الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في وصف الصلاة

                                                                                                          302 حدثنا علي بن حجر أخبرنا إسمعيل بن جعفر عن يحيى بن علي بن يحيى بن خلاد بن رافع الزرقي عن جده عن رفاعة بن رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في المسجد يوما قال رفاعة ونحن معه إذ جاءه رجل كالبدوي فصلى فأخف صلاته ثم انصرف فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم وعليك فارجع فصل فإنك لم تصل فرجع فصلى ثم جاء فسلم عليه فقال وعليك فارجع فصل فإنك لم تصل ففعل ذلك مرتين أو ثلاثا كل ذلك يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فيقول النبي صلى الله عليه وسلم وعليك فارجع فصل فإنك لم تصل فخاف الناس وكبر عليهم أن يكون من أخف صلاته لم يصل فقال الرجل في آخر ذلك فأرني وعلمني فإنما أنا بشر أصيب وأخطئ فقال أجل إذا قمت إلى الصلاة فتوضأ كما أمرك الله ثم تشهد وأقم فإن كان معك قرآن فاقرأ وإلا فاحمد الله وكبره وهلله ثم اركع فاطمئن راكعا ثم اعتدل قائما ثم اسجد فاعتدل ساجدا ثم اجلس فاطمئن جالسا ثم قم فإذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتك وإن انتقصت منه شيئا انتقصت من صلاتك قال وكان هذا أهون عليهم من الأول أنه من انتقص من ذلك شيئا انتقص من صلاته ولم تذهب كلها قال وفي الباب عن أبي هريرة وعمار بن ياسر قال أبو عيسى حديث رفاعة بن رافع حديث حسن وقد روي عن رفاعة هذا الحديث من غير وجه

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( حدثنا إسماعيل بن جعفر ) بن أبي كثير الأنصاري الزرقي أبو إسحاق القاري ، ثقة ثبت توفي سنة 180 ثمانين ومائة ( عن يحيى بن علي بن يحيى بن خلاد بن رافع الزرقي ) بضم الزاي وفتح الراء وبعدها قاف ، المدني مقبول من السادسة قاله في التقريب ( عن جده ) وفي رواية النسائي عن أبيه ، عن جده ، وأبوه علي بن يحيى بن خلاد ، ثقة وجده يحيى بن خلاد بن رافع له رواية ، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين ( عن رفاعة بن رافع ) بن مالك بن العجلان أبي معاذ الأنصاري ، صحابي بدري جليل .

                                                                                                          قوله : ( بينما هو جالس في المسجد ) أي في ناحيته ، كما في حديث أبي هريرة عند الشيخين ( إذ جاءه رجل كالبدوي ) هذا الرجل هو خلاد بن رافع جد علي بن يحيى راوي الخبر بينه ابن أبي شيبة ، عن عباد بن العوام ، عن محمد بن عمرو ، عن علي بن يحيى ، عن رفاعة أن خلادا دخل المسجد ، قاله الحافظ . وقال : وأما ما وقع عند الترمذي : إذ جاء رجل كالبدوي فصلى فأخف صلاته ، فهذا لا يمنع تفسيره بخلاد ، لأن رفاعة شبهه بالبدوي لكونه أخف الصلاة أو لغير ذلك ، انتهى ( فصلى ) زاد النسائي من رواية داود بن قيس ركعتين . قال الحافظ : وفيه إشعار بأنه صلى نفلا والأقرب أنها تحية المسجد ( فأخف صلاته ) وفي رواية ابن أبي شيبة فصلى صلاة خفيفة لم يتم ركوعها ولا [ ص: 177 ] سجودها ( ، ثم انصرف ) أي من صلاته ( فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ) قال القاري في المرقاة : قدم حق الله على حق رسوله كما هو أدب الزيارة ، لأمره عليه السلام بذلك لمن سلم عليه قبل صلاة التحية ، فقال له : ارجع فصل ، ثم ائت فسلم علي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : وعليك ، وفي رواية مسلم من حديث أبي هريرة : فقال : وعليك السلام ( فارجع فصل فإنك لم تصل ) قال عياض : فيه أن أفعال الجاهل في العبادة في غير علم لا تجزئ ، وهو مبني على أن المراد بالنفي نفي الإجزاء وهو الظاهر ، ومن حمله على نفي الكمال تمسك بأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمره بعد التعليم بالإعادة ، فدل على إجزائها ، وإلا لزم تأخير البيان ، كذا قاله بعض المالكية وفيه نظر ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمره في المرة الأخيرة بالإعادة فسأله التعليم فعلمه ، فكأنه قال له : أعد صلاتك على هذه الكيفية ، أشار إلى ذلك ابن المنير كذا في الفتح ( مرتين أو ثلاثا ) وفي رواية للبخاري ثلاثا بغير الشك ( كل ذلك يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيسلم ) فيه استحباب تكرار السلام ورده ، وإن لم يخرج من الموضع إذا وقعت صورة انفصال ( فخاف الناس ) أي كرهوا ( وكبر عليهم ) بضم الباء وفاعله قوله : ( أن يكون من أخف صلاته لم يصل ) أي عظم ذلك عليهم وخافوا منه ( فقال الرجل في آخر ذلك فأرني ) صيغة أمر من الإراءة ( وعلمني ) قال ابن الملك في شرح المشارق : فإن قيل : لم سكت النبي صلى الله عليه وسلم عن تعليمه أولا حتى افتقر إلى المراجعة كرة بعد أخرى ؟ قلنا : لأن الرجل لما لم يستكشف الحال مغترا بما عنده ، سكت عن تعليمه زجرا له وإرشادا إلى أنه ينبغي أن يستكشف ما استبهم عليه ، فلما طلب كشف الحال بينه بحسن المقال ، انتهى . واستشكل تقريره عليه السلام على صلاته وهي فاسدة ثلاث مرات على القول بأن النفي للصحة ، وأجيب بأنه أراد استدراجه بفعل ما جهله مرات ، لاحتمال أن يكون فعله ناسيا أو غافلا فيتذكر فيفعله من غير تعليم ، فليس من باب التقرير على الخطأ ، بل من باب تحقق الخطأ أو بأنه لم يعلمه أولا ليكون أبلغ في تعريفه وتعريف غيره ، ولتفخيم الأمر وتعظيمه عليه .

                                                                                                          وقال ابن دقيق العيد . ليس التقرير بدليل على الجواز مطلقا بل لا بد من انتفاء الموانع ، ولا شك أن في زيادة قبول المتعلم لما يلقى عليه بعد تكرار فعله ، واستجماع نفسه ، وتوجه سؤاله مصلحة مانعة من وجوب المبادرة إلى التعليم ، لا سيما مع عدم خوف الفوات ، إما بناء على ظاهر الحكم أو [ ص: 178 ] بوحي خاص ، انتهى ( فقال أجل ) أي نعم . قال في القاموس : أجل جواب كنعم إلا أنه أحسن منه في التصديق ، ونعم أحسن منه في الاستفهام ( ، ثم تشهد ) أي أذن " فأقم أيضا " وفي رواية أبي داود ، ثم : تشهد فأقم وليس فيها لفظة أيضا ، قال في المرقاة : ثم تشهد أي قل أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله بعد الوضوء فأقم أي الصلاة . وقيل معنى تشهد : أذن لأنه مشتمل على كلمتي الشهادة ، فأقم على هذا يراد به الإقامة للصلاة ، كذا نقله ميرك عن الأزهار ، انتهى ما في المرقاة . والظاهر أن المراد بقوله ، ثم تشهد فأقم : الأذان والإقامة ، يدل عليه لفظ أيضا بعد قوله فأقم ( فإن كان معك قرآن فاقرأ ) وفي رواية لأبي داود ، ثم اقرأ بأم القرآن وبما شاء الله أن تقرأ . قال الحافظ بعد ذكر هذه الرواية : وأحمد وابن حبان من هذا الوجه : ثم اقرأ بأم القرآن ، ثم اقرأ بما شئت . ترجم له ابن حبان بباب : فرض المصلي قراءة فاتحة الكتاب في كل ركعة ، ( ثم اعتدل قائما ) وفي لفظ أحمد : فأقم صلبك حتى ترجع العظام إلى مفاصلها ( ، ثم اسجد فاعتدل ساجدا ، ثم اجلس فاطمئن جالسا ) وفي رواية لأبي داود ، ثم يسجد حتى تطمئن مفاصله ، ثم يقول الله أكبر ، ويرفع رأسه حتى يستوي قاعدا ، ثم يقول : الله أكبر ، ثم يسجد حتى تطمئن مفاصله ، ثم يرفع رأسه فيكبر ( فإذا فعلت ذلك ) أي ما ذكر ( فقد تمت صلاتك ) أي صارت تماما غير ناقصة ( وإن انتقصت ) أي نقصت ، قال في القاموس : أنقصه ونقصه وانتقصه نقصه ( وكان هذا أهون ) أي أسهل ( عليهم ) أي على الصحابة رضي الله عنهم ( من الأولى ) أي من المقالة الأولى ، وهي فارجع فصل فإنك لم تصل " أنه من انتقص من ذلك شيئا إلخ " بدل من قوله هذا .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن أبي هريرة وعمار بن ياسر ) أما حديث أبي هريرة فأخرجه الشيخان وأخرجه الترمذي أيضا في هذا الباب ، وأما حديث عمار فلينظر من أخرجه .

                                                                                                          قوله : ( حديث رفاعة بن رافع حديث حسن ) وأخرجه أبو داود والنسائي . وقال ابن عبد [ ص: 179 ] البر : هذا حديث ثابت نقله ميرك ، عن المنذري كذا في المرقاة .

                                                                                                          قوله : ( وقد روي عن رفاعة هذا الحديث من غير وجه ) قال الحافظ في الفتح : أخرجه أبو داود والنسائي من رواية إسحاق بن أبي طلحة ومحمد بن إسحاق ومحمد بن عمرو ومحمد بن عجلان وداود بن قيس كلهم عن علي بن يحيى بن خلاد بن رافع الزرقي ، عن أبيه عن عمه رفاعة بن رافع ، فمنهم من لم يسم رفاعة قال عن عم له بدري ، ومنهم من لم يقل عن أبيه ، ورواه النسائي والترمذي من طريق يحيى بن علي بن يحيى ، عن أبيه عن جده عن رفاعة ، لكن لم يقل الترمذي عن أبيه وفيه اختلاف آخر ذكره الحافظ في الفتح .




                                                                                                          الخدمات العلمية