الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      ( الشرح ) قوله : ( لأنه عقد معاوضة يوجب الملك ) احترز بالمعاوضة عن الهبة ، فإنها لا تملك بالعقد ، بل بالقبض ، وعن الوصية ( وبقوله ) يوجب الملك عن الكتابة ، فإنها عقد معاوضة لكن لا توجب الملك ، فإن العبد لا يملك نفسه أبدا ، وإنما فائدة عتقه تقدم ملك فيه ( وقوله ) فأشبه عتق المرهون يعني على أصح الأقوال الثلاثة المشهورة فيه ( وقوله ) ثبت للغير فيه حق هذا مما أنكره بعض أهل العربية على الفقهاء وغيرهم ، فقال : لفظة " غير " لا تدخل عليها الألف ، وكذا كل وبعض ، وجوزه آخرون ، [ ص: 254 ] وقد أوضحته في تهذيب الأسماء واللغات .

                                      ( أما الأحكام ) فقال أصحابنا : في ملك المبيع في زمن خيار المجلس وخيار الشرط ثلاثة أقوال مشهورة ، ذكرهاالمصنف بدليلها ( أحدها ) أنه ملك للمشتري ينتقل إليه بنفس العقد ويكون الثمن ملكا للبائع ، قال الماوردي : وهذا نصه في باب زكاة الفطر ( والثاني ) أنه باق على ملك البائع ، ولا يملكه المشتري إلا بعد انقضاء الخيار من غير فسخ ، ويكون الثمن باقيا على ملك المشتري ، قال الماوردي : وهذا نصه في الأم ( والثالث ) موقوف ، فإن تم البيع حكمنا بأنه كان ملكا للمشتري بنفس العقد . وإلا فقد بان أن ملك البائع لم يزل . وهكذا يكون الثمن موقوفا على هذا القول ، وفي موضوع الأقوال ثلاثة طرق حكاها المتولي وغيره ( أحدها ) أنه إذا كان الخيار لهما إما بالشرط وإما بالمجلس ( أما ) إذا كان لأحدهما ، فالمبيع على ملكه لأنه ملك التصرف ( والطريق الثاني ) أنه لا خلاف في المسألة ، بل إن كان الخيار للبائع فالملك له ، وإن كان للمشتري فله ، وإن كان لهما فموقوف وتنزل الأقوال على هذه الأحوال ( والثالث ) طرد الأقوال في جميع الأحوال وهو الأصح عند عامة الأصحاب منهم العراقيون والحليمي ، هذا نقل الرافعي .

                                      [ ص: 255 ] وقال إمام الحرمين : طرد الأئمة الأحوال الثلاثة فيه إذا كان لهما أو لأحدهما قال : وقال بعض المحققين : إن كان الخيار لهما ففيه الأقوال ، وإن كان الخيار للمشتري فالأصح أن الملك له وإن كان الخيار للبائع ( فالأصح ) أن المبيع باق على ملكه ، قال الإمام : وكان شيخي يقول : يتجه أن يجعل ذلك قولا رابعا . واختلف أصحابنا في الأصح من هذه الأقوال ، فصححت طائفة القول بأن المشتري يملك بنفس العقد ، ومنهم الشيخ أبو حامد والماوردي والقاضي أبو الطيب وإمام الحرمين وغيرهم ، وبه قطع المحاملي في المقنع ، وسليم الرازي في الكفاية ، والجرجاني في التحرير وهو مذهب أحمد ، وصححت طائفة قول الوقف ، ممن صححه البغوي ، وصححت طائفة التفصيل فقالوا : إن كان الخيار للبائع ، فالأصح أن الملك له ، وإن كان الخيار للمشتري وحده فالأصح أن الملك له . وإن كان لهما فالأصح أنه موقوف ، وممن صحح هذا التفصيل القفال ، وحكاه عنه الروياني في البحر ، وأشار إلى موافقته وصححه أيضا صاحب البيان والرافعي في كتابيه الشرح الكبير والمحرر ، وقطع به الروياني في الحلية ، والله أعلم .

                                      ( التفريع ) قال أصحابنا - رحمهم الله - : لهذه الأقوال فروع كثيرة منها ما يذكر في أبوابه ، ومنها ما يذكر هنا ( فمنها ) كسب العبد والأمة المبيعين في زمن الخيار ، فإن تم البيع فهو للمشتري ( إن قلنا ) الملك له أو موقوف ( وإن قلنا ) الملك للبائع فوجهان ( أصحهما ) وبه قال الجمهور : الكسب للبائع ، لأن الملك له عند حصوله ، وقال أبو علي الطبري : هو للمشتري واستدل له المتولي وغيره بأن سبب زوال ملك البائع موجود حال الزيادة .

                                      فلم يجعل لها حكم ، وجعلت تابعة للعين ، وكان لمن استقر ملك العين له ، وإن فسخ البائع فهو للبائع " إن قلنا : " الملك له أو موقوف ( وإن قلنا ) للمشتري فوجهان مشهوران ( أصحهما ) للمشتري ( والثاني ) [ ص: 256 ] للبائع ، وبه قال أبو إسحاق المروزي قال المتولي هما مبنيان على أن الفسخ يرفع العقد من حينه أو من أصله ، وفيه وجهان مشهوران في كتب الخراسانيين ( أصحهما ) من حينه ( والثاني ) من أصله ( فإن قلنا ) من حينه فهو للمشتري ، وإلا فللبائع قال أصحابنا : وفي معنى الكسب ، اللبن والشعر والثمرة ومهر الجارية إذا وطئت بشبهة أو أكرهت على الزنا وكون الجميع حكم كسب العبد على التفصيل والخلاف .

                                      ( ومنها ) النتاج ، فإن وجد حدوث الولد وانفصاله في مدة الخيار لامتداد المجلس فهو كالكسب ، وإن كانت الجارية أو البهيمة حاملا عند البيع وولدت في زمن الخيار بني على أن الحمل هل له حكم ؟ وهل يأخذ قسطا من الثمن ؟ وفيه قولان مشهوران ذكرهما المصنف بعد هذا بدليلهما ( أحدهما ) لا كالأعضاء ، فعلى هذا هو كالكسب كما سبق بلا فرق وأصحهما له قسط كما لو بيع بعد الانفصال مع الأم فعلى هذا يكون الحمل مع الأم كعينين بيعتا معا ، فإن فسخ البيع فهما للبائع وإلا فللمشتري ( ومنها ) العتق فإذا أعتق البائع العبد المبيع في زمن الخيار المشروط لهما أو للبائع وحده نفذ إعتاقه على كل قول ، وهذا لا خلاف فيه ، ودليله ما ذكره المصنف وإن أعتقه المشتري ( فإن قلنا ) الملك للبائع لم ينفذ إن فسخ البيع قطعا ، وكذا إن تم على أصح الوجهين ، وهو المنصوص لما ذكره المصنف ( وإن قلنا : ) موقوف ، فالعتق أيضا موقوف ، فإن تم البيع بان نفوذه وإلا فلا ( وإن قلنا : ) الملك للمشتري ففي نفوذ العتق وجهان ( أصحهما ) وهو ظاهر النص لا ينفذ صيانة لحق البائع على الاتصال ( والثاني ) ينفذ ، وبه قال ابن سريج ، وعلى هذا وجهان ( أصحهما ) وبه قطع المصنف أنه إنما ينفذ إذا كان موسرا بقيمته ، فإن كان معسرا فلا ، كالموهوب على أصح الأقوال ( والثاني ) ينفذ موسرا كان أو معسرا ( فإن [ ص: 257 ] قلنا : ) لا ينفذ فاختار البائع الإجازة ففي الحكم بنفوذه الآن وجهان ( أصحهما ) لا ينفذ ( فإن قلنا : ) ينفذ فهل من وقت الإجازة ؟ أم من وقت الإعتاق ؟ فيه وجهان ( أصحهما ) من وقت الإجازة ( وإن قلنا ) بقول ابن سريج ففي بطلان خيار البائع وجهان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما ( أحدهما ) يبطل وليس له إلا الثمن ( وأصحهما ) لا يبطل لكن لا يرد العتق ، بل إذا فسخ أخذ قيمة العبد كنظيره في الرد بالعيب .

                                      فعلى هذا إن اختلفا في قيمة العبد وتعذرت معرفتها لموته أو غيبته ونحو ذلك فالقول قول المشتري ، لأنه غارم ، هذا كله إذا كان الخيار لهما أو للبائع .

                                      ( أما ) إذا كان للمشتري وحده فينفذ إعتاقه على جميع الأقوال بلا خلاف لأنه إما مصادف ملكه ، وإما إجازة ، وليس فيه إبطال حق لغيره ، وإن أعتقه البائع وكان الخيار للمشتري وحده ( فإن قلنا : ) الملك للمشتري لم ينفذ سواء تم البيع أو فسخ ، وفيما إذا فسخ الوجه الشاذ السابق الناظر إلى المال .

                                      ( وإن قلنا : ) موقوف لم ينفذ إن تم البيع وإلا فينفذ ( وإن قلنا : ) الملك للبائع فإن انفسخ العقد بطل العتق وإلا فقد أعتق ، تبينا ثبوت الاستيلاد وإلا فلا ، فلو ملكها بعد ذلك عاد القولان ، وعلى قولنا : الملك للمشتري في ثبوت الاستيلاد الخلاف السابق في العتق ، فإن لم يثبته في الحال وتم البيع تبينا ثبوته ، ورتب الخراسانيون الخلاف في الاستيلاد على الخلاف في العتق ، ثم اختلفوا فقيل : الاستيلاد أولى بالثبوت وقيل عكسه ، قال إمام الحرمين : ولا تبعد التسوية ، قال أصحابنا : والقول في وجوب قيمة الولد على المشتري كالقول في ملكه الذي تعلق به حق لازم ، فهو كإعتاق المرهون والله أعلم .

                                      التالي السابق


                                      [ ص: 258 ] ومنها ) الوطء فإن كان الخيار لهما أو للبائع ففي حله للبائع طرق ( أحدها ) إن قلنا الملك له فحلال ، وإلا فوجهان وجه الحل أنه يتضمن الفسخ ، وفي ذلك عود الملك إليه معه أو قبيله ( والطريق الثاني ) إن قلنا : لا ملك له فحرام ، وإلا فوجهان وجه التحريم ضعف الملك ( والثالث ) القطع بالحل مطلقا ، قال الرافعي : والمذهب من هذا كله الحل إن جعلنا الملك له ، والتحريم إن لم نجعله له ، ولا مهر عليه بحال بلا خلاف ( وأما ) وطء المشتري فحرام قطعا ، والصورة فيما إذا كان الخيار لهما أو للبائع وحده لأنه وإن ملك على قول فملك ضعيف ولكن لو وطئ فلا حد على الأقوال كلها بلا خلاف لوجود الملك أو شبهته .

                                      ( وأما ) المهر فإن تم البيع لم يلزمه " إن قلنا " الملك له أو موقوف " وإن قلنا " للبائع فوجهان " الصحيح " وقول الجمهور وجوب المهر له وقال أبو إسحاق لا يجب نظرا إلى المال ، فإن فسخ البيع وجب المهر للبائع " إن قلنا " الملك له أو موقوف ( وإن قلنا ) للمشتري فوجهان ( أصحهما ) لا مهر " والثاني " يجب لضعف ملكه وزواله .

                                      فإن أولدها المشتري فالولد نسيب بلا خلاف على الأقوال كلها لأنه وطء في ملك أو شبهة . وأما الاستيلاد ( فإن قلنا ) الملك للبائع لم يثبت . ثم إن تم البيع أو ملكها بعد ذلك ففي ثبوته حينئذ القولان المشهوران ، فيمن وطئ جارية غيره بشبهة ، ثم ملكها ( أصحهما ) لا يثبت ، وعلى الوجه الضعيف الناظر إلى المال يثبت إذا تم البيع بعد الاستيلاد بلا خلاف وعلى قول الوقف إن تم البيع تبينا ثبوت الاستيلاد وإلا فلا ، فلو ملكها بعد ذلك عاد القولان ، وعلى قولنا : الملك للمشتري في ثبوت الاستيلاد الخلاف السابق في العتق ، فإن لم نثبته في الحال وتم البيع في المهر ، وإذا وجبت قيمة الولد اعتبرت يوم الولادة فإن وضعته ميتا لم يجب قيمته ، لأنه لم يخل بينه وبينه ، هذا كله إذا كان لهما أو للبائع ( فأما ) إذا كان للمشتري وحده فحكمه حل الوطء له كما سبق في حله في طرف البائع إذا كان [ ص: 259 ] الخيار لهما أو للبائع ، وأما البائع فيحرم عليه الوطء هنا فلو وطئ فالقول في وجوب المهر ، وفي ثبوت الاستيلاد ووجوب القيمة كما ذكرنا في طرف المشتري إذا كان الخيار لهما أو للبائع ، والله تعالى أعلم . قال القاضي حسين : ( إذا قلنا ) الملك للمشتري وأحبلها ثبت الاستيلاد وبطل خياره ، وفي بطلان خيار البائع وجهان ، فإن أبطلناه انبرم العقد واستقر الثمن ، وإن لم نبطله فاختار البائع الإجازة فكذلك ، فإن فسخ البيع فهل يبطل الاستيلاد ؟ ( إن قلنا ) لا يبطل العتق فالاستيلاد أولى وإلا فوجهان والفرق أن الاستيلاد فعل وهو أقوى من العتق ، ولهذا ينفذ استيلاد المجنون والسفيه والمريض والأب في جارية ابنه دون إعتاقهم ( فإن قلنا : ) لا يفسخ الاستيلاد رجع بقيمتها ( وإن قلنا : ) له فسخه استرد الجارية ، والله أعلم ( ومنها ) بيع البائع والمشتري وهبتهما وسائر عقودهما وسبق بيانها قبل هذا الفصل ، والله أعلم .



                                      ( فرع ) إذا اشترى عبدا لجارية ثم أعتقهما معا ، فإن كان الخيار لهما عتقت الجارية بناء على ما سبق أن إعتاق البائع نافذ متضمن للفسخ ، ولا يعتق العبد المشتري ، وإن قلنا : الملك فيه لمشتريه لما فيه من إبطال حق صاحبه ، هذا هو الأصح وعلى الوجه القائل بنفاذ إعتاق المشتري - تفريعا على أن الملك للمشتري - يعتق العبد ، ولا تعتق الجارية ، أما إذا كان الخيار لمشتري العبد فثلاثة أوجه ( أصحها ) يعتق العبد لأنه أجازه ، والأصل استمرار العقد ( والثاني ) تعتق الجارية ، لأن عتقها فسخ فقدم على الإجازة ، ولهذا لو فسخ أحد المتبايعين وأجاز الآخر قدم الفسخ ( والثالث ) لا يعتق واحد منهما ، أما إذا كان الخيار لبائع العبد وحده فالمعتق بالإضافة إلى العبد مشتر ، والخيار لصاحبه ، وبالإضافة إلى الجارية بائع ، والخيار لصاحبه ، وقد سبق الخلاف في إعتاقهما ، قال الرافعي والذي يفتى به أنه لا ينفذ العتق في واحد منهما في الحال فإن فسخ صاحبه نفذ في الجارية وإلا ففي العبد . [ ص: 260 ] ولو كانت المسألة بحالها وأعتقهما مشتري الجارية فليقس الحكم بما سبق وإن كان الخيار لهما عتق العبد دون الجارية على الأصح وإن كان للمعتق وحده فعلى الأوجه الثلاثة ففي الأول يعتق العبد ، وفي الثاني الجارية ، ولا يخفى حكم الثالث ، والله أعلم . أما إذا أعتق أحد المتعاقدين أحد المبيعين فقال القاضي حسين ( إن قلنا : ) الخيار يمنع الملك نفذ عتقه فيما باع وإن قلنا : لا يمنع قلنا له : عين أحدهما للعتق فإن عين ما اشتراه كان كإعتاق المشتري في مدة الخيار ، وإن عين فيما باع نفذ قطعا .




                                      الخدمات العلمية