الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( باب ما جاء في كحل رسول الله صلى الله عليه وسلم )

الكحل بالفتح مصدر بمعنى استعمال الكحل في العين ، وبالضم اسم للذي يكتحل به ، قال ميرك : والمسموع من حيث الرواية الضم وإن كان للفتح وجه بحسب المعنى إذ ليس في أحاديث الباب التصريح بما يكتحل به إلا في طريق واحد ، وأكثر الطرق بيان كيفية اكتحاله .

( حدثنا محمد بن حميد ) : بالتصغير . ( الرازي ) : وهو أبو عبد الله روى عن ابن المبارك ، وروى عنه أحمد ويحيى اختلف فيه ، وكان ابن معين يقول : حسن [ ص: 126 ] الرأي . وقيل حافظ ضعيف ، وأخرج حديثه أبو داود والترمذي وابن ماجه . ( أخبرنا أبو داود الطيالسي ) : منسوب إلى الطيالسة وهي جمع الطيلسان . ( عن عباد ) : بفتح مهملة فموحدة مشددة . ( بن منصور ) : وهو أبو سلمة البصري القاضي بها ، صدوق رمي بالقدر وتغير بآخره ، أخرج حديثه البخاري في التعليق والأئمة الأربعة في صحاحهم ، واختلف فيه . ( عن عكرمة ، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : اكتحلوا بالإثمد ) : أي دوموا على استعماله ، وهو بكسر الهمزة وسكون المثلثة وميم مكسورة ، حجر يكتحل به ، وقال التوربشتي : هو الحجر المعدني ، وقيل هو الكحل الأصفهاني ، ينشف الدمعة والقروح ويحفظ صحة العين ويقوي عصابتها لا سيما للشيوخ والصبيان .

وفي تاج الأسامي : الإثمد توتيا ، وفي رواية " بالإثمد المروح " ، وهو الذي أضيف إليه المسك الخالص كذا قالالدميري .

وفي سنن أبي داود : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإثمد المروح عند النوم وقال : " ليتقه الصائم " . وعند البيهقي من حديث أبي رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكتحل بالإثمد . وفي سنده مقال ، ولأبي الشيخ في كتاب أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم بسند ضعيف عن عائشة قالت : كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم إثمد يكتحل به عند منامه في كل عين ثلاثا . ( فإنه ) : أي الإثمد أو الاكتحال . ( يجلو البصر ) : من الجلاء ، أي يحسن العين لدفعه المواد الرديئة النازلة إليها من الرأس . ( وينبت الشعر ) : من الإنبات ، قال ميرك : والشعر بفتح العين في الرواية ، قلت : ولعل وجهه مراعاة البصر ، ثم المراد شعر أهداب العين الذي ينبت على أشفارها . وعند أبي عاصم والطبري من حديث علي بسند حسن : " عليكم بالإثمد فإنه منبتة للشعر ، مذهبة للقذى ، مصفاة للبصر " . ( وزعم ) : أي ابن عباس كما يفهم من رواية ابن ماجه ، ويصرح به الأحاديث الآتية ، وهو أقرب وبالاستدلال أنسب . وقيل محمد بن حميد ، وفي بعض النسخ " فزعم " بالفاء ، والزعم قد يطلق بمعنى القول المحقق وإن كان أكثر ما يستعمل فيما يشك فيه قال تعالى : ( زعم الذين كفروا ) وفي الحديث : " بئس مطية الرجل زعموا " فإن كان الضمير لابن عباس على ما هو المتبادر من السياق فالمراد به القول المحقق كقول أم هانئ عن أخيها علي رضي الله عنهما للنبي صلى الله عليه وسلم : زعم ابن أمي أنه قاتل فلان وفلان لاثنين من أصهارها أجارتهما . وإن كان لمحمد بن حميد على ما جوزه بعضهم فالزعم باق على معناه المتبادر إشارة إلى ضعف حديثه بإسقاط الوسائط بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم ، لكن الظاهر من العبارة أنه لو كان القائل ابن عباس لقيل : وإن النبي صلى الله عليه وسلم . ولم يكن لذكر زعم فائدة إلا أن يقال أنه أتى لطول الفصل كما يقع إعادة قال في كثير من العبارات ، وإيماء إلى أن الأول حديث مرفوع والثاني موقوف والأول قولي والثاني فعلي ، وأما قول العصام : والأوجه نسبة الزعم إلى محمد بن حميد ، ويؤيده [ ص: 127 ] نسبة هذا القول في الحديث الثاني إلى يزيد بن هارون فغير صحيح ; لأن المراد بقول المصنف : وقال يزيد بن هارون في حديثه . أي حديثه الذي يرويه عن ابن عباس لا أنه في حديث نفسه ، والمقصود المغايرة اللفظية بين الرواة في الأسانيد المختلفة هذا . ولما كان زعم يستعمل غالبا بمعنى ظن ورد : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم ) : بفتح الهمزة ، وقوله : ( كانت له مكحلة ) : بضم الميم والمهملة ، اسم آلة الكحل على خلاف القياس ، والمراد منها ما في الكحل . ( يكتحل منها كل ليلة ) : بالنصب ، أي قبل أن ينام - كما سيأتي - والحكمة فيه أنه حينئذ أبقى للعين وأمكن في السراية إلى طبقاتها . ( ثلاثة ) : أي متوالية . ( في هذه ) : أي اليمنى . ( وثلاثة ) : أي متتابعة . ( في هذه ) : أي اليسرى ، والمشار إليه عين الراوي بطريق التمثيل ، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال : " من اكتحل فليوتر " . رواه أبو داود ، وفي الإيتار قولان : أحدهما أن يكتحل في كل عين ثلاثا كما في أحاديث الباب ليكون في كل عين يتحقق الإيتار ، والثاني أن يكتحل فيهما خمسة ثلاثة في اليمنى واثنين في اليسرى على ما روي في شرح السنة ، وعلى هذا ينبغي أن يكون الابتداء والانتهاء باليمين تفضيلا لها على اليسار كما أفاده الشيخ مجد الدين الفيروزابادي ، وجوز اثنين في كل عين وواحدة بينهما أو في اليمنى ثلاثا متعاقبة وفي اليسرى ثنتين فيكون الوتر بالنسبة إليهما جميعا . وأرجحها الأول لحصول الوتر شفعا مع أنه يتوصل أن يكتحل في كل عين واحدة ثم وثم ويئول أمره إلى الوترين بالنسبة إلى العضوين .

التالي السابق


الخدمات العلمية