وأصحابه بهذا ، بل لا يرون بأسا ببيعه وشرائه ، قال : ومن الناس من لا يرى بأسا بالشراء ، قال الشافعي : ونحن نكره بيعها .

                                      [ ص: 303 ] وقال ابن المنذر في الإشراف : اختلفوا في شراء المصحف وبيعه فروي عن ابن عمر أنه شدد في بيعه ، وقال : وددت أن الأيدي تقطع في بيع المصاحف ، قال : وروينا عن أبي موسى الأشعري كراهة ذلك ، قال : وكره بيعها وشراءها علقمة وابن سيرين والنخعي وشريح ومسروق وعبد الله بن يزيد ، ورخص جماعة في شرائها ، وكرهوا بيعها ، روينا هذا عن ابن عباس وسعيد بن جبير وإسحاق وقال أحمد : الشري أهون ، وما أعلم في البيع رخصة قال : ورخصت طائفة في بيعه وشرائه منهم الحسن وعكرمة والحكم وروى البيهقي بإسناده عن ابن عباس ومروان بن الحكم أنهما سئلا عن بيع المصاحف للتجارة فقالا : لا نرى أن نجعله متجرا ولكن ما عملت بيديك فلا بأس به . وعن مالك بن أنس أنه قال : لا بأس ببيع المصحف وشرائه ، وعن ابن عباس بإسناد ضعيف : " اشتر المصحف ولا تبعه " وبإسناد صحيح عن سعيد بن جبير " اشتره ولا تبعه " وعن عمر أنه قال : " كان يمر بأصحاب المصاحف فيقول : بئس التجارة " وبإسناد صحيح عن عبد الله بن شقيق التابعي المجمع على جلالته وتوثيقه قال : " وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهون بيع المصاحف " . قال البيهقي : وهذه الكراهة على وجه التنزيه تعظيما للمصحف عن أن يبذل بالبيع ، أو يجعل متجرا قال : وروي عن ابن مسعود الترخيص فيه ، وإسناده ضعيف ، قال : وقول ابن عباس اشتر المصحف ولا تبعه ، إن صح عنه ، يدل على جواز بيعه مع الكراهة والله سبحانه وتعالى أعلم .

                                      ( فرع ) قال أصحابنا : يجوز بيع كتب الحديث والفقه واللغة والأدب والشعر المباح المنتفع به وكتب الطب والحساب وغيرهما ، مما فيه منفعة مباحة . قال أصحابنا : ولا يجوز بيع كتب الكفر لأنه ليس فيها منفعة مباحة بل يجب إتلافها ، وقد ذكر المصنف المسألة في أواخر كتاب السير . وهكذا كتب التنجيم والشعبذة والفلسفة وغيرها من العلوم [ ص: 304 ] الباطلة المحرمة ، فبيعها باطل ، لأنه ليس فيها منفعة مباحة ، والله تعالى أعلم .




                                      الخدمات العلمية