الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما يقول إذا سلم من الصلاة

                                                                                                          298 حدثنا أحمد بن منيع حدثنا أبو معاوية عن عاصم الأحول عن عبد الله بن الحارث عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم لا يقعد إلا مقدار ما يقول اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت ذا الجلال والإكرام حدثنا هناد بن السري حدثنا مروان بن معاوية الفزاري وأبو معاوية عن عاصم الأحول بهذا الإسناد نحوه وقال تباركت يا ذا الجلال والإكرام قال وفي الباب عن ثوبان وابن عمر وابن عباس وأبي سعيد وأبي هريرة والمغيرة بن شعبة قال أبو عيسى حديث عائشة حديث حسن صحيح وقد روى خالد الحذاء هذا الحديث من حديث عائشة عن عبد الله بن الحارث نحو حديث عاصم وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول بعد التسليم لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد وروي عنه أنه كان يقول سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( عن عبد الله بن الحارث ) البصري ، تابعي روى عن عائشة وأبي هريرة ، وعنه عاصم الأحول ، وغيره ، وثقه أبو زرعة والنسائي .

                                                                                                          قوله : ( إذا سلم لا يقعد إلا مقدار ما يقول إلخ ) أي في بعض الأحيان ، فإنه قد ثبت قعوده [ ص: 166 ] صلى الله عليه وسلم بعد السلام أزيد من هذا المقدار ( اللهم أنت السلام ) هو من أسماء الله تعالى أي أنت السليم من المعائب والآفات ومن كل نقص ( ومنك السلام ) هذا بمعنى السلامة أي أنت الذي تعطي السلامة وتمنعها . قال الشيخ الجزري في تصحيح المصابيح : وأما ما يزاد بعد قوله ومنك السلام وإليك يرجع السلام فحينا ربنا بالسلام ، وأدخلنا دارك السلام فلا أصل له بل مختلق من بعض القصاص ، كذا في المرقاة ( تباركت ) من البركة وهي الكثرة والنماء أي تعاظمت إذا كثرت صفات جلالك وكمالك ( ذا الجلال والإكرام ) أي يا ذا الجلال بحذف حرف النداء : والجلال العظمة ، والإكرام الإحسان ( وقال تباركت يا ذا الجلال والإكرام ) أي قال هناد في روايته يا ذا الجلال والإكرام بزيادة لفظ يا .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن ثوبان وابن عمر وابن عباس وأبي سعيد وأبي هريرة والمغيرة بن شعبة ) أما حديث ثوبان فأخرجه الجماعة إلا البخاري قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثا وقال اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام ، وأما حديث ابن عمر فأخرجه الخمسة وصححه الترمذي كذا في المنتقى . قلت : أخرجه الترمذي في الدعوات . وأما حديث ابن عباس فأخرجه الشيخان قال : كنت أعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتكبير .

                                                                                                          وأما حديث أبي سعيد فأخرجه أبو يعلى عن أبي هريرة قال : قلنا لأبي سعيد : هل حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا كان يقوله بعدما سلم : قال نعم كان يقول : سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين . قال الهيثمي : في مجمع الزوائد رجاله ثقات ، انتهى وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الشيخان قال : إن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : قد ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى الحديث . وأما حديث المغيرة بن شعبة فأخرجه الشيخان بلفظ : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة لا إله إلا الله وحده لا شريك له الحديث .

                                                                                                          [ ص: 167 ] قوله : ( حديث عائشة حديث حسن صحيح ) وأخرجه مسلم .

                                                                                                          قوله : ( وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه كان يقول بعد التسليم لا إله إلا الله إلخ ) أخرجه الشيخان من حديث المغيرة بن شعبة بدون لفظ يحيي ويميت قال الحافظ في الفتح : زاد الطبراني من طريق أخرى عن المغيرة : يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير إلى قدير ، ورواته موثقون ، وثبت مثله عند البزار من حديث عبد الرحمن بن عوف بسند صحيح ، لكن في القول إذا أصبح وإذا أمسى ، انتهى ( لا ينفع ذا الجد منك الجد ) بفتح الجيم في اللفظين أي لا ينفع صاحب الغنى منك غناه ، إنما ينفعه العمل الصالح . قال الحافظ في الفتح : قال الخطابي الجد الغنى ، ويقال الحظ قال : ومن في قوله منك بمعنى البدل قال الشاعر :

                                                                                                          فليت لنا من ماء زمزم شربة مبردة باتت على الظمآن

                                                                                                          يريد ليت لنا بدل ماء زمزم ، انتهى . وفي الصحاح معنى منك هنا عندك أي لا ينفع ذا الغنى عندك غناه ، إنما ينفعه العمل الصالح . وقال ابن التين : الصحيح عندي أنها ليست بمعنى البدل ولا عند ، بل هو كما تقول ولا ينفعك مني شيء إن أنا أردتك بسوء ، ولم يظهر من كلامه معنى ، ومقتضاه أنها بمعنى عند أو فيه حذف تقديره من قضائي أو سطوتي أو عذابي . واختار الشيخ جمال الدين في المغني الأول ، قال : والجد مضبوط في جميع الروايات بفتح الجيم ومعناه الغنى أو الحظ . وقال النووي : الصحيح المشهور الذي عليه الجمهور أنه بالفتح وهو الحظ في الدنيا بالمال أو الولد أو العظمة أو السلطان ، والمعنى لا ينجيه حظه منك وإنما ينجيه فضلك ورحمتك ، انتهى كلام الحافظ ملخصا .

                                                                                                          قلت : فالجد بفتح الجيم هو الراجح المعول عليه ، وأما الجد بكسر الجيم فقد حكي عن أبي عمرو الشيباني أنه رواه بالكسر كما قال القرطبي ، ولا يستقيم معناه هنا إلا بتكلف ، قيل : معناه لا ينفع ذا الاجتهاد اجتهاده وأنكره الطبري . وقال القزاز في توجيه إنكاره : الاجتهاد في العمل نافع لأن الله تعالى قد دعا الخلق إلى ذلك فكيف لا ينفع عنده قال : فيحتمل أن يكون المراد أنه لا ينفع الاجتهاد في طلب الدنيا وتضييع أمر الآخرة ، وقيل : لعل المراد أنه لا ينفع بمجرده ما لم يقارنه القبول ، وذلك لا يكون إلا بفضل الله ورحمته .

                                                                                                          [ ص: 168 ] قوله : ( وروي أنه كان يقول سبحان ربك إلخ ) أخرجه أبو يعلى كما عرفت ( رب العزة ) أي الغلبة بدل من ربك ( عما يصفون ) بأن له ولدا ( وسلام على المرسلين ) أي المبلغين عن الله التوحيد والشرائع ( والحمد لله رب العالمين ) على نصرهم وهلاك الكافرين .




                                                                                                          الخدمات العلمية