الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      [ ص: 380 ] قال المصنف رحمه الله تعالى والمستحب أن يضحي بنفسه لحديث أنس { أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين ووضع رجله على صفاحهما ، وسمى وكبر } ويجوز أن يستنيب غيره ، لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم { نحر ثلاثا وستين بدنة ثم أعطى عليا فنحر ما غبر منها } والمستحب أن لا يستنيب إلا مسلما ; لأنه قربة ، فكان الأفضل أن لا يتولاها كافر ، ولأنه يخرج بذلك من الخلاف ; لأن عند مالك [ رحمه الله ] لا يجزئه ذبحه فإن استناب يهوديا أو نصرانيا جاز ; لأنه من أهل الذكاة ، ويستحب أن يكون عالما ; لأنه أعرف بسنة الذبح . والمستحب إذا استناب غيره أن يشهد الذبح لما روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة رضي الله عنها قومي إلى أضحيتك فاشهديها فإنه بأول قطرة من دمها يغفر لك ما سلف من ذنبك } .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) حديث أنس رواه البخاري بلفظه وحديث جابر رواه مسلم بلفظه وهو من جملة حديث جابر الطويل في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم وأما حديث أبي سعيد فرواه البيهقي من رواية أبي سعيد ومن رواية علي . وقوله ( ما غبر ) أي ما بقي ، وهو بفتح الغين المعجمة والباء الموحدة .

                                      ( أما الأحكام ) فقال الشافعي والأصحاب : يستحب أن يذبح هديه وأضحيته بنفسه . قال الماوردي : إلا المرأة فيستحب لها أن توكل في ذبح هديها وأضحيتها رجلا . قال الشافعي والأصحاب : ويجوز للرجل والمرأة أن يوكلا في ذبحهما من تحل ذكاته ، والأفضل أن يوكل مسلما فقيها بباب الصيد والذبائح والضحايا وما يتعلق بذلك ; لأنه أعرف بشروطه وسننه ، ولا يجوز أن يوكل وثنيا ولا مجوسيا ولا مرتدا ، ويجوز أن يوكل كتابيا وامرأة وصبيا ، لكن قال أصحابنا : يكره توكيل الصبي ، وفي كراهة توكيل المرأة الحائض وجهان ( أصحهما ) لا يكره ، ; لأنه لم يصح فيه نهي والحائض أولى من الصبي ، والصبي أولى من الكافر الكتابي ويستحب إذا وكل أن يحضر ذبحها ، ودليل الجميع في الكتاب ، [ ص: 381 ] قال البندنيجي وغيره : ويستحب أن يتولى تفرقة اللحم بنفسه ، ويجوز التوكيل فيها . والله أعلم .



                                      ( فرع ) قال أصحابنا والنية شرط لصحة التضحية وهل يجوز تقديمها على حالة الذبح أم يشترط قرنها به فيه وجهان ( أصحهما ) جواز التقديم كما في الصوم والزكاة على الأصح ( والثاني ) يشترط قرنها كنية الصلاة والوضوء . ولو قال : جعلت هذه الشاة ضحية ، فهل يكفيه التعيين والقصد عن نية التضحية والذبح ؟ فيه وجهان ( أصحهما ) عند الأكثرين لا يكفيه ; لأن التضحية قربة في نفسها فوجبت فيها النية . ورجح إمام الحرمين والغزالي الاكتفاء لتضمنه النية وبهذا قطع الشيخ أبو حامد . قال حتى لو ذبحها يعتقدها شاة لحم أو ذبحها لص وقعت الموقع ، والمذهب الأول . ولو التزم ضحية في ذمته ثم عين شاة عما في ذمته بني على الخلاف السابق في باب الهدي أن المعينة هل تتعين عن المطلقة في الذمة ؟ وفيه وجهان ( الصحيح ) وبه قطع الأكثرون تتعين ( فإن قلنا ) لا تتعين اشترطت النية عند الذبح ، وإلا فعلى الوجهين . ولو وكله ونوى عند ذبح الوكيل كفى ذلك ولا حاجة إلى نية الوكيل ، بل لو لم يعلم الوكيل أنه مضح لم يضر . وإن نوى عند دفعها إلى الوكيل فقط فعلى الوجهين في تقديم النية . ويجوز تفويض النية إلى الوكيل إن كان مسلما ، فإن كان كتابيا فلا . .



                                      ( فرع ) لا يصح تضحية عبد ولا مستولدة ولا مدبر عن أنفسهم ، إن قلنا بالمذهب الصحيح الجديد إنهم لا يملكون بالتمليك ، فإن أذن لهم السيد وقعت التضحية عن السيد ( وإن قلنا ) يملكون لم يصح تضحيتهم بغير إذن ; لأن له حق الانتزاع ، فإن أذن وقعت عنهم ، كما لو أذن لهم في التصديق ، وليس له الرجوع بعد الذبح ولا بعد جعلها ضحية . وأما المكاتب فلا تصح تضحيته بغير إذن سيده ، فإن أذن فعلى القولين في [ ص: 382 ] تبرعه بإذنه ( أصحهما ) الصحة . وأما من بعضه رقيق فله التضحية بما ملكه بحريته فلا يحتاج إلى إذن ، والله أعلم . .



                                      ( فرع ) لو ضحى عن غيره بغير إذنه لم يقع عنه . وأما التضحية عن الميت فقد أطلق أبو الحسن العبادي جوازها ; لأنها ضرب من الصدقة ، والصدقة تصح عن الميت وتنفعه وتصل إليه بالإجماع . وقال صاحب العدة والبغوي : لا تصح التضحية عن الميت إلا أن يوصي بها ، وبه قطع الرافعي في المجرد ، والله تعالى أعلم . قال أصحابنا : وإذا ضحى عن غيره بغير إذنه ، فإن كانت الشاة معينة بالنذر وقعت عن المضحي وإلا فلا ، كذا قاله صاحب العدة وآخرون ، وأطلق الشيخ إبراهيم المروروذي أنها تقع عن المضحي ، قال هو وصاحب العدة وآخرون : ولو ذبح عن نفسه واشترط غيرها في ثوابها جاز ، قالوا : وعليه يحمل الحديث المشهور عن عائشة { أن النبي صلى الله عليه وسلم ذبح كبشا وقال : بسم الله اللهم تقبل من محمد وآل محمد ، ومن أمة محمد ، ثم ضحى به } رواه مسلم ، والله أعلم .

                                      واحتج العبادي وغيره في التضحية عن الميت بحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه كان { يضحي بكبشين عن النبي صلى الله عليه وسلم وبكبشين عن نفسه ، وقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أن أضحي عنه أبدا فأنا أضحي عنه أبدا } رواه ، أبو داود والترمذي والبيهقي . قال البيهقي : إن ثبت هذا كان فيه دلالة على صحة التضحية عن الميت ، والله أعلم . .



                                      ( فرع ) أجمعوا على أنه يجوز أن يستنيب في ذبح أضحيته مسلما . وأما الكتابي فمذهبنا ومذهب جماهير العلماء صحة استنابته ، وتقع ذبيحته ضحية عن الموكل مع أنه مكروه كراهة تنزيه . وقال مالك لا تصح وتكون شاة لحم . دليلنا أنه من أهل الذكاة كالمسلم .




                                      الخدمات العلمية