الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء كيف يكتب إلى أهل الشرك

                                                                                                          2717 حدثنا سويد أنبأنا عبد الله أنبأنا يونس عن الزهري أخبرني عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس أنه أخبره أن أبا سفيان بن حرب أخبره أن هرقل أرسل إليه في نفر من قريش وكانوا تجارا بالشام فأتوه فذكر الحديث قال ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرئ فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم السلام على من اتبع الهدى أما بعد قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وأبو سفيان اسمه صخر بن حرب

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( أخبرني عبيد الله بن عبد الله ) بن عتبة بن مسعود الهذلي أبو عبد الله المدني ثقة فقيه ثبت من الثالثة ( أن أبا سفيان بن حرب ) اسمه صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف الأموي صحابي شهير أسلم عام الفتح .

                                                                                                          قوله : ( أن هرقل ) بكسر الهاء وفتح الراء وإسكان القاف هذا هو المشهور ، ويقال : هرقل بكسر الهاء وإسكان الراء وكسر القاف حكاه الجوهري في صحاحه وهو اسم علم له ولقبه قيصر وكذا كل من ملك الروم يقال له قيصر ( أرسل إليه ) أي إلى أبي سفيان ( في نفر من قريش ) في رواية للبخاري : في ركب من قريش . قال الحافظ : جمع راكب كصحب وصاحب وهم أولو الإبل العشرة فما فوقها . والمعنى أرسل إلى أبي سفيان حال كونه في جملة الركب وذاك لأنه كان كبيرهم فلهذا خصه وكان عدد الركب ثلاثين رجلا . رواه الحاكم في الإكليل انتهى ( وكانوا تجارا ) بضم التاء وتشديد الجيم أو كسرها والتخفيف جمع تاجر ( فذكر الحديث ) ورواه الشيخان بطوله ( ثم دعا ) أي من وكل ذلك إليه ولهذا عدي إلى الكتاب بالباء والله أعلم .

                                                                                                          [ ص: 416 ] ( بكتاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقرئ ) وفي رواية البخاري : ثم دعا بكتاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي بعث به مع دحية الكلبي إلى عظيم بصرى فدفعه عظيم بصرى إلى هرقل فقرأه ( فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم السلام على من اتبع الهدى أما بعد ) وتمامه فإني أدعوك بدعاية الإسلام ; أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين ، فإن توليت فإن عليك إثم اليريسيين يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون كذا في رواية الشيخين . قال النووي : في هذا الكتاب جمل من القواعد وأنواع من الفوائد منها استحباب تصدير الكتاب ببسم الله الرحمن الرحيم وإن كان المبعوث إليه كافرا ، ومنها أن قوله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الآخر : كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أجزم .

                                                                                                          المراد بالحمد لله ذكر الله تعالى . وقد جاء في رواية : بذكر الله تعالى ، وهذا الكتاب كان ذا بال من المهمات العظام وبدأ فيه بالبسملة دون الحمد ، ومنها أن السنة في المكاتبة والرسائل بين الناس أن يبدأ الكاتب بنفسه فيقول من زيد إلى عمرو وهذه مسألة مختلف فيها . قال الإمام أبو جعفر في كتابه صناعة الكتاب قال أكثر العلماء : يستحب أن يبدأ بنفسه كما ذكرنا . ثم روى فيه أحاديث كثيرة وآثارا قال وهذا هو الصحيح عند أكثر العلماء ؛ لأنه إجماع الصحابة ، قال وسواء في هذا تصدير الكتاب والعنوان قال ورخص جماعة في أن يبدأ بالمكتوب إليه فيقول في التصدير والعنوان إلى فلان من فلان ، ثم روى بإسناده أن زيد بن ثابت كتب إلى معاوية فبدأ باسم معاوية ، وعن محمد بن الحنفية وبكر بن عبد الله وأيوب السختياني أنه لا بأس بذلك ، قال وأما العنوان فالصواب أن يكتب عليه إلى فلان ولا يكتب لفلان ؛ لأنه إليه لا له إلا على مجاز ، قال هذا هو الصواب الذي عليه أكثر العلماء من الصحابة والتابعين ، ومنها التوقي في المكاتبة واستعمال الورع فيها فلا يفرط ولا يفرط ، ولهذا قال النبي إلى هرقل عظيم الروم فلم يقل ملك الروم ؛ لأنه لا ملك له ولا لغيره إلا بحكم دين الإسلام ولا سلطان لأحد إلا من ولاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو ولاه من أذن له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشرطه ، وإنما ينفذ من تصرفات الكفار ما ينفذه للضرورة ، ولم يقل إلى هرقل فقط بل أتى بنوع من الملاطفة فقال عظيم الروم أي الذي يعظمونه ويقدمونه ، وقد أمر الله تعالى بإلانة القول لمن يدعى إلى الإسلام فقال تعالى : ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وقال تعالى : فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى وغير ذلك ، ومنها استحباب البلاغة والإيجاز وتحري الألفاظ الجزلة في المكاتبة فإن قوله -صلى الله عليه وسلم- أسلم تسلم في نهاية من الاختصار وغاية من الإيجاز والبلاغة وجمع المعاني ، مع ما فيه [ ص: 417 ] من بديع التجنيس وشموله لسلامته من خزي الدنيا بالحرب والسبي والقتل وأخذ الديار والأموال ، ومن عذاب الآخرة ، ومنها : استحباب أما بعد في الخطب والمكاتبات ، وقد ترجم البخاري لهذه بابا في كتاب الجمعة ذكر فيه أحاديث كثيرة ، انتهى كلام النووي .

                                                                                                          وفيه أن السنة إذا كتب كتابا إلى الكفار أن يكتب السلام على من اتبع الهدى أو السلام على من تمسك بالحق أو نحو ذلك . قال ابن بطال . في الحديث حجة لمن أجاز مكاتبة أهل الكتاب بالسلام عند الحاجة . قال الحافظ : في جواز السلام على الإطلاق نظر ، والذي يدل عليه الحديث السلام المقيد مثل ما في الخبر ; السلام على من اتبع الهدى ، أو السلام على من تمسك بالحق ، أو نحو ذلك انتهى .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه البخاري مختصرا ومطولا ، وأخرجه مسلم مطولا .




                                                                                                          الخدمات العلمية