الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( القاعدة الثالثة والتسعون ) : من قبض مغصوبا من غاصبه ولم يعلم أنه مغصوب فالمشهور عن الأصحاب أنه بمنزلة الغاصب في جواز تضمينه ما كان الغاصب يضمنه من عين ومنفعة ثم إن كان القابض قد دخل على ضمان عين أو منفعة استقر ضمانها عليه ولم يرجع على الغاصب وإن ضمنه المالك ما لم يدخل على ضمانه ولم يكن ; حصل له بما ضمنه نفع رجع به على الغاصب وإن كان حصل له به نفع فهل يستقر ضمانه عليه أم يرجع على الغاصب على روايتين هذا ما ذكره القاضي والأكثرون وفي بعضه خلاف نشير إليه في موضعه إن شاء الله تعالى ، وهذه الأيدي القابضة من الغاصب مع عدم العلم بالحال عشرة

( الأولى ) الغاصبة يتعلق بها الضمان كأصلها ويستقر عليها مع التلف تحتها ولا يطالب بما زاد على مدتها .

( والثانية ) : الآخذة لمصلحة الدافع كالاستيداع والوكالة بغير جعل فالمشهور أن للمالك تضمينها ثم يرجع بما ضمن على الغاصب لتغريره ، وفيه وجه آخر باستقرار الضمان عليها لتلف المال تحتها من غير إذن صرح به القاضي في المجرد في باب المضاربة وسيأتي أصله ويتخرج فيه وجه آخر أنه لا يجوز تضمينها بحال من الوجه المحكي كذلك في المرتهن ونحوه وأولى ، وخرجه الشيخ تقي الدين من مودع المودع حيث لا يجوز له الإيداع فإن الضمان على الأول وحده كذلك قال القاضي في المجرد وابن عقيل في الفصول وذكر أنه ظاهر كلام أحمد ومن الأصحاب من منع ظهوره وعلى تقدير أنه كذلك فرقوا بين مودع المودع ومودع الغاصب فإن الموجب للضمان في الأول القبض وهو سبب واحد فلا يجب به الضمان من جهتين بخلاف مودع الغاصب فإن قبضه صالح لتضمينه حيث كان الضمان مستقرا على الغاصب قبله وبأن الضمان يترتب على القبض فهو متأخر عنه والقبض [ ص: 211 ] من يد أمينه ولا عدوان فيه لعدم العلم فاختص الضمان بالمتعدي بخلاف مودع الغاصب لقبضه من يد ضامنه قبل القبض واعلم أن ما ذكره الأصحاب في الوكالة والرهن أن الوكيل والأمين في الرهن إذا باعا وقبضا الثمن ثم بان المبيع مستحقا لم يلزمهما شيء ، لا تناقض هذه المسألة كما يتوهمه من قصر فهمه ; لأن مراد الأصحاب بقولهم لم يلزم الوكيل شيء أنه لا يطالبه المشتري بالثمن الذي أقبضه إياه ; لأن حقوق العقد يتعلق بالموكل دون الوكيل . أما أن الوكيل لا يطالبه المستحق للعين بالضمان فهذا لم يتعرضوا له ههنا ألبتة . وهو بمعزل من مسألتهم بالكلية .

( الثالثة ) القابضة لمصلحتها ، ومصلحة الدافع كالشريك والمضارب والوكيل بجعل والمرتهن ، فالمشهور جواز تضمينها أيضا وترجع بما ضمنت لدخولها على الأمانة وذكر القاضي في المجرد وابن عقيل وصاحب المغني في الرهن احتمالين آخرين :

أحدهما : أنه يستقر الضمان على القابض لتلف مال الغير تحت يده التي لم يؤذن له في القبض فهي كالعالمة بالحال ، إجازة هذا الوجه في المضارب أيضا .

والثاني : لا يجوز تضمينها بحال لدخولها على الأمانة وينبغي أن يكون هو المذهب وأنه لا يجوز تضمين القابض ما لم يدخل على ضمانه في جميع هذه الأقسام فإن المنصوص عن أحمد فيمن اشترى أرضا فغرس فيها ثم ظهرت مستحقة أنه لا يملك المستحق قلعه إلا مع ضمان نقصه كالغراس المحترم الصادر عن إذن المالك فجعل المغرور كالمأذون له فلا يضمن ابتداء ما لم يلزم ضمانه . وكذلك نقل حرب وغيره عن أحمد في المغرور في النكاح أن فداء ولده على من غرره ولم يجعل على الزوج مطالبة .

وقريب من ذلك ما نقل عنه مهنا فيمن بعث رجلا إلى رجل له عنده مال فقال له خذ منه دينارا فأخذ منه أكثر أن الضمان على المرسل لتغريره ويرجع هو على الرسول ، وحكى القاضي وغيره في المضاربة وجها آخر أن الضمان في هذه الأمانات يستقر على من ضمن منهما فأيهما ضمن لم يرجع على الآخر .

( الرابعة ) : القابضة لمصلحتها خاصة إما باستيفاء العين كالقرض أو باستيفاء المنفعة كالعارية فهي داخلة في الضمان في العين دون المنفعة فإذا ضمنت العين والمنفعة رجعت على الغاصب بضمان المنفعة ; لأن ضمانها كان بتغريره ، وفي المذهب رواية ثانية لا يرجع بضمان المنفعة إذا تلفت بالاستيفاء ويستقر الضمان عليها في مقابلة الانتفاع لاستيفائها بدله ; كي لا يجتمع لها العوض والمعوض ، وأصل الروايتين الروايتان في رجوع المغرور بالمهر على من غره وإن ضمن الغاصب المنفعة ابتداء ففيه طريقان :

أحدهما : البناء على الروايتين فإن قلنا لا يرجع القابض عليه إذا ضمن ابتداء رجع الغاصب هنا عليه وإلا فلا وهي طريقة أبي الخطاب ومن اتبعه والقاضي وابن عقيل في موضع .

والثاني : أنه لا يرجع الغاصب على القابض قولا واحدا قاله القاضي [ ص: 212 ] وابن عقيل في موضع آخر .

وأما العين فلا يرجع بضمانها حيث دخلت على ضمانها وعلى الاحتمال الأول في القسم الذي قبله يستقر ههنا عليها ضمان العين والمنفعة سواء تلفت المنفعة باستيفاء أو بتفويت وعلى الاحتمال الآخر وهو أنه لا يجوز تضمينها بالكلية فلا تطالب هذه بضمان ما لم يلتزم ضمانه ابتداء ويستقر عليها ضمان ما دخلت على ضمانه ما دخلت على ضمانه ويتخرج لنا وجه آخر أنه لا يستقر عليها ضمان شيء وسنذكر أصله في القسم الذي بعده .

( الخامسة ) : القابضة تملكا بعوض مسمى عن العين بالبيع فهي داخلة على ضمان العين دون المنفعة فإذا ضمنت قيمة العين والمنفعة لم يرجع بما ضمنت من قيمة العين كدخولها على ضمانها ولكن يسترد الثمن من الغاصب ; لأنه لم يملكه لانتفاء صحة العقد وسواء كانت القيمة التي ضمنت المالك وفق الثمن أو دونه أو فوقه على ما اقتضاه كلام الأصحاب ههنا وفي البيع الفاسد وفي ضمان المغرور المهر . وفي التلخيص احتمال إن كانت القيمة أزيد رجعت بالزيادة على الغاصب حيث لم يدخل على الضمان بأكثر من الثمن المسمى ، وبه جزم ابن المنى في خلافه وقد سبق في قاعدة ضمان العقود الفاسدة بالمسمى أو بعوض المثل ما يشبه هذا ولو طالب المالك الغاصب بالثمن كله إذا كان أزيد من القيمة فقياس المذهب أن له ذلك كما نص عليه أحمد في المتجر الوديعة بغير إذن أن الربح للمالك ، ثم من الأصحاب من بينه على القول بوقف العقود على الإجازة وهي طريقة القاضي في خلافه وابن عقيل ، ومنهم من يطلق ذلك وكذا في المضارب إذا خالف وعنه رواية أخرى يتصدق بالربح ; لأنه ربح ما لم يضمن .

وهل للمضارب أجرة المثل على روايتين وطردهما أبو الفتح الحلواني في الكفاية في الغاصب وحكى صاحب المغني في باب الرهن رواية أخرى باستقرار الضمان على الغاصب في البيع فلا يرجع على المشتري بشيء مما صنعه وحكاه في الكافي في باب المضاربة وجها وصرح القاضي بمثل ذلك في خلافه في مسألة رجوع المغرور بالمهر . وهو عندي قياس المذهب حيث قلنا في إحدى الروايتين برجوع المغرور بنكاح الأمة على من غره مع استيفائه منفعة البضع واستهلاكها ودخوله على ضمانها ، ولهذا طرد محققوا الأصحاب هذا الخلاف فيما إذا زوجها الغاصب ووطئها الزوج هل يرجع بالمهر على الغاصب سواء ضمنه المالك المهر أو لم يضمنه ؟ وأيضا فإن المنصوص عن أحمد أن البائع إذا دلس العيب ثم تلف عند المشتري فله الرجوع بالثمن وكذلك لو نقص أو تعيب وهو موجود فإنه يرده بغير شيء ويأخذ الثمن إلا أن يكون حصل له انتفاع بما نقصه فإنه يرد عوضه على أحد الوجهين إلحاقا له بلبن المصراة مع أنه قد دخل على ضمان العين بالمسمى ولكن سقط عنه كتدليس البائع العيب وهو لا يمنع صحة العقد على الصحيح من المذهب فلأنه لا يستقر الضمان على المشتري من الغاصب مع تدليس [ ص: 213 ] الغاصب عليه وعدم صحة العقد أولى .

وأما المنافع إذا ضمنها المالك للمشتري بناء على أن المنافع المغصوبة مضمونة وهو المذهب فيرجع بذلك على الغاصب لدخوله على استيفائها في ملكه بغير عوض وسواء انتفع بها أو تلفت تحت يده وعن أحمد رواية أخرى لا يرجع بما انتفع به لاستيفائه عوضه كما تقدم وهي اختيار أبي بكر وابن أبي موسى ، وحكم الثمرة والولد الحادث من المبيع حكم المنافع إذا ضمنها رجع ببدلها على الغاصب . وكذلك الكسب صرح به القاضي في خلافه إلا أن يكون انتفع بشيء من ذلك فيخرج على الروايتين وقد أشار أحمد إلى هذا في رواية ابن منصور فيمن باع ماشية أو شاة فولدت أو نخلا لها ثمرة فوجد بها عيبا أو استحق أخذ منه قيمة الثمرة وقيمة الولد إن كان أحدث فيهم شيئا أو بأن باع أو استهلك فإن كان مات أو ذهب به الريح فليس عليه شيء فأوجب عليه ضمان ما انتفع به من الثمرة والنتاج دون ما أتلف في يده بغير فعله ولم يذكر رجوعا على الغاصب .

وظاهر كلامه ما تلف في يده من النماء فليس للمالك تضمينه ابتداء ; لأنه لم يدخل على ضمانه ولم ينتفع به وهذا يقوي التخريج المذكور في القسم الذي قبله ، وكذلك ظاهر كلام ابن أبي موسى لا يضمن المشتري إلا ما يستقر عليه ضمانه سواء دخل على ضمانه أو لم يدخل عليه لكن انتفع به كالخدمة ومهر المشتراة وأما قيمة الأولاد فلا يرجع بها عنده ; لأن نفعها لغيره لا له ، وأوجب على الغاصب قيمة غرس المشتري غير مقلوع إذا قلعه المالك ومراده ما نقص بقلعه وإنما أجاز للمالك قلع الغراس من غير ضمان نقصه ; لأن ذلك ليس من باب تضمين الغاصب بل هو من باب امتناع المالك من الضمان له فإن تفريغ الأرض من الغراس الذي لم يأذن فيه لا بد من تمكينه منه ، ولا ضمان عليه فيه حيث لم يأذن فيه وإنما للضمان على الغار لتعديه . كما أن تضمين القابض ما لم يلتزم ضمانه ممتنع حيث أمكن تضمين الغاصب لالتزامه للضمان وتعديه فظهر بهذا أن الذي يدل عليه كلام أحمد أن القابض لا يضمن إلا ما حصل له به نفع فيضمنه وهل يرجع به على روايتين كرجوع المغرور في باب النكاح بالمهر .

تنبيه : لو أقر المشتري للبائع بالملك فلا رجوع له عليه ولو أقر بصحة البيع ففي الرجوع احتمالان ذكرهما القاضي ، وقد يخرج كذلك في الإقرار بالملك حيث علم أن مستنده اليد ، وقد بان عدوانها .

( اليد السادسة ) القابضة عوضا مستحقا بغير عقد البيع كالصداق وعوض الخلع والعتق والصلح عن دم عمد إذا كان معينا منه أو كان القبض وفاء كدين مستقر في الذمة من ثمن مبيع أو غيره وصداق أو قيمة متلف ونحوه فإذا تلفت هذه الأعيان في يد من قبضها ثم استحقت فللمستحق الرجوع [ ص: 214 ] على القابض ببدل العين والمنفعة على ما تقرر ، ويتخرج وجها آخر أن لا مطالبة له عليه وهو ظاهر كلام ابن أبي موسى في الصداق والباقي مثله على القول بالتضمين فيرجع على الغاصب بما غرم من قيمة المنافع لتغريره إلا بما انتفع به فإنه مخرج على الروايتين .

وأما قيم الأعيان فمقتضى ما ذكره القاضي ومن اتبعه أنه لا يرجع بها ; لأنه دخل على أنها مضمونة عليه بحقه وسواء كانت القيمة المضمونة وفق حقه أو دونه أو أزيد منه إلا على الوجه المذكور في البيع بالرجوع بفضل القيمة . ثم إن كان القبض وفاء عن دين ثابت في الذمة فهو باق بحاله وإن كان عوضا متعينا في العقد لم ينفسخ العقد ههنا باستحقاقه فيه . ولو قلنا : إن النكاح على المغصوب لا يصح ; لأن القول بانتفاء الصحة مختص بحالة العلم كذلك ذكره ابن أبي موسى ويرجع على الزوج بقيمة المستحق في المنصوص وهو قول القاضي في خلافه .

وقال في المجرد ويجب مهر المثل وأما عوض الخلع والعتق والصلح عن دم العمد ففيها وجهان :

أحدهما : يجب الرجوع فيها بقيمة العوض المستحق وهو المنصوص ; لأن هذه العقود لا تنفسخ باستحقاق أعواضها فيجب قيمة العوض وهو قول القاضي في أكثر كتبه وجزم به صاحب المحرر .

والثاني : يجب قيمة المستحق في الخلع والصلح عن الدم بخلاف العتق فإن الواجب فيه قيمة العبد ; لأن العبد له قيمة في نفسه فيرجع بقيمته بخلاف البضع والدم فإن القيمة لعوضهما لا لهما وهو قول القاضي في البيوع من خلافه ويشبه قول أصحابنا فيما إذا جعل عتق أمته صداقها وقلنا لا ينعقد به النكاح فأبت أن تتزوجه على ذلك فإن عليها قيمة نفسها لا قيمة مهر مثلها وعلى الوجه المخرج في البيع أن المغرور يرجع بقيمة العين على الغاصب فههنا كذلك .

( اليد السابعة ) القابضة بمعاوضة عن المنفعة وهي يد المستأجر فقال القاضي والأكثرون إذا ضمنت المنفعة لم يرجع بها ولو زادت أجرة المثل على الأجرة المسماة ففيه ما مر من زيادة قيمة العين على الثمن وإذا ضمنت قيمة العين رجعت بها على الغاصب لتغريره وفي تعليقة أبي البركات على الهداية ويتخرج لأصحابنا وجهان :

أحدهما : أن المستأجر لا ضمان عليه بحال لقول فرضيت يضمن العين وهل القرار عليه ؟ لنا وجهان :

أحدهما : عليه .

والثاني : على الغاصب وهو الذي ذكره القاضي في خلافه انتهى والوجه الأول منزل على القول بأن المغرور لا يضمن شيئا ابتداء ولا استقرارا والوجه الآخر في قرار ضمان العين عليه يتنزل على الوجه المذكور في استقرار الضمان على المرتهن ونحوه بتلف العين تحت يده .

( اليد الثامنة ) القابضة للشركة وهي المتصرفة في المال بما ينميه بجزء من النماء كالشريك والمضارب والمزارع والمساقي ولهم جرة على الغاصب لعملهم له بعوض لم يسلم ، فأما المضارب والمزارع بالعين المغصوبة وشريك العنان فقد دخلوا على أن لا ضمان عليهم بحال فإذا ضمنوا على المشهور رجعوا [ ص: 215 ] بما ضمنوا إلا حصتهم من الربح فلا يرجعون بضمانها لدخولهم على ضمانها عليهم بالعمل لذلك ذكره القاضي وابن عقيل في المساقي والمزارع نظيره ، وأما المضارب والشريك فلا ينبغي أن يستقر عليهم ضمان شيء بدون القسمة سواء قلنا ملكوا الربح بالظهور أو لا ; لأن حصتهم وقاية لرأس المال وليس لهم الانفراد بالقسمة فلم يتعين لهم شيء مضمون . وحكى الأصحاب في المضارب بغير إذن وجها آخر أن لا يرجع بما ضمنه بناء على الوجه المذكور باستقرار الضمان على من تلف المال بيده ، ويتخرج وجه آخر أن لا يملك المالك تضمينهم بحال لدخولهم على الأمانة ، وقد ذكرنا فيما تقدم حكم ضمان الشريك والمضارب للمال وإنما أعدناه ههنا لذكر النماء ، وأما المساقي إذا ظهر الشجر مستحقا بعد تكملة العمل فللعامل أجرة المثل لعمله على الغاصب وأما الثمر إذا تلف فله حالتان : إحداهما ، أن يتلف بعد القسمة فللمالك تضمين كل من الغاصب والعامل ما قبضه وله أن يضمن الكل للغاصب فإذا ضمنه الكل رجع على العامل بما قبضه لنفسه ; لأنه أخذ العوض فهو كالمشتري من الغاصب ، وفي المغني احتمال لا يرجع عليه لتغريره فأشبه من قال لغيره : كل هذا فإنه طعامي . ثم بان مستحقا وهو قريب من الوجه السابق باستقرار ضمان المبيع على الغاصب بكل حال . وهل للمالك أن يضمن العامل جميع الثمرة ذكر القاضي فيه احتمالين :

أحدهما : نعم ; لأن يده تثبت على الكل مشاهدة بغير حق ثم يرجع العامل على الغاصب بما قبضه من الثمر على المشهور وبالكل على الاحتمال المذكور .

والثاني : لا ; لأنه لم يكن قابضا على الحقيقة وإنما كان مراعيا حافظا ويشهد لهذا ما قاله ابن حامد فيما إذا اختلف المساقي والمالك في قدر المشروط للعامل من الثمر وأقاما بينتين أنه تقدم بينة العامل ; لأنه خارج والمالك هو الداخل لاتصال الثمر بملكه ، ولو اشترى ثمرة شجر شراء فاسدا وخلى البائع بينه وبينه على شجره لم يضمنه بذلك لعدم ثبوت يده عليه وذكر بعض أصحابنا أنه محل وفاق .

الحالة الثانية أن يتلف الثمر قبل القسمة إما على الشجر أو بعد جده ففي التلخيص في مطالبة العامل بالجميع احتمالان وكذا لو تلف بعض الشجر وهو ملتفت إلى أن يد العامل هل تثبت على الشجر والثمر الذي عليه أم لا ؟ والأظهر أن لا ; لأن الضمان عندنا لا ينتقل في الثمر المعلق على شجرة بالتخلية إلا أن يقال يده هاهنا على الثمر حصلت تبعا لثبوت يده على الشجر فيقال في ثبوت يده على الشجر [ هاهنا ] تردد ذكرناه آنفا حتى لو تلف بعض الشجر ففي تضمينه للعامل الاحتمالان صرح به في التلخيص أيضا ولو اشترى شجرة بثمرها فهل يدخل الثمر في ضمانها تبعا لشجره قال ابن عقيل في فنونه : لا يدخل والمذهب دخوله تبعا لانقطاع علق البائع عنه من السقي وغيره وبكل حال فيتوجه أن يضمن العامل الثمر التالف بعد جداده واستحفاظه بخلاف ما على [ ص: 216 ] الشجر ( اليد التاسعة ) القابضة تملكا لا بعوض إما للعين بمنافعها بالهبة والوقف والصدقة والوصية أو للمنفعة كالموصى له بالمنافع فالمشهور أنها ترجع بما ضمنته بكل حال ; لأنها دخلت على أنها غير ضامنة لشيء فهي مغرورة إلا ما حصل لها به نفع ففي رجوعها بضمانه الروايتان . ويتخرج وجه آخر أنها لا تضمن ابتداء ما لم يستقر ضمانها عليه . وذكر القاضي وابن عقيل رواية أنه لا ترجع بما ضمنته بحال وهو منزل على القول باستقرار الضمان على من تلف تحت يده وإن كان أمينا كما سبق ثم اختلف الأصحاب في محل الروايتين في الرجوع بما انتفعت به على طرق ثلاثة : إحداهن ، أن محلهما إذا لم يقل الغاصب : هذا ملكي أو ما يدل عليه ، فإن قال ذلك فالمدار عليه بغير خلاف لاعترافه باستقرار الضمان عليه ونفيه عن القابض وهي طريقة المغني .

والثانية : إن ضمن المالك القابض ابتداء ففي رجوعه على الغاصب الروايتان مطلقا وإن ضمن الغاصب ابتداء فإن كان القابض قد أقر له بالملكية لم يرجع على القابض رواية واحدة ، ولو قلنا : إن ما ينتفع به يستقر ضمانه عليه ; لأنه بإقراره بالملك معترف بأن المستحق ظالم له بالتغريم فلا يرجع بظلمه على غير ظالمه وهي طريقة القاضي .

والثالث : في الخلاف من الكل من غير تفصيل وهي طريقة أبي الخطاب وغيره .

( اليد العاشرة ) المتلفة للمال نيابة عن الغاصب كالذبح للحيوان والطابخ له فلا قرار عليها بحال وإنما القرار على الغاصب لوقوع الفعل له فهو كالمباشر كذا قال القاضي وابن عقيل والأصحاب ويتخرج وجه آخر بالقرار عليها فيما تلفته كالمودع إذا تلفت تحت يده وأولى لمباشرتها للإتلاف ، ويتخرج وجه آخر لا ضمان عليها بحال من نص أحمد فيمن حفر لرجل في غير ملكه بئرا فوقع فيها إنسان ، فقال الحافر : ظننت أنها في ملكه . فلا شيء عليه وبذلك جزم القاضي وابن عقيل في كتاب الجنايات مع اشتراك الحافر والآمر في التسبب وانفراد الحافر بمباشرة السبب وإنما سقط عنه الضمان لعدم علمه بالحال وههنا أولى ; لاشتراكها في ثبوت اليد ولو أتلفته على وجه محرم شرعا عالمة بتحريمه كالقاتلة للعبد المغصوب والمحرقة للمال بإذن الغاصب ففي التلخيص يستقر عليها الضمان ; لأنها عالمة بتحريمة فهي كالعالمة بأنه مال الغير ورجح الحارثي دخولها في قسم المغرور ; لأنها غير عالمة بالضمان فتغرير الغاصب لها حاصل والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية