الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 173 ] ( سورة الفلق ) .

                                                                                                                                                                                                                                            خمس آيات ، مدنية .

                                                                                                                                                                                                                                            بسم الله الرحمن الرحيم ( قل أعوذ برب الفلق ) .

                                                                                                                                                                                                                                            بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                                                                                            قوله تعالى : ( قل أعوذ برب الفلق ) فيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : في قوله : ( قل ) فوائد :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها : أنه سبحانه لما أمر بقراءة سورة الإخلاص تنزيها له عما لا يليق به في ذاته وصفاته ، وكان ذلك من أعظم الطاعات ، فكأن العبد قال : إلهنا هذه الطاعة عظيمة جدا لا أثق بنفسي في الوفاء بها ، فأجاب بأن قال : ( قل أعوذ برب الفلق ) أي استعذ بالله ، والتجئ إليه حتى يوفقك لهذه الطاعة على أكمل الوجوه .

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيها : أن الكفار لما سألوا الرسول عن نسب الله وصفته ، فكأن الرسول عليه السلام قال : كيف أنجو من هؤلاء الجهال الذين تجاسروا وقالوا فيك ما لا يليق بك ؟ فقال الله : ( قل أعوذ برب الفلق ) أي استعذ بي حتى أصونك عن شرهم .

                                                                                                                                                                                                                                            وثالثها : كأنه تعالى يقول : من التجأ إلى بيتي شرفته وجعلته آمنا فقلت : ومن دخله كان آمنا ، فالتجئ أنت أيضا إلي حتى أجعلك آمنا : ف ( قل أعوذ برب الفلق ) .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : اختلفوا في أنه هل يجوز الاستعانة بالرقى والعوذ أم لا ؟ منهم قال : إنه يجوز واحتجوا بوجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها : ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتكى فرقاه جبريل عليه السلام ، فقال : بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك ، والله يشفيك .

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيها : قال ابن عباس : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا من الأوجاع كلها والحمى هذا الدعاء : بسم الله الكريم ، أعوذ بالله العظيم من شر كل عرق نعار ، ومن شر حر النار .

                                                                                                                                                                                                                                            وثالثها : قال عليه السلام : من دخل على مريض لم يحضره أجله ، فقال : أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك سبع مرات شفي .

                                                                                                                                                                                                                                            ورابعها : عن علي عليه السلام قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل على مريض قال : أذهب [ ص: 174 ] الباس رب الناس ، اشف أنت الشافي ، لا شافي إلا أنت .

                                                                                                                                                                                                                                            وخامسها : عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين يقول : أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ، ومن كل عين لامة ، ويقول : هكذا كان أبي إبراهيم يعوذ ابنيه إسماعيل وإسحاق .

                                                                                                                                                                                                                                            وسادسها : قال عثمان بن أبي العاص الثقفي : قدمت على رسول الله وبي وجع قد كاد يبطلني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اجعل يدك اليمنى عليه ، وقل بسم الله أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد سبع مرات ، ففعلت ذلك فشفاني الله .

                                                                                                                                                                                                                                            وسابعها : روي أنه عليه السلام كان إذا سافر فنزل منزلا يقول : يا أرض ، ربي وربك الله أعوذ بالله من شرك وشر ما فيك وشر ما يخرج منك ، وشر ما يدب عليك ، وأعوذ بالله من أسد وأسود وحية وعقرب ، ومن شر ساكني البلد ووالد وما ولد .

                                                                                                                                                                                                                                            وثامنها : قالت عائشة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى شيئا من جسده قرأ : ( قل هو الله أحد ) [ الإخلاص : 1 ] والمعوذتين في كفه اليمنى ومسح بها المكان الذي يشتكي .

                                                                                                                                                                                                                                            ومن الناس من منع من الرقى لما روي عن جابر ، قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرقى ، وقال عليه السلام : إن لله عبادا لا يكتوون ولا يسترقون وعلى ربهم يتوكلون .

                                                                                                                                                                                                                                            وقال عليه السلام : لم يتوكل على الله من اكتوى واسترقى . وأجيب عنه بأنه يحتمل أن يكون النهي عن الرقى المجهولة التي لا تعرف حقائقها ، فأما ما كان له أصل موثوق ، فلا نهي عنه ، واختلفوا في التعليق ، فروي أنه عليه السلام قال : من علق شيئا وكل إليه ، وعن ابن مسعود : أنه رأى على أم ولده تميمة مربوطة بعضدها ، فجذبها جذبا عنيفا فقطعها .

                                                                                                                                                                                                                                            ومنهم من جوزه ، سئل الباقر عليه السلام عن التعويذ يعلق على الصبيان فرخص فيه .

                                                                                                                                                                                                                                            واختلفوا في النفث أيضا ، فروي عن عائشة أنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفث على نفسه إذا اشتكى بالمعوذات ويمسح بيده ، فلما اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه الذي توفي فيه طفقت أنفث عليه بالمعوذات التي كان ينفث بها على نفسه .

                                                                                                                                                                                                                                            وعنه عليه السلام : أنه كان إذا أخذ مضجعه نفث في يديه وقرأ فيهما بالمعوذات ، ثم مسح بهما جسده .

                                                                                                                                                                                                                                            ومنهم من أنكر النفث ، قال عكرمة : لا ينبغي للراقي أن ينفث ولا يمسح ولا يعقد . وعن إبراهيم قال : كانوا يكرهون النفث في الرقى ، وقال بعضهم : دخلت على الضحاك وهو وجيع ، فقلت : ألا أعوذك يا أبا محمد ؟ قال : بلى ولكن لا تنفث ، فعوذته بالمعوذتين . قال الحليمي : الذي روي عن عكرمة أنه ينبغي للراقي أن لا ينفث ولا يمسح ولا يعقد ، فكأنه ذهب فيه إلى أن الله تعالى جعل النفث في العقد مما يستعاذ منه ، فوجب أن يكون منهيا عنه إلا أن هذا ضعيف ؛ لأن النفث في العقد إنما يكون مذموما إذا كان سحرا مضرا بالأرواح والأبدان ، فأما إذا كان هذا النفث لإصلاح الأرواح والأبدان وجب أن لا يكون حراما .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية