الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب منه أيضا

                                                                                                          288 حدثنا يحيى بن موسى حدثنا أبو معاوية حدثنا خالد بن إلياس عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة قال كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهض في الصلاة على صدور قدميه قال أبو عيسى حديث أبي هريرة عليه العمل عند أهل العلم يختارون أن ينهض الرجل في الصلاة على صدور قدميه وخالد بن إلياس هو ضعيف عند أهل الحديث قال ويقال خالد بن إياس أيضا وصالح مولى التوأمة هو صالح بن أبي صالح وأبو صالح اسمه نبهان وهو مدني

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( خالد بن إياس ) بكسر الهمزة وخفة التحتية ( ويقال خالد بن إلياس ) قال الحافظ في التقريب : خالد بن إلياس بن صخر بن أبي الجهم بن حذيفة أبو الهيثم العدوي المدني إمام المسجد النبوي متروك الحديث من السابعة . وقال الذهبي في الميزان : قال البخاري : ليس بشيء . وقال أحمد والنسائي متروك ( عن صالح مولى التوأمة ) بفتح المثناة وسكون الواو بعدها همزة مفتوحة ، قال الحافظ : صدوق اختلط بآخره . قال ابن عدي : لا بأس برواية القدماء عنه كابن أبي ذئب ، وابن جريج من الرابعة .

                                                                                                          قوله : ( ينهض في الصلاة على صدور قدميه ) أي بدون الجلوس . والحديث قد استدل به من لم يقل بسنية جلسة الاستراحة ، لكن الحديث ضعيف لا يقوم بمثله الحجة ، فإن في سنده خالد بن إياس وهو متروك كما عرفت ، وأيضا فيه صالح مولى التوأمة وكان قد اختلط بآخره كما عرفت .

                                                                                                          قوله : ( حديث أبي هريرة عليه العمل عند أهل العلم يختارون أن ينهض الرجل في الصلاة على صدور قدميه ) لو قال الترمذي : عليه العمل عند بعض أهل العلم أو عند أكثر أهل العلم [ ص: 147 ] لكان أولى ، فإنه قد قال في الباب المتقدم بعد رواية حديث مالك بن الحويرث : والعمل عليه عند بعض أهل العلم ، وبه يقول أصحابنا . واستدل من اختار النهوض في الصلاة على صدور القدمين بحديث الباب . وقد عرفت أنه حديث ضعيف لا يصلح للاستدلال ، واستدلوا بأحاديث أخرى وآثار ، فعلينا أن نذكرها مع الكلام عليها .

                                                                                                          فمنها : حديث عكرمة قال : صليت خلف شيخ بمكة فكبر ثنتين وعشرين تكبيرة ، فقلت لابن عباس : إنه أحمق ، فقال : ثكلتك أمك سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم ، رواه البخاري ، قيل : يستفاد منه ترك جلسة الاستراحة ، وإلا لكانت التكبيرات أربعا وعشرين مرة ، لأنه قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر في كل خفض ورفع وقيام وقعود . وأجيب عنه بأن جلسة الاستراحة جلسة خفيفة جدا ، ولذلك لم يشرع فيها ذكر ، فهي ليست بجلسة مستقلة بل هي من جملة النهوض إلى القيام ، فكيف يستفاد من هذا الحديث ترك جلسة الاستراحة ، ولو سلم فدلالته على الترك ليس إلا بالإشارة ، وحديث مالك بن الحويرث يدل على ثبوتها بالعبارة . ومن المعلوم أن العبارة مقدمة على الإشارة .

                                                                                                          ومنها : حديث أبي مالك الأشعري أنه جمع قومه فقال : يا معشر الأشعريين ، اجتمعوا واجمعوا نساءكم وأبناءكم أعلمكم صلاة النبي صلى الله عليه وسلم الحديث ، وفيه : ثم كبر وخر ساجدا ، ثم كبر فرفع رأسه ، ثم كبر فانتهض قائما رواه أحمد . قيل : قوله ، ثم كبر فسجد ، ثم كبر فانتهض قائما ، يدل على نفي جلسة الاستراحة . وأجيب عنه بأن في إسناده شهر بن حوشب ، قال الحافظ في التقريب : كثير الإرسال والأوهام ، انتهى ، ثم هذا الحديث ليس بصريح بنفي جلسة الاستراحة ولو سلم فهو إنما يدل على نفي وجوبها لا على نفي سنيتها ، ثم حديث مالك بن الحويرث أقوى وأصح وأثبت من هذا الحديث .

                                                                                                          ومنها : حديث أبي حميد الساعدي وفيه : ثم كبر فسجد ، ثم كبر فقام ولم يتورك رواه أبو داود . وأجيب عنه بأن أبا داود رواه بإسناد آخر صحيح . والترمذي بإثبات جلسة الاستراحة ، وقال الترمذي : حسن صحيح ، وقد تقدم لفظهما ، والمثبت مقدم على النافي .

                                                                                                          [ ص: 148 ] وأما الآثار فمنها أثر النعمان بن أبي عياش قال : أدركت غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فكان إذا رفع رأسه من السجدة في أول ركعة والثالثة قام كما هو ولم يجلس ، رواه أبو بكر بن أبي شيبة . والجواب عنه : أن في إسناده محمد بن عجلان وهو مدلس ، ورواه عن النعمان بن عياش بالعنعنة : على أن محمد بن عجلان سيئ الحفظ وقد تفرد هو به ، وروى عنه أبو خالد الأحمر وهو أيضا سيئ الحفظ .

                                                                                                          ومنها أثر ابن مسعود رواه الطبراني في الكبير والبيهقي في السنن الكبرى عن عبد الرحمن بن يزيد قال : رمقت عبد الله بن مسعود في الصلاة فرأيته ينهض ولا يجلس ، قال ينهض على صدور قدميه في الركعة الأولى والثالثة .

                                                                                                          والجواب عنه أن البيهقي قال في السنن الكبرى بعد ذكر هذا الأثر : وهو عن ابن مسعود صحيح ومتابعة السنة أولى ، انتهى . كذا في الجوهر النقي ص 147 ج 1 . قلت : وترك ابن مسعود رضي الله عنه جلسة الاستراحة إنما يدل على عدم وجوبها لا على نفي سنيتها . ومنها ما أخرج البيهقي عن عطية العوفي قال : رأيت ابن عمر وابن عباس وابن الزبير ، وأبا سعيد الخدري يقومون على صدور أقدامهم في الصلاة .

                                                                                                          والجواب أن البيهقي قال بعد إخراج هذا الأثر : وعطية لا يحتج به ، انتهى . وقال الذهبي في الميزان : عطية بن سعد العوفي الكوفي تابعي شهير ضعيف ، انتهى .




                                                                                                          الخدمات العلمية