الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في التسليم على النساء

                                                                                                          2697 حدثنا سويد أخبرنا عبد الله بن المبارك أخبرنا عبد الحميد بن بهرام أنه سمع شهر بن حوشب يقول سمعت أسماء بنت يزيد تحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر في المسجد يوما وعصبة من النساء قعود فألوى بيده بالتسليم وأشار عبد الحميد بيده قال أبو عيسى هذا حديث حسن قال أحمد بن حنبل لا بأس بحديث عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب وقال محمد بن إسمعيل شهر حسن الحديث وقوى أمره وقال إنما تكلم فيه ابن عون ثم روى عن هلال بن أبي زينب عن شهر بن حوشب أنبأنا أبو داود المصاحفي بلخي أخبرنا النضر بن شميل عن ابن عون قال إن شهرا نزكوه قال أبو داود قال النضر نزكوه أي طعنوا فيه وإنما طعنوا فيه لأنه ولي أمر السلطان

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( أخبرنا عبد الحميد بن بهرام ) الفزاري المدائني صدوق ، من السادسة .

                                                                                                          قوله : ( وعصبة ) بضم العين وسكون الصاد أي جماعة والواو للحال ( فألوى بيده بالتسليم ) قال في المجمع : ألوى برأسه ولواه أماله من جانب إلى جانب انتهى . والمعنى : أشار بيده بالتسليم ، وهذا محمول على أنه -صلى الله عليه وسلم- جمع بين اللفظ والإشارة ، ويدل على هذا أن أبا داود روى هذا الحديث وقال في روايته فسلم علينا كما عرفت في الباب المتقدم . وقد عقد البخاري في صحيحه بابا بلفظ تسليم الرجال على النساء والنساء على الرجال ، وأورد فيه حديثين ؛ الأول : [ ص: 395 ] حديث سهل الذي فيه ذكر تسليم الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- على العجوز التي كانت تقدم إليهم يوم الجمعة طعاما فيه سلق ، والثاني : حديث عائشة قالت : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : يا عائشة هذا جبريل يقرأ عليك السلام . قال الحافظ : أشار بهذه الترجمة إلى رد ما أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن يحيى بن أبي كثير : بلغني أنه يكره أن يسلم الرجال على النساء والنساء على الرجال ، وهو مقطوع أو معضل ، والمراد بجوازه أن يكون عند أمن الفتنة ، وذكر في الباب حديثين يؤخذ الجواز منهما : وورد فيه حديث ليس على شرطه وهو حديث أسماء بنت يزيد : مر علينا النبي -صلى الله عليه وسلم- في نسوة فسلم علينا . حسنه الترمذي وليس على شرط البخاري فاكتفى بما هو على شرطه وله شاهد من حديث جابر عند أحمد ، وقال الحليمي كان النبي -صلى الله عليه وسلم- للعصمة مأمونا من الفتنة ، فمن وثق من نفسه بالسلامة فليسلم . وإلا فالصمت أسلم ، وأخرج أبو نعيم في عمل يوم وليلة من حديث واثلة مرفوعا : يسلم الرجال على النساء ، ولا يسلم النساء على الرجال وسنده واه ، ومن حديث عمرو بن حريث ، مثله موقوفا عليه وسنده جيد وثبت في مسلم حديث أم هانئ : أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يغتسل فسلمت عليه ، انتهى كلام الحافظ .

                                                                                                          وقال النووي : إن كن النساء جمعا سلم عليهن وإن كانت واحدة سلم عليها النساء وزوجها وسيدها ومحرمها ، سواء أكانت جميلة أو غيرها ، وأما الأجنبي فإن كانت عجوزا لا تشتهى استحب السلام عليها ، واستحب لها السلام عليه ومن سلم منهما لزم الآخر رد السلام عليه ، وإن كانت شابة أو عجوزا تشتهى ، لم يسلم عليها الأجنبي ولم تسلم عليه ، ومن سلم منهما لم يستحق جوابا ويكره رد جوابه ، هذا مذهبنا ومذهب الجمهور . وقال ربيعة : لا يسلم الرجال على النساء ولا النساء على الرجال وهذا غلط ، وقال الكوفيون : لا يسلم الرجال على النساء إذا لم يكن فيهن محرم ، انتهى . قوله : ( هذا حديث حسن ) وأخرجه أبو داود وابن ماجه والدارمي وله شاهد من حديث جابر عند أحمد كما عرفت في كلام الحافظ ( قال محمد ) يعني البخاري ( وقوى ) أي محمد ( أمره ) أي جعله قويا غير ضعيف ( وقال ) أي محمد ( إنما تكلم فيه ابن عون ) قال النووي : هو الإمام الجليل المجمع على جلالته وورعه عبد الله بن عون بن أرطبان أبو عون البصري ، كان يسمى سيد القراء أي العلماء ، وأحواله ومناقبه أكثر من أن تحصر ( ثم روى ) أي ابن عون ( عن هلال بن أبي زينب ) قال في تهذيب التهذيب في ترجمته : روى عن شهر بن حوشب عن أبي [ ص: 396 ] هريرة في فضل الشهيد وعنه ابن عون . قال أبو داود : لا أعلم روى عنه غيره وذكره ابن حبان في الثقات ، انتهى . وقال الذهبي في الميزان : هلال بن أبي زينب عن شهر بن حوشب قال أحمد بن حنبل تركوه قال لا يعرف ، تفرد عنه ابن عون له حديث في الشهداء أخرجه أحمد في مسنده عن شهر عن أبي هريرة ، انتهى .

                                                                                                          قوله : ( حدثنا أبو داود ) اسمه سليمان بن أسلم البلخي المصاحفي ( إن شهرا نزكوه ) بفتح النون والزاي ( نزكوه أي طعنوا فيه ) وقال مسلم في مقدمة صحيحه بعد ذكر قول ابن عون : إن شهرا نزكوه يقول أخذته ألسنة الناس تكلموا فيه . قال النووي : قوله نزكوه هو بالنون والزاي المفتوحتين ، معناه طعنوا فيه وتكلموا بجرحه ، فكأنه يقول : طعنوه بالنيزك بفتح النون وإسكان المثناة من تحت وفتح الزاي ، وهو رمح قصير وهذا الذي ذكرته هو الرواية الصحيحة المشهورة ، وكذا ذكرها من أهل الأدب واللغة والغريب الهروي في غريبه ، وحكى القاضي عياض عن كثير من رواة مسلم أنهم رووه " تركوه " بالتاء والراء ، وضعفه القاضي ، وقال : الصحيح بالنون والزاي قال وهو الأشبه بسياق الكلام وقال غير القاضي رواية التاء تصحيف ، وتفسير مسلم يردها ويدل عليه أيضا أن شهرا ليس متروكا ، بل وثقه كثير من كبار الأئمة السلف أو أكثرهم .




                                                                                                          الخدمات العلمية