الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب عزم الإمام على الناس فيما يطيقون

                                                                                                                                                                                                        2803 حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن منصور عن أبي وائل قال قال عبد الله رضي الله عنه لقد أتاني اليوم رجل فسألني عن أمر ما دريت ما أرد عليه فقال أرأيت رجلا مؤديا نشيطا يخرج مع أمرائنا في المغازي فيعزم علينا في أشياء لا نحصيها فقلت له والله ما أدري ما أقول لك إلا أنا كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فعسى أن لا يعزم علينا في أمر إلا مرة حتى نفعله وإن أحدكم لن يزال بخير ما اتقى الله وإذا شك في نفسه شيء سأل رجلا فشفاه منه وأوشك أن لا تجدوه والذي لا إله إلا هو ما أذكر ما غبر من الدنيا إلا كالثغب شرب صفوه وبقي كدره

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( باب عزم الإمام على الناس فيما يطيقون ) المراد بالعزم الأمر الجازم الذي لا تردد فيه ، والذي يتعلق به الجار والمجرور محذوف تقديره مثلا محله ، والمعنى وجوب طاعة الإمام محله فيما لهم به طاقة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قال عبد الله ) أي ابن مسعود ، وهذا الإسناد كله كوفيون .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أتاني اليوم رجل ) لم أقف على اسمه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( مؤديا ) بهمزة ساكنة وتحتانية خفيفة أي كامل الأداء أي أداة الحرب ، ولا يجوز حذف الهمزة منه لئلا يصير من أودى إذا هلك . وقال الكرماني : معناه قويا ، وكأنه فسره باللازم .

                                                                                                                                                                                                        وقوله " نشيطا " بنون وبمعجمة من النشاط .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( نخرج مع أمرائنا ) كذا في الرواية بالنون من قوله نخرج ، وعلى هذا فالمراد بقوله رجلا أحدنا ، أو هو محذوف الصفة أي رجلا منا ، وعلى هذا عول الكرماني لأن السياق يقتضي أن يقول مع امرأته ، وفيه حينئذ التفات . ويحتمل أن يكون بالتحتانية بدل النون وفيه أيضا التفات .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( لا نحصيها ) أي لا نطيقها لقوله تعالى علم أن لن تحصوه وقيل لا ندري أهي طاعة أم معصية ؟ والأول مطابق لما فهم البخاري فترجم به ، والثاني موافق لقول ابن مسعود " وإذا شك في نفسه شيء سأل رجلا فشفاه منه " ، أي من تقوى الله أن لا يقدم المرء على ما يشك فيه حتى يسأل من عنده علم فيدله على ما فيه شفاؤه .

                                                                                                                                                                                                        وقوله " شك نفسه في شيء " من المقلوب ، إذ التقدير : وإذا شك في نفسه شيء ، أو ضمن شك معنى لصق ، والمراد بالشيء ما يتردد في جوازه وعدمه .

                                                                                                                                                                                                        وقوله " حتى يفعله " غاية لقوله " لا يعزم " أو للعزم الذي يتعلق به المستثنى وهو مرة . والحاصل أن الرجل سأل ابن مسعود عن حكم طاعة الأمير فأجابه ابن مسعود بالوجوب بشرط أن يكون المأمور به موافقا لتقوى الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 140 ] قوله : ( ما غبر ) بمعجمة وموحدة مفتوحتين أي مضى ، وهو من الأضداد يطلق على ما مضى وعلى ما بقي ، وهو هنا محتمل للأمرين . قال ابن الجوزي : هو بالماضي هنا أشبه كقوله " ما أذكر " . والثغب بمثلثة مفتوحة ومعجمة ساكنة ويجوز فتحها . قال القزاز : وهو أكثر ، وهو الغدير يكون في ظل فيبرد ماؤه ويروق ، وقيل هو ما يحتفره السيل في الأرض المنخفضة فيصير مثل الأخدود فيبقى الماء فيه فتصفقه الريح فيصير صافيا باردا ، وقيل هو نقرة في صخرة يبقى فيها الماء كذلك ; فشبه ما مضى من الدنيا بما شرب من صفوه ، وما بقي منها بما تأخر من كدره . وإذا كان هذا في زمان ابن مسعود وقد مات هو قبل مقتل عثمان ووجود تلك الفتن العظيمة فماذا يكون اعتقاده فيما جاء بعد ذلك وهلم جرا ؟

                                                                                                                                                                                                        وفي الحديث أنهم كانوا يعتقدون وجوب طاعة الإمام ، وأما توقف ابن مسعود عن خصوص جوابه وعدوله إلى الجواب العام فللإشكال الذي وقع له من ذلك ، وقد أشار إليه في بقية حديثه ، ويستفاد منه التوقف في الإفتاء فيما أشكل من الأمر كما لو أن بعض الأجناد استفتى أن السلطان عينه في أمر مخوف بمجرد التشهي وكلفه من ذلك ما لا يطيق ، فمن أجابه بوجوب طاعة الإمام أشكل الأمر لما وقع من الفساد ، وإن أجابه بجواز الامتناع أشكل الأمر لما قد يفضي به ذلك إلى الفتنة ، فالصواب التوقف عن الجواب في ذلك وأمثاله . والله الهادي إلى الصواب .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية