الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف - رحمه الله تعالى - ( ولا يحرم كسب الحجام لما روى أبو العالية أن ابن عباس رضي الله عنهما سئل عن كسب الحجام فقال : { احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطاه أجره } : ولو كان حراما ما أعطاه ) ويكره للحر أن يكتسب بالحجامة وغيرها من الصنائع الدنيئة كالكنس والذبح والدبغ لأنها مكاسب دنيئة فينزه الحر منها ، ولا يكره للعبد لأن العبد أدنى ، فلم يكره له ، وبالله التوفيق .

                                      [ ص: 67 ]

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) حديث ابن عباس رواه البخاري ومسلم ، واسم أبي العالية رفيع بضم الراء وفتح الفاء قال أصحابنا : كسب الحجام حلال ليس بحرام هذا هو المذهب والمعروف والمنصوص ، وبه قطع الجمهور ، وفيه وجه شاذ قاله أبو بكر بن خزيمة من أصحابنا أنه حرام على الأحرار ، ويجوز إطعامه للعبيد والإماء والدواب ( والصواب ) الأول ، قال أصحابنا : ولا يكره للعبد أكل كسب الحجام سواء كسبه حر أم عبد ، ويكره أكله للحر ، سواء كسبه حر أم عبد ، ولكراهته معنيان ( أحدهما ) مخالطة النجاسة ( والثاني ) دناءته فعلى الثاني يكره كسب الحلاق ونحوه . وعلى الأول يكره كسب الكناس والزبال والدباغ والقصاب والخاتن ، وهذا الوجه هو الصحيح الذي قطع به المصنف والجمهور . وفي كسب الفاصد وجهان ( أصحهما ) لا يكره وهو قول أبي علي بن أبي هريرة ( والثاني ) يكره كراهة تنزيه وفي الحمامي والحائل وجهان ( أصحهما ) لا يكره الحائل وكره جماعة من أصحابنا كسب الصواغين قال صاحب البيان : وفي كراهة هذه الأشياء للعبيد وجهان ( أصحهما ) لا يكره لأنه دنيء وهذا هو الصحيح الذي قطع به المصنف والجمهور ، والله أعلم .

                                      [ ص: 65 ] فرع ) قال الماوردي أصول المكاسب الزراعة والتجارة والصنعة ، وأيها أطيب ؟ فيه ثلاثة مذاهب للناس ( أشبهها ) بمذهب الشافعي أن التجارة أطيب ، قال : والأشبه عندي أن الزراعة أطيب ، لأنها أقرب إلى التوكل ، وذكر الشاشي وصاحب البيان وآخرون نحو ما ذكره الماوردي ، وأخذوه عنه ، قلت : في صحيح البخاري عن المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده ، وإن نبي الله داود صلى الله عليه وسلم كان يأكل من عمل يده } فالصواب ما نص عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عمل اليد ، فإن كان زراعا فهو أطيب المكاسب وأفضلها ، لأنه عمل يده ، ولأن فيه توكلا كما ذكره الماوردي وقال : [ لأن ] فيه نفعا عاما للمسلمين والدواب ، ولأنه لا بد في العادة أن يؤكل منه بغير عوض ، فيحصل له أجره . وإن لم يكن ممن يعمل بيده بل يعمل له غلمانه وأجراؤه فاكتسابه بالزراعة أفضل لما ذكرناه ، وقد ثبت عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ما من مسلم يغرس غرسا إلا كان ما أكل منه له صدقة ، وما سرق منه له صدقة ، ولا يرزؤه أحد إلا كان له صدقة } رواه مسلم في صحيحه ، ومعنى يرزؤه ينقصه ، وفي رواية لمسلم أيضا : { فلا يغرس المسلم غرسا فيأكل منه إنسان ولا دابة ولا طير إلا كان له صدقة إلى يوم القيامة } وفي رواية لمسلم أيضا : { لا يغرس مسلم غرسا ولا يزرع زرعا فيأكل ، منه إنسان ، ولا دابة ، ولا شيء إلا كانت له صدقة } رواه البخاري ومسلم جميعا من رواية أنس ، والله أعلم .

                                      ( فرع ) في جملة من الأحاديث الواردة في كسب الحجام والحجامة عن { عون بن أبي جحيفة قال : اشترى أبي عبدا حجاما فأمر بمحاجمه [ ص: 66 ] فكسرت وقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب ، ومهر البغي ، وثمن الدم ، ولعن الواشمة والمستوشمة ، وآكل الربا ومؤكله ولعن المصور } ; رواه البخاري .

                                      وعن رافع بن خديج رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { كسب الحجام خبيث ، ومهر البغي خبيث ، وثمن الكلب خبيث } رواه مسلم وفي رواية : { شر الكسب مهر البغي وثمن الكلب وكسب الحجام } وعن محيصة رضي الله عنه { أنه استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في إجارة الحجام فنهاه عنها ، فلم يزل يسأله حتى قال : أعلفه نواضحك } رواه مالك وأبو داود والترمذي وابن ماجه وغيرهم بأسانيدهم الصحيحة قال الترمذي : هو حديث حسن . وعن أنس رضي الله عنه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حجمه أبو طيبة فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بصاعين من طعام وكلم مواليه فخفف عنه من ضريبته ، وقال : خير ما تداويتم به الحجامة والقسط البحري } رواه البخاري ومسلم .

                                      وعنه { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتجم ولا يظلم أحدا أجره } رواه مسلم وعن ابن عباس { أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى ، الحجام أجره واستعط } رواه البخاري ومسلم ، ورويا حديثه السابق في كلام المصنف .

                                      ( فرع ) في مذاهب العلماء في كسب الحجام . مذهبنا أنه ليس بحرام لا على العبد ولا على الحر ، لكن يستحب للحر التنزه عنه ، وعن أكله ، وبهذا قال جماهير العلماء : وقال أحمد في رواية ضعيفة عنه وفقهاء المحدثين : يحرم على الأحرار دون العبيد ، واحتجوا بالأحاديث السابقة ، واحتج الجمهور بحديث ابن عباس ، وحملوا الأحاديث الباقية على التنزيه والارتفاع عن دنيء الاكتساب ، والحث على مكارم الأخلاق .



                                      [ ص: 67 ] فرع ) في فضل الحجامة مع ما سبق . { عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال لمريض عاده : لا أبرح حتى يحتجم ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن فيه شفاء } رواه البخاري ومسلم .

                                      وعن أبي هريرة رضي الله عنه { أن أبا هند حجم النبي صلى الله عليه وسلم في يأفوخه من وجع كان به وقال : إن كان في شيء شفاء مما تداوون به فالحجامة } رواه أبو داود وغيره بأسانيد صحيحة اليأفوخ بهمزة ساكنة بعد الياء ولا خلاف أنه مهموز واختلفوا في الياء منه هل هي أصلية أم زائدة ؟ فقال الجوهري : هي زائدة ووزنه يفعول ، قال أبي فارس : هي أصلية وهو رباعي ، قال الجوهري : جمعه يآفيخ قال : وهو الموضع الذي يتحرك من رأس الصبي ، وهو الرأس ، وعن سلمى خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها قالت : { ما كان أحد يشتكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعا من رأسه إلا قال : احتجم ، ولا وجعا في رجليه إلا قال اخضبهما } رواه أبو داود بإسناد حسن . .



                                      ( فرع ) في موضع الحجامة . عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : { احتجم رسول الله وهو صلى الله عليه وسلم محرم في رأسه من صداع كان به أو وبى } رواه البخاري ورواه البخاري أيضا من رواية عبد الله ابن بحينة بمعناه ، وروى البيهقي بإسناده عن أنس { أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم على ظهر قدمه وهو محرم } قال البيهقي : كذا قال : على ظهر قدمه ، وفي رواية ابن عباس وابن بحينة في رأسه ، قال : والعدد أولى بالحفظ من الواحد إلا أن يكون فعل ذلك مرتين وهو محرم ، وعن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم { احتجم على وركه من وبى كان به } ، ، ، كذا قال : على وركه ، وفي رواية : { احتجم وهو محرم من وبى كان بوركه أو قال بظهره } قال البيهقي : فكأنه صلى الله عليه وسلم احتجم في رأسه وهو محرم من وبى كان به أو صداع . [ ص: 68 ] وعن أنس رضي الله عنه { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتجم ثلاثا اثنتين في الأخدعين وواحدة في الكاهل } رواه أبو داود بإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم ، ورواه الترمذي وقال : حديث حسن ، قال أهل اللغة : الأخدعان عرقان في جانبي العنق ، وعن أبي كبشة الأنماري الصحابي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم { كان يحتجم على هامته وبين كتفيه ويقول : من أهراق دما من هذه الدماء فلا يضره أن لا يتداوى بشيء لشيء } رواه أبو داود وابن ماجه بإسنادين حسنين .



                                      ( فرع ) في وقت الحجامة . عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من احتجم لسبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين كان شفاء من كل داء } رواه أبو داود بإسناد حسن على شرط مسلم وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { خير ما تحتجمون فيه سبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرون } رواه البيهقي بإسناد ضعيف وعن معقل بن يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من احتجم يوم الثلاثاء لسبع عشرة من الشهر كان دواء لداء السنة } رواه البيهقي وضعفه . وعن أنس رفعه : { من احتجم يوم الثلاثاء لسبع عشرة خلت من الشهر أخرج الله منه داء سنته } ضعفه البيهقي { وعن كيسة بنت أبي بكرة أن أباها كان نهى أهله عن الحجامة يوم الثلاثاء ويزعم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوم الثلاثاء يوم الدم وفيه ساعة لا يرقأ ، ، ، } رواه أبو داود بإسناد ضعيف ورواه البيهقي وقال : إسناده ليس بالقوي قال : والنهي الذي فيه موقوف وليس بمرفوع . وعن سليمان بن أرقم عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { ومن احتجم يوم الأربعاء ويوم السبت فرأى وضحا فلا يلومن إلا نفسه } هذا ضعيف رواه البيهقي وقال : سليمان بن أرقم ضعيف قال : وروي عن ابن سمعان وسليمان بن يزيد عن الزهري [ ص: 69 ] كذلك موصولا وهو أيضا ضعيف والمحفوظ عن الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم منقطعا .

                                      وعن عطاف بن خالد عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إن في الجمعة ساعة لا يحتجم فيها محتجم إلا عرض له داء لا يشفى منه } هذا ضعيف جدا ، رواه البيهقي وضعفه قال : عطاف بن خالد ضعيف ، قال : ورواه يحيى بن العلاء الرازي وهو متروك بإسناد له عن الحسين بن علي عنه حديثا مرفوعا ، وليس بشيء ، والحاصل أنه لم يثبت شيء في النهي عن الحجامة في يوم معين ، والله سبحانه وتعالى أعلم .



                                      ( فرع ) في استحباب ترك الاكتواء للتداوي وليس بحرام عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { إن كان في أدويتكم أو ما تداويتم به من خير فشرطة محجم ، أو شربة عسل ، أو لذعة بنار توافق داء ، وما أحب أن أكتوي } رواه البخاري ومسلم .

                                      وعن ابن عباس ، ، ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { الشفاء في ثلاثة في شرطة محجم أو شربة عسل أو كية بنار ، وأنا أنهى أمتي عن الكي } رواه البخاري .

                                      وعن ابن عباس أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب فقلت من هم قال : هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يغتابون ، وعلى ربهم يتوكلون } رواه البخاري ومسلم ، وفي روايات للبخاري : ( ولا يكتوون ) وعن عمران بن حصين قال : قال نبي الله صلى الله عليه وسلم { : يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب ، قالوا : ومن هم يا رسول الله ؟ قال : هم الذين لا يكتوون ولا يسترقون ، وعلى ربهم يتوكلون } رواه مسلم . [ ص: 70 ] وعن المغيرة بن شعبة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { من اكتوى أو استرقى فقد برئ من التوكل } رواه الترمذي بإسناد صحيح .

                                      وعن عمران بن الحصين رضي الله عنهما قال : { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكي فاكتوينا فلا أفلحن ولا أنجحن } رواه أبو داود بإسناد صحيح .

                                      وفي رواية البيهقي : { فما أفلحنا ولا أنجحنا } وإسنادها صحيح . وعن مطرف قال : قال لي عمران بن الحصين : { إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين حج وعمرة ، ثم لم ينه عنه حتى مات ولم ينزل فيه قرآن يحرمه ، وقد كان يسلم علي حتى اكتويت فتركت ، ثم تركت الكي فعاد } رواه مسلم في صحيحه في كتاب الحج



                                      ( فرع ) في جواز الكي وقطع العروق للحاجة . عن جابر رضي الله عنه قال : { بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بن كعب طبيبا فقطع منه عرقا ثم كواه عليه } رواه مسلم .

                                      وفي رواية لمسلم أيضا { أن أبيا مرض فبعث النبي صلى الله عليه وسلم إليه طبيبا فكواه على أكحله } وعنه ، قال : ( رمي سعد بن معاذ في أكحله فحسمه النبي صلى الله عليه وسلم بيده ثم ورمت فحسمه الثانية ) رواه مسلم وعن ابن مسعود قال : { جاء نفر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله إن صاحبا لنا اشتكى أفنكويه ؟ فسكت ساعة . ثم قال : إن شئتم فاكووه ، وإن شئتم فارمضوه يعني بالحجارة } رواه البيهقي بإسناد صحيح ، وروى البيهقي عنه ( أن أنسا اكتوى وابن عمر ، وكوى ابن عمر ابنه ) والله أعلم .



                                      ( فرع ) في الدواء والاحتماء ( أما ) الدواء فسبقت فيه جملة صالحة في أول كتاب الجبائر ( وأما ) الاحتماء ففيه حديث أم منذر بنت قيس الأنصارية قالت : { دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه علي وعلي ناقه ولنا دوالي معلقة ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ منها ، وقام علي ليأكل فطفق [ ص: 71 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي : مه إنك ناقه ، حتى كف علي رضي الله عنه ، قالت : وصنعت شعيرا وسلقا فجئت به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا علي أصب من هذا فهو أنفع } رواه أبو داود والترمذي وغيرهما قال الترمذي : حديث حسن : الناقه بالنون والقاف هو الذي برئ من المرض وهو قريب عهد به ، لم تتكامل صحته ، يقال : نقه ينقه فهو ناقه ، كعلم يعلم فهو عالم ، وعن صهيب رضي الله عنه قال : { قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم مهاجرا وبين يديه تمر ، فقال : تعال فكل ، فجعلت آكل . فقال : تأكل التمر وبك رمد ؟ قلت : إني أمضغه من ناحية أخرى ، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم } رواه ابن ماجه والبيهقي بإسناد ضعيف .



                                      ( فرع ) في جواز الرقية بكتاب الله تعالى ، وبما يعرف من ذكر الله عن الأسود قال : { سألت عائشة عن الرقية من الحمة فقالت : رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرقية من كل ذي حمة } رواه البخاري ومسلم الحمة بضم الحاء المهملة وتخفيف الميم وهي السم ، وقد تشدد الميم ، وأنكره الأزهري وكثيرون ، وأصلها حمو أو حمى كصرد ، فألفها فيها عوض من الواو والياء المحذوفة ، وعن عائشة رضي الله عنها قالت : { أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أستتر من العين } رواه البخاري ومسلم وعن أم سلمة { أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في بيتها جارية في وجهها سفعة ، فقال : استرقوا لها ، فإن بها نظرة } رواه البخاري ومسلم ، السفعة بفتح السين وإسكان الفاء صفرة وتغيير ، والنظرة بفتح النون هي العين وعن أنس قال : { رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرقية من العين والنملة والحمة } رواه مسلم ، قال الأصمعي : النملة هي قروح تخرج في الجنب وغيره ، وعن جابر قال : { لدغت رجلا منا عقرب ونحن جلوس مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال رجل يا رسول الله أرقي ؟ قال : من استطاع أن ينفع أخاه [ ص: 72 ] فليفعل } رواه مسلم ، وفي رواية له { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأسماء بنت عميس : ما لي أرى أجسام بني أخي ضارعة تصيبهم الحاجة ، قالت : لا ولكن العين تسرع إليهم ، قال : ارقيهم قالت فعرضت عليه فقال : ارقيهم } وعن جابر أيضا قال : { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرقى ، فجاء آل عمرو بن حزم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله إنه كانت عندنا رقية يرقى بها من العقرب ، وأنك نهيت عن الرقى ، قال : ، ، ، فعرضوها عليه ، فقال : ما أرى بأسا ، من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه } رواه مسلم .

                                      وعن عوف بن مالك قال : { كنا نرقي في الجاهلية ، فقلنا : يا رسول الله ما تقول في ذلك ؟ قال اعرضوا علي رقاكم ، لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك } رواه مسلم وعن الشفاء بنت عبيد الله قالت : { دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عند حفصة ، فقال ألا تعلمين هذه رقية النملة كما علمتها الكتابة ؟ } رواه أبو داود بإسناد صحيح .

                                      وعن أبي خزامة عن أبيه { أن أباه حدثه أنه قال : يا رسول الله أرأيت دواء نتداوى به ، ورقى نسترقي بها ، وتقاة نتقيها هل يرد ذلك من قدر الله من شيء ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنه من قدر الله } رواه الترمذي وابن ماجه والبيهقي ( أما ) حديث عمران بن الحصين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : لا رقية إلا من عين أو حمة } فصحيح رواه أبو داود والترمذي وغيرهما بأسانيد صحيحة ، قال البيهقي : معناه هما أولى بالرقى من غيرهما ، لما فيهما من زيادة الضرر ، والله تعالى أعلم . وروى البيهقي بإسناده الصحيح عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة قالت : ( دخل أبو بكر رضي الله عنه عليها ، وعندها يهودية ترقيها ، فقال ارقيها بكتاب الله عز وجل ) وبإسناده الصحيح عن الربيع بن سليمان قال : ( سألت الشافعي عن الرقية فقال : لا بأس أن يرقي الإنسان بكتاب الله عز وجل ، وما يعرف من ذكر الله قلت : أيرقي أهل الكتاب المسلمين ؟ [ ص: 73 ] فقال : نعم إذا رقوا بما يعرف من كتاب الله أو ذكر الله قلت وما الحجة في ذلك ؟ فقال فيه غير حجة ، فإن مالكا أخبرنا عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن أن أبا بكر دخل على عائشة رضي الله عنها وهي تشتكي ويهودية ترقيها فقال أبو بكر رضي الله عنه : ارقيها بكتاب الله ) قال البيهقي : والأخبار فيما رقى به النبي صلى الله عليه وسلم ورقي به ، وفيما تداوى به وأمر بالتداوي به كثيرة ، والله أعلم .



                                      ( فرع ) في تعليق التمائم عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود عن عبد الله بن مسعود قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { إن الرقى والتمائم والتولة شرك ، قالت قلت : لم تقول هذا ؟ والله لقد كانت عيني تقذف ، وكنت أختلف إلى فلان اليهودي يرقيني ، فإذا رقاني سكنت ، فقال عبد الله : إنما كان عمل الشيطان ينخسها بيده ، فإذا رقاها كف عنها ، إنما يكفيك أن تقولي كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أذهب البأس رب الناس ، اشف أنت الشافي ، لا شفاء إلا شفاؤك ، شفاء لا يغادر سقما } رواه أبو داود وابن ماجه ، قال أبو عبيد : التولة بكسر التاء هو الذي يحبب المرأة إلى زوجها وهو من السحر قال : وذلك لا يجوز ( أما ) الرقاء والتمائم ، قال ، ، ، فالمراد بالنهي ما كان بغير لسان العربية بما لا يدرى ما هو . قال البيهقي : ويقال إن التميمة خرزة كانوا يعلقونها ، يرون أنها تدفع عنهم الآفات ، ويقال قلادة يعلق فيها العود ، وعن عتبة بن عامر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { : من علق تميمة فلا أتم الله له ، ومن علق ودعة فلا ودع الله له } رواه البيهقي وقال هو أيضا راجع إلى معنى ما قال أبو عبيدة ، قال : ويحتمل أن يكون ذلك وما أشبهه من النهي والكراهة فيمن يعلقها ، وهو يرى تمام العافية ، وزوال العلة بها ، على ما كانت عليه الجاهلية ، وأما من يعلقها متبركا بذكر الله تعالى فيها ، وهو يعلم أن لا كاشف له إلا الله ولا دافع عنه سواه ، فلا بأس بها إن شاء الله تعالى .

                                      [ ص: 74 ] ثم روى البيهقي بإسناده عن عائشة رضي الله عنها قالت ( ليست التميمة ما يعلق قبل البلاء ، إنما التميمة ما يعلق بعد البلاء لتدفع به المقادير ) وفي رواية عنها قالت ( التمائم ما علق قبل نزول البلاء ، وما علق بعد نزول البلاء فليس بتميمة ) قال البيهقي : هذه الرواية أصح ، ثم روى بإسناد صحيح عنها قالت : ( ليس بتميمة ما علق بعد أن يقع البلاء ) قال البيهقي : وهذه الرواية تدل على صحة التي قبلها . وعن عمران بن الحصين { أنه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وفي عنقه حلقة من شعر فقال ما هذه ؟ قال من الواهنة ، قال : أيسرك أن توكل إليها ؟ انبذها عنك } رواه ابن ماجه والبيهقي بإسنادين في كل منهما من اختلف فيه . وعن ابن مسعود " من علق شيئا وكل إليه " وروى البيهقي بإسناد صحيح عن سعيد بن المسيب أنه كان يأمر بتعليق القرآن ، وقال : لا بأس به ، قال البيهقي هذا كله راجع إلى ما قلنا إنه إن رقى بما لا يعرف ، أو على ما كانت عليه الجاهلية من إضافة العافية إلى الرقى ، لم يجز وإن رقى بكتاب الله أو بما يعرف من ذكر الله تعالى متبركا به وهو يرى نزول الشفاء من الله تعالى لا بأس به والله تعالى أعلم



                                      ( فرع ) في النشرة بضم النون وإسكان الشين المعجمة قال الخطابي النشرة ضرب من الرقية والعلاج يعالج من كان يظن به مس من الجن ، قيل : سميت نشرة لأنه ينشرها عنه أي يحل عنه ما جاء مرة من الداء ، وجاء في حديث جابر رضي الله عنه قال : { سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النشرة فقال : هو من عمل الشيطان } رواه أبو داود بإسناد صحيح ، قال البيهقي : وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا قال : وهو مع إرساله أصح ، قال : والقول فيما لا يكره من النشرة وفيما يكره ، كالقول في الرقية وقد ذكرناه .



                                      [ ص: 75 ] فرع ) في العين والاغتسال لها . عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { العين حق } رواه البخاري ومسلم . وعن أم سلمة { أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في بيتها جارية في وجهها سفعة ، فقال استرقوا لها فإن بها النظرة } رواه البخاري ومسلم وقد سبق بيانه في فرع الرقى والنظرة العين . وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { العين حق ، ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين . إذا استغسلتم فاغسلوا } رواه مسلم ، قال العلماء : الاستغسال أن يقال للعائن وهو الناظر بعينه بالاستحسان : اغسل داخلة إزارك مما يلي الجلد بماء ، ثم يصب ذلك الماء على المعين ، وهو المنظور إليه . وثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : { كان يؤمر العائن فيتوضأ ثم يغتسل منه المعين } رواه أبو داود بإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم . وعن الزهري عن أبي أمامة سهل بن حنيف ، قال : { مر عامر بن ربيعة على سهل بن حنيف وهو يغتسل ، فقال : لم أر كاليوم ولا جلد مخبأة ، فما لبث أن لبط به فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم فقال له أدرك سهلا صريعا فقال من يتهمون به ؟ قالوا : عامر بن ربيعة فقال علام يقتل أحدكم أخاه ؟ إذا رأى ما يعجبه فليدع بالبركة ، وأمره أن يتوضأ ويغسل وجهه ويديه [ ص: 76 ] ومرفقيه وركبتيه وداخلة إزاره ، ويصب الماء عليه } قال الزهري ويكفأ الإناء من خلفه . رواه النسائي في كتابه عمل اليوم والليلة وابن ماجه والبيهقي في سننهما بأسانيد صحيحة . قال الزهري : الغسل الذي أدركنا علماءنا يصفونه أن يؤتى الرجل العائن بقدح فيه ماء فيمسك له مرفوعا من الأرض فيدخل العائن يده اليمنى في الماء فيصب على وجهه صبة واحدة في القدح ، ثم يدخل يديه جميعا في الماء صبة واحدة في القدح ، ثم يدخل يديه فيتمضمض ثم يمجه ، ثم يدخل يده اليسرى فيغترف من الماء فيصبه على ظهر كفه اليمنى صبة واحدة ، في القدح ، ثم يدخل ، يده اليسرى فيصب على مرفق يده اليمنى صبة واحدة في القدح ، وهو ثان يده إلى عنقه ثم يفعل مثل ذلك في مرفق يده اليسرى ، ثم يفعل مثل ذلك في ظهر قدمه اليمنى من عند الأصابع واليسرى كذلك ، ثم يده اليسرى ، فيصب على ركبته اليمنى ، ثم يفعل باليسرى مثل ذلك ثم يغمس داخلة إزاره اليمنى في الماء ، ثم يقوم الذي في يده القدح بالقدح فيصبه على رأس المعين من ورائه ثم يكفأ القدح على وجه الأرض من ورائه . وذكر البيهقي عن الزهري من طرقه زاد في بعضها : ثم يعطى ذلك الرجل الذي أصابه به القدح فيحسو منه ويتمضمض ، ويهريق على وجهه ، ثم يصب على رأسه ، ثم يكفأ القدح على ظهره قال البيهقي قال أبو عبيد : إنما أراد بداخلة الإزار طرف إزاره الداخل الذي يلي جسده ، والله أعلم .



                                      ( فصل في الجبن ) أجمعت الأمة على جواز أكل الجبن ما لم يخالطه نجاسة ، بأن يوضع فيه إنفحة ذبحها من لا يحل ذكاته فهذا الذي ذكرناه من دلالة الإجماع هو المعتمد في إباحته ، وقد جمع البيهقي فيه أحاديث كثيرة ( منها ) حديث عمر رضي الله عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بجبن في تبوك فدعا بسكين فسمى وقطع } رواه أبو داود بإسناد ضعيف .

                                      وعن [ ص: 77 ] ابن عباس { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة رأى جبنة فقال : ما هذا ؟ فقالوا هذا طعام يصنع بأرض العجم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعوا فيه السكين واذكروا اسم الله وكلوا } رواه البيهقي بإسناد فيه ضعف وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : ( الجبن من اللبن واللبأ فكلوا ، واذكروا اسم الله عليه ، ولا يغرنكم أعداء الله ) وعن علي رضي الله عنه ( إذا أردت أن تأكل الجبن فضع الشفرة فيه ، واذكر اسم الله عز وجل عليه وكل ) وروى البيهقي نحوه عن عائشة وأم سلمة قال : وروي عن سلمان الفارسي ، ثم روى البيهقي في باب ما يحل من الجبن عن عمر رضي الله عنه قال ( كلوا الجبن ما صنعه أهل الكتاب ) وفي رواية ( ولا تأكلوا من الجبن إلا ما صنعه أهل الكتاب ) وعن ابن مسعود ( كلوا من الجبن ما صنعه المسلمون وأهل الكتاب ) وعن ابن عمر مثله . قال البيهقي : وهذا التقييد لأن الجبن يعمل بإنفحة السخلة المذبوحة ، فإذا كانت من ذبائح المجوس لم تحل . وعن ابن عمر أنه سئل عن السمن والجبن فقال ( سم وكل ، فقيل له إن فيه ميتة ، فقال : إن علمت أن فيه ميتة فلا تأكله ) قال البيهقي : وقد كان بعض العلماء يسأل عنه تغليبا للطهارة ، وروينا ذلك عن ابن عباس وابن عمر وغيرهما ، وكان بعضهم سأل عنه احتياطا . ورويناه عن أبي مسعود الأنصاري قال : " لأن أخر من هذا القصر أحب إلي من أن آكل جبنا لا أسأل عنه وعن الحسن البصري قال : ( كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن الجبن ولا يسألون عن السمن ) وعن أبان بن أبي عياش عن أنس بن مالك قال { كنا نأكل الجبن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد ذلك لا نسأل عنه } حديث ضعيف ، أبان بن أبي عياش ضعيف متروك .



                                      ( فصل ) يحل أكل الكبد والطحال بلا خلاف للحديث الصحيح السابق { أحل لنا ميتتان ودمان ، فأما الميتتان فالسمك والجراد والدمان [ ص: 78 ] الكبد والطحال } وقد سبق أنه حديث صحيح من لفظ ابن عمر هكذا ، وأن هذه الصيغة تقتضي رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وروى البيهقي عن زيد بن ثابت قال : ( إني لآكل الطحال وما بي إليه حاجة إلا ليعلم أهلي أنه لا بأس به ) وعن عكرمة قال : قال رجل لابن عباس : آكل الطحال ؟ قال : نعم قال : إن عامتها دم ؟ قال : إنما حرم الدم المسفوح .



                                      ( فصل ) عن مجاهد قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره من الشاة سبعا : الدم ، والمرار ، والذكر ، والأنثيين ، والحيا ، والغدة ، والمثانة ، وكان أعجب الشاة إليه مقدمها } رواه البيهقي هكذا مرسلا وهو ضعيف ، قال : وروي موصولا بذكر ابن عباس وهو حديث قال ولا يصح وصله قال الخطابي : الدم حرام بالإجماع وعامة المذكورات معه مكروهة غير محرمة .



                                      ( فصل ) فيما حرم على بني إسرائيل ثم ورد شرعنا بنسخه . اعلم أن الشافعي صلى الله عليه وسلم اعتنى بهذا الفصل وبسط الكلام فيه ، وهو مما يحتاج إلى بيانه قال الله تعالى { كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه } الآية ، وقال تعالى { فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم } وقال تعالى : { وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم } قال الشافعي : [ ص: 79 ] الحوايا ما حول الطعام والشراب في البطن وقال ابن عباس : كل ذي ظفر : البعير والنعامة ، وما حملت ظهورهما يعني ما علق بالظهر من الشحم ، والحوايا المبعر . وبينت الأحاديث الصحيحة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها وأكلوا أثمانها } جملوها ، ، بالجيم أي أذابوها . قال الشافعي : فلم يزل ما حرم الله تعالى على بني إسرائيل من اليهود وغيرهم محرما من حين حرمه حتى بعث الله عز وجل محمدا صلى الله عليه وسلم ففرض الإيمان به وأعلم خلقه أن دينه الإسلام الذي نسخ به كل دين قبله ، فقال تعالى : { إن الدين عند الله الإسلام } { ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه ، وهو في الآخرة من الخاسرين } وقال تعالى : { قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله } الآية ، وأمر بقتالهم حتى يعطوا الجزية إن لم يسلموا ، وأنزل فيهم : { الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ، ويضع عنهم إصرهم ، والأغلال التي كانت عليهم } قال الشافعي فقيل : معناه أوزارهم وما منعوا مما أحدثوا قبل ما شرع من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .

                                      قال الشافعي : فلم يبق خلق يعقل منذ بعث الله عز وجل محمدا صلى الله عليه وسلم من جن ولا إنس بلغته دعوته إلا قامت عليه حجة الله تعالى باتباع دينه ، ولزم كل امرئ منهم تحريم ما حرم الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم وإحلال ما أحل [ ص: 80 ] الله على لسانه صلى الله عليه وسلم قال الشافعي وأحل الله تعالى طعام أهل الكتاب فكان ذلك عند أهل التفسير ذبائحهم ، لم يستثن منها شيئا لا شحما ولا غيره ، فدل على جواز أكل جميع الشحوم من ذبائحهم وذبائح المسلمين ، وفي الصحيحين عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال : ( دلي جراب من شحم يوم خيبر فالتزمته فقلت : هذا لي لا أعطي أحدا منه شيئا ، فالتفت ، فإذا النبي صلى الله عليه وسلم يتبسم فاستحييت منه ) .

                                      ( فرع ) مذهبنا أن الشحوم التي كانت محرمة على اليهود حلال لنا ليست مكروهة ، وبه قال أبو حنيفة والثوري والأوزاعي وجماهير العلماء ، وبعض أصحاب أحمد وهو قول الخرقي منهم ، قال العبدري : وقال مالك : هي مكروهة ليست محرمة ، وقال ابن القاسم وأشهب وبعض أصحاب أحمد : هي محرمة ، وقيل إنه مروي عن مالك أيضا قال القاضي عياض : هذا قول كبراء أصحاب مالك دليلنا ما سبق في الفصل قبله ، والله تعالى أعلم .



                                      ( فرع ) في بيان ما حرم المشركون من الذبائح ، وبيان أنها ليست محرمة قال الشافعي - رحمه الله - : حرم المشركون على أنفسهم من أموالهم أشياء بين الله عز وجل أنها ليست محرمة ، كالبحيرة والسائبة والوصيلة والحامي ، كانوا ينزلونها في الإبل والغنم كالعتق ، فيحرمون ألبانها ولحومها وملكها ، وساق الكلام في ذلك ، والله تعالى أعلم .




                                      الخدمات العلمية