الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( باب الحدث في الصلاة ) .

                                                                                        ثابت في بعض النسخ ولا شك أنه من العوارض وهو ليس بمفسد في كل الأحوال فقدمه على ما يفسدها وقدمنا أن الحدث مانعية شرعية قائمة بالأعضاء إلى غاية استعمال المزيل .

                                                                                        ( قوله ومن سبقه حدث توضأ وبنى ) والقياس فسادها ; لأن الحدث ينافيها والمشي والانحراف يفسدانها فأشبه الحدث العمد ولنا قوله عليه الصلاة والسلام { من قاء أو رعف أو أمذى فلينصرف وليتوضأ وليبن على صلاته ما لم يتكلم } ولا نزاع في صحته مرسلا وهو حجة عندنا وعند أكثر أهل العلم ومذهبنا ثابت عن جماعة من الصحابة وكفى بهم قدوة فوجب ترك القياس به والبلوى فيما يسبق دون ما يتعمده فلا يلحق به ، ثم لجواز البناء شروط :

                                                                                        الأول : أن يكون الحدث سماويا وهو المراد بالسبق وهو ما لا اختيار للعبد [ ص: 390 ] فيه ولا في سببه فلا يبني بشجة وعضة ، ولو منه لنفسه واختلفوا فيما إذا وقعت طوبة من سطح أو سفرجلة من شجر أو تعثر في شيء موضوع في المسجد فأدماه وصححوا عدم البناء فيما إذا سبقه الحدث من عطاسه أو تنحنحه ، ولو سقط من المرأة كرسفها مبلولا بغير صنعها بنت وبتحريكها لا تبن عنده خلافا لهما .

                                                                                        الثاني : أن يكون الحدث موجبا للوضوء فلا يبني من نام فاحتلم في الصلاة ولا من أصابته نجاسة مانعة من الصلاة من غير سبق حدث سواء كانت من بدنه أو من خارج .

                                                                                        الثالث : أن لا يكون الحدث يندر وجوده فلا يبني بإغماء وقهقهة وهذا والثاني سيصرح به المصنف وإدخال الكلام هنا كما في فتح القدير مع أن الكلام مفسد لا حدث لكون شرطه أن لا يأتي بمناف بعده .

                                                                                        الرابع : أن لا يفعل فعلا له منه بد فلو فعله استقبل كما لو استقى الماء من البئر على المختار أو كان دلوه متخرقا فخرزه ، وكذا لو وجد ماء للوضوء فذهب إلى ماء أبعد منه من غير عذر النسيان ونحوه إلا إذا كان الماء القريب في بئر كما قدمناه وإلا إذا كان قليلا قدر صفين كما إذا وجد مشرعة من الماء فتركها وذهب إلى أخرى بجنبها فإنه يبني ، وكذا لو رد الباب عليه باليدين لا لقصد ستر العورة فلو كان له لا تفسد أو بيد واحدة لا تفسد مطلقا ، وكذا لو حمل آنية لغير حاجة بيديه فلو كان لحاجة لا تفسد مطلقا أو بيد واحدة لا تفسد مطلقا ، وكذا لو توضأ ورجع ، ثم تذكر أنه نسي شيئا فذهب وأخذه فسدت ، ولو كشف عورته للاستنجاء بطلت صلاته في ظاهر الرواية ، وكذا إذا كشفت المرأة ذراعيها للوضوء وهو [ ص: 391 ] الصحيح ، وفي الظهيرية عن أبي علي النسفي أنه إذا لم يجد بدا منه لم تفسد ، وكذا المرأة إذا احتاجت إلى البناء لها أن تكشف عورتها وأعضاءها في الوضوء وتغسل إذا لم تجد بدا من ذلك . ا هـ .

                                                                                        ويتوضأ من سبقه الحدث ثلاثا ثلاثا ويستوعب رأسه بالمسح ويتمضمض ويستنشق ويأتي بسائر السنن وقيل يتوضأ مرة مرة ، وإن زاد فسدت والأول أصح ; لأن الفرض يقوم بالكل كذا في الظهيرية ، ولو غسل نجاسة مانعة أصابته ، فإن كان من سبق الحدث بنى ، وإن كانت من خارج لا يبني ، وإن كانت منهما لا يبني ، ولو ألقى الثوب المتنجس من غير حدثه وعليه غيره من الثياب أجزأه كذا في الظهيرية .

                                                                                        الخامس : أن لا يأتي بمناف للصلاة فلو تكلم بكلام الناس بعد الحدث فسدت ، وفي الظهيرية لو طلب الماء بالإشارة أو اشتراه بالتعاطي فسدت .

                                                                                        السادس : أن ينصرف من ساعته فلو مكث قدر أداء ركن بغير عذر فسدت ، ولو كان لعذر فلا كما لو أحدث بالنوم ومكث ساعة ، ثم انتبه فإنه يبني أو مكث لعذر الزحمة كما في الخانية ، وفي المنتقى إن لم ينو بمقامه الصلاة لا تفسد ; لأنه لم يؤد جزءا من الصلاة مع الحدث قلنا هو في حرمتها فما وجد منه صالحا لكونه جزءا منها انصرف إلى ذلك غير مقيد بالقصد إذا كان غير محتاج إليه ، وفي الظهيرية لو أخذه الرعاف ولم ينقطع يمكث إلى أن ينقطع ، ثم يتوضأ ويبني .

                                                                                        السابع : أن لا يؤدي ركنا مع الحدث فلو سبقه الحدث في سجوده فرفع رأسه قاصدا الأداء استقبل ، وكذا لو قرأ في ذهابه لا إن سبح على الأصح ; لأنه ليس من الأجزاء ، وفي المجتبى أحدث في ركوعه أو في سجوده لا يرفع مستويا فتفسد صلاته بل يتأخر محدودبا ، ثم ينصرف ا هـ وظاهره عدم اشتراط قصد الأداء .

                                                                                        الثامن : أن لا يؤدي ركنا مع المشي في حالة الرجوع فلو قرأ بعد الوضوء استقبل .

                                                                                        التاسع : أن لا يظهر حدثه السابق بعد الحدث السماوي فلو سبقه حدث فذهب فانقضت مدة مسحه أو كان متيمما فرأى الماء أو كانت مستحاضة فخرج الوقت استقبل على الأصح كما في المحيط .

                                                                                        العاشر : إذا كان مقتديا أن يعود إلى الإمام إن لم يكن فرغ الإمام وكان بينهما حائل يمنع جواز الاقتداء فلو كان منفردا خير بين العود والإتمام في مكان الوضوء واختلفوا في الأفضل ، ولو كان مقتديا فرغ إمامه فلا يعود فلو عاد اختلفوا في فساد صلاته فلو لم يكن بينهما مانع فله الاقتداء من مكانه من غير عود .

                                                                                        الحادي عشر : أن لا يتذكر فائتة عليه بعد الحدث السماوي وهو صاحب ترتيب .

                                                                                        الثاني عشر إذا كان إماما لا يستخلف من لا يصلح للإمامة فلو استخلف امرأة استقبل .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( باب الحدث في الصلاة ) .

                                                                                        ( قوله مانعية شرعية إلخ ) قال في النهر هذا تعريف بالحكم وعرفه في غاية البيان بأنه وصف شرعي يحل في الأعضاء يزيل الطهارة . قال وحكمه المانعية لما جعلت الطهارة شرطا له وهو المنوي رفعه عند الوضوء دون المعذور والمتيمم .

                                                                                        ( قول المصنف من سبقه حدث توضأ وبنى ) قال الرملي أقول : يعني توضأ عند وجود الماء وقدرته على استعماله ، فإن لم يجد تيمم كما يعلم من قوله في باب التيمم أو عيد ولو بناء ، وإنما لم يصرح به للعلم به منه ومن إطلاق قوله فيه تيمم لبعده ميلا إلخ ا هـ .

                                                                                        أقول : وفي الذخيرة سئل القاضي الإمام محمود الأوزجندي عمن أحدث في صلاته فذهب ليتوضأ فلم يجد الماء فتيمم وانصرف ثم وجد الماء هل تفسد صلاته قال لا . قيل للذهاب والمجيء حكم الصلاة قال بلى ولكن لم يزد شيئا في الصلاة . قيل لم لا تفسد بالضربة للتيمم من غير حاجة قال في ذلك الوقت كان مفيدا ا هـ .

                                                                                        [ ص: 390 ] ( قوله ولو منه لنفسه ) كذا في الفتح والظاهر أن الأولى ولو من غيره له تأمل .

                                                                                        ( قوله واختلفوا فيما إذا وقعت طوبة إلخ ) ، وكذا إذا مس قروحه شيء فسالت أو دخل الشوك رجله أو جبهته فسال منها الدم أو رماه إنسان بحجر فشجه ففي هذا كله يستأنف عندهما ولا يبني وعند أبي يوسف يبني كما في السراج ، ونحوه في الخلاصة وفي المحيط وإن أصاب المصلي حدث بغير فعله بأن شجه إنسان استقبل في قول أبي حنيفة ومحمد ، وقال أبو يوسف يبني ، وقال الناطفي في هدايته رأيت في صلاة الأثر قال أبو حنيفة في الرجل تصيبه بندقة أو حجر في صلاته فشجه فغسله يبني فصار عن أبي حنيفة في المسألة روايتان إسماعيل قال الرملي ، وفي التتارخانية عن المحيط . ولو سقط من السطح مدر فشج رأسه إن كان بمرور المار فهو على الاختلاف وإن كان لا بمرور المار فمن مشايخنا من قال يبني بلا خلاف ومنهم من قال على الخلاف وفي الظهيرية وهو الصحيح ا هـ .

                                                                                        أقول : علم به أن الصحيح عدم البناء مطلقا وأقول : يقاس عليه وقوع السفرجلة ، فإن كان بهزها فعلى الخلاف وإلا فمنهم من قال يبني بلا خلاف والصحيح أنه على الخلاف ( قوله وصححوا عدم البناء إلخ ) قال الرملي ذكر في شرح منية المصلي للحلبي مسألة العطاس والتنحنح والخلاف فيها ثم قال والأظهر أنه يبني يعني في مسألة العطاس لكونه سماويا وإن أحدث بتنحنحه فالأظهر أنه لا يبني .

                                                                                        ( قوله وإدخال الكلام هنا إلخ ) جواب عما وقع في فتح القدير حيث ذكر الكلام والقهقهة في هذا المحل فقال ولا يبني لقهقهة وكلام واحتلام فإن كلامنا في الحدث والكلام مفسد لا حدث لكنه ذكره مع القهقهة لكون من شروط البناء أيضا أن لا يأتي بمناف بعد الحدث فلذا ذكره هنا على أنه لم يفعل كما فعل المؤلف ; لأنه ذكر أولا أن شرط البناء كونه حدثا سماويا من البدن غير موجب للغسل لا اختيار له فيه ولا في سببه ولم يوجد بعده مناف له منه بد ثم أخذ المحترزات فقال فلا يبني بشجة وعضة إلى أن قال ولا لقهقهة وكلام واحتلام ، فليس في كلامه ما يقتضي أن الكلام وما معه من واد واحد بل ذكر كل واحد منها للاحتراز ولبيان فائدة القيود السابقة ( قوله كما لو استقى ) المناسب ذكر هذه الصورة والتي بعدها تحت الشرط الخامس كما لا يخفى قال في السراج من شروط جواز البناء أن لا يفعل فعلا ينافي الصلاة من الكلام والأكل والشرب والاستقاء من البئر وفي المرغيناني له أن يستقي من البئر ويبني إذا لم يكن عنده ماء آخر ، وقال الكرخي لا يبني مع الاستقاء من البئر ا هـ .

                                                                                        وفي شرح المنية ولو كان الماء بعيدا وبقربه بئر ماء يترك البئر ; لأن النزع يمنع البناء على المختار وقيل لا يمنع إن عدم غيره . ا هـ .

                                                                                        وإنما كان المناسب ما قلنا ; لأنه لو حمل كلام المؤلف على ما إذا كان قادرا على غيره كما تدل عليه آخر عبارته اقتضى بمفهومه جواز الاستقاء إن لم يكن قادرا على غيره وهو مخالف لظاهر عبارة السراج حيث جعله كالأكل والشرب ومخالف لما هو المختار من المنع مطلقا كما علمت وإن لم يحمل على ذلك فليس مما نحن فيه اللهم إلا أن يكون اختار خلاف ما في شرح المنية وهو ما تقدم عن المرغيناني ( قوله لا لقصد ستر العورة ) كأنه مبني على جواز كشف العورة وسيأتي أنها تبطل في ظاهر المذهب ( قوله وكذا إذا كشفت المرأة ذراعيها ) قال الرملي هذا مخالف لما في السراجية فإنه قال المرأة إذا سبقها الحدث فكشفت ذراعيها عند غسل اليدين جاز لها البناء عند محمد رحمه الله هو المختار .

                                                                                        [ ص: 391 ] ( قوله وفي الظهيرية عن أبي علي النسفي إلخ ) قال قاضي خان هو الصحيح وفرق بينه وبين ما لو كشفت العورة في الصلاة ابتداء كذا في الشرنبلالية ( قوله لو طلب الماء بالإشارة ) قال الشيخ إسماعيل صرح به في الخانية والسراج ا هـ .

                                                                                        واستشكله في الشرنبلالية بمسألة درء المار بالإشارة وبما في الزيلعي عن الغاية طلب من المصلي شيء فأشار بيده أو برأسه بنعم أو بلا لا تفسد صلاته ، وكذا في البحر عن الخلاصة وغيرها ثم قال نقل في البحر عن شرح المجمع أنه لو رد السلام بيده فسدت قال والحق ما ذكره الحلبي أن الفساد ليس بثابت في المذهب ، وإنما استنبطه بعضهم مما في الظهيرية صافح المصلي إنسانا بنية السلام فسدت صلاته قال فعلى هذا تفسد أيضا إذا رد بالإشارة إلى آخر ما سيذكره المؤلف من ترجيح عدم الفساد بالإشارة قال في الشرنبلالية فلا يبعد أن يكون عدم فساد الصلاة بطلب الماء بالإشارة كرد السلام وغيره بالإشارة فتأمل .

                                                                                        ( قوله وكذا لو قرأ في ذهابه ) ظاهره أنه يستقبل بالقراءة ولو كان سبق الحدث في غير حالة القيام مع أن القراءة لا تكون ركنا إلا في القيام ثم رأيت في المعراج قال وفي المجتبى أحدث في قيامه فسبح ذاهبا أو جائيا لم تفسد ولو قرأ فسدت وقيل إنما تفسد إذا قرأ ذاهبا وقيل على العكس ، والمختار ما قلنا ولو أحدث في ركوعه أو سجوده لا تفسد بالقراءة ا هـ . .




                                                                                        الخدمات العلمية