الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      [ ص: 433 ] باب النذر قال المصنف رحمه الله تعالى ( يصح النذر من كل مسلم بالغ عاقل ، فأما الكافر فلا يصح نذره ، ومن أصحابنا من قال : يصح نذره ، لما روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم { إني نذرت أن أعتكف ليلة في الجاهلية فقال صلى الله عليه وسلم : أوف بنذرك } والمذهب الأول ; لأنه سبب وضع لإيجاب القربة فلم يصح من الكافر كالإحرام . وأما الصبي والمجنون فلا يصح نذرهما لقوله صلى الله عليه وسلم { رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يبلغ وعن النائم حتى يستيقظ وعن المجنون حتى يفيق } ولأنه إيجاب حق بالقول فلم يصح من الصبي كضمان المال ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) حديث عمر رضي الله عنه رواه البخاري ومسلم . وأما حديث " رفع القلم " فصحيح سبق بيانه في أول كتاب الصلاة ، وأول كتاب الصوم ، وينكر على المصنف قوله : ( روي ) في حديث عمر مع أنه صحيح ، قوله : ( سبب وضع لإيجاب القربة ) احتراز من شراء الكافر طعاما للكفارة ، قوله : ( ولأنه إيجاب حق بالقول ) احترز بقوله : إيجاب عن وصية الصبي وتدبيره وإذنه في دخول الدار إذا صححنا كل ذلك ، وبقوله ( بالقول ) [ احتراز ] من غرامة المتلفات ، ويقال : نذر وينذر بكسر الذال وضمها .

                                      ( أما الأحكام ) فقال أصحابنا : يصح النذر من كل بالغ عاقل مختار ، نافذ التصرف فيما نذره ، ويرد على المصنف إهماله المختار ونافذ التصرف ولا بد منهما ، فأما الصبي والمجنون والمغمى عليه ونحوه ممن اختل عقله ، فلا يصح نذره لما ذكره المصنف ، وأما السكران ففي صحة نذره خلاف مبني على صحة تصرفه ، والصحيح صحته ، وموضع إيضاحه كتاب الطلاق ، وأما الكافر ففي نذره وجهان ( الصحيح ) أنه لا ينعقد ( والثاني ) ينعقد ، [ ص: 434 ] ودليلهما في الكتاب ، وإذا أسلم - إن قلنا نذره منعقد ، لزمه الوفاء به ، وإلا فلا يجب الوفاء به لكن يستحسن ، وتأولوا حديث عمر على الاستحباب ، وأما المكره فلا يصح نذره للحديث الصحيح { رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه } وقياسا على العتق وغيره . وأما المحجور عليه بسفه فيصح منه نذر القرب البدنية ، أما المال فإن التزم شيئا في ذمته من غير تعيين لما في يده ، صح نذره ، ويؤديه بعد فك الحجر عنه فإن نذر مالا معينا مما يملكه ، قال المتولي وغيره : بني على ما لو أعتق أو وهب هل نوقف صحة تصرفه ؟ أم يكون باطلا ؟ وفيه خلاف مشهور ( الصحيح ) بطلانه ، فيكون النذر باطلا ، وإن توقفنا في النذر أيضا ، قال : ولو نذر عتق المرهون انعقد نذره إن نفذنا عتقه في الحال أو عند أداء المال ، وإن ألغينا عتقه فهو كمن نذر عتق عبد لا يملكه ، وفي صحته تفصيل سنذكره إن شاء الله تعالى . .



                                      ( فرع ) يكره ابتداء النذر ، فإن نذر وجب الوفاء به ، ودليل الكراهة حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النذر وقال : إنه لا يرد شيئا إنما يستخرج به من البخيل } رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما بهذا اللفظ . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا تنذروا فإن النذر لا يغني من القدر شيئا ، وإنما يستخرج به من البخيل } رواه الترمذي والنسائي بإسناد صحيح ، قال الترمذي : والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم كرهوا النذر ، قال ابن المبارك : الكراهة في النذر في الطاعة والمعصية ، قال : فإن نذر طاعة ووفى به فله أجر الوفاء ، ويكره له النذر ، هذا كلام الترمذي .




                                      الخدمات العلمية