الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
[ ص: 515 ] 20- باب: ذكر الآيات اللواتي ادعي عليهن النسخ في سورة النور

ذكر الآية الأولى: قوله تعالى: الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك ، قال عكرمة : هذه الآية في بغايا كن بمكة أصحاب رايات وكان لا يدخل عليهن إلا زان من أهل القبلة أو مشرك ، فأراد ناس من المسلمين نكاحهن فنزلت هذه الآية ، قال ابن جرير فعلى هذا يكون المعنى: الزاني من المسلمين لا يتزوج امرأة من أولئك البغايا إلا زانية أو مشركة ، لأنهن كذلك ، والزانية من أولئك البغايا لا ينكحها إلا زان أو مشرك .

" أخبرنا إسماعيل بن أحمد ، قال: أبنا عمر بن عبيد الله البقال ، قال: أبنا ابن بشران ، قال: أبنا إسحاق بن أحمد ، قال: أبنا عبد الله بن أحمد ، [ ص: 516 ] قال: حدثني أبي ، قال: أبنا هشيم ، وأبنا ابن ناصر ، قال: أبنا ابن أيوب ، قال: أبنا ابن شاذان ، قال: أبنا أبو بكر النجاد ، قال: أبنا أبو داود السجستاني ، قال: أبنا وهب بن بقية ، عن هشيم ، قال: أبنا يحيى ابن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ، في قوله: " والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك ، قال: نسختها الآية التي بعدها وأنكحوا الأيامى منكم قال الشافعي : القول كما قال ابن المسيب إن شاء الله .

[ ص: 517 ] [ ص: 518 ] ذكر الآية الثانية: قوله تعالى: والذين يرمون المحصنات زعم من لا فهم له ، من ناقلي التفسير ، أنها نسخت بالاستثناء بعدها ، وهو قوله تعالى: إلا الذين تابوا وقد بينا في مواضع أن الاستثناء لا يكون ناسخا .

ذكر الآية الثالثة: قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم الآية ، ذهب بعض المفسرين إلى أنه نسخ من حكم هذا النهي العام حكم البيوت التي ليس لها أهل يستأذنون ، بقوله تعالى: ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة .

[ ص: 519 ] " أخبرنا المبارك بن علي ، قال: أبنا أحمد بن الحسين بن قريش ، قال: أبنا إبراهيم بن عمر البرمكي ، قال: أبنا محمد بن إسماعيل ، قال: أبنا أبو بكر بن أبي داود ، قال: أبنا محمد بن قهزاذ ، قال: أبنا علي بن الحسين بن واقد ، قال: حدثني أبي، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال: " يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا الآية ثم نسخ واستثني من ذلك: ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم " .

وهذا مروي ، عن الحسن ، وعكرمة ، والضحاك ، وليس هذا نسخ إنما هو تخصيص .

والثاني: أن الآيتين محكمتان فالاستئذان شرط في الأولى ، إذا كان للدار أهل ، والثانية وردت في بيوت لا ساكن لها ، [ ص: 520 ] والإذن لا يتصور من غير آذن ، فإذا بطل الاستئذان لم يكن البيوت الخالية داخلة في الأولى ، وهذا أصح .

ذكر الآية الرابعة: قوله تعالى: ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ، قال ابن مسعود رضي الله عنه هو الرداء ، وقد زعم قوم: أن هذا نسخ ، بقوله: والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن .

" أخبرنا المبارك بن علي ، قال: أبنا أحمد بن الحسين ، قال: أبنا البرمكي ، قال: أبنا محمد بن إسماعيل ، قال: أبنا أبو بكر بن أبي داود ، قال: أبنا محمد بن قهزاذ ، قال: أبنا علي بن الحسين بن واقد ، قال: حدثني أبي ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما " وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن إلى قوله: ليعلم ما يخفين من زينتهن نسخ ذلك [ ص: 521 ] واستثني من قوله: والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا .

وكذلك قال الضحاك وهذا ليس بصحيح ، لأن الآية الأولى فيمن يخاف الافتتان بها وهذه الآية في العجائز ، فلا نسخ ذكر الآية الخامسة: قوله تعالى: فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم زعم بعضهم: أنها منسوخة بآية السيف وليس هذا صحيحا ، فإن الأمر بقتالهم لا ينافي أن يكون عليه ما حمل ، وعليهم ما حملوا ، ومتى لم يقع التنافي بين الناسخ والمنسوخ لم يكن نسخ .

[ ص: 522 ] ذكر الآية السادسة: قوله تعالى: ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم .

اختلفوا في هذه الآية ، فذهب الأكثرون إلى أنها محكمة .

" أخبرنا إسماعيل بن أحمد ، قال: أبنا عمر بن عبيد الله ، قال: أبنا ابن بشران ، قال: أبنا إسحاق بن أحمد ، قال: أبنا عبد الله بن أحمد ، قال: حدثني أبي ، قال: أبنا عفان ، قال: أبنا أبو عوانة ، قال: أبنا أبو بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال: " هذه الآية مما تهاون الناس به ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم وما نسخت قط قال أحمد : وأبنا وكيع ، عن سفيان ، عن موسى بن أبي عائشة ، عن الشعبي " ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم ، قال: ليست منسوخة " .

وهذا قول القاسم بن محمد ، وجابر بن زيد .

فقد أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: ابنا عمر، قال: ابنا ابن بشران، قال: ابنا إسحاق بن أحمد، قال: بنا عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، قال: بنا هشيم، قال: بنا شعبة، عن داود ابن أبي هند، عن ابن [ ص: 523 ] المسيب، قال: هذه الآية منسوخة.

وقد روي عنه أنه قال: هي منسوخة بقوله: وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا وهذا ليس بشيء ، لأن معنى الآية: وإذا بلغ الأطفال منكم أي: من الأحرار الحلم فليستأذنوا ، أي: في جميع الأوقات في الدخول عليكم كما استأذن الذين من قبلهم يعني كما استأذن الأحرار الكبار الذين بلغوا قبلهم ، فالبالغ يستأذن في كل وقت ، والطفل والمملوك يستأذنان في العورات الثلاث .

[ ص: 524 ] ذكر الآية السابعة: قوله تعالى: ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم هذه الآية كلها محكمة ، والحرج المرفوع عن أهل الضر مختلف فيه ، فمن المفسرين من يقول: المعنى: ليس عليكم في مواكلتكم حرج ، لأن القوم تحرجوا ، وقالوا: الأعمى لا يبصر موضع الطعام الطيب ، والمريض لا يستوفي الطعام ، فكيف نواكلهم ، وبعضهم يقول: بل كانوا يضعون مفاتحهم إذا غزوا عند أهل الضر ، ويأمرونهم أن يأكلوا فيتورع أولئك عن الأكل فنزلت هذه الآية ، [ ص: 525 ] وأما البيوت المذكورة فيباح للإنسان الأكل منها لجريان العادة ببذل أهلها الطعام لأهلهم ، وكل ذلك محكم ، وقد زعم بعضهم: أنها منسوخة بقوله: لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وليس هذا بقول فقيه .

[ ص: 526 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية